سبتمبر 6, 2021 - 19:06
الأبعاد الاقتصادية لدول الجوار الأفغاني بعد سيطرة طالبان
عرب جورنال

وتطرق الخبير الاقتصادي علي رضا صلواتي، في مقال نشرته النسخة الفارسية من الصحيفة، إلى أهمية أفغانستان في المنطقة باعتبارها معبر الصين إلى أوروبا، وامتلاكها للمعادن، وأهمية المياه فيها، كما سلط الضوء على تأثير كابول على سوق العملة في إيران.

مستنقع القوى

وقال صلواتي: الولايات المتحدة تركت الأراضي الأفغانية بعد وجودها ما يقرب من عقدين من الزمان، ومما لا شك فيه أن أفغانستان لم تكن مستنقعا أميركيا فقط.

ففي عام 1830، هاجمت إنجلترا أفغانستان، واستطاع الأفغان قتل أكثر من 16 ألف فرد من القوات الإنجليزية والدول التابعة لها في إحدى أعظم الهزائم التاريخية للإمبراطورية البريطانية، في الحرب الأولى.

كانت هذه الوقفة بمثابة ضغط شديد على قوات إنجلترا إلى أن استطاعت في النهاية السيطرة على كابول عام 1879، حيث يطلق عليها حرب أفغانستان وإنجلترا الثانية.

وفي النهاية استطاع الأفغان في الحرب الثالثة عام 1919 أن ينجحوا مرة أخرى ويستقلوا بأفغانستان.

وبعد إنجلترا جاء الاتحاد السوفييتي الذي أقحم أفغانستان في أزمة. وعلى الرغم من أنه هجم عليها عام 1979، إلا أنه لم يستطع النجاح في الظاهر وخرج من الأراضي الأفغانية بعد تسع سنوات. وهذه المرة الولايات المتحدة التي انسحبت تماما.

وفي الوقت الحالي الجمهورية الإسلامية لتركستان الشرقية فعالة في حدود أفغانستان، وطاجيكستان، والصين.

يمكن لسلطة هذه الجماعات المقاتلة أن تشكل خطرا بالنسبة للصين، وإيران، وسائر الدول المجاورة تجاه نقض الحقوق الأساسية للأقليات والإبادة الجماعية للإيغور في الصين.

ويتساءل الكاتب: هل ستسعى الصين للسيطرة على أفغانستان بعد أميركا، وهل سيفسح الأفغان وتنظيم الدولة وحركة طالبان وتركستان الشرقية المجال لبكين هذه المرة؟

وفقا للمعلومات التي جمعت في البضع سنوات السابقة، ينتج ما يقرب من 90 بالمئة من الهيروين العالمي في أفغانستان -بحسب الكاتب-.

تراوح الدخل الناتج من الزراعة وتجارة المخدرات عام 2017 بين 4 إلى 6.6 مليارات دولار. وتكمن أهمية هذا الرقم في أن نعلم أن إجمالي الناتج المحلي لهذه الدولة حوالي 20 مليار دولار.

وبالتالي يوضح الكاتب أن جزءا مهما من الدخول الخاصة بهذه الدولة تأتي عن طريق المخدرات.

ويضيف صلواتي، أن طالبان حصلت في السنوات السابقة كذلك على دخل جيد من الزراعة وبيع المخدرات.

وبناء على إحدى التقديرات، فإن الحركة ربحت 400 مليون دولار كدخل لها من تجارة المخدرات خلال عامي 2018 و2019 والذي يعتبر دخلا جيدا.

مثل هذا الدخل والتجارة المربحة إلى هذا الحد باعثة على الخطر بالنسبة لإيران والدول المجاورة لأفغانستان.

فهم الأبعاد

طبقا لأحدث التقديرات التي عرضتها الحكومة الأفغانية، فالتعداد السكاني بلغ 32 مليونا و900 ألف نسمة، و71 بالمئة من هذا التعداد يسكن القرى، و24 بالمئة يسكن المدن، و5 بالمئة بدو.

وفيما يتعلق بتعداد السكان في أفغانستان، 67 بالمئة هم تحت سن 24 عاما، وحوالي 47 بالمئة تحت سن 15 عاما، ومن المحتمل أن نشهد نموا عجيبا في التعداد العام خلال السنوات القادمة.

ويقول الكاتب: إن نافذة السكان التي انفتحت في أفغانستان، يمكن أن تتسبب في انطلاق سيل من المهاجرين إلى الدول المجاورة خلال العشر سنوات القادمة.

تابع صلواتي قائلا: بناء على المعلومات التي عرضها البنك الدولي، فإن الإنتاج الإجمالي المحلي في أفغانستان خلال عام 2020 يقدر بحوالي 21 مليار دولار بفرض ثبات سعر عام 2010.

هذا في الوقت الذي يقدر فيه الإنتاج الإجمالي المحلي في إيران بحوالي 500 مليار دولار.

وفي الحقيقة بالنسبة للأسعار الثابتة لعام 2010 فإن الاقتصاد الإيراني يعادل 25 ضعف نظيره الأفغاني.

ومن حيث الأسعار الاسمية، مع أخذ ارتفاع سعر العملة في إيران في عين الاعتبار، فإن الإنتاج الإجمالي المحلي فيها يقدر بحوالي 200 مليار دولار.

وهو ما يوضح أنه في أسوأ السيناريوهات فإن الاقتصاد الإيراني يعادل عشرة أضعاف الاقتصاد الأفغاني.

مع أخذ هذا الحجم الاقتصادي في الاعتبار أيضا، يمكن القول: إن الاقتصاد في أفغانستان في الظروف الحالية ضعيف إلى أقصى حد.

وأردف الكاتب: بدأت الحروب الأخيرة في أفغانستان في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2001 بأمر من الرئيس الأسبق جورج بوش الابن.

ومن وقتها وحتى الآن مر ما يقرب من عشرين عاما، وانتهت تكلفة تلك الحرب بالنسبة للاقتصاد الأميركي بحوالي 2.31 تريليون دولار، وهو رقم كبير للغاية.

وبفرض أن التعداد السكاني في أميركا هو 320 مليون نسمة، تتكلف الحكومة الأميركية حوالي 7 آلاف و200 دولار من جيب كل أميركي للحرب الأفغانية.

أهمية أفغانستان

هاجم بوش أفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 بحجة محاربة الإرهاب.

بعد مرور ما يقرب من عشرين عاما على تلك الحادثة، كانت طالبان العدو الرئيس لأميركا، ولكن جلست الحركة للتفاوض وسقطت الحكومة الأفغانية بسرعة.

ويتساءل الكاتب قائلا: السؤال الأساسي هو لماذا حاربت أميركا هناك لعشرين عاما وفي النهاية وصلت إلى نتيجة الانسحاب؟

ويقول: "يبدو أن أفغانستان مهمة للغاية من الناحية الاقتصادية الاجتماعية". وذكر صلواتي، أن ذلك البلد هو أحد أهم المسارات الرئيسة لربط الشرق بالغرب.

في حال باشرت الحكومة الأفغانية عملها فلا بد أن تعمل على استتباب الأمن التام في تلك المنطقة، حيث تستطيع الصين أن تصل إلى قلب أوروبا عن طريق إيران وبتكلفة ضئيلة للغاية.

فيبدو أنه باكتشاف طرق بديلة وبالتأكيد بزيادة تكاليف الحرب، وصلت واشنطن إلى نتيجة أن الاستمرار في ذلك الطريق بلا جدوى.

وبلا شك فحركة طالبان تهدد مصالح الصين وإيران بانعدام الأمن والحرب الأهلية.

وتعتبر السيطرة على أفغانستان في الوقت الحالي كنزا ضخما غاية في الأهمية من الناحية الجيوسياسية، ووقع هذا الكنز في يد طالبان.

ونشر في تقرير عام 2010 أن الخبراء العسكريين وخبراء الجيولوجيا يعتقدون أن الأراضي الأفغانية من أفقر دول العالم، على الرغم من أنها مفعمة بالموارد الطبيعية التي تقدر بألف مليار دولار (بما يعادل 850 مليار يورو) مثل: الحديد، الألماس، والكوبالت، والليثيوم، والعناصر الأرضية النادرة.

إضافة إلى ذلك، يتصارع الشرق الأوسط حول أزمة المياه، وتسعى دول المنطقة لإنشاء سدود لغلق المياه في وجه بعضهم البعض.

ادعى الرئيس الأفغاني الهارب أشرف غني أثناء افتتاح سد كمال خان أنهم لن يعطوا إيران المياه بشكل مجاني، وطرح موضوع المياه في مقابل البترول.

يعتقد الكثير من الخبراء أنه على الرغم من العيوب والضغوط الاقتصادية الكثيرة التي تمارسها طالبان تجاه إيران، إلا أن مياه الأمطار الغزيرة في أفغانستان ستتسبب في دور مهم لها من حيث الزراعة وكذلك انتقال المياه إلى طهران.

الارتباط بإيران

اضطرب سوق العملة الإيراني مرة أخرى بسيطرة طالبان على أفغانستان خلال هذه الفترة، ووصلت قيمة العملة إلى 28 ألف تومان.

مع الأخذ في الاعتبار الزيادة الكبيرة في سعر البترول والعديد من السلع، واحتمالية تحسن الدخول الخاصة بالعملة، فزيادة السعر يمكن أن يتعلق بأحداث أفغانستان، بحسب الكاتب.

كانت مدينة هرات إحدى ممرات استلام الدولارات النقدية بالنسبة لإيران، وإلى أن يحدث الاستقرار في تلك المنطقة، يبدو أن سوق العملة سيرتفع قليلا عن حده الطبيعي.

ومع أخذ مساحة أفغانستان في الاعتبار فلا يمكنها أن تؤثر على سعر الدولار أكثر من 10 بالمئة. ويبدو أنه في حالة زيادة الاستقرار في المنطقة، ستحل هذه المشكلة إلى حد ما، وفق تقدير الكاتب.

هناك أثر آخر للاقتصاد الأفغاني بالنسبة لنظيره الإيراني، وهو هجرة الأفغان إلى إيران.

دخول هؤلاء الأفراد إلى إيران يمكن أن يجعلهم منافسين في سوق العمل للشباب الإيراني، وبالتالي سترتفع التكاليف العامة للدولة.

ماذا سيحدث؟

وأحدث انسحاب الولايات المتحدة توازنا جديدا في المنطقة، حيث سيكون هناك مصالح وأضرار مختلفة بالنسبة لدول المنطقة.

وبحسب الكاتب فإن هذا الانسحاب يوضح أن أهمية الشرق الأوسط قد قلت بالنسبة لواشنطن بعد أكثر من 60 عاما من استقلال أميركا عن استيراد الطاقة، ومن المحتمل أنها لا تريد أن تنفق تكاليف في المنطقة كالسابق.

وهناك وجهتان للنظر فيما يخص وضع أفغانستان الحالي ومستقبل إيران.

يذكر عدد من المحللين أنه مع أخذ انسحاب أميركا من المنطقة في عين الاعتبار، فبإمكان إيران التركيز على إظهار قوتها العسكرية في المنطقة، وبلا شك تبعد عن التهديد بالهجوم العسكري قليلا.

ويعتقد البعض الآخر أن سيطرة طالبان على أفغانستان يعني على الأقل اتجاه مئات آلاف الأفغان نحو الهجرة إلى إيران، والذي لن يؤدي إلا إلى ارتفاع تكاليف الدولة وغلاء أسعار المواد الغذائية في الجمهورية الإسلامية.

واختتم الكاتب مقالته متسائلا: يجب فحص ما إذا كانت طالبان تستطيع أن تفي بوعودها بشأن الاستقرار في أفغانستان، أم أنها ستعمل على ظهور تعقيد جديد بالإضافة إلى تعقيدات المنطقة بزيادة انعدام الأمن؟