سبتمبر 20, 2021 - 22:54
تداعيات الانسحاب الفوضوي تتعاظم !!
عرب جورنال

فعلى الرغم من تبدي الانسحاب وكأنه محلِّي، الأثر والعاقبة، محدود المجال الجغرافي، إلَّا أن اتساع مجال تداعياته؛ إقليميًّا ودوليَّا، تقول بغير ذلك.

كنا لفتنا، في مقال تحليلي سابق، إلى أن دول الجوار الأفغاني بدأت تتخوف، علنًا، من تنصل حركة طالبان من التزاماتها في اتفاق الدوحة، ما يعني إصرار الحركة على التفرد بحكم أفغانستان، بذات العقلية القديمة، فاتحة باب الصراعات الداخلية على مصراعيه، غير مكترثة بالعواقب المحلية والإقليمية !؟

لكننا لم نكن نتوقع أن مخاوف دول الجوار المنضوية تحت لواء منظمة (شنغهاي للتعاون) ستلجأ لعقد لقاء على مستوى القمة في مدينة (دوشنبيه) عاصمة طاجيكستان المجاورة، خلال الأسبوع الماضي، وأن تطغى قضية مستقبل العلاقات مع أفغانستان لما بعد الانسحاب، على جدول وأجواء اللقاء ، إلى الحد الذي تسبب بانقسام واضح في وجهات نظر الدول المشاركة، المكونة من ( روسيا، الصين، الهند، طاجيكستان، أوزباكستان، كازيخستان، قرغيزستان، باكستان وإيران).

ففي الوقت الذي استغلت فيه كل من روسيا والصين فرصة اللقاء للإلقاء باللائمة على الولايات المتحدة الأمريكية، كونها تسرعت في عملية الانسحاب، من دون أن تعطي الأمر حقه من الترتيبات الضرورية، كما جاء في كلمة الرئيس الروسي .

نجد الرئيس الصيني يحمِّل الولايات المتحدة تكاليف ماحل بأفغانستان وشعبها من دمار خلال سنوات وجودها العشرين. متجاهلًا سبب الغزو الأمريكي. مختتمًا كلمته بتوجيه تهديدات غير مبرر، قصد فيها الولايات المتحدة، إذ قال بإن بلاده لن تسمح بأي تدخل في المنطقة!

القاسم المشترك الأكبر، الذي التقى عنده قادة المنظمة هو تخوفهم الأكيد من تجدد الصراع في أفغانستان ومن استغلال الجماعات الإرهابية ظروف الصراع المحتمل للتكاثر وتصدير الإرهاب إلى دول الجوار الأفغاني.

في حين تباين موقفا كل من طاجيكستان وأوزباكستان حول مسألة عودة طالبان و سيطرتها، من جديد، على الحكم وحول تشكيل طالبان لحكومتها غير المستوعبة لكامل تعدد الطيف القومي والسياسي والنسوي الأفغاني.

ففي حين اتخذت طاجيكستان ومعها الهند موقفًا متشددًا من عودة طالبان ومن ممارساتها الأخيرة في إقليم بانجشيروبالتالي من العلاقات، التي يجب أن تتخذها دول المنظمة تجاه إمارة طالبان القادمة، اتخذت أوزباكستان ومعها باكستان موقفًا أقل تشددًا من طالبان عودة وسلوكًا وعلاقات مستقبلة.

أمَّا الرئيس الإيراني، الذي انضمت بلاده لتوها إلى المنظمة فقد عبر عن تنديد بلاده باستخدام طالبان للقوة ضد معارضيها في بانجشير وباستعانتها بقوات باكستانية لحسم المعركة هناك، داعيًا الحركة إلى تشكيل حكومة بمشاركة كاملة في كابل.

الملاحظ أن المخاوف الأمنية المشتركة لدول منظمة (شنغهاي للتعاون) لم تكن كافية لتخلي كل من طاجيكستان والهند وإيران من جهة وأوزباكستان وباكستان من جهة ثانية عن تعصبها لأقلياتها العرقية في أفغانستان .

هذا التعصب الثنائي القطبية لدول الجوار الأفغاني ينذر بأحداث وصراعات مستقبلية خطيرة، سيدفع ثمنها الشعب الأفغاني وحده! ؟

أولى نذر ذينك التكتلين في مؤتمر ( دوشنبيه) ظهرت، بالفعل، خلال يوم السبت والأحد الماضيين، على هيئة تفجيرات داخل مدينة كابل العاصمة وفي بعض المدن الأفغانية الأخرى، مودية بحياة وسلامة عدد من القتلى والجرحى.

وهي أحداث تحمل رسائل ما لحركة طالبان، مستغلَّة مناخات الدعاية القائمة، القائلة بوجود جماعات إرهابية معادية للحركة، على رأسها تنظيم الدولة الإرهابي، الذي قيل إنه أصدر، لاحقًا، بيانًا يدعي فيه مسؤوليته عن بعض التفجيرات. مع أن تنظيم الدولة هو، في حقيقة الأمر، حليف حقيقي لحركة طالبان، جمعت شملهما دولة قطر، منذ ما قبل الانسحاب الأمريكي. وبالتالي فهو ليس خصمًا للحركة في الوقت الراهن، على الأقل .

وقد تكون الجهة العرقية، التي وراء التفجير هي من أصدرالبيان باسم تنظيم الدولة.

سيتعرف أمن حركة طالبان، من خلال العرقية التي تسكن الحي أو المدينة أو المنطقة التي وقع فيها وستقع فيها التفجيرات، الجهة الفاعلة وسيحملها المسؤولية، هي والدولة المجاورة المحرضة.

وإن من المحتمل أن تتواصل هذه التطورات الأمنية إذا لم تأخذ حركة طالبان انتقادات وملاحظات دول الجوار على محمل الجد فتسارعة لمعالجتها؛ بدلًا من تركيز اهتمامها، حاليًّا، على مطالبة العالم بالاعتراف بنظامها، ومطالبة الولايات المتحدة بإطلاق الاحتياطات النقدية المجمدة، من دون أن تقدِّم ما يثبت وفاءها بتعهداتها والتزاماتها، لطمأنة العالم من مخاوفه.

لكن أخطر تداعيات الانسحاب العسكري الأمريكي (الفوضوي) تجلى في الجهة الغربية من الكرة الأرضية وتحديدًا في القارة الأوروبية.

فقد وصلت تداعيات الانسحاب إياه حد الخصومة الفاجرة بين الحليفين الأمريكي والفرنسي. كنا قد نبهنا إلى أن الفرنسيين قد يجدون في الخطأ الذي ارتكبه الرئيس بايدن بسحب قوات الحلف، دون التنسيق الواضح مع الحلفاء الأوروبيين، مبررًا للانفراد بزعامة أوروبا، بعيدًا عن ما اعتبرته وتعتبره فرنسا هيمنة أمريكية ثقيلة الظل.

ما لم نكن نتوقع حدوثه، بهذه الحدَّة وبهذه السرعة أن يستبق الأمريكيون أية إجراءات فرنسية معادية لها في أوروبا فيوجهون إليها ما وصفها وزير خارجية فرنسا (طعنة في الظهر) !

ففي بداية الأسبوع الجاري علا صراخ الوزير الفرنسي شاكيًا من مؤامرة أمريكية ـ بريطاني ـ أسترالية) استهدفت مصلحة بلاده ، خاصة في جانب الصناعة العسكرية، بأن ألغت أستراليا صفقة تقدَّر بمليارات الدولارات، كانت قد أبرمتها لشراء 12 غواصة فرنسية، لتستأثر بها حليفتاها؛ الولايات المتحدة وبريطانيا في مقابل بيع 8 غواصات لأستراليا تعمل بالدفع النووي، في ما عُرف باتقاق ( أوكوس).

المؤكد أن الهدف الأمريكي من عقد الصفقة لم يكن الحرص على مصلحة أستراليا، للاستفادة من ميزات الوقود النووي وإنما كان الهدف توجيه ضربة غادرة للفرنسيين تكفي لتذكيرهم بحجمهم المتواضع أمام العملاق الأمريكي، الذي لايزال عازمًا ومؤهلًا، كما يبدو، لتزعُّم التكتل السياسي والعسكري والاقتصادي الغربي .

وزير الخارجية الفرنسي عبًّر عن وجع بلاده من الضربة الأمريكية الغادرة، التي لاتصدر عن (حليف صادق)، كما قال.

وزاد على ذلك أن أنكر علم بلاده بإقامة التكتل العسكري الأمني للدول الثلاث الهادف إلي مواجهة تعاظم القدرات العسكرية الصينية.

فإذا كان هذا الإنكار الفرنسي صحيحًا، فإنه يعني اعتماد الأمريكيين والبريطانيين على السرية التامة، التي تعكس عدم الثقة بالحليف الفرنسي. وإن في تصريح الوزير الفرنسي ما يعزز حدوث تقارب فرنسي ـ صيني محتمل، على حساب تحالفها المديد مع الأمريكيين والبريطانيين.

الذي يعرف المسار المتذبذب للعلاقة الفرنسية ـ الأمريكية، منذ أيام الاتحاد السوفيتي المنهار، وكيف كانت المواقف الفرنسية من قضايا الحرب الباردة تتصف بالرمادية وعدم الوضوح، كحليف للولايات المتحدة.. لن يلوم الأمريكيين اليوم على مراوغتهم للفرنسيين وفقدان الثقة فيهم.

الأخطر في أمر هذا التجمع العسكري الثلاثي ( أوكوست)، من وجهة نظر فرنسية، أنه تجاهل قوتها وعظمتها وهي الحليف الذي لايصح تجاهله وكان الأولى أن يتم ضمها إليه.

والأكثر خطورة في ردة الفعل الفرنسي على هذه العجرفة الأمريكية هو استدعاء باريس لسفيريها في أمريكا وأستراليا للتشاور!

ونتساءل : التشاور على ماذا؟ هل يعني ذلك اعتزام الفرنسيين الإقدام على خطوة جريئة من شأنها الإضرار بالحلف الأطلسي وربما بالعلاقات الثنائية مع بلدان التحالف الثلاثي الجديد؟

يقال إن السفيرين الفرنسيين قد يعودا إلى مقري عملهما خلال الأسبوع القادم. لكن التكهنات تفيد بأن للفرنسيين مواقف عقابية، بحق شركاء ( أوكوست ) قد تكون صادمة، عندما تترأس الاتحاد الأوروبي مطلع العام القادم.

تصريحات وزير الخارجية الفرنسي المتواترة إزاء نفس الموضوع تفيد بعدم نية بلاده الخروج من حلف النيتو وإنما، كما قال، سوف يستدعي الأمر إعادة النظر في بعض المنطلقات الأساسية لتكوينه!

بمعنى أن هناك نوايا فرنسية لسحب بعض الصلاحيات الممنوحة للولايات المتحدة في استخدام وتسيير توجهات الحلف عالميًّا.

فهل ستتكفل فرنسا، عندئذ، بتغطية المبالغ المالية الضخمة، التي تغطيها الولايات المتحدة الأمريكية لدعم متطلبات الحلف ؟

آخر ما صدر عن الفرنسيين حول موقفهم من اتفاق (أوكوس) ومحاولات الرئيس الأمريكي المتكررة للتهاتف مع الرئيس الفرنسي ولكن دون جدوى.. جاء كخبر عاجل على شاشة الجزيرة ظهر اليوم الاثنين، عن صحيفة لوموند الفرنسية، عن مصادر دبلوماسية فرنسية يقول : (إن اللحظة ليست للمصالحة في ما يخص أزمة الغواصات وأن الأزمة عميقة) !

هذا ولاتزال تداعيات الانسحاب الأمريكي الفوضوي في اتساع . ولايزال حبل الخلافات على الجرار، كما يقال.