ديسمبر 22, 2023 - 22:07
ديسمبر 27, 2023 - 20:18
نائب الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني لـ(عرب جورنال) : اليمن لن يتراجع عن دعم غزة وأي عدوان جديد عليه سيُكلّف أمريكا وأتباعها أثمان باهظة

في حوار خاص تستضيف "عرب جورنال" نائب الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني نضال سعيد مضية، للوقوف عند أبرز المستجدات الطارئة في المنطقة، وعلى رأسها الإعلان الأمريكي عن تشكيل تحالف عسكري دولي لحماية "إسرائيل" في البحر الأحمر رداً على العمليات اليمنية ضد سفن الاحتلال نصرةً للشعب الفلسطيني في غزة. ويناقش الحوار انعكاسات صمود المقاومة الفلسطينية لأكثر من شهرين أمام آلة القتل الصهيو_أمريكية، على واقع المقاومة وكذلك واقع الكيان الإسرائيلي. كما يناقش الحوار غياب موقف الأحزاب السياسية العربية عما يجري من جرائم صهيونية ضد الشعب الفلسطيني في غزة. 

عرب جورنال / حوار / حلمي الكمالي _

القرار اليمني يسهم في بناء توازن جديد للقوى الفلسطينية والعربية مع الكيان الصهيوني الذي سيضطر هو وداعميه للتسليم بأن محور المقاومة جبهة متراصة تخترق الحدود القطرية، عابرة للمذاهب والاجتهادات والتباينات 

الحصار اليمني على "إسرائيل" يسهم في اتساع نطاق الاستياء من السياسة العدوانية لحكومة الاحتلال ويدفع المستوطنين لمغادرة الأراضي الفلسطينية المحتلة والعودة إلى بلدانهم الأصلية

 

انخراط قوى عربية فاعلة في محور المقاومة نجح في لجم هرولة الأنظمة العربية باتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني 

عملية 7 أكتوبر وجهت صفعة مدوية للاستخبارات الإسرائيلية وكشفت أن هزيمة الاحتلال أمر قابل للتحقق 

فشل الاحتلال في غزة سيعمّق التصدعات والشروخ القائمة بين الائتلاف الحكومي والمعارضة الإسرائيلية وكذلك الانقسامات في المجتمع الصهيوني 

نطالب النظام الأردني بقطع كل العلاقات وإلغاء كل الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني، ووضع خطة وطنية لمواجهة مخططات تهجير مواطني الضفة الغربية إلى الأردن 

ضعف التنسيق بين الأحزاب والحركات والقوى الشعبية العربية يسهم في تفشي حالة الضعف العام التي تسود الموقف الشعبي العربي تجاه قضاياه المشتركة 

المقاومة الفلسطينية والعربية مُقبلة على تدشين مرحلة جديدة تطيح بالمشروع الصهيوني الإمبريالي برمته

_ تعقيباً على إعلان الولايات المتحدة تشكيل حلف عسكري لحماية "إسرائيل" في البحر الأحمر.. هل تعتقدون أن أمريكا ستجرؤ على شن حرب جديدة على اليمن بعد فشل حرب التحالف السعودي التي تزعمتها على مدى 9 سنوات؟ وأي تداعيات خطيرة لهذه الخطوة إن حدثت؟ وهل سنكون أمام حرب إقليمية؟ 

لا أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تقدم على شن حرب جديدة أو توسيع نطاق الحرب القائمة في مواجهة الشعب الفلسطيني في غزة، إلا أنها في نفس الوقت قد تدفع أتباعها في المنطقة وخاصة في الخليج، وأعضاء في حلف الأطلسي عن طريق هذا التحالف المعلن، لأن يقوموا بالمهمة نيابة عنها بتوجيه ضربه قد تكون محدوده ضد اليمن شقيق عقاباً له على تجرئه بمنع السفن المتوجّهة إلى الموانئ الإسرائيلية انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني في غزة، وإيقاف وصول الشحنات إلى هذا الكيان الذي يقترف عدوان همجياً ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وجميع الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وهذه الخطوة فيما لو قُيض لها النجاح، فإنها ستعني توسيع نطاق المواجهة مع الشعوب والبلدان العربية، وستجد الولايات المتحدة الأمريكية وأتباعها أنهم في ورطة جديدة لن تكون تكاليفها أقل من التكاليف والأثمان التي دفعتها في الحرب التي تواصلت على يد دول خليجية وخاصة السعودية والإمارات ضد الشعب اليمني على مدى سنوات عديدة.

لا أعتقد أن اليمن في وارد التراجع عن الخطوة الهامة التي اتخذها تحت الضغط التهديد والتلويح بالعدوان، وليس في وارد أن ينصاع للمشيئة الأمريكية، فهو لم ينصاع في السابق ولن ينصاع حاليا.

_ شاهدنا العمليات اليمنية ضد العدو الإسرائيلي بما فيها المعادلة التاريخية التي فرضتها القوات المسلحة اليمنية بمنع وصول جميع السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية وإقرار الاحتلال بأنه تحت حصار يمني.. بماذا تصف التدخل اليمني لنصرة غزة بالرغم مما يعيشه اليمن بعد سنوات من الحرب والحصار؟ وهل تعتقدون أن هذا التدخل الذي عجز الأمريكي والإسرائيلي عن مواجهته، قد مهد لمرحلة جديدة من التوازنات الإقليمية والدولية في المنطقة؟ 

مساندة الشعب اليمني الشقيق للشعب العربي الفلسطيني ليست وليدة اللحظة الراهنة. وهناك العديد من الشواهد الدالة بشكل ساطع على هذه المساندة. ويكفي أن نتذكر باحترام وتقدير الشهداء من أبناء اليمن الأفذاذ الذين ارتقوا أثناء معارك الدفاع عن المقاومة الفلسطينية في الجنوب اللبناني في سبعينيات القرن الماضي. ولا يجوز أن ننسى كذلك احتضان الشعب اليمني لفصائل المقاومة الفلسطينية الذين اضطروا لمغادرة بيروت عام 1982. 

إن موقف القيادة اليمنية والجيش اليمني اليوم هو استمرار وابن شرعي لمواقف الدعم والتضامن على مدى عقود صراع شعوبنا العربية كافة مع الصهاينة ومشروعهم الاستعماري الاحلالي في فلسطين، ومع جميع الدول التي تقدم لهم الدعم والاسناد متعدد الوجوه والأشكال، وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية. 

إن مساهمة الشعب اليمني الشقيق وقواته المسلحة، رغم الظروف الصعبة التي يعيشها والناجمة عن العدوان المتواصل منذ عدة سنوات، وتداعياته الكارثية على شعبه، توجه رسالة هامة للغاية مفادها أن مسعى الكيان الصهيوني للاستفراد بالشعب الفلسطيني لن يصيب أي قدر من النجاح، وأن ما يتعرض له هذا الشعب المقاوم يجد صداه في ضمائر ووجدان أبناء الشعب اليمني، مدنيين وعسكريين، سياسيين ومواطنين عاديين. 

كما أن فرض الجيش اليمني حظرا على مرور السفن الإسرائيلية أو التي تحمل شحنات للكيان الإسرائيلي عبر البحر الأحمر، يحمله أعباء اقتصادية ومالية إضافية، تؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، نتيجة لحدوث ارتفاع في أسعار السلع المستوردة من شرق آسيا، مما يسهم في اتساع نطاق الاستياء من السياسة العدوانية لحكومة الاحتلال، ويدفع الناس العاديين للمطالبة بتعديلها، الأمر الذي يسهم في تعميق الهوة بين قوى التطرف والعدوان الصهيونية وبين الناس العاديين المتضررين من السياسة العدوانية لحكومتهم، ويوفر لهم حجة إضافية لمناهضة هذه السياسة التي تهدد مصالحهم، وتجبرهم على التفكير جديا في مغادرة "ارض الميعاد" والعودة الى البلدان الأصلية التي يحملون جنسيتها وجاءوا منها. وهذا الواقع الذي أسهمت الخطوة اليمنية الهامة في خلقه وتعميقه يسدي خدمة كبرى لجهود انهاء العدوان وكسر الحصار على الشعب الفلسطيني. 

ويسهم القرار اليمني أيضا، كما مجمل موقف حكومة صنعاء المبني على قاعدة التصدي للعدوان بجميع الوسائل المتاحة، بما فيها استخدام القدرات العسكرية في بناء توازن جديد للقوى الفلسطينية والعربية مع الكيان الصهيوني، الذي سيجد نفسه هو وحماته وداعميه من الدول الغربية، وفي مقدمتها أمريكا، مضطرا للتسليم بأن محور المقاومة والممانعة العربية، الذي يضم قوى يمنية فاعلة، ليس مجرد شعار شعبوي، بل هو فعلا جبهة متراصة تخترق الحدود القطرية، عابرة للمذاهب والاجتهادات والتباينات فيما بينها، تتوحد خلف المطالب العادلة للشعب الفلسطيني بانهاء العدوان والاحتلال والتسليم بحقوقه الوطنية المشروعة في التحرر والعودة والتعويض وتقرير المصير على كامل ترابه الوطني.. هذه المطالب التي تحظى بالدعم الواسع من جانب الشعوب العربية كافة، وحركة تحررها الوطني وتقدمها الاجتماعي.   

_ بعد قرابة 80 يوماً من العدوان الإسرائيلي على غزة، لم يحقق الإسرائيلي أي نصر عسكري يذكر، في ظل ما شاهدناه من صمود للمقاومة الفلسطينية على كافة الجبهات.. أي تداعيات لهذا الفشل على واقع المنظومة السياسية والعسكرية والأمنية لحكومة الاحتلال في ظل الانقسامات السياسية الحادة التي يشهدها الكيان؟ في المقابل أي انعكاسات إستراتيجية لانتصار المقاومة في هذه المعركة، على طريق التحرير؟ 

من حيث المبدأ، يصعب الحديث عن تداعيات واضحة المعالم للملحمة البطولية التي يسطرها ابطال المقاومة الوطنية في جميع ميادين الصراع مع العدو الصهيوني في ظل الغبار الكثيف للمعارك التي لا زالت محتدمة، وللصراع الذي لا زال دائراً على أشده بين الغزاة الصهاينة وبين أبطال المقاومة الفلسطينية على كامل مساحة غزة. 

ومع ذلك أفصحت مجريات الصراع الدامي على مدى أيامه كلها عن أن الزمان الذي كان فيه جيش الاحتلال قادراً على حسم حروبه مع الدول العربية خلال أيام معدودة قد ولّى إلى غير رجعة، وأن المكاسب العسكرية والسياسية والإستراتيجية التي كان كيان الاحتلال الصهيوني قادراً على جنيها في السابق بخسائر محدودة في القدرات البشرية والعسكرية أصبحت جزءً من ماضٍ لا ولن يتكرر. كما بات قادة الاحتلال أنفسهم ومؤسساته الأمنية والعسكرية والبحثية مضطرين للإقرار بأن المواجهات العسكرية مع قوى المقاومة الفلسطينية والعربية لم تعد مجرد نزهة واستعراض للقدرات العسكرية كما كان عليه الحال في السابق مع أنظمة الحكم العربية، بل أصبحت هذه المواجهات تنطوي على خسائر ليست قليلة في الأفراد والعتاد الحربي، وتدهور حاد في السمعة الدولية، وانحسار غير مسبوق في تأييد الرأي العالمي للكيان الصهيوني، ومجاراة ادعاءاته بأنه واحة الديمقراطية الوحيدة فيما يسمى بـ "الشرق الأوسط". 

ومع أن الوقت لا زال مبكراً للحديث عن انتصار حاسم للمقاومة الفلسطينية والعربية، إلا أن العملية البطولية الجريئة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي تعتبر بحق إنجازاً لا يحجبه الغبار الكثيف المتصاعد من الدمار الهائل الذي تتسبب فيه آلة الحرب والعدوان "الإسرائيلية" الهمجية، ولا شلال الدماء الذي يسيل مدراراً في أحياء غزة وشوارعها وأزقتها بفعل ما تقترفه هذه الآلة الدموية من مجازر عن سبق إصرار وترصد. 

إن أهمية هذا الإنجاز غير المسبوق في تاريخ صراع الشعب العربي الفلسطيني ومقاومته الباسلة مع جيش الاحتلال الصهيوني تنبع من أنه وجّه صفعة مدوية لأجهزة المخابرات والاستخبارات "الإسرائيلية" التي لم تفلح التقنيات المتطورة التي تملكها ولا الاف العناصر المجندة في خدمتها داخل غزة وفي محيطها، من رصد التحضيرات لعملية "طوفان الأقصى" التي استغرقت أشهراً وربما سنوات عديدة، والتي سددت ضربات موجعة لجيش الاحتلال، ولهيبته، وكشفت على الملأ أن إلحاق هزيمة به أمر قابل للتحقق، وهو لا يتمتع بأي قدرات خارقة يستحيل التغلب عليها. 

لقد قدمت عملية "طوفان الأقصى" برهانا ساطعا على زيف الاعتقاد الذي كان سائدا لدى قادة الاحتلال، كما لدى أوساط متنفذه في أنظمة الحكم العربية، بأن القضية الفلسطينية قد أخلت مركز الصدارة في اهتمامات الشعوب العربية لصالح قضايا أخرى ذات اهتمامات قطرية، وبأن شعوب العالم قد انصرفت عن متابعة الصراع العربي والفلسطيني ـ الإسرائيلي لصالح صراعات أكثر تأثيرا على حاضرها ومستقبلها ومعيشتها، وبالتالي أصبح الظرف العربي والدولي مؤاتيا لفرض تسوية مجحفة بالحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني تفتح الأبواب على مصاريعها أمام تطبيع علاقات الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني، بما يتيح له المجال للاستفراد بالشعب الفلسطيني وامتلاك عناصر قوة اضافية لتصفية قضيته الوطنية، وطمس جوهرها التحرري العميق.    

أما فيما يتعلق بالتداعيات العاجلة لفشل الكيان الصهيوني في تحقيق الأهداف المعلنة والكامنة لعدوانه غير المسبوق في وحشيته ودمويته واستهتاره بأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الانساني التي يتوجب مراعاتها في زمن الحرب، فإنه ما من شك في أن هذا الفشل الذي يضاف إلى عجز الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والعسكرية "الإسرائيلية" في الحصول على أي معلومة تمكنهم من رصد واحباط عملية "طوفان الأقصى" قبل وقوعها، ستعمق التصدعات والشروخ القائمة بين الائتلاف الحكومي والمعارضة، وفي المجتمع "الإسرائيلي" بشكل عام، وسيجري تبادل للاتهامات بالتقصير بين القيادات العسكرية ـ الأمنية والسياسية في الكيان الصهيوني، ستتشكل لها لجان تحقيق برلمانية وقضائية، كما حصل في حالات سابقة، وستختفي شخصيات بارزة من المشهد السياسي، كما يتوقع لرئيس الوزراء الحالي نتن ياهو الذي يلاحق منذ سنوات بتهم تتعلق بالفساد، وسيجد خصومه الكثر فرصة للنيل منه، وانهاء حياته السياسية خلف القضبان. 

وهناك أمر أكثر خطورة من كل ما سبق يتمثل في تنامي الميول الفاشية والعنصرية داخل المجتمع الصهيوني واستفحال الكراهية والحقد على العرب الفلسطينيين سواء داخل إسرائيل أو في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتعمق التطرف لدى الاحزاب الصهيونية العلمانية والدينية، وبصفة خاصة لدى المستوطنين في القدس والضفة الغربية، وقد يتخذ ذلك أشكالا غير مسبوقة من تنظيم عمليات ترويع وارهاب متنوعة تستهدف خلق أجواء يصعب على المواطنين العرب الفلسطينيين تحملها، مما يجبرهم على التفكير في الرحيل عن وطنهم. 

_ مخطط التهجير الذي يسعى الكيان لتمريره في غزة هو ذاته المخطط الذي يحاول العدو تمريره في الضفة الغربية منذ "مشروع ألون" في الستينات، وذلك بتهجير أهلها الى الأردن.. ما هو تصوركم لتطورات هذا المخطط الصهيوني خصوصاً وأنها تتزامن مع بدء الاحتلال حملة اعتقالات واعتداءات واسعة في الضفة؟ وما الذي يتوجب على الأردن فعله لمواجهة هذا المخطط الذي يستهدف الأردن أيضاً ؟ 

"أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" شعار تسترشد به الحركة الصهيونية منذ ان تشكلت وتعمل بدأب على تطبيقه بوسائل مختلفة في سياق تنفيذ مشروعها الاستيطاني الاحلالي في فلسطين. وهو لم يغب يوما عن السياسات المعلنة أو المضمرة للأحزاب والحركات الصهيونية المتطرفة والأقل تطرفا، وحتى المعتدلة. وفرض الترانسفير الناعم أو الخشن على الشعب الفلسطيني لم يغب يوما عن أذهان حكومات الكيان الصهيوني، وسوائب مستوطنيه في الأراضي الفلسطينية المحتلة. إن مجمل السياسات التي تتبعها سلطات الاحتلال الصهيوني والإجراءات القمعية التي تمارسها بحق الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال تستهدف خلق وقائع على الأرض تتضاءل إلى أن تنعدم في ظلها فرص الحياة الإنسانية، والعمل، مما يجبر الشباب على التفكير في الرحيل عن وطنهم، والبحث عن مستقبلهم خارجه.   

وحتى توقيع مصر والأردن اتفاقات أسموها "اتفاقات سلام" لم تغير من عقيدة الأحزاب الصهيونية، وخاصة اليمينية المتطرفة تجاه مسألة تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها الأصليين، واحلال مستوطنين قادمين من شتى بقاع المعمورة مكانهم. وقادتها يعلنون من حين لآخر أن مكان عيش الفلسطينيين وممارسة حقوقهم السياسية هو الأردن. بمعنى أن تصفية القضية الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه الوطنية المشروعة على تراب وطنه يتم على حساب الأردن أرضا وشعبا وكيانا. 

وهذا الأمر يشكل مصدر قلق جدي للشعبين الشقيقين الأردني والفلسطيني، كما للنظام السياسي الأردني أيضا.   

ومع أن أركان السلطة السياسية يعبرون عن مواقف رافضة وشاجبه لهذه المخططات الإسرائيلية المعلنة، وصلت حد اعتبار الشروع في تنفيذ هذه المخططات بمثابة "أعلان حرب"، إلا أن الإجراءات الجوابية المتخذة لا زالت قاصرة ودون مستوى الحد الأدنى المطلوب. فالحركة الوطنية الأردنية على اختلاف تياراتها السياسية التي عبرت عن ارتياحها للمواقف التي أطلقها أكثر من مسؤول رسمي، ووجدت فيها استجابة، بهذا القدر أو ذاك، لمطالبها المحقة والمتكررة، تطالب السلطة بأن تلتزم عمليا بهذه المواقف، وتكسبها مزيدا من القوة والثبات، ناهيك عن تطويرها باتجاه قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، وتصنيفه كيانا معاديا للأردن وشعبه، وإلغاء جميع الاتفاقيات الموقعة معه، والشروع منذ اليوم في إعداد استراتيجية واضحة يجري تنسيقها مع الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية، تهدف لمعالجة نقاط الضعف الواضحة في النهج الرسمي السياسي والاقتصادي، ووضع خطة وطنية لمواجهة مخططات تهجير مواطني الضفة الغربية إلى الأردن، والعمل على إفشالها منذ الآن. 

واعتبرت القوى الوطنية أن جدية السلطة الأردنية في التصدي للسياسات "الإسرائيلية" الرامية لفرض التهجير القسري على الفلسطينيين، يفترض إعادة النظر في النهج الاقتصادي السائد، الذي عمّق تبعية الأردن للمراكز الرأسمالية، وخاصة المركز الإمبريالي الأمريكي، الأمر الذي أضعف منعة البلاد في التصدي بنجاح لشتى محاولات التطاول على سيادتها الوطنية، والتدخل في شؤونها الداخلية، ومصادرة قرارها الوطني المستقل. ودعت كذلك إلى التوقف عن انتهاك الحريات الديمقراطية والعامة، وخاصة التعدي على حرية المواطنين في التعبير عن آرائهم السياسية بكافة الأشكال، بما فيها النشر والتظاهر والاعتصام، وافساح المجال أمام أوسع مشاركة شعبية في الحياة السياسية والعامة، وفي تقرير مصير الوطن والشعب عبر إجراء انتخابات نيابية حرة، ديمقراطية ونزيهة، يتمخض عنها مجلس نيابي يعكس التمثيل الصحيح لشعبنا، ويجسد آماله ومصالحه، يتصدى بجرأة لأي محاولة تنتقص من قدرته على النهوض بمسؤولياته الدستورية.   

_ سجل الشعب الأردني موقفا مشرفا مع غزة وكذلك الشعب اليمني، ويكاد يكونا الشعبين العربيين الوحيدين الذين مازالا مستمران في التظاهرات المتضامنة مع غزة والمنددة بالمجازر الصهيونية بصورة شبه يومية.. برأيكم لماذا لم يرق الموقف الشعبي العربي إلى مستوى الحدث في غزة؟ ولماذا غابت الاحزاب عن هذه اللحظة الهامة في تاريخ الأمة؟ وما هو الدور الذي من المفترض أن تقوم به الأحزاب السياسية في استنهاض الموقف العربي تجاه القضية المركزية للأمة؟ 

نعم أنتم على حق، وقد أضيف لشعبينا الأردني واليمني، الجماهير الشعبية في كل من المغرب وتونس التي تنظم بين الحين والآخر وقفات احتجاجية ومؤتمرات تضامنية مع الشعب الفلسطيني ومقاومته البطلة. وأعتقد أن الدوائر الحاكمة في معظم البلدان العربية ترعد فرائصهم من أي حراك شعبي منظم، حتى لو كان موجها للتضامن ومساندة شعب شقيق. وهذه الدوائر كرست على مدى عقود طويلة طاقات فكرية وجهود سياسية هائلة، وسنت تشريعات متنوعة، وارتكبت انتهاكات فظة للدساتير، حيثما وجدت، وللقوانين الناظمة للحياة السياسية والحريات العامة بهدف تجريف الحياة السياسية وتطويع الحركة الشعبية. وقد اتفقت سياسات الأنظمة العربية على ما بينها من خلافات وصلت حد تبادل إطلاق النار وسحب السفراء، على فرض قيود جائرة على حرية التعبير عن الرأي، ومنع الجماهير على إمتداد البلدان العربية من التعبير عن رأيها، ومواقفها، حتى لو كانت موجهة للتنديد بالسياسات العدوانية الأمريكية والغربية عموما تجاه الشعوب العربية، ومن الاعتداءات الإسرائيلية والإجراءات القمعية بحق الشعب الفلسطيني. 

لذا، أعتقد أن النضال من أجل إشاعة الديمقراطية بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية – الفكرية في حياة بلداننا العربية كافة، وإطلاق الحريات الديمقراطية والعامة، ومن ضمنها حرية التعبير، تعد مكونا أساسيا وجزءً لا يتجزأ من النضال العام ضد الامبريالية والصهيونية، ومواجهة شتى أشكال تدخلهما الوقع في شؤون بلداننا وشعوبنا العربية، ومساعيهما المحمومة للهيمنة والتحكم في مقدراتها ونهب ثرواتها، وخاصة النفطية والغازية، والتحكم في طرق المواصلات والتجارة الدولية. وفي هذا السياق ينبغي التنويه لحالة الهيجان التي أصابت الإدارة الأمريكية بعد قرار القوات المسلحة اليمنية فرض حظر على مرور البواخر المتجهة الى الموانئ الاسرائيلية عبر البحر الأحمر، ودفعها لإرسال مبعوثيها الى عدد من بلدان المنطقة بقصد تشكيل حلف عدواني جديد لمواجهة الجيش اليمني، وثنيه عن مواصلة تنفيذ قراره الوطني، واجباره على تخفيض سقف دعمه للشعب الفلسطيني ومقاومته. 

وأظن أن ضعف التنسيق بين الأحزاب والحركات والقوى الشعبية ذات الأهداف المتماثلة أو المتقاربة سواء على صعيد كل بلد عربي على حدة، أو على الصعيد العربي العام، يسهم في تفشي حالة الضعف العام التي تسود الموقف الشعبي العربي، على المستويين الوطني والقومي، حتى من القضية الفلسطينية التي تعتبرها شعوبنا العربية كافة، عن حق، قضيتها المركزية. 

_ في ظل التطورات القائمة.. هل تعتقدون أن المشروع الصهيو_أمريكي في المنطقة يقترب من الزوال في وقت تتصاعد قوى وطنية جديدة على سطح المشهد وعلى رأسها قوى محور المقاومة؟ 

من زاوية الحتمية التاريخية، هذا أمر لا جدال فيه. وأظن أن شعوبنا العربية تمتلك طاقات كفاحية لا تنضب. وأن الضربات التي سددت لها من قوى معادية عاتية لم تفلح في فرض الاستسلام عليها. وقد أثبتت ذلك على نحو ساطع عملية "طوفان الأقصى الجريئة" والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في مواجهة حرب الإبادة والتطهير العرقي، التي يشنها الكيان الصهيوني بدعم أمريكي وأطلسي متعدد الوجوه، وقبل ذلك تشبث الشعب الفلسطيني بوطنه، وتمسكه بحقوقه الوطنية في مواجهة احتلال هو الأكثر قسوة وبشاعة في العصر الحديث. 

إن نفض الشعوب العربية الغبار الذي علا شعار مركزية القضية الفلسطينية في نضالها الوطني والتحرري والديمقراطي، وانخراط قوى عربية فاعلة في المقاومة المسلحة ضد الكيان الصهيوني ضمن إطار محور المقاومة، ونجاحها في لجم هرولة الأنظمة العربية، وخاصة الخليجية باتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني، يوفر أرضية صلبة للتفاؤل بأننا بصدد بناء حائط صد متين قادر على احباط مشاريع الكيان الصهيوني وحماته من الدول الامبريالية الغربية، وخصوصا الأمريكية، والانتقال سريعا للتكامل مع حركة مقاومة شعبية فلسطينية وعربية يجب المسارعة الى بنائها وتصليب عودها، بهدف تغيير موازين القوى مع الكيان الصهيوني لصالح الشعب الفلسطيني وحركة تحرره الوطني. 

كما أن استعادة شعوب العالم الوعي بحقيقة الكيان الصهيوني، وبوظيفته كمخفر متقدم للمصالح الاستعمارية في المنطقة العربية، وبطابعة العدواني المتوحش، وتنظيم مظاهرات حاشدة تنديدا بالعدوان الوحشي ضد غزة ومواطنيها دون تمييز، وتوسيع نطاق الدعوة لمقاطعة "إسرائيل"، يعزز الأمل بأن المقاومة الفلسطينية والعربية مقبلة على تدشين مرحلة جديدة في صراعها المتواصل منذ قرن ونيّف مع المشروع الصهيوني الامبريالي برمته، وتوجيه المزيد من الضربات المتلاحقة تشله إلى أن تطيح به نهائيا.