فبراير 17, 2024 - 16:55
الهجوم على رفح.. هل ستشعل منطقة الشرق الأوسط بحرب إقليمية واسعة؟

توفيق سلاّم

تصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو بمواصلة تصعيد الحرب، وتهديداته بإطلاق عملية عسكرية برية على رفح، ومحور صلاح الدين (فيلادلفيا) جنوب قطاع غزة في المنطقة الحدودية مع مصر، يأتي في سياق مسلسل استكمال جريمة الإبادة الجماعية، في حرب شعواء مقاصدها التطهير العرقي للشعب الفلسطيني في غزة، لتضاف جريمة جديدة إلى سجل الجرائم الصهيونية، وجرائم بايدن ومشاركته المعلنة في حرب الإبادة.  وتعتبر تصريحات بايدن، مثار انتقاد الأوساط السياسية ووسائل الإعلام عندما يقول " أنا لا أوافق على شن عملية عسكرية في رفح، دون خطة عسكرية تضمن حياة المدنيين" هذا ضوء أخضر لاستمرار جريمة الإبادة الجماعية في قتل السكان المدنيين، وتكشف عن حجم التواطؤ الدولي والعربي والإسلامي  في مواجهة الإجرام الصهيوني الغاشم، ومحاولاته تصفية القضية الفلسطينية، وسط صمت دولي مطبق.. يحاول نتنياهو بعد فشل قواته عن تحقيق أي نصر إقناع المستوطنين، والمجتمع الدولي، وخصومه في الداخل الإسرائيلي بإدعائه من اقترابه من تحقيق نصر على حماس. حيث تحتدم المعارك في قطاع غزة رغم التحذيرات الدولية لاجتياح بري  يعتزم الجيش الإسرائيلي تنفيذه في رفح، فيما يستمر التصعيد الإقليمي مدفوعًا بانخراط متزايد لواشنطن في الصراع. فالهجوم على رفح قد يشعل المنطقة بحرب إقليمية، بدأت تلوح في الأفق، ففي الضفة الغربية تقوم القوات الإسرائيلية بالاقتحامات والاغتيالات شبه اليومية، وعلى جبهة لبنان المشتعلة ترتفع وتيرة القصف المتبادل بين إسرائيل وحزب الله، فيما تستأنف واشنطن ولندن هجماتهما ضد اليمن على جبهة البحر الأحمر في وقت تؤكد صنعاء بأنها ستقابل التصعيد بمزيد من التصعيد، وفي العراق وسوريا يسود الترقب بعد الهجمات الأمريكية ومعاودة فصائل عراقية استهداف القواعد الأمريكية في العراق، وعلى الحدود المصرية تحشد مصر قواتها تحسبًا لأية مواجهة قادمة، قد تضطرها لدخول المعركة.

غارات عنيفة على رفح

في الوقت الذي لا يكترث نتنياهو وحكومته للتحذيرات الدولية، ولا يقيما وزنًا للقوانين، ولا لمحكمة العدل الدولية التي ضرب باجراءاتها على الحائط، وهو ماضٍ في غيه وإجرامه الذي لا يردعه رادع. وقد قام الجيش الإسرائيلي في صباح يوم 11 فبراير الجاري بشن غارات عنيفة على رفح موقعًا مجزرة جماعية من القتلى المدنيين. وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفاء" بمقتل أكثر من 100 شخص وإصابة المئات جراء الغارات الإسرائيلية التي استهدفت المنازل السكنية والمساجد في مدينة رفح. وقال الهلال الأحمر الفلسطيني إن مدينة رفح شهدت قصفًا إسرائيليًا عنيفًا تركز على وسط المدينة، فيما أفادت وكالة "وفاء" نقلاً عن مصادر محلية بتنفيذ الطيران الإسرائيلي أربعين غارة على المدينة، تزامنًا مع قصف مدفعي مكثف. وإلى ذلك قالت حركة حماس في بيان لها "إن الهجوم على رفح يعني استمرار حرب الإبادة الجماعية، ومحاولة التهجير القسري للفلسطينيين، وحملت حركة حماس إدارة بايدن المسؤولية عن المجازر ومنح الضوء الأخضر بشن عملياته العسكرية". ودعت حركة حماس المنظمات الدولية التحرك العاجل لوقف جرائم الإبادة الجماعية.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو قد أكد أن "عدم اجتياح رفح يعني خسارة الحرب، وضمان بقاء حماس في قطاع غزة. مشددًا على ضرورة السيطرة الأمنية على غزة".
ويدعو إلى مقاومة الضغوط الخارجية، حتى الأمريكية منها، وقال :" نحن في طريقنا إلى النصر، وسيستغرق الأمر وقتًا أطول، لكنه لن يستغرق سنوات، عكس ما يقولون أنه في متناول اليد". ويضيف "إنها معركة صعبة، لكنها معركة انتصرنا فيها، وتابع حديثه " نحن في الواقع نريد تحقيق نزع السلاح في القطاع، وهذا يتطلب منا السيطرة الأمنية والمسؤولية الأمنية العليا على كامل منطقة غرب الأردن، بما فيها قطاع غزة، ولا يوجد بديل له في المستقبل المنظور"  ويواصل الحديث " نقول هذا للمجتمع الدولي وللرئيس الأمريكي،  ولجميع القادة، لا بديل عن ذلك".     
من جهته قال وزير الدفاع الإسرائيلي جالانت إن تعليق العملية العسكرية في القطاع يقرب إسرائيل من التوصل إلى اتفاق واقعي لتبادل الأسرى" وفي زاوية أخرى من مكان اجتماع الحكومة، قال وزير الدفاع جالانت " إنه يتضمن أسلحة ووثائق، لحركة حماس تمت السيطرة عليها خلال الاجتياح البري للقطاع".
تحاول إسرائيل المتهمة بالفشل، تقديم صورة مغايرة وخادعة لانتصارها في معرض عبر فيديو سربته لأسلحة ووثائق، تحاول تقديم اثباتات لتغطية فشلها، بنجاح العملية العسكرية وضرورة استمرارها. لكن مثل هذه الفبركات الإعلامية هي مضللة للرأي العام، عن  حقيقة ما يجري في الميدان، ففشل الجيش الإسرائيلي بات مسألة مؤكدة، ونتنياهو بنفسه صرح بذلك بدراية أو من من دون دراية عندما قال"  عدم اجتياح غزة يعني خسارة الحرب" وهذا يعني لم تحقق شيئًا من أهدافها أهدافها المعلنة بتصفية المقاومة، واستعادة الأسرى، وهي تدخل شهرها الخامس دون أي نتائج سوى الفشل والهزائم أمام ضربات المقاومة التي تكبد الجيش الإسرائيلي مرارة الهزائم، وتسحق آلاته ومعداته العسكرية في كل الجبهات. أما استهداف المدنيين وقتلهم عمدًا هو الهدف الرئيس للحرب، إلى جانب تفكيك المقاومة وتدمير المدن، وكل مقومات المجتمع.

اتفاق الإطار 
 
تأتي تصريحات نتنياهو الهستيرية عقب تلقي إسرائيل رد حركة حماس على "اتفاق الإطار" المقدم من الوسطاء في اجتماع باريس الذي جمع الوسطاء ( مصر وقطر، وأمريكا) بالإضافة إلى وفد من حماس، ووفد من إسرائيل على طاولة واحدة. 
وهنا لابد من الإشارة بأن الرسائل المتبادلة بين المقاومة والاحتلال سواء عبر الوسطاء أو عبر الميدان، تؤكد بأن أهداف المعركة تغيرت من القضاء على المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس، إلى تعزيز موقف المتفاوضين وتحسين شروط التفاوض على الطاولة، التي بدأت أعمالها في باريس في 28 كانون الثاني/ يناير الفائت، واستأنفت أعمالها في القاهرة، باستضافتها نائب رئيس حركة حماس في غزة خليل الحية، إلى جانب الوسيط المصري والقطري، لمناقشة الرد الإسرائيلي على شروط حركة حماس.
فالتصعيد خلال الأيام الأخيرة، أكد أن طاولة المفاوضات باتت محور اهتمام المتصارعين لتحسين شروط التفاوض على الطاولة، وليس لتحقيق الأهداف الحالمة، التي قدمها نتنياهو في خطاباته لحلفائه وخصومه في الساحة الإسرائيلية المنقسمة على نفسها.
ويبدو أن طاولة المفاوضات باتت محور الاهتمام الأكبر، بعد أن استبدلت أهداف الحرب الإسرائيلية المعلنة بطاولة المفاوضات وإطارها العام، للوصول إلى هدنة لوقف القتال، لاسيما بعد فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، بفعل صمود المقاومة الباسلة، بالإضافة إلى  كثافة العمليات العسكرية  بقصف المقاومة ميناء اسدود شمال غزة، وضربات حزب الله لمواقع إسرائيلية شمال فلسطين، واستهداف القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا، وتصعيد جبهة البحر الأحمر التي تفرض فيها اليمن حصارًا خانقًا على السفن الإسرائيلية، أو تلك المتجهة إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة بمنع عبورها في البحر الأحمر وبحر العرب. فالتصعيد الأمريكي فرض واقعًا جديدًا، لا سيما بعد قيام الطيران الأمريكي البريطاني بشن غارات بشكل مستمر على اليمن، وهو ما يجعل المنطقة قابلة للاشتعال بحرب إقليمية توشك شرارتها أن تندلع جراء هذا التصعيد الغاشم، وتوتير الأجواء، وهو الأمر الذي تواجهه اليمن بالتصعيد المضاد، بالتزامن مع هجمات الولايات المتحدة وبريطانيا على اليمن.

فالتصعيد على رفح، تأمل من خلاله إسرائيل تحقيق أهدافها، التي قدمها نتنياهو في خطاباته لحلفائه وخصومه في الساحة الإسرائيلية المنقسمة على نفسها، وهي في مجملها رسائل تصعيد، تعددت وجهاتها للشارع الإسرائيلي، وللمعارضة ولحكومة الطوارئ ولدول الإقليم، إلا أن الوجهة الحقيقة لهذه التصريحات كانت طاولة المفاوضات والوسطاء المجتمعين في القاهرة مع نائب رئيس حركة حماس خليل الحية؛ فما يبحث عنه الاحتلال دور عربي وأممي على محور صلاح الدين (فيلادلفيا) يمتد على  كامل الحدود مصر، في عملية استكمال لجرائم الإبادة الجماعية والتهجير القسري للسكان إلى الأراضي المصرية، وترمي بهذه الكارثة الإنسانية بدرجة رئيسة على مصر.

جهود إنهاء الحرب 

 يتابع الفلسطينيون في قطاع غزة، باهتمام كبير ما يدور من مباحثات سرية، وما يصاحبها من تصريحات علنية، وأنباء منسوبة لمصادر مطلعة أو موثوقة، تتحدث عن إمكانية التوصل لاتفاق تهدئة، بعد إعلان حركة حماس تعاملها بإيجابية مع صيغة جرى وضعها خلال مباحثات شاركت فيها أطراف الوساطة العربية "مصر وقطر" مع الإدارة الأمريكية وممثلين عن إسرائيل، في العاصمة الفرنسية مؤخرًا.
 التعقيدات، التي تؤخر الجهود الرامية لإنهاء الحرب، يجري استغلالها من قبل سلطة الاحتلال، في المضي في عمليات التدمير والقتل الممنهج ضد قطاع غزة وسكانه.
بالرغم من الإعلان عن تسليم حركة حماس ردها "الإيجابي" على مقترحات التهدئة الجديدة، التي أعلنت عنها الحركة في بيانها الرسمي أنها تعاملت بروح إيجابية مع المقترح بما يضمن وقف إطلاق النار الشامل والتام، وإنهاء العدوان على الشعب الفلسطيني، وتحقيق الإغاثة والإيواء والإعمار ورفع الحصار عن قطاع غزة، وإنجاز عملية تبادل الأسرى".
وتلا ذلك أن أرسلت الحركة وفدًا قياديًا إلى العاصمة المصرية القاهرة، للتباحث مع المسؤولين، في تفاصيل "اتفاق الإطار". 
فالرد الذي قدمته حماس الذي يستند، إلى ثلاث مراحل:
 تبدأ بانسحاب جيش الاحتلال من القطاع إلى مناطق الحدود، ويتزامن ذلك مع بدء صفقات تبادل الأسرى، بأن تشمل صغار السن والنساء، وتتطور في المراحل القادمة لتشمل الجنود، على أن يترافق ذلك مع عودة النازحين وتأمين سكنهم، وطلبت الحركة كذلك بالشروع بعملية إعادة إعمار قطاع غزة، كما طلبت بضمانات من الأمم المتحدة بالتزام إسرائيل بالاتفاق.
وقد أعلن غازي حمد القيادي في حركة حماس، أن الكثير من القضايا في اتفاق الإطار، لم تكن واضحة وغامضة، وأنه بسبب ذلك جرى استغراق وقت للرد عليها، وقال:" رئيس وزراء الاحتلال يحاول إيهام الجميع بأنه حقق، أو سيحقق نصرًا للحفاظ على ائتلافه الحكومي، وأشار إلى أن لدى حماس توجه للإفراج عن أكبر عدد ممكن من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وأشار إلى أن الحركة طالبت بضمانات دولية لتنفيذ اتفاق الإطار مع إسرائيل.
من جهته قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن "الانسحاب الإسرائيلي إلى خارج حدود قطاع غزة وارد في رد المقاومة على ورقة الوسطاء، وأكد أن أعداد الأسرى الذين سيفرج عنهم تبحث في التفاصيل والمفاوضات اللاحقة، لافتًا إلى أن هناك أسماء بارزة يجب التمسك بها"، وقال "ردنا أكد على الثوابت الأساسية وتشمل وقف العدوان والانسحاب من غزة وإعادة الإعمار". وأوضح أن المرحلة الأولى تشمل الإفراج عن المدنيين والمرضى وكبار السن من الأسرى، مؤكدًا أن الرد على اتفاق الإطار "جاء متوافقاً في جوهره مع ثوابتنا مع تعديلات طفيفة في الصياغة". وأشار كذلك إلى أن المقاومة أدخلت على اتفاق الإطار الذي جرى وضعه خلال اجتماع عقد في باريس قبل عدة أيام "المبادئ الأساسية التي تمسكت بها".
وقال "طلبنا أن تكون الأمم المتحدة ضامنة للمرحلة الأولى من الاتفاق بشأن الإيواء والنازحين"، وأضاف "رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، يمكنه أن يعطل ويناور، لكن ملف الأسرى الإسرائيليين والتوتر الإقليمي يضغطان عليه". وتوقع في سياق حديثه "أن يستمر التصعيد الإسرائيلي، وقال "إن إسرائيل ستناور تحت الضغط"، مؤكدًا:" أن المقاومة ما زالت متحكمة بالميدان"، وأكد بأنه "لن يستطيع أحد أن يفرض علينا كيف سيكون اليوم التالي للحرب"، وأضاف "ثابتون على الموقف الأساسي بوقف العدوان والانسحاب والإغاثة والإعمار ورفع الحصار وننتظر رد العدو".
وجاء رد حماس بالتزامن، مع بداية لقاءات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في المنطقة، حيث أعلن بلينكن تسلم رد حماس، ونقله إلى إسرائيل، وقال "قد نتوصل إلى هدنة طويلة تتيح تحرير الرهائن" في الوقت الذي 
 صرح رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، عن تسلم بلاده ردًا من حماس بشأن "اتفاق الإطار"  يتضمن ملاحظات، وقال إنه في مجمله "إيجابي" وأشار إلى أن "رد حركة حماس يبعث على التفاؤل، ولن نخوض في التفاصيل الآن لحساسية المرحلة".
وفي السياق ذاته، أكدت القوى الوطنية والإسلامية، على أولوية "وقف فوري لحرب الإبادة" التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني من خلال القتل والتدمير. وطالبت بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي بإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.

استثمار الوقت

الوقائع على الأرض تشير إلى أن إسرائيل تناور بعامل الوقت، من خلال رفع مستوى التصعيد، حيث أعلن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، إنه لم يوافق على طلب حماس بشأن عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم، وقال "علينا انهاء الحرب على غزة بانتصار مطلق" زاعمًا أن جيشه وخلال أربعة أشهر "قام بالقضاء على عدد كبير جدًا من نشطاء حماس في غزة"، وصرح بأنه أصدر تعليمات للجيش، بالتحرك نحو رفح للقضاء على كتائب القسام، مطلقًا تهديداته بإخلاء السكان،
جاء ذلك، بعد أن أعلن بيني غانتس، عضو مجلس الحرب في دولة الاحتلال، أنهم ماضون في التوصل لخطة استعادة الأسرى، مؤكدًا "أن السيطرة الأمنية في قطاع غزة ستبقى للجيش". 
ورغم الفشل المحقق، إلا أن إسرائيل تصعد من مجريات الحرب، من خلال استمرارها في القصف المركز والعنيف على قطاع غزة، حيث كثفت من هجماتها الجوية على العديد من الأهداف في مدينة رفح المكتظة بالسكان، التي تأوي أكثر من 1.4 مليون نسمة، ما أسفر عن وقوع ضحايا وإصابات وإحداث خراب كبير في الأبنية والبنى التحتية.

رفح في مرمى الاستهداف


تصريحات نتنياهو باستهداف رفح، يدغدغ فيه أحلام اليمين الإسرائيلي المتطرف، وداعميه في الإئتلاف الحاكم (سموتريتش، وبن غفير)، بقوله:" سيغير وجه الشرق الأوسط"، على أمل أن يعطيه ذلك مزيدًا من الوقت لتحقيق أهداف عجز عن إنجازها، رغم دخول الحرب على غزة شهرها الخامس.
نتنياهو الذي عجز عن حسم المعركة في غزة وخان يونس طوال الأشهر الأربعة الماضية، لن يحسمها في رفح خلال شهر، وجل ما يريده هو ممارسة ضغوط على حركة حماس ومصر باستهداف النازحين في رفح، لتهجيرهم إلى منطقة المواصي، وفلادلفيا على الحدود المصرية، لفرض واقع مأسوي جديد في ارتكابه إبادة جماعية بحق السكان المدنيين، وهو الهدف الرئيس لإسرائيل  في التطهير العرقي للفلسطينيين، وتهجيرهم خارج وطنهم، في عملية إزالة لوجودهم، ومن ثم الضغط على مصر بتحمل تراجيديا هذه المأساة الإنسانية وفتح سيناء موطنًا جديدًا بديلاً عن فلسطين.
وكانت إسرائيل قبل ذلك تصنف رفح على أنها آمنة، وتطلب من النازحين الذهاب والإقامة بها. ولذلك زاد الحديث في الشارع الغزي عن إمكانية أن تصعد قوات جيش الاحتلال من حربها الدامية التي دخلت شهرها الخامس، وأن توقع المزيد من الضحايا المدنيين، استغلالاً للوقت، وانتقامًا من الفلسطينيين بالتطهير العرقي في حرب صهيو-أمريكية شعواء، لإنهاء الوجود الفلسطيني. إذ تسعى حكومة اليمين المتطرف إلى توسيع نطاق عملياتها العسكرية على رفح، وتقول القوات الإسرائيلية أنها جاهزة، لساعة الصفر، وأنها تنتظر أوامر قيادتها.
 وكانت قوات العدو في الأيام الأخيرة، قد كثفت من هجماتها البرية العنيفة على مدينتي غزة من الجهة الغربية، وضد مدينة خانيونس التي تتعرض لهجوم بري عنيف من شرقها إلى غربها. وأكد شهود عيان من مدينة غزة أن القوات المتوغلة واصلت رغم الحديث عن وجود تقدم إيجابي في مباحثات التهدئة، وإجبار سكان غزة والشمال على النزوح القسري إلى مدينة دير البلح وسط القطاع وإلى رفح جنوبًا، ومنطقة المواصي الحدودية.
كما قامت قوات جيش الاحتلال بتدمير مئات المنازل والوحدات السكنية، بالإضافة إلى حرق مساكن أخرى، ونفذت غارات على شكل "أحزمة نارية" تلتها اقتحامات لأحياء غرب غزة، والتنكيل بالسكان، واعتقال الكثير منهم.
 سكان يقطنون مناطق غرب غزة، أكدوا بأن هناك عمليات تدمير كامل لمربعات سكنية، لافتين إلى أن هذه العملية العسكرية البرية، تعد أعنف من سابقتها، خاصة بعد نفاد أطعمتهم وعدم قدرتهم على الحركة خارج المنازل، بسبب التحليق المكثف للطيران الحربي، الذي يطلق النار على كل متحرك.

منظمة الأونروا
منظمة الأونروا التي أصبحت هي الأخرى مستهدفة من قبل الجيش الإسرائيلي، حيث تعرضت معظم المدارس التي تأوي النازحين لللقصف، ولم تعد تستطيع القيام بمهامها، خاصة بعد اتهامها بأن بعض موظفيها كانوا مشاركين في هجمات طوفان الأقصى، كما تتهم إسرائيل الأونروا بأن هناك أنفاق تحت مقرها.. هذه وغيرها من الاتهامات هو جعل الاتحاد الأوروبي يقطع عنها المساعدات، حتى نهاية فبراير.. وهذا الإجراء التعسفي يندرج ضمن تضييق الخناق والحصار الاقتصادي على قطاع غزة تجبره على المغادرة والرحيل. 
ومؤخرًا أعلنت وكالة "الأونروا" أن هناك حاجة ماسة إلى إيصال المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومستدام إلى كل مكان بما في ذلك شمال غزة، مؤكدة أنه لا يمكنها تقديم المساعدات الإنسانية تحت النار. وفي السياق، فقد صعدت قوات الاحتلال من هجومها البري على مدينة خانيونس، حيث نفذ الطيران الحربي والقوات المتوغلة مئات الهجمات، التي أوقعت مجازر جماعية جديدة. 
ومن بين هؤلاء العديد من النازحين الذين كانوا يقيمون في مشافي ناصر والأمل، الذين أجبروا على تركها بعد محاصرتها من قبل قوات الاحتلال.

رد إسرائيل على اتفاق الإطار 

لم ترد إسرائيل رسميًا بعد على رد حركة حماس تعقيبًا على "اتفاق الإطار" المقترح من قبل الوسطاء، فيما تفيد تسريبات إسرائيلية أن اجتماع مجلسي الحرب والمجلس الوزاري المصغر شهدا نقاشات ساخنة بين وزراء يريدون التقدم نحو صفقة وبين وزراء يرفضونها. تزامن ذلك مع وصول بعثة من القاهرة لتل أبيب قيل إنها جاءت للتباحث في كيفية الدفع نحو صفقة تبادل جديدة.
غير أن الهدف غير المعلن لا يقل أهمية ويرتبط برغبة وضغوط إسرائيل على مصر من أجل الموافقة على توغلها في رفح وفي محور صلاح الدين الحدودي (فيلادلفيا) ، وقبول مصر بفتح المعابر لتهجير اللاجئين الفلسطينيين إلى سيناء، وهو سيناريو وارد كررت الولايات المتحدة طلبها لمصر بالموافقة عليه تقول واشنطن "لمرحلة مؤقتة"، وهي بذلك تريد الهروب للأمام بعدم تحمل مسؤوليتها، وتعتبر ذلك كارثة إنسانية كبيرة بسبب تدكس أعداد كبيرة من السكان واللاجئين داخل بقعة صغيرة في رفح. فيما يؤكد نتنياهو إنه "من غير الممكن تحقيق هدف الحرب المتمثل في القضاء على حماس، وإبقاء أربع كتائب لحماس في رفح" زاعمًا أنه من الواضح أن عملية واسعة النطاق في رفح تتطلب إخلاء المدنيين من مناطق القتال. ومضى نتنياهو في تصريحاته: "لهذا السبب أوعز رئيس الحكومة للجيش وأجهزة الأمن، بتجهيز خطة مزدوجة وعرضها على الكابينيت، لإخلاء السكانّ (من رفح) وتفكيك كتائب حماس فيها".

مصر تحت الخطر 

يرى مراقبون أن ضرب منطقة رفح، والتهديد باقتحامها يندرج ضمن ضغوط ومساومات ضمنية لنتنياهو على حماس والوسطاء من أجل خفض سقف التوقعات في أي صفقة مقترحة.
الخارجية المصرية، ردت بتصريح لها أن مصر ترفض الدعاوى الإسرائيلية لتنفيذ عملية عسكرية في مدينة رفح بقطاع غزة، وتحذر من عواقبها الوخيمة.
وأضافت الخارجية في بيان لها صدر الأحد 11 فبراير الجاري، نطالب بتكاتف جميع الجهود لمنع استهداف مدينة رفح التي باتت تؤوي نحو 1.4 مليون فلسطيني بالإضافة إلى أعداد كبيرة من النازحين إليها.
 ولعل ما يفسر الرفض المصري، لأي تصعيد على حدودها البرية، وفرض أمر واقع بقبول المهجرين، هو ما دفع بمصر إلى إرسال تعزيزات نحو المناطق الحدودية مع غزة، بأعداد من الجنود وآلايات عسكرية، ووضع حواجز وسواتر من الكثبان الرملية.   في حين تمضي إسرائيل على تنفيذ مخططها، وقد بدأت منذ صباح 11 فبراير بتنفيذ هجماتها على رفح. إذًا العدو الإسرائيلي يتجه لمواصلة الحرب من دون اكتراث بالكارثة، الذي سيلقي بها على مصر  بدأت تستشعر الآن مخاطرها وتداعياتها.

وبناء على ما سبق فإن نتنياهو سيحاول كسب الوقت وإطالة أمد الحرب ليس فقط من أجل إطالة عمر ائتلافه الحاكم، بل إمعانًا في تطبيق رؤيته القاضية بالانتقام من الفلسطينيين، ومحاولة كي وعيهم بـ "نكبة ثانية" داخل القطاع يطمع فيها بتدمير غزة لا حماس فحسب، وفي المقابل ترميم وعي الإسرائيليين المتشظي منذ "طوفان الأقصى"، وقطع الطريق على فكرة تسوية الدولتين التي باتت تطرح بقوة في العالم ومن قبل حليفة إسرائيل–الولايات المتحدة- أكثر من الماضي. 
 في السياق قالت صحيفة "نيويورك تايمز" نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين "إن التخطيط الإسرائيلي للهجوم على رفح سيستغرق بعض الوقت على الأرجح، وأضافت نقلاً عن المسؤولين الإسرائيليين أن "الجيش لا يزال يعمل على خططه لاجتياح رفح والخطط لم تعرض بعد على نتنياهو".
ويبدو أن واشنطن تمارس ضغوطًا على الحكومة المصرية بقبول المهجرين "لفترة مؤقتة"، وفي حال موافقة مصر على هذه الخطة التي تسعى من خلالها إسرائيل إلى تحقيق أهدافها المرجوة.
 اتساع نطاق التوتر يشمل الوسيط المصري، الذي حذر من اجتياح جيش الاحتلال لمدينة رفح.
للنزول عند شروطه باتفاق هدنة لا يمتد لوقف إطلاق النار، يستبدل فيه المقاومة في قطاع غزة بدور عربي وأممي لإدارة المعابر والقطاع، بديلاً لحكومة وحدة أو تكنوقراط مقترحة تضم السلطة والمقاومة.
الضغوط الإسرائيلية قابلتها رسالة نقلها رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى المسؤولين في البيت الأبيض الأسبوع الماضي، بحسب زعم موقع "واللا" العبري، بأن قادة حماس شددوا خلال محادثات معهم، أنهم يدعون إسرائيل إلى تنفيذ تهديداتها بالعمل في رفح، وأضاف الموقع أن رسالة حماس، مفادها أن إسرائيل لن تحقق شيئًا بواسطة عملية عسكرية كهذه، وأنها ستأتي إلى المفاوضات بشروط أفضل للحركة.