فبراير 12, 2024 - 18:00
الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب الإجرامية على غزة


  
توفيق سلاّم

رفع الصهاينة شعار تدمير حماس والقضاء عليها، وتحرير الأسرى كنقطة تقف عندها الحرب. كان هذا الإعلان متزامنًا بعوامل الغرور في استعراض القوة الأمريكية، لحاملات الطائرات والغواصات والبوارج والسفن الحربية والفرقاطات، قبل أن يستفيق نتنياهو من سكرته، ولم يصح فيها ضباطه في غلاف غزة المحتل في يوم عيد الغفران.

زلزال 7  أكتوبر

هجوم السابع من أكتوبر كان زلزالاً عنيفًا هز أركان الكيان المحتل وارتعشت دول الإمبريالية الغربية هلعًا، في ساعات مريرة تلبك فيها جو بايدن، وكثف من اتصالاته بين دقائق الوقت. وأخيرًا، أسرع لإسرائيل ليشد من أزرها ويرمي بساحة المعركة مئات من الجنود الأمريكيين إلى حين تجميع الجيش الإسرائيلي نفسه وتنظيم صفوفه. كان بايدن للتو قد أصدر أوامره الفورية بتسيير حاملات الطائرات والذخائر والقوات من الدول العربية الأقرب الأردن والعراق ودول الخليج لتحمل مئات الآلاف من القذائف المحرمة دوليًا لتصل إلى إسرائيل في اليوم الثاني أو الثالث من بدء طوفان الأقصى الذي كبد العدو خسائر فادحة، واسقط هيبته بعمليات فدائية نوعية جسورة وشجاعة، تخطت أسوار وموانع التحصينات العسكرية، والوسائل التقنية، وأجهزة الرصد والمتابعة، وأجهزة الأمن والاستخبارات، والأقمار الصناعية الحديثة.. تلك العمليات حطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر واسقطت المعادلة "الكاذبة" التي ظل العدو يروج ويتشدق بها لسنوات، ليسقط في غضون ساعات أمام كتائب مسلحة، بأسلحة متوسطة، وفي 72 ساعة تقريبًا أفقدت كتائب القسام المهاجمة التي لا يتجاوز عددها ألف شخص العدو الصهيوني توازنه، وتماسكه، ولم يستطع الجيش الإسرائيلي لملمة صفوفه فقد ساد الاضطراب تجمعاته ومواقعه، واشتبكت بعض وحدات العدو في قتال بعضها البعض، فيما قام الطيران الحربي الإسرائيلي بقصف قواته الصديقة، ما أسفر عن ضحايا بأعداد هائلة في صفوف الجيش الإسرائيلي.    
وازاء هذا الوضع الملتبس أطلق نتنياهو نداءات استغاثة عاجلة إلى الولايات المتحدة يطلب نجدتها، وساد الذعر والارتباك في أوساط قيادة الجيش العليا، في حين كانت  صفوف الجيش الإسرائيلي في حالة من الفوضى والتشتت، ولم يتمكن قبل مضي أسبوع من التقاط أنفاسه، وإعادة تنظيم وحداته.. ثلاثة أيام قاسية، كانت المعارك على أشدها في مستوطنات غلاف غزة بين مقاتلي من كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس وبين الجيش الإسرائيلي المرعوب من هول الصدمة  التي لم تكن في حسبانه على الإطلاق.

فشل الجيش الإسرائيلي
 
يشير الكاتب يوسي ميلمان المعلق في شؤون الأمن والاستخبارات الإسرائيلية إلى أن أحد أسباب تعثر الجيش في تحقيق هدف الحرب هو أن الحكومة لم تحدد أهدافاً دقيقة وواقعية لها، بالتالي، فإن إسرائيل لا تملك أية استراتيجية أو تصور لإنهائها". لقد أخفقت إسرائيل في الوصول إلى أهدافها، عندما وضعت نفسها في نسق المواجهة في حرب برية، لن تحسم أمرها لعشرات السنين. ومثل هذه الحروب جربتها الولايات المتحدة في عدد من البلدان وفشلت، ومنها على سبيل المثال: في فيتنام وأفغانستان. ومازال نتنياهو ينساق وراء الوهم، في استطاعته حسم المعركة لصالحه، وكل يوم تخيب آماله، مع انكسارات جيشه في المواجهة مع فصائل المقاومة الفلسطينية، ويعتقد بأن تصريحاته بتصعيد الصراع في رفح ستحدث تغييرًا أو حلحلة في دينامية قواته التي دخلت في طور الإحباط واليأس والانكسار جراء هزائمه النكراء أمام صمود وثبات المقاومة الوطنية، التي تلقنه دروس البطولة والفداء، في معارك الشرف والتضحية والفداء دفاعًا عن أرضها وكرامتها، وحقها الشرعي في مقاومة المحتل الغاصب، وتحرير الأرض من دنسه، في معارك التحرير والاستقلال لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة على ترابها الوطني الفلسطيني.
يعتقد نتنياهو أن تصريحاته التي سئم منها الشارع الإسرائيلي سماعها، فهو يلوك لغة الفشل والاحباط "بأن الحرب ستستمر عدة أشهر حتى تحقيق النصر المطلق"، فعن أي نصر يتحدث هذا العجوز المتهالك، وقيادة الجيش ترفع له التقارير عن استحالة تحقيق أي نصر، وهذا هو لب الخلاف بين جالانت ونتنياهو الذي يريد نصرًا من السماء، والامتناع عن مناقشة "اليوم التالي"، لأسباب سياسية شخصية متعلقة به شخصيًا وبمراكز نفوذه. إلا أن استمرار الحرب أيضًا تتقاطع مع رغبة وزير الأمن جالانت، وقائد الجيش هليفي، اللذين يؤيدان استمرارها في رفح، لتغطية فشلهما العسكري في الخطط الميدانية.

مفاوضات بشأن الهدنة

هناك مفاوضات تجري في باريس بدأت مداولاتها في 28 كانون الثاني/ يناير الفائت على الطاولة التي تجمع الوسطاء من مصر وقطر والولايات المتحدة، وممثلين عن حماس، وكذا عن الكيان الصهيوني، وانتقلت هذه المفاوضات الخميس الماضي إلى القاهرة، باستضافتها وفد برئاسة نائب رئيس حركة حماس في غزة خليل الحية إلى جانب الوسيط المصري والقطري لمناقشة الرد الإسرائيلي على شروط حركة حماس بشأن وقف الحرب، بضمانات الأمم المتحدة، وتبادل الأسرى على مراحل ثلاث واعمار غزة  وخروج القوات الإسرائيلية من القطاع.. الخ.. بينما تناور إسرائيل على هدنة لمدة شهرين يتم خلالها الإفراج عن الأسرى، والسماح بإدخال المساعدات الاغاثية أو حتى أربعة أشهر غايتها الرئيسة، إطلاق الأسرى الاسرائيليين، من قبضة حماس. وهذه المسألة تؤرق كاهل حكومة نتنياهو، لاخماد ثورة الغضب الداخلي للمستوطنين، وتهدد وضعه السياسي في السلطة.
 تحقيق هذا الهدف دون "وقف الحرب" بشكل نهائي يعتبر انجازًا لإسرائيل، حتى وإن قابل ذلك باشتراط السماح بإدخال المساعدات الإغاثية، تحت "الهدنة المؤقتة".  في هذه الحالة تكون إسرائيل قد حققت أحد أهدافها، وهو ما ستعتبره نصرًا لها. وعلى ما يبدو بأن الحرب على غزة لن تتوقف، بل سيتغير شكلها فقط، وهو أمر تريده واشنطن وتل أبيب، في سياق المراهنة على القضاء على "حماس"، وهذا ما تؤكده تصريحات المسؤولين الاسرائيليين بأن الحرب ستستمر لأشهر  قادمة، ربما ذلك يندرج ضمن الحروب النفسية، عن قدرة إسرائيل على الاستمرار في الحرب رغم انهيار وضعها الداخلي وأزماتها الاقتصادية. إلا أن اليهود الصهاينة يريدون الاستمرار في حرب بربرية للتطهير العرقي للفلسطينيين، وسقفهم عالٍ في هذا الشأن بفضل الدعم الأمريكي غير المحدود، وهي الآن تقوم بمسألتين القتل العمدي الغاشم،  وتهجير السكان قسريًا، يتزامن ذلك مع فرض حصار خانق، بهدف إعادة احتلال غزة الغنية بالنفط والغاز، وزراعة مستوطنين جدد في القطاع. 


إسرائيل في مصيدة خطيرة

يقول ميلمان إن "استمرار غياب تصور سياسي إسرائيلي واضح لمستقبل غزة، بالتزامن مع استمرار تبني أهداف غير واقعية، يدفع إسرائيل نحو السقوط في مصيدة خطيرة متعددة الجبهات في حرب شاملة ومفتوحة في قطاع غزة، وحرب استنزاف مع "حزب الله" على حافة القتال المفتوح. واشعال المنطقة بحرب واسعة النطاق، لاسيما مع استهداف اليمن السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، فإن الولايات المتحدة وبريطانيا، تسعيان إلى اسكات ضربات الجيش اليمني ومهاجمته السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة، وفرض حصار مائي بشكل كلي أو جزئي، هذا بالإضافة إلى تزايد خطر المواجهة العسكرية المفتوحة في الضفة الغربية، لاسيما مع توزيع إسرائيل لمستوطنيها الأسلحة لمهاجمة وطرد السكان الفلسطينيين من مناطقهم، وقيام الجيش الإسرائيلي باستهداف بعض المناطق في الضفة وممارسة الاعتقالات، وفرض حالة من الذعر والإرهاب وسط السكان، وتفتيش المنازل للمطلوبين أمنيًا. كل هذه الانتهاكات تشي باندلاع انتفاضة ثالثة، وهو ما لا يريده المستوطنون وممثلوهم في الكنيست".

إلقاء التهمة على إيران 

تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل، مع فشلهما في تحقيق أهدافهما بالقاء التهمة على إيران بأنها وراء مقاومة الفصائل الموالية لها في العراق وسوريا على الانخراط المتزايد في هذه الجبهة، وتوسيع هجماتها ضد إسرائيل، وضد القواعد الأمريكية في سوريا والعراق، والهجمات التي تنفذها صنعاء باستهداف السفن الأمريكية والبريطانية والاسرائيلية في البحر الأحمر والبحر العربي، وتعتقد إسرائيل بأن ذلك سوف يساعدها في محاولة تسريع الجهود للوصول إلى القنبلة النووية حسب الادعاءات الإسرائيلية.
وبخلاف التوجه المُشار إليه أعلاه، يرى عاموس يدلين، رئيس سابق لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، أن الإنتقال إلى "المرحلة الثالثة" من الحرب على رفح يهدف لتعزيز المصالح الإسرائيلية على المستويات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية. وتجد حكومات تل أبيب وواشنطن ولندن أنفسهم في متاهة، ومن يشارك معهم بمرتبة صف ثاني في العمل العسكري، وربما في مأزق عدم التمييز بين الأهداف المرجوة وما يمكن انجازه عمليًا على ساحة المواجهة عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا. فيما تحتدم داخل الأوساط السياسية، أو ما يمكن وصفه بالتحالف الغربي المساند لتل أبيب، بين الذين لا يريدون التخلي عن مخطط التصفية الكاملة لحركة حماس ومسانديها من فصائل المقاومة الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء أو الأردن، أو كندا ودول أخرى ومحو فرص حل الدولتين، وبين من يؤكد أنه وبعد أربعة أشهر من الحرب الغاشمة ضد قطاع غزة أن الحل العسكري بعيد المنال، إن لم يكن مستحيلاً في الوقت الحاضر، فإن الأفضل هو الحل السياسي في تسوية الصراع، تتضمن التسوية حماية ماء الوجه للطرف الإسرائيلي والغربي معًا، مع إيجاد تخريجة للإعلان عن النصر، وهو ما يشير إليه نتنياهو في تصريحاته، لإكمال إتمام المهمة كما فعل حلف الناتو وهو ينسحب من أفغانستان يوم 29 أغسطس 2021، وقبلها في فيتنام وغيرهما.
وبين هاتين الرؤيتين تناقضًا تتصادم مع بعضها البعض. في ما تشير التقارير والتحليلات، أن كل طرف في سلطة الكيان التي تشتد وتيرة الخلاف بين أطرافها يريد ترجيح كفته على الطرف الآخر، ومتابعة مساره مصرًا على صحة رؤيته.
بيد أن مستجدات وتطورات معطيات الأحداث المتسارعة تبدد تلك التصورات وتجعلها خارج سياق قدرة التحكم في مساراتها، لا سيما مع زيادة وتيرة حجم الضغوط الدولية في انتقاد السياسة الأمريكية الراعية لهذه الحرب، والتأثير في توجيه الأحداث بمنطقة الشرق الأوسط، فهذه الضغوط تجبر تل أبيب وواشنطن ولندن ومن تبعهم على مراجعة استراتيجيتهم في منطقة الشرق الأوسط.

القضاء على حماس

 حكومة نتنياهو لا تزال تؤكد أنها لن تتخلى عن استمرار الحرب، والقضاء على حماس ومنع غزة من أن تشكل مستقبلاً أي تهديد لإسرئيل، ولكن السبيل إلى إنجاز ذلك لا يزال بعيدًا والجيش الإسرائيلي ومختلف أجهزة المخابرات في التحالف الغربي تقر أنه لم يتم إنجاز أي هدف أساسي من العملية العسكرية لإضعاف حماس ومحوها، وأن قتل ما يناهز 27 ألف من سكان القطاع وغالبيتهم من النساء والأطفال لا يمكن أن يعتبر انجازًا عسكريًا.
فالتقديرات الإسرائيلية عن انجاز قواتها ملتبسة، وغير واقعية، عندما تتحدث عن قتل 8 آلاف من مقاتلي حماس أو ما يشكل 22 بالمائة، وتقول قد دمرت 80 بالمائة من أنفاق غزة التي صعدت التقديرات الغربية من حجمها من 500 كلم إلى ما يقرب من 800 كلم لا تزال سليمة وبعيدة عن متناول قوات تل أبيب، ومثل هذه الأكاذيب لن تعيد الروح المعنوية لجيشها المتهالك، الذي يرى بأم عينه هزائمه على الأرض، وأن تلك التقارير هي مضللة للرأي العالمي، التي تنشرها عبر وسائل إعلامها لتغطية فشلها.
 تقول تقارير المقاومة الفلسطينية، أن الجيش الإسرائيلي فقد كليًا أو جزئيا حوالى ألف دبابة ومدرعة وناقلة جنود. وهذا وضع يحد من إمكانية شنه عمليات عسكرية أوسع في مناطق أخرى مثل الجبهة اللبنانية، ورفح وممر صلاح الدين “ممر فيلادلفيا” مع مصر، وخسائره البشرية المعلنة تدور حتى نهاية يناير 2024 رقم يتجاوز  557 قتيل التي تعترف به إسرائيل، فهناك الآلاف من القتلى، وعشرات الآلاف من الجرحى، والمصابين بحالات نفسية، وهذا في حد ذاته رقم كبير لسكان يقدر عددهم بسبعة ملايين نسمة. هناك تقديرات محايدة تتحدث عن أرقام أكبر من ذلك بكثير.
وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن خسائر فادحة تفوق هذه الأرقام بكثير، من بينها صحيفة يديعوت التي قالت" إن المستشفيات تكتظ بالجرحى من العسكريين، وإن المقابر تستقبل أعدادًا هائلة من الجثث".

تصعيد الصراع

في نهاية شهر ديسمبر 2023 أقرت مصادر مالية في تل أبيب أن تكلفة الحرب تجاوزت 60 مليار دولار، في حين أفلست وتفلس يوميًا عشرات الشركات بسبب نقص اليد العاملة، أو فقدان المواد الأولية والمكونات الصناعية بسبب حصار البحر الأحمر ونفور آسيوي وشل حركة الموانئ.
حكومة نتنياهو وفي نطاق محاولتها لإنقاذ نفسها تسعى لتوسيع نطاق الحرب بمشاركة مباشرة من قوات جيش واشنطن لتشمل لبنان وإيران وسوريا وغيرها، لعلها تنجح في فرض واقع جديد في الشرق الأوسط يكون لصالحها ويخفف من وقع جزء من الخسائر التي فرضتها عليها عملية طوفان الأقصى، ربما حتى الآن البيت الأبيض متردد في خوض المغامرة على رفح يمكن أن تفجر حربًا في المنطقة، ومن ثم فإن الإدارة الأمريكية مقبلة قبل نهاية هذا العام على الانتخابات الرئاسية، وهو ما يجعل بايدن مضطرًا إلى الضغط على إسرائيل بحسم المعركة في غضون شهور قبل موعد الانتخابات، متعشمًا تحقيق نصر تدعم شعبيته في الانتخابات الرئاسية.

في كل تجارب الصراعات العسكرية منذ حرب فيتنام حتى الآن كان حجم الخسائر البشرية للقوى الغربية المتقدمة اقتصاديًا أحد أخطر نقاط ضعفها، ويمكن اعتبار إسرائيل جزء من هذه التركيبة.

تكلفة باهظة للحرب

تكلفة الحرب ألقت بظلالها على ميزانية الكيان الصهيوني، مما أدخلت البلد في أزمة اقتصادية كبيرة. وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوم الأحد الماضي، أن الحرب في غزة تسبب تحديات وصعوبات لم يسبق لها مثيل في إسرائيل، مع تأزم وضع المستوطنين، ورغبة جنود الاحتياط في العودة إلى ديارهم، وممارسة العالم لضغوط عديدة، وتعرض الاقتصاد الإسرائيلي لأزمة تلو الأخرى، بعد مرور ثلاثة أشهر على الحرب. وأوضحت الصحيفة أن كلفة الحرب الإسرائيلية على القطاع بلغت 60 مليار دولار. وقالت الصحيفة أنه من المتوقع أن يبلغ العجز حوالى 30 مليار دولار، الأمر الذي سيتطلب تخفيضات في الميزانية وزيادة الضرائب بما يصل إلى أكثر من 18 مليار دولار، وهو ما سيتم الشعور به بشدة من حيث نوعية الحياة وانخفاض الخدمات للجمهور الإسرائيلي بشكل عام".
وتحدثت الصحيفة عن تكلفة إجلاء السكان من شمال إسرائيل وجنوبها، موضحة أنه يبلغ عددهم حوالي 125 ألف شخص، والعناية بهم تكلف المليارات بالفعل.
وسلطت الصحيفة الضوء على أزمة أخرى تتعلق بضباط الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، وأوضحت أنهم يشعرون بالقلق من تقديم وعود كاذبة بشأن الوقت الذي سيتمكنون فيه من لم شملهم مع عائلاتهم، حيث أن ديناميكيات الحرب تقضي على إمكانية التنبؤ بموعد انتهائها.
وذكرت أنه حتى لو سمح للضباط بالعودة إلى ديارهم، فهي مسألة وقت قبل أن يتم استدعاؤهم مرة أخرى، وربما هذه المرة سيتم نشرهم في الشمال لمواجهة حزب الله، أو في الضفة الغربية للتعامل مع العديد من الخلايا المسلحة في جنين و رام الله.
ومن جهة ثانية، فإن العمليات العسكرية بشكلها السابق الكثيف استنفدت نفسها، ولذلك، فإن الخيار الإسرائيلي، الذي يخدم أهداف الحرب هو الانتقال إلى حرب استنزاف مستمرة لحركة "حماس" على كافة الصعد.
 والانتقال للمرحلة الثالثة يشمل أيضاً تسريح عدد كبير من جنود الاحتياط، وتعتقد إسرائيل بأن ذلك  سيساعد على تقليص خسائر الجيش والخسائر الاقتصادية المترتبة، على إعادة انتشار وتموضع الجيش في منطقة شمال وادي غزة، تحاول إسرائيل السيطرة على هذه المنطقة، لاضعاف قدرات حماس. لذلك فإن إسرائيل تعتقد أن الانتقال إلى "المرحلة الثالثة" من الحرب على رفح من شأنه أن يمنحها هامشاً زمنياً طويلاً تستفيد منه في كسب مزيد من الوقت لتحقيق أهداف الحرب، كما سيوفر لها مرونة في الاستعداد لمواجهة التحدي الذي يُشكّله "حزب الله"، وإمكانية اندلاع حرب شاملة.
هذه الاستراتيجية غايتها الوصول إلى أهداف الحرب المتمثلة بإعادة الأسرى الإسرائيليين، وتدمير قدرات حركة "حماس" العسكرية والسلطوية، وإعادة سكان مستوطنات "الغلاف"، وفقاً لتصور يادلين، الذي يقترح أن تلجأ إسرائيل لاستراتيجية استنزاف مستمرة ومتعددة الأبعاد ضد "حماس" تجمع بين الخطوات العسكرية والسياسية والاقتصادية واسعة النطاق، من خلال تبني بديل يجمع بين عناصر تخدم إسرائيل مع الاستغناء عن أية عناصر فيها قد تستفيد منها "حماس" في إعادة بناء وتنظيم أذرعها في شمال القطاع، وتعرّض إسرائيل للضغط والانتقاد الدولي.
لذلك فإن البدائل التي تفكر بها إسرائيل لن تقود لأية نتيجة، فتلك التصورات المطروحة عن تغيير استراتيجية الحرب ستفشل، وسط مراوحة إسرائيل مكانها عسكرياً، وهو الحال الذي يتعزز مع استمرار عدم الحسم في ما بات يُعرف بـ "اليوم التالي". لكن، رغم عدم الحسم في هذا النقاش، إلا أن المعطيات الميدانية، ونوايا اللاعبين في إسرائيل  تُشير إلى أن وجهة إسرائيل، حتى في أقل السيناريوهات حدة، هي تحويل القطاع إلى منطقة حربية دائمة لإعادة الوضع إلى ما كان قائماً عليه قبل انسحاب 2005.