مارس 13, 2024 - 16:59
السلام الأمريكي والشرق الأوسط ..  مصالح أمريكا في المنطقة من منظور إسرائيلي

خالد الأشموري
كانت الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001 ضد الولايات المتحدة صدمة عظيمة الشأن تماثل الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر أثناء الحرب العالمية الثانية. ومثل الهجمة السابقة كانت "الحرب على الإرهاب" التي أعلنتها إدارة جورج دبليو بوش عقب هجمات سبتمبر قد منحت الولايات المتحدة الفرصة للتحسين من وضع مصالحها في الشرق الأوسط والتخلص من المناوئين لها وتوسيع نطاق هيمنتها بالمنطقة.. ويستند " محمد عبدالله " مجلة الموقف العدد "54" في طرحه هذا إلى كتاب " "السلام الأمريكي والشرق الأوسط" الصادر عام 2004 م وفيه يحاجج الباحث الإسرائيلي برادلي تاير من مركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية، أن الحرب على الإرهاب التي أعلنتها الإدارة الأمريكية بعد هجمات واشنطن ونيويورك سوف توسع إلى حد كبير جداً من النفوذ الأمريكي وتواجدها في منطقة الشرق الأوسط ، وهذا بدوره قد يقود إلى إعادة تشكيل المنطقة بما يتوافق مع ما يسميه الفكر الأمريكي التحرري الذي يشدد على أهمية دعم وتطوير حكومات وأسواق متحررة. .ومثلما أن الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة قد خلقنا الفرصة لوجود أمريكي دائم في أوروبا وشمال شرق آسيا، فإن الحرب على الإرهاب تقدم الفرصة اللازمة لزيادة القوة العسكرية والاقتصادية الأمريكية إلى أقصى حد في منطقة الشرق الأوسط مما له دلالات عميقة على وجود حلفاء ومناوئين للولايات المتحدة في المنطقة . 
وضمن هذا السياق من الطرح يشير كاتب المقال: بأن المناقشة الرئيسية لهذا الكتاب/ الدراسة تتمحور حول ضرورة التوسع الكبير للسلام الأمريكي في الشرق الأوسط، لأنها بذلك تحمي مصالحها التقليدية في المنطقة وتكون قادرة على تعجيل مصالح جديدة لها .. وعليه كما يقرأ الكاتب بأن الكتاب يبدأ بتقييم للاستراتيجية الكبرى للأولويات وبتحليل للأهداف الاستراتيجية التقليدية لأمريكا في الشرق الأوسط خلال فترة الحرب الباردة والعقد الذي سبق أحداث 11 سبتمبر .. تعني الإستراتيجية الكبرى الكيفية التي تعرف بها الدولة مصالحها، والتهديدات التي تستهدف هذه المصالح ووسائل التعامل معها.. إن الإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة هي أن تكون في المرتبة الأولى أو الهيمنة والتسلط التي تعني حالة من السياسات الدولية تهيمن فيها دولة ما على دول أخرى نتيجة لقوتها وتفوقها العسكري.. إن السيطرة الأمريكية - كما يقول تاير - تمنحها القدرة على إعطاء الأولوية لمصالحها الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية كما تمنحها أيضاً القدرة على تقديم أفكارها إلى المجتمع الدولي بوضع مقاييس عملية ونظم سياسية مقبولة تعكس قيمها. ويمكن للسيطرة أن تخلق حالة من الإستقرار في السياسات الدولية وفي بعض المناطق المحددة كما فعل سلام روما وسلام بريطانيا، وقد حدث هذا بالفعل مع سلام أمريكا في أوروبا وأمريكا اللاتينية وأغلب بلدان آسيا.
أثناء فترة الحرب الباردة كان الهدف الإستراتيجي الأكبر لواشنطن في الشرق الأوسط هو تأمين تدفق النفط المجاني إليها وإلى حلفائها في أوروبا وآسيا وما تزال الحقيقة اليوم أن النفط عنصر هام جداً وحاسم في المتطلبات الاقتصادية والعسكرية للديمقراطيات الصناعية، ومن دون النفط سوف يضعف الاقتصاد ولن تكون القوى العسكرية قادرة على محاربة الاتحاد السوفياتي الذي كان متميزاً على الغرب في هذا الجانب بسبب وجود منابع النفط في بلاده . 
ولتحقيق هذا الهدف اضطرت أمريكا لتقديم دعم كبير للحكومات الحليفة مثل مصر، إيران، إسرائيل، العربية السعودية، وتركيا، لكي تحد من التوسع السوفييتي في المنطقة. وحافظ النفط على أهميته كهدف استراتيجي في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، كما برزت أهمية دعم الحلفاء، وأصبحت كل الظروف لصالح التوسع الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، وكان لابد لإدارة بوش أن تحكم قبضتها على الفرصة التاريخية التي سنحت لها في حربها على الإرهاب والنصر الذي حققته في العراق من أجل إعادة تشكيل بلدان الشرق الأوسط والتوسيع الجوهري للوجود الأمريكي في المنطقة .
وعندما تطرح الإدارة الأمريكية هدفها الطموح في احداث تغييرات راديكالية في نظام الحكم في العراق، فإنها تطرح هدفاً أكثر جرأة - حسب تاير - يتمثل في احداث تغييرات في المنطقة باستخدام القوة الأمريكية لإنشاء أنظمة حكم مؤيدة لواشنطن كما فعلت في آسيا، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية.
ويذهب تاير إلى أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة هي الدولة الأقوى بين السياسات العالمية إلا أنها يجب أن تسرع في تنفيذ توسع انتشار القوة الأمريكية في الشرق الأوسط، وذلك لسببين أساسيين :
الأول : إن لدى إدارة بوش حينها فرصة محدودة لإجراء هذه التغييرات لا تتجاوز زمنياً عام 2008 م، ولكن وبرغم ذلك فإن لديها الفرصة لإخضاع منطقة الشرق الأوسط للولايات المتحدة بطريقة يجد فيها حلفاؤها صعوبة في تعديلها جوهرياً. ولكن السبب الأكثر أهمية - كما يوضح تاير - هو الحالة الراهنة للنظام الدولي إذ لا يوجد نظير منافس يوازي قوة الولايات المتحدة، كما كان حال الاتحاد السوفياتي في فترة الحرب الباردة.
إن غياب النظير المنافس في منطقة الشرق الأوسط يمنح واشنطن الأولوية في السياسة الدولية، ويقدم لها فرصة مزيدة للتقدم بأهدافها ونفوذها قبل أن يتبدل الحال مع ظهور منافس لها، ولتحقيق التغير في المنطقة، لابد أن يتضمن جدول أعمال السلام الأمريكي - كما يجادل تاير - البنود التالية: 
- الاستناد إلى ما تم التوصل إليه بالفعل وهو التخلص من صدام حسين ونظامه من خلال حملة سريعة وجريئة كعملية تحرير العراق ومن ثم لابد من تأمين العراق لتحقيق أهداف الولايات المتحدة في ذلك البلد. إن خلق حكومة مناصرة حليفة لأمريكا في بغداد، وإنشاء قواعد أمريكية تسهل من عملية الهيمنة .
  - يجب على الولايات المتحدة أن تمارس الضغط على كل من إيران وسوريا لتغيير سياسات معينة تهدد هدف تغيير المنطقة. ويجب على طهران أن تتوقف عن دعم الإرهاب" وأن توقف برنامجها النووي ، ويجب على دمشق أن توقف دعمها للإرهاب، ولتحقيق هذا كله لابد من التواجد الأمريكي العسكري الدائم وإنشاء مزيد من القواعد في المنطقة لدعم عملياتها العسكرية والإستخبارية ضد إيران وسوريا .
 - يجب على الولايات المتحدة أن تقضي ، تماماً على تنظيم "القاعدة" أو تضعف كيانه على الأقل، والطريقة الحاسمة في إنجاز هذا الهدف يرتبط بتغيير أو إعادة تشكيل الحكومات في إيران وسوريا هكذا !!". ومع مرور الوقت وظهور دعم الدولة والتغير الاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط، سوف تتلاشى قوة التنظيم. إذ أن هجمات "القاعدة" ضد الولايات المتحدة على مدى العقد الذي سبق أحداث واشنطن ونيويورك تثبت أن هذا التنظيم يشكل تهديداً حقيقياً لمصالح أمريكا وأمنها القومي فيكون بذلك من الصواب أن جعلت الأخيرة من تنظيم "القاعدة" هدفاً لها. كما توجد جماعات إرهابية أخرى في المنطقة والتي من شأنها أن تؤثر على المصالح الأمريكية الى حد ما، ولكن واشنطن في الوقت الحاضر - كما يزعم تاير - لا تسعى إلى تدمير حزب الله في جنوب لبنان والجماعات الأخرى التي تستهدف إسرائيل والتي تتضمن حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين إذ ينبغي على واشنطن أن تقدر بشكل جيد حجم التهديد الذي يشكله حزب الله .
وغالباً ما يعتبر المحللون الأمريكيون هذه المجموعة متشابهة في عوامل التحريض وهي الجانب الوطني والقومي، في حين ينبغي على أمريكا ألا تتورط في ما يصفه الباحث الإسرائيلي بـ" صراع وطني" بين الدولة العبرية وحماس أو الجهاد الإسلامي، وإنما ينبغي على أمريكا - كما يقول أو يتمنى بالأحرى أن تواظب على مراقبة حزب الله عن كثب والإستعداد تماماً لتدميره وفقاً لقدراته وارتباطه الحديث، ولكن المتنامي، مع تنظيم القاعدة كذا ! ! " والدعم الذي يلقاه من إيران وسوريا.
-     يجب على الولايات المتحدة أن تدعم دولة فلسطينية لا تهدد أمن إسرائيل، فالتواجد الأمريكي الواسع - طبقاً "لبرادلي تاير" - يعتبر فرصة هامة للغاية في تحسين أوضاع الأمن في الدولة العبرية وفي تعزيز العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، ولكن هنالك احتمال أن يفاقم هذا التواجد من حدة التوترات القائمة بينهما . إن أهم المواضيع المطروحة هو ما يطلق تاير عليه وصف القضية الفلسطينية – الإسرائيلية"، إذ يجب على إدارة بوش - كما يقول - أن تتعلم من تجربة إدارة سلفه أي" بيل كلينتون" وألا تفرض بالقوة إقامة دولة فلسطينية قبل الأوان. فالشروط اللازمة - حسب تحليله - لا تتوفر بعد في الجانب الفلسطيني إذ أن قيادته لا تستطيع قبول متطلبات الأمن الإسرائيلي، كما أن فرض إقامة الدولة الفلسطينية سوف يتطلب ضغوطاً لا تقبلها الحكومة الإسرائيلية. وإن القيادة السياسية الفلسطينية تسير في إتجاه إيجابي ولكن العناصر المتوفرة ليست بالقوة الكافية لتحكم دولة فلسطينية وتقف في وجه من يسعون إلى إيذاء إسرائيل".
وفي النتيجة، من السهولة بمكان إدراك البعد البراجماتي - الذي يقارب الإنتهازية الوقحة في التحليلات التي تتخلل هذا الكتاب.. إن برادلي تایر كباحث يفترض فيه الحد الأدنى من الموضوعية، لا يتردد عن اختلاق أكاذيب مفضوحة في سبيل إيهام القراء، وصناع السياسة خاصة في واشنطن الذين سيقرأون تحليلاته حتماً، بأن مصلحة الولايات المتحدة والدولة العبرية تكاد  تكون متطابقة إن لم تكن متوائمة تماماً، فمثلاً نجده يخالف أبسط الحقائق بإشاراته الغريبة إلى تعاون كل من إيران وسوريا مع تنظيم القاعدة، وإلى ما يصفه بالإرتباط المتنامي بين حزب الله وذات التنظيم، في حين أن الجميع يعرف أهمية الأدوار التي قامت بها طهران و دمشق في الحرب ضد القاعدة وتدمير بنيتها التحتية واعتقال قادتها وعناصرها بالجملة، كما أن الجميع يعرف أيضاً مدى التنافر وعدم الانسجام بين القاعدة وحزب الله، حيث وأن لكل منهما أيديولوجيته الدينية الخاصة التي تصل في أوقات كثيرة إلى الخصومة وتكفير بعضهما البعض .
والحال إن تاير يريد من تحليلاته هذه التي يكثر فيها مطالباته الولايات المتحدة من خلال كلمات مثل:  يجب، وينبغي .. الخ، أن يؤكد لواشنطن: أن هذه هي مصالحك في المنطقة، ولأنها كذلك - مصالح إسرائيلية بامتياز، فمن الطبيعي إن لم يكن من الواجب أن نتعاون معاً وأن نتفق بغض النظر عن الموقف العربي سواء رضي بهذا الأمر أو كره . 
ومع ذلك، يحسب لتاير ولكتابه هذا إضاءته المهمة حول طريقة الخطاب وطبيعة التحليل والنظر إلى الأمور التي يتمتع بها الجانب الإسرائيلي سياسيون وقادة، باحثين ومفكرين، والتي يغلبها أسلوب القنص واستغلال الفرص والحوادث التاريخية دائماً وتوظيفها سياسياً وإعلامياً لغرض استجلاب العطف أو تمرير الرؤى الإسرائيلية للقضايا المختلفة ودفع القوة الأمريكية إلى الإرتماء - باستمرار - في أحضان هذه الرؤى والتحاليل ومن ثم تبنيها والدفاع عنها دون الإلتفات إلى توسلات الجانب العربي ودموعه كما دماءه النازفة منذ وقت طويل، والتي حتماً، في ظل هكذا أجواء مظلمة.. وهكذا زمن أمريكي إسرائيلي بامتياز ، ستظل تنزف إلى حين !!.