مارس 16, 2024 - 01:29
وزير الخارجية التونسي الأسبق رفيق عبدالسلام لـ(عرب جورنال): الموقف اليمني فعّال في تخذيل العدوان الإسرائيلي على غزة والهجمات الأمريكية والبريطانية فشلت لإصرار اليمنيين على مواصلة دعم غزة

في حوار خاص تستضيف "عرب جورنال" وزير الخارجية التونسي الأسبق، رفيق عبدالسلام، للحديث عن آخر التطورات في غزة، والمستجدات الإقليمية المتعلقة بهذه الحرب العدوانية التي تدخل شهرها السادس. ويتطرق الحوار إلى أهمية توسيع اليمن نطاق حصاره للملاحة الإسرائيلية إلى المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح، مع استمرار العمليات بوتيرة تصاعدية ضد السفن الإسرائيلية وكذلك السفن الأمريكية والبريطانية المعتدية على اليمن. كما يتطرق الحوار إلى عواقب الصمت العربي تجاه ما يحدث في غزة، وكيفية التعاطي مع النتائج والمتغيرات التي فرضتها معركة طوفان الأقصى، بالنسبة للشعوب والدول العربية إذا ما أرادت الخلاص من سطوة الهيمنة الأمريكية الصهيونية.

عرب جورنال/ حوار / حلمي الكمالي _

ما قام به اليمنيون تجاه غزة هو سلوك أخلاقي نبيل وكل العالم العربي والإسلامي يقدر عاليا الموقف اليمني الجاد  والفعال في تخذيل العدوان الإسرائيلي على القطاع

العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن بلا أفق وقد فشل بسبب ضعف المعلومات الاستخباراتية الغربية وإصرار اليمنيين على مواصلة دعم غزة حتى وقف العدوان ورفع الحصار عنها

فكرة الدولة الفلسطينية التي يطرحها الأمريكيين عبارة عن كنتونات معزولة وتفتقد الاتصال الجغرافي وهي بيع للوهم للفلسطينيين والعرب لتمرير مشروع التطبيع 

الشارع العربي مضروب على يديه بسبب أجواء القمع ومنع التحركات الشعبية لكنه منحاز بالكامل لغزة ورافض للعدوان الصهيوني 

لا نستبعد حدوث موجة جديدة من الثورات في العالم العربي ضد التطبيع والتبعية للقوى الاجنبية والتفريط في السيادة الوطنية، خاصةً في الدول التي انخرطت في مسار تطبيعي مع الكيان الصهيوني فالشعوب تراكم نقمتها وتخزن غضبها وتتحين الفرصة المناسبة لترجمتها على الواقع

العدوان على غزة فتّح عيون العالم على بشاعة المشروع الصهيوني وحجم الاجرام الذي يرتكبه وأحدث صحوة وعي جماعي في مختلف العواصم الغربية وأظهر الهوة التي تفصلها عن شعوبها في الديمقراطيات الغربية نفسها

المنظومة الليبرالية تلقت ضربة في مقتل بسبب دعم الساسة الغربيين لـ"إسرائيل" وأحداث غزة ستكون محفزاً لمتغيرات على الساحة الدولية أهمها تعمق حالة القطبية وتراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط 

_ رغم العدوان الأمريكي البريطاني يواصل اليمن حصاره للملاحة الإسرائيلية وبل وتوسيع رقعة هذا الحصار إلى المحيط الهندي ورأس الرجاء، إلى جانب استهدافه للسفن الأمريكية البريطانية المعادية.. هل تعتقدون أن اليمن كسر هيبة الولايات المتحدة كسيدة البحار؟ وهل وقعت واشنطن ولندن في فخ اليمن في ظل تأكيد جنرالات وسيناتورات أمريكية بريطانية بفشل خياراتها العسكرية في مواجهة اليمنيين؟ وما هو تقييمكم لأهمية التدخل اليمني العسكري المباشر لمناصرة غزة؟

أعلن اليمن منذ البداية أنه لا يريد تعطيل الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب بل يستهدف السفن الذاهبة والقادمة من الموانئ الإسرائيلية تضامناً مع غزة ومطالبةً بوقف العدوان، وعوض أن تقوم واشنطن بنزع فتيل الحريق عبر الضغط على حليفها الإسرائيلي بالسماح بإدخال المساعدات ورفع الحصار وكف العدوان، اتجهت إلى تدويل الأزمة وحشد سفنها في البحر الأحمر ومياه الخليج، ثم أقدمت على قصف اليمن الذي يعاني من أصله من مخلفات الحصار.

ما قام به اليمنيون هو سلوك أخلاقي نبيل وينم عن روح التضامن العربي والإسلامي، ويؤكد انحيازهم الكامل لإخوانهم الفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب إبادة جماعية مفتوحة، ولذلك فإن كل العالم العربي والإسلامي يقدر عالياً وقفة اليمن ومشاركته الفاعلة والجدية في تخذيل العدوان بشكل لم تحتسبه دولة الاحتلال وحلفائها، وربما تكون هذه فرصة مناسبة لدعوة الاخوة اليمنيين إلى بذل مزيد من الجهد والتوحد والتضامن فيما بينهم ووضع النزاع الداخلي خلف ظهورهم. 

نعم أتصور أن مهاجمة اليمن واستهدافه بالقصف الجوي والصاروخي لا أفق له بسبب ضعف المعلومات الاستخباراتية الغربية عن اليمن أولا، ثم بسبب تصميم اليمنيين على عدم التوقف ما لم تتوقف حرب الإبادة الجماعية في غزة ويرفع الحصار ثانيا.

_ في الوقت الذي تتحدث فيه أمريكا عن إقامة دولة فلسطينية تؤكد حكومة الاحتلال ومعظم المكونات الإسرائيلية رفضها القاطع لإقامة هذه الدولة.. ألا يكشف ذلك أن التسويق الأمريكي لإقامة دولة فلسطينية كثمن للتطبيع مع السعودية وتوسيع رقعته عربياً، هو مجرد "كلام فارغ" لتخدير الفلسطينيين والرأي العام الدولي وربما كسب مزيد من الوقت للتخلص من الضغوط الدولية ومن ثم تمرير مخطط تهجير أبناء غزة؟ قراءتكم لهذا المشهد بشكل عام ؟ 

تقديري أن فكرة الدولة الفلسطينية هي بيع للوهم للفلسطينيين والعرب لتمرير مشروع التطبيع لا غير، وهو وهم يحتاجه الأمريكان مثلما يحتاجه النظام الرسمي العربي غطاء لنسج تحالف متبادل. الدولة الفلسطينية تبخرت واقعا، ولم يعد لا من وجود مع تمدد الاستيطان وتهويد الأرض وإقامة العوازل ومحاصرة الفلسطينيين في القدس والضفة وقصفهم وقتلهم في غزة. 

كل ما هنالك أن فكرة الدولة التي يطرحها الأمريكان الآن على الطاولة بعدما سحبوها من دائرة النقاش والاهتمام السياسي منذ ما يزيد عن العقدين من الزمن هي تكتيك سياسي يدخل ضمن ما يسمى بترتيب اليوم التالي، أي المراهنة على إعادة بناء المشهدين الفلسطيني والعربي بعد القضاء على المقاومة، من خلال عقد اتفاقيات أمنية وعسكرية واقتصادية بين "إسرائيل" والدرل العربية، بما يجعل "تل أبيب" قطب الرحى في المنطقة والمتحكم الأكبر العواصم العربية نفسها.

طبعا الدولة الفلسطينية التي يطرحها الأمريكان هي عبارة عن كنتونات معزولة وتفتقد الاتصال الجغرافي، وهي إلى جانب ذلك لا تتوفر على أي سلطة فعلية أو سيادة على الأرض والبحر والجو، ومن دون قدس، وكل ما تملكه هو أجهزة أمنية واستخباراتية للتنسيق مع الاحتلال وضبط الفلسطينيين والسيطرة عليهم، لكن ما عطل وسيعطل هذا المشروع هو رفض نتنياهو وفريقه الصهيوني المتطرف أن يعطي حبل النجاة لبايدن والأنظمة العربية الراغبة في التطبيع، فقد حرمهم إلى حد الآن من الغطاء السياسي الذي يسمح لهم بترويج التطبيع، فعين نتنياهو متركزة على الرغبة في السيطرة على غزة والضفة والقدس، بينما عين بايدن مركزة على مشروع السيطرة على الشرق الأوسط برمته ومحاصرة الروس والصينيين والايرانيين. 

_ هناك مواطن أمريكي أحرق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن احتجاجا على مجازر الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، بينما لم نرى حراكا عربيا حقيقيا تجاه ما يحدث في غزة.. لماذا يصمت ملايين العرب والمسلمين عن المذبحة الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني؟ وكم من الدم والأشلاء يريدون للتحرك فعليا لمساندة غزة ووقف هذا العدوان الغاشم الذي لا يتهدد الوجود الفلسطيني وحسب بل الوجود العربي لما له من تبعات مباشرة على مستقبل الأمة؟ 

الشارع العربي مضروب على يديه بسبب أجواء القمع ومنع التحركات الشعبية، مع بعض الاستثناءات القليلة هنا أو هناك، بما يجعل من الخروج للشارع لعبة مكلفة ومجازفة وثمنها في الغالب الاعتقال والملاحقات البوليسية.

خذ مصر مثلا، وهي البلد المجاور مباشرة لغزة والأكبر عربيا، حدثت فيها بعض التحركات المحسوبة والموجهة في بداية العدوان، ولكن حينما شعرت السلطة أن هذه التحركات ستخرج عن سيطرتها قمعت الشارع واعتقلت المتظاهرين، كما أن الشارع العربي مصاب بشيء من الإحباط بعد كسر الثورات العربية وتردي الأوضاع العامة، وربما تمثل المغرب والأردن واليمن وإلى حد ما تونس، استثناء من القاعدة العامة حيث رأينا تحركات شعبية داعمة لغزة، أما العالم الإسلامي حيث تبدو مساحات الحرية أوسع فقد رأينا مظاهرات ضخمة في تركيا وايران والباكستان واندونيسيا وماليزيا وغيرها.

ولكن لا يجب أن نقع في الخطأ هنا، فالشارع العربي والإسلامي منحاز بالكامل لغزة ورافض للعدوان الصهيوني وقلوب الناس تتقطع على ما يرونه من مشاهد حرب الإبادة الجماعية وتقتيل النساء والاطفال في فلسطين، بل إن الحياة السياسية العربية كادت تتوقف تقريبا ولم يعد للناس من اهتمام أو حديث إلا عمّا يجري في غزة وفلسطين ، والكل يدعو لهم بظهر الغيب ويلعن المحتلين، ولا يستبعد أن تنتقل هذه المشاعر الجياشة إلى فعل احتجاجي قوي في أي وقت من الأوقات، فالشعوب تراكم غضبها وتخزن مشاعرها وتتحين الفرصة المناسبة لترجمتها واقعا في شكل تحركات واحتجاجات، وستأتي اللحظة المناسبة آجلا أم عاجلا.

_ في ظل المتغيرات الجديدة التي فرضتها المقاومة في 7 أكتوبر داخل فلسطين وخارجها.. برأيكم كيف يجب أن تتعاطى الدول العربية مع نتائج معركة طوفان الأقصى سواء فيما يخص وضعها الداخلي أو الخارجي؟ وهل تعتقدون أن هذه النتائج قد تدفع لمرحلة جديدة من التحرر العربي من الهيمنة الأمريكية الغربية من خلال أولاً إسقاط الأنظمة المطبعة والعميلة؟ 

للأسف أظهر النظام العربي سواء بشكله الفردي أو الجمعي، أظهر قدرا كبيرا من الضعف والعجز، بما يصل إلى التواطؤ المتعمد في بعض الأحيان، وإلا فما معنى أن تعجز الدول العربية مجتمعة بعد القمة العربية الإسلامية عن إدخال الماء والطعام والدواء لأهل غزة المحاصرين والمجوعين، وأي معنى للأمن العربي المشترك إذا كان هناك شعب عربي يتعرض للإبادة الجماعية ولا يجد السند من الشقيق والجار القريب له، ولم تقدم الدول العربية المتورطة في التطبيع، في الحد الأدنى على طرد السفراء الإسرائيليين كما فعلت بعض دول أمريكا الجنوبية، بل ما هو أكثر خطورة من ذلك أن تتجه بعض الدول العربية إلى تغيير العقيدة السياسية والأمنية العربية وبناء سرديتها الحديدة والتي مفادها أن "إسرائيل" لم تعد تمثل خطراً على الأمنين الوطني القومي العربيين، بل هي حليف محتمل في مواجهة أعداء داخليين واقليميين آخرين !.

وعوض أن تمثل صدمة غزة فرصة للنظام الرسمي العربي باتجاه تدارك أخطائه وانحرافاته، فإنه أمعن في مزيد التخاذل والتواطؤ مع "إسرائيل" وحلفائها.

تقديري أن الدول العربية، خصوصا تلك التي انخرطت في مسار تطبيعي مصادم لمشاعر شعبها والجمهور العربي الأوسع، تعرض نفسها للخطر وتهز شرعيتها من القواعد، ولا نستغرب أن نشهد موجات جديدة من الثورات الشعبية في العالم العربي ضد التطبيع والتبعية للقوى الاجنبية والتفريط في السيادة على منوال ثورات الربيع العربي، فالشعوب تراكم نقمتها وتخزن غضبها إلى غاية تحين اللحظة المناسبة. 

_ ما عواقب الانحياز الفاضح لأمريكا والغرب مع جرائم الإبادة الجماعية في غزة؟ وهل قد يكون هذا الدم العربي المسلم المسفوك ظلما وعدوانا نقطة التحول في حياة الأمم وربما في مستقبل النظام العالمي؟ كيف ذلك؟ وما توقعاتكم لمستقبل المنطقة بشكل عام طبقاً للتطورات العسكرية والسياسية والإنسانية القائمة؟ 

فتّح العدوان على غزة عيون العالم على بشاعة المشروع الصهيوني وحجم الاجرام الذي يرتكبه، وعدم التزامه بضوابط القانون الدولي والأخلاق والأعراف الدولية وكل شيء، وقد أحدث ذلك صحوة وعي جماعي في مختلف العواصم الغربية، ووضع الطبقات السياسية موضع اتهام وأظهر الهوة التي تفصلها عن شعوبها في الديمقراطيات الغربية نفسها.

أتصور أن المنظومة الليبرالية تلقت ضربة في مقتل من طرف الساسة الغربيين أنفسهم، حيث أظهرت الأحداث أن كل ما يعني الدول الغربية هو دعم "إسرائيل" وحمايتها ولا مكانة عندها للقانون الدولي والديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة الدول، فهذه المقولات تستخدم إذا تعلق الأمر بمواجهة خصوم أو لجلب مصالح معينة لا غير. 

أحداث عزة ستكون محفزاً لمتغيرات ستتفاعل أكثر في الساحة الدولية، ومن أهم سماتها تعمق حالة القطبية الدولية وتراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط بسبب ارتباطه الوجودي بإسرائيل، كما أن "إسرائيل" لن تستطيع تجاوز مخلفات طوفان الأقصى واهتزاز نظرية الردع التي ظلت ترهب بها الفلسطينيين والعرب منذ تأسيس المشروع الصهيوني رسميا سنة 1948.

غزة حركت الكثير من المياه الراكدة في المنطقة والساحة الدولية عامة وسيكون لها ما بعدها بكل تأكيد.