سبتمبر 27, 2021 - 20:43
الخطر مُحدِق بالسودان !؟
عرب جورنال


هكذا جاء الخبر مجملًا، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.مع أن البشير، الذي تنسب إليه هذه البقايا لايزال حيًّا يرزق، يقابل زواره ويتواصل، هاتفيًّا، مع من شاء من بقاياه، الذين قد ينفذون توجيهاته في أي اتجاه يريد. ومنهم الذين يشكلون نصف مجلس السيادة ( أعلى سلطة في الدولة اليوم)، في ما يحتل بعض بقاياه الآخرين نصف الحكومة، أيضًا !؟
على خلفية المحاولة الانقلابية إياها أجرت الفضائية السودانية، منذ ثلاثة أيام، لقاءً مع أحد أعضاء مجلس السيادة عن مكون الحرية والتغيير ـ الرئيس المناوب للجنة إزالة تمكين بقايا البشير في المؤسسة العسكرية والمدنية ـ السيد (محمد فكي)، فاتهم، صراحة، ومن دون تحفظ، زملاءه من المكون العسكري في المجلس بأنهم هم من يقف خلف المحاولة الانقلابية الفاشلة !
ليس هذا فحسب، بل إنه زاد على ذلك أن حذَّر من احتمال قيامهم بانقلاب جديد أطلق عليه ثلاثة صفات:( أبيض، وناعم ، وانقلاب القصر)، كما قال، بمعنى أن الانقلاب سيكون من داخل المجلس !
لايجد المراقب لأحداث الثورة السودانية إلَّا أن يوافق عضو المجلس السيادي (محمد فكي) على كل ما ذهب إليه. فالرجل له مكانته وله موقعه ويعايش، عن قرب، كل مايدور، ولايمكن أن يفتري الكذب على شركائه في المجلس.
أغلب الظن أن رئيس المجلس (البرهان) ونائبه (حميدتي) ومن معهما من العسكريين، أرادوا للمحاولة الانقلابية أن تكون فاشلة، كشكل من أشكال التهديد أو التحذير لشركائهم من قوى الحرية والتغيير، بعد أن وصلت علاقات الطرفين في المجلس إلى حالة من الجمود. وكانهم يقولون: إمَّا أن نسير بأمور البلاد إلى الوجهة التي نريدها نحن، من دون اعتراض منكم وإمَّا أن ننقلب عليكم ونستبعدكم من القيادة، للننفرد بتسييرها نحن!
قال السيد (محمد فكي) لمحاوره إنه ضاق بالجدل السياسي في المجلس. وأرجع ذلك، على سبيل تلطيف الأجواء، إلى ما وصفها بطبيعة العسكريين، التي تقوم على الضبط والربط العسكري، بينما السياسة، كما قال، تقوم على النقاش المستمر. إلَّا أنه شدَّد على ضرورة العودة للحوار، على الرغم من الجدل الذي لاينقطع، على حد وصفه. ودلل على ذلك الحوار العقيم، غير المنتِج بقوله إنه مرَّ على المجلس أكثر من شهر لم يستطع فيه التوافق على تعيين رئيس للقضاء!
لقد أورد (فكي) في حواره العديد من الأدلة على مايدور في مجلس السيادة من مماحكات متعمدة يلجأ إليها العسكريون!
كنا نوهنا في مقال الخميس الماضي إلى أن إجراءات العملية الانقلابية كانت ساذجة، تفتقر للجديَّة. وضربنا مثالًا على ذلك بإرسال قادة الانقلاب ضابطًا برتبة رائد ومعه بضعة أفراد لمهمة السيطرة على الفضائية !

وقلنا إن على الذي يريد السيطرة على ه الإذاعة والتلفزيون أن يرسل قوة مسلحة تكفي للسيطرة، أولًا، على قوات الحماية العسكرية في المبنيين، حتى يتسنى لها دخول الاستديوهات وقراءة بيان الانقلاب.

الحقيقة أن الرئيس البرهان ونائبه حميدتي وبقية العسكريين في مجلسي السيادة والوزراء، هم من أكثر ضباط الجيش موالاة للرئيس البشير، قبل الإطاحة به، وبالتأكيد بعدها.

وعندما فقد الرئيس السيطرة على نظامه وشعر أنه يترنح تحت ضغط الشارع كان عليه أن يختار هؤلاء الضباط المخلصين له ليركبوا موجة الثورة، فيستبقون الثوار إلى مركز قيادتها، فيكونون حماة له من العقوبات المتوقعة بحقه، على الأقل، كمجرم مطلوب للمحكمة الدولية. هذا إذا لم يتمكنوا من إعادته إلى كرسي الحكم من جديد !

هكذا تجري الأمور، غالبًا، في الأنظمة العسكرية الدكتاتورية المستبدة، عندما تدور عليها الدوائر !!

وبالفعل وصل البرهان ومن معه إلى الهدف، بتعاطف من الثوار، الذين أحسنوا بهم الظن، معتقدين أن القوات المسلحة انحازت إلى الشعب وثواره.

إذًا فقد تسنم عسكريوالبشير المشهد الثوري وشكلوا مجلسًا عسكريًّا لقيادة المرحلة الانتقالية، متخذين لغة إعلامية خادعة وإجراءات صورية ماكرة تصرف عنهم الشكوك وتعطي الشعب دافعًا للثقة.
لكن قادة المعارضة أدركوا الخديعة، فضلوا يحرضون الشارع على العسكريين، الذين وصلت بهم مطامع السيطرة إلى حد استخدام العنف المسلح ضد جماهير المتظاهرين، متسبببن بقتل وجرح العديدين على يد قوات الدعم السريع، التي يقودها حميدتي شخصيًّا.
محمد حمدان دقلو (حميدتي) رجل دخيل على القوات المسلحة. فهو، في الأصل، تاجر مواشي وزعيم عصابات في إقليم دارفور. استقطبه ودعَّمه المجرم البشير خلال أحداث الإقليم من أجل التصدي للعصابات المتخصصة بالتنقيب عن الذهب ونهبه. وهنا كانت بداية صعود حميدتي إلى مراتب عليا من الثراء الفاحش. أي أنه أصبح هو الناهب لمناجم الذهب، بعلم نظام البشير ورضاه!

إذًا فقد تواصل ضغط الشارع، حتى رضخ العسكريون لمطالب المعارضة فكان التوقيع على اتفاق المرحلة الانتقالية في 20 أغسطس 2019، الذي قضى بإلغاء المجلس العسكري السابق وتكوين (مجلس سيادة)، بدلًا عنه، يكون مناصفة بين الفريقين، قوامه 11 شخصًا؛ خمسة منهم عسكريون وستة مدنيون، بينهم امرأتان. كما تم الاتفاق على أن يكون مجلس الوزراء مناصفة، أيضًا، على أن تكون مدة الفترة الانتقالية 39 شهرًا، تليها انتخابات عامة في عموم السودان.
لكن الرجل الداهية (حميدتي)، الذي كان يقود مجموعة عصابات مسلحة منفلتة من أبناء قبائل منطقته سابقًا وأصبحت الآن قوة شبه نظامية اسمها ( قوات التدخل السريع)، قيل إن تعدادها يصل إلى أربعين ألف رجل، كانت له الكلمة الفصل. إذ فرض تعيين الفريق البرهان، الذي ليس له قوات في الميدان تدعمه، رئيسًا للمجلس. واختار لنفسه منصب نائب الرئيس، الذي سيقود الرئيس والمجلس والدولة بأكملها، تاليًا، من موقعه في الظل، خلف الستار!؟

وقرر أن يكون هو من يوقع على اتفاق الشراكة مع ممثلي قوى الحرية والتغيير، مشترطًا عليهم أن يكون تعيين وزيري الداخلية والدفاع من اختصاص العسكريين !
واضح، جد الوضوح، أن تصرفات واشتراطات قائد قوات الدعم السريع ( حميدتي) تخفي وراءها نوايا مستقبلية لاتبشر بالخير!

فما مواقف التعنت وافتعال الخلافات والأزمات في مجلسي السيادة ومجلس الوزراء وإعاقة توجهات الحكومة لإصلاح الاقتصاد وما ترك الأوضاع الأمنية في ولايات الشرق الثلاث، عرضة للتفاقم حد التدهور.. إلَّا مقدمات لإجراء انقلاب يفضي إلى استبعاد الشركاء المدنيين والانفراد بحكم سودان غير ديمقراطي من جديد !

أورد عضو مجلس السيادة ( محمد فكي ) الكثير من الأمثلة على صور الخلافات والمكايدات السائدة داخل مجلس السيادة.

ومما شك فيه أن لدى الرجل المزيد مما فضل التحفظ عليه بخصوص تصرفات ونوايا المكون العسكري في المجلس. والدليل أنه توقع وحذر من انقلاب حقيقي، بعد المحاولة الفاشلة!

لايمكن لرجل في مكانته وفي موقعه أن يكذب أو يفتري. وإن ما أورد في مقابلته التلفزيونية من معلومات لم تكن لتأتي من فراغ.

ليلة أمس الأحد ألقى (فكي) خطابًا ساخنًا في حشد ضخم من الثوار، أكد فيه رفض القوى المدنية لمخططات العسكريين، معلنًا انتهاج النضال السلمي سبيلًا لاستعادة زخم ثورة ديسمبر وتصويب أهدافها وإفشال مخططات العسكر.

تجمع المهنيين السودانيين، الذي كان له دور مشهود في مراحل الثورة، ثم فضل الابتعاد، قليلًا عن رفاق دربه الثوار في مجموعات الحرية والتغيير، بدا ليلة أمس، أكثر تشدُّدًا في موقفه من ممارسات العسكريين المستفزة إذ دعا إلى فض الشراكة معهم وإلغاء الوثيقة الدستورية وتشكيل حكم مدني.

من مراوغات المكون العسكري الساعي للانفراد بالسلطة خلال الفترة الانتقالية وربما في ما بعدها، أنه يتَّبع سياسة (فرِّق تسُد) مع المدنيين من قوى الحرية والتغيير في المجلس حينما يتهمهم بإزاحة تجمع المهنيين والانفراد بتمثيل الثورة، وأن رأيهم لم يعد يمثل الثورة.

وحينما يطالب تجمع المهنيين بفض الشراكة وتشكيل حكم مدني يرد عليه العسكريون بأنه لم يعد ذا رأي مقبول بعد أن أبعد عن قيادة الحرية والتغيير!

سنظل نراقب الأحداث في السودان، عمومًا، وفي ولاياته الشرقية خصوصًا، وقلوبنا مع الشعب السوداني الشقيق، الذي ابتلي بحكم عصابات العسكر النزاعة إلى الدكتاتورية، بينما الشعب المثقف الواعي يحلم ويصارع من أجل الديمقراطية، التي يبدو أنها ستتطلب مهرًا غاليًا ولن تكون على موعد مع المستقبل القريب.