مارس 9, 2024 - 17:37
الجيش اليمني يتوعد السفن الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية بمزيد من الهجمات النوعية


توفيق سلاّم

بات من المسلم به أن العالم يضع مراهناته دائما على الولايات المتحدة في احتواء الأزمات الدولية، لكن التجاذبات السياسية الداخلية الأمريكية، غالبًا ما تلعب دورًا طاردًا في هذا الاتجاه، فتدفع دول العالم ومنها دول الحلفاء الرئيسين لواشنطن بالبحث عن حلول خارج نطاق المراهنة المعهود عليها. ولعل الظرف الدولي الحالي وما يشهده من حربين مدمرتين، واحدة في الشرق الأوسط فلسطين، والثانية في شرق أوروبا أوكرانيا، قد فرضتا حالة من الشعور بانعدام الأمن في العديد من الملفات الساخنة في العالم. بالتالي بات البحث مطلوبًا عن سبل لتعزيز القدرات الدفاعية للدول بعيدًا عن الولايات المتحدة.

تهديد حركة الملاحة
 
 التصعيد الأمريكي في منطقة البحر الأحمر يمثل تهديدًا جديدًا لحركة الملاحة عبر العالم. وهذا ما جعل الكثير من المنظمات الدولية تدق ناقوس الخطر، فمسؤولو (الفاو) أكدوا أن الحصار الذى فرضته صنعاء على الممرات المائية عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر يؤثر سلبًا على تجارة الغذاء العالمية، ما سيؤدى إلى ارتفاع الأسعار.. وهذا بسبب تضاعف تكلفة استئجار سفن الشحن عبر طريق رأس الرجاء الصالح وهذا ما يضاعف التكلفة أربع مرات تقريبًا، بينما انخفض حجم حركة الشحن بنسبة 30%، وأن كبرى شركات الشحن فى العالم رفضت نقل البضائع عبر البحر الأحمر. فى الوقت نفسه، أكد مسؤولون في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، المعروف باسم (الأونكتاد)، أن قناة السويس تعاملت مع 12% إلى 15% من التجارة العالمية فى عام 2023، لكنهم قدروا أن حجم التجارة التى تمر عبر الممر المائي انخفض بنسبة 42% خلال الشهرين الماضيين، وفقًا لـ"أسوشيتد برس". وذكرت وكالة "استاندرد آن بورز جلوبال" أن اضطرابات البحر الأحمر من الممكن أن تؤثر بشكل مباشر على إمدادات الغاز المسال إلى أوروبا وآسيا، وحذرت الوكالة من أن هذا الاضطراب يبطئ عمليات تسليم الغاز ما قد ينذر بكارثة.
وتزامنت هجمات الجيش اليمني مع تعرض طرق التجارة الرئيسة الأخرى لضغوط كبيرة، بسبب الحرب في أوكرانيا، التي أعادت هي الأخرى تشكيل طرق تجارة النفط والحبوب. وظهر من جديد الحديث عن طرق أخرى تكون بديلة للبحر الأحمر، ومنها طريق "رأس الرجاء الصالح"، باعتباره المسار البديل الوحيد، لكن هذا الطريق أطول بـ 8 آلاف كيلومتر، ويستغرق من 10 إلى 14 يومًا إضافيًا على الأقل، وهو ما يمثل إضافة إلى وقت الرحلة تؤدي إلى تقليص هوامش أرباح شركات الشحن.
وطريق "رأس الرجاء الصالح" مرتبط بتأثيره على المصالح المصرية، كما أنه مرتبط كذلك بفكرة إنشاء قناة السويس باعتباره المجرى البديل الآمن، والأقصر مسافة فى نفس الوقت، كما أنه مرتبط فى تاريخ العرب بفترة الحروب الصليبية، إذ كان اكتشافه بداية لتطويق المنطقة.. ومجرد استخدامه أو الحديث عن استخدامه، ينذر بخطر حقيقي على الدول المطلة على البحر الأحمر، ومنها بالتأكيد مصر. فالتأثير السلبى على اقتصاد العالم جراء التوتر في البحر الأحمر، وزيادة التصعيد الأمريكي لحماية إسرائيل، وعسكرة البحر يهدد الملاحة الدولية، ويضاعف من أزماتها، وفي نفس الوقت يهدد أمن واستقرار المنطقة.
والواضح أن مصر ترى في العملية العسكرية الأمريكية –البريطانية ضد اليمن عدم جدوى للأهداف المعلنة لها، أو بمعنى أدق لن تسفر عن توفير الأمن والاستقرار المطلوبين في البحر الأحمر، والهدوء في ممر قناة السويس، بل يمكن أن تضاعف الموقف حرجًا. فالتحالف الذي تقوده واشنطن ليس هو الوسيلة المناسبة، إذ تتداخل حساباته وتتخذ من اليمن أداة لأهداف خفية، لا ترتاح لها الدولة المصرية.
ويبدو أن القاهرة غير منزعجة على المدى القريب، لأن الهجمات التي تشنها اليمن لا تستهدف المصالح المصرية، وقد أعلنت اليمن صراحة أن هدفها الإضرار بمصالح إسرائيل وحثها على عدم مواصلة حربها على قطاع غزة، ففي اليوم الذي تتوقف فيه الحرب على غزة، يمكن أن تختفي التهديدات الأمنية الراهنة، وهو موقف تتبناه اليمن، وترى غالبية الدول المطلة على البحر الأحمر أو لها منافذ عليه بأن وقف الحرب على غزة هو الحل الأمثل.

مخاوف إقليمية

 المخاوف الإقليمية من المشاركة في التحالف الأمريكي تتجلى في إمكانية انحرافه عن مساره المعلن، وتحويله إلى ذراع للدفاع عن مصالح إسرائيل، ويصبح الممانعون والرافضون لتصرفاتها العسكرية في غزة ضمن زمرة من المؤيدين، وهو ما أرادته واشنطن ضمنيًا من وراء تدشين تحالفها "حارس الازدهار"، بينما كان الأجدى والأسهل هو أن تضغط أمريكا على إسرائيل لوقف الحرب، فيعود البحر الأحمر إلى حالته السابقة من الهدوء، إذ لم يكن مستقرًا منذ اندلاع الحرب على غزة. فلو أرادت الولايات المتحدة وقف التهديدات الأمنية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، كان الأولى بها وقف جرائم الابادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وليس أن تتحول إلى داعم ومساند لجرائم إسرائيل، وعندما تعرضت مصالح إسرائيل للخطر، وقفت واشنطن لحماية مصالحها
ولم تعد هذه العلاقة خافية في الموقف السياسي وفي الخطاب الأمريكي الذي يصرح جهارًا نهارًا بدعمه اللامحدود لاسرائيل، بل كشفت الوقائع مؤخرًا، أن هناك جنود أمريكان يقاتلون على الأرض في غزة. وأثار تقرير نشرته جريدة "واشنطن بوست" أفاد بمشاركة آلاف الأمريكيين، بعضهم يحمل الجنسية الإسرائيلية، في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أسئلة عديدة عن حجم التورط الأمريكي في الحرب، وأخرى تتعلق بالقيود التي ينبغي للولايات المتحدة فرضها على حاملي الجنسية الأمريكية بشأن القتال لصالح دولة أجنبية.
وذكر تقرير "واشنطن بوست" أن آلاف الأمريكيين والإسرائيليين الذين يحملون الجنسية الأمريكية غادروا الولايات المتحدة للانخراط في القتال، وقالت الجريدة إنه بالرغم من أن الأمريكيين يشكلون أقل من 2% من سكان إسرائيل، فإن 10% من الجنود القتلى في غزة منذ بداية الاجتياح البري الإسرائيلي للقطاع يحملون الجنسية الأمريكية.

نقطة الخلاف الجوهرية أن مصر تحاول أن تبتعد عن التدخل في مواجهات تصب في صالح قوى أخرى، ويمكن أن تضر بأمن مصر القومي بدلاً من الدفاع عنه. واليمن يمكن أن تصمد وقتًا طويلاً في ظل الضربات الانتقائية– المركزة التي يوجهها الجيش اليمني على القطع البحرية للولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل وغيرها، وأن الولايات المتحدة تغامر بفتح جبهة جديدة، ليس بمقدورها إخمادها، أو اسكات هجماتها، وقد جربت ذلك طيلة الثمان السنوات الماضية عبر عدوان التحالف العربي لضرب اليمن وفشلت.
هذه التعقيدات وغيرها دفعت بمصر وغيرها من دول المنطقة إلى الاحتفاظ بمسافة بعيدة عن ممارسات الولايات المتحدة في جنوب البحر الأحمر، وعدم التدخل في معركة تعلم القاهرة أن لها جوانب سرية تتعارض مع مصالحها، وهو ما جعل التحالف الذي تقوده واشنطن يولد ميتًا “إكلينيكيا” ولا تزال كل أدوات التنفس الاصطناعي التي تمت الاستعانة بها عاجزة عن إعادته إلى الحياة بشكل طبيعي، ما يشير إلى عدم قابليته للاستمرار بالصورة التي ظهر عليها، وأن إعلان وفاته قد لا يطول كثيرًا.
النتيجة المهمة التي أفرزتها التوترات في جنوب البحر الأحمر أنه بحاجة إلى ترتيبات أمنية حقيقية، تتولى أمرها الدول المطلة عليه، والقوى الكبرى التي لها مصالح فيه كممر رئيس للتجارة الدولية، وهذه الترتيبات تتطلب إستبعاد الولايات المتحدة وبريطانيا، فهناك قوى إقليمية ودولية يصعب تغافلها، ووضع تصورات في غيابها يفضي إلى عدم جدواها، وربما يخلق بيئة أكثر قابلية لظهور تهديدات غير متوقعة.
ولذلك التزمت مصر ودول أخرى بما يوصف بـ”الصبر الاستراتيجي" الذي يحمل قراءة تؤدي إلى فشل السيناريوهات المعدة سلفًا أو المرتبطة بأهداف قصيرة المدى. وعندما تصمت المدافع في غزة، سوف تهدأ العاصفة في جنوب البحر الأحمر، وقد تطفو على السطح أحاديث تضع الأمن فيه ضمن مرتبة متقدمة، يبدأ بتوافر أدوات الاستقرار الكافية في الدول المتشاطئة والقريبة منه، وأولها وضع نهاية للمأساة الحالية في اليمن. فالتهديدات التي تمثلها أمريكا وبريطانيا وإسرائيل  دقت جرس إنذار قوي لما يمكن أن تكون عليه الملاحة في البحر الأحمر، لا سيما مع زيادة التصعيد الأمريكي لحماية إسرائيل،  وتركها ترتكب مزيدًا من الجرائم الإنسانية في قطاع غزة ومواصلة عملية التطهير العرقي واستنزاف المدنيين وتهجيرهم قسرًا عن أرضهم.

عودة الحروب في رسم السياسات 

لا شك في أن الاستراتيجية الأمنية الأمريكية الحالية، أثارت العديد من الشكوك والقلق لدى الحلفاء قبل الأعداء، فالولايات المتحدة مُقبلة على انتخابات رئاسية تبدو فيها احتمالات عودة الرئيس السابق دونالد ترامب محتملة، وقد كشفت الانتخابات التمهيدية التي جرت يوم الثلاثاء الماضي بفوز ترامب على منافسه بايدن في معظم الولايات الأمريكية. وهو الذي كان دائما يهدد الحلفاء بالتخلي عنهم، وأنه لن يسمح بتحمل التكاليف الباهظة في الدفاع عنهم، بل كان يبتزهم للحصول على أموال واستثمارات.
لا بد من البدء في الاستثمار في منظومات الدفاع والردع، والتفكير في إنشاء مظلة نووية عربية، فالعالم يعيش لحظة حرجة من اضطراب استراتيجي، لحظة عودة دور الحروب في رسم السياسات، في الوقت الذي تؤكد فيه واشنطن أنها ملتزمة بتعهداتها تجاه الحلفاء، لكنها تحجم عن القول كيف سيكون ذلك..! كما لا تعطي توضيحًا شافيًا عن الرؤية في هذا الالتزام ونوعيته ومداه، وهذا ما دفع أوروبا، على سبيل المثال، لتغيير سياساتها بعد حرب أوكرانيا، للحفاظ على أمنها واستقرارها، فألمانيا خصصت ميزانيات ضخمة لسياساتها الدفاعية، بعد أن شعرت بأن الولايات المتحدة تريد أن تلقي العبء على حلفائها الأوروبيين، بدلاً من الالتزام التاريخي المعروف بتأمين أمنها. كما ينطبق هذا الكلام بصورة تامة على حلفاء واشنطن العرب. فالولايات المتحدة تقوم سياستها في الشرق الأوسط على ركيزتين أساسيتين هما: الحفاظ على إسرائيل ودعمها بالدرجة الأولى، والثاني مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، كي لا يؤثر على أمن إسرائيل. هاتان الركيزتان الأساسيتان هما الأصل في السياسة الأمريكية في المنطقة، وما عدا ذلك كل شيء يحوم حول هذا الأمر. فلو نظرنا إلى مشاركتها في البحر الأحمر، على سبيل المثال، نجد أنها أتت إليه عندما تهددت مصلحة إسرائيل، لأن 34% من الاستيراد الإسرائيلي يأتي عبر مضيق باب المندب. 
وفي حين  أمريكا استشعرت الآن بأن مصلحة إسرائيل مهددة، بحكم العمليات التي تقوم بها المقاومة في مختلف الساحات العربية، وبالذات ضد التواجد الأمريكي، وبدأت تستهدف أصولهم المادية والمعنوية، لكن لو نظرنا إلى هذه الاستهدافات، نجدها محدودة حتى الآن، وتتجنب القضاء على أساس المشكلة، لماذا؟ لأن الولايات المتحدة بحاجة إلى وجود تهديد مُسيطر عليه، كي يبقى لها دور أساسي وحيوي وقائم في المنطقة، لأنه من دون وجود تهديد لن يكون لها دور ولا يمكن أن تبرر وجودها. ومع ذلك ورغم الخيبة العربية من المواقف الأمريكية بشكل عام، في ما يتعلق بسياستها في المنطقة، وعلى الرغم من اعتراضات حلفاء واشنطن العرب على بعض السياسات الأمريكية الأمنية الجيوسياسية، إلا أنهم يستضيفون القواعد الأمريكية ويدعمون قرارات واشنطن الأمنية والعسكرية، إن كان ذلك في البحر الأحمر أو في غيره. والتبرير العربي لهذا الموقف يقول بأن هنالك رغبة أمريكية في الانسحاب من العراق ومن سوريا، وهذا الانسحاب، إذا تم سيترك فراغًا جديدًا سوف تملأه إيران، وسيمثل تهديدًا أكبر على المنطقة. في حين أنه لولا الوجود الأمريكي في العراق وفي سوريا وفي اليمن، لما ظهرت المقاومة في المنطقة. ولولا التغيير في السياسة الأمريكية، أو ما سماه الرئيس الأسبق أوباما "الخطوط الحمر" في سوريا، لما تمددت روسيا في سوريا ووجدت بهذا الشكل. إذن هنالك إخفاقات أمريكية في سياستها نتج عنها تغيير في الخريطة الجيوسياسية في المنطقة بهذا الشكل، وهنا يبرز سؤالان أساسيان وهما، هل يمكن الاستغناء عن الوجود الأمريكي في المنطقة؟ وهل يمكن ملء الفراغ بروسيا والصين؟
وللإجابة على ذلك يتوسل العرب بتبريرات واهية، فتارة يقولون إنه من الصعوبة حدوث ذلك في الوقت الحاضر، لأن بناء القدرات الذاتية يحتاج إلى وقت، لكنهم لا يقولون لنا لماذا توانوا عن القيام بذلك طوال كل هذه العقود من السنين، على الرغم من الموارد المادية والمعنوية التي تملكها الأمة. كما يقولون بأن الولايات المتحدة هي المورد الأساسي للسلاح، لكنهم ينسون بأن واشنطن أوقفت عدة مرات إمدادات السلاح لهم، وكان آخرها قبل فترة قصيرة عندما أوقفت هذه الإمدادات، سواء إلى السعودية أو الإمارات. أما عن روسيا والصين فيقولون إنهما لا تستطيعان تعويضهم عن السلاح الأمريكي بأسرع وقت. فروسيا كما يزعمون لديها حرب منشغلة فيها ولا تستطيع توجيه آلتها الصناعية العسكرية إلى أسواق جديدة، في المقابل يقولون إن الصين لديها قدرات، لكنها تتحسس من وجودها العسكري في المنطقة، لأنها لا تريد أن تدخل في مواجهة أكبر مع الولايات المتحدة. إن ما يجب معرفته بشكل واضح من قبل العرب، هو أن الولايات المتحدة انتقائية في من تدعمه، ولا يُعرف أي أمن لأية دولة يهمها أكثر من دولة أخرى. كما أن التجاذبات السياسية بين الجمهوريين والديمقراطيين لها تأثيرات كبيرة على الأمن القومي العربي. هذا لا يعني تخليًا أمريكيًا عن منطقة الشرق الأوسط، بل الإمساك الاستراتيجي بالشرق الأوسط سيستمر، لكن لا بد من البدء في الاستثمار في منظومات الدفاع والردع، وحتى التفكير في إنشاء مظلة نووية عربية، والتخلي بشكل كامل عن المظلة الأمنية الأمريكية، فالعالم يعيش لحظة حرجة من اضطراب استراتيجي، لحظة عودة دور الحروب في رسم السياسات، لذلك أصبح من الواجب على العرب أن يفكروا بالمستقبل، حتى لا يبقوا في تبعية استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية والغرب، كما يجب أن لا يبقوا أسرى التحولات السياسية الأمريكية نحو المحيطين الهادئ والهندي وآسيا، وما يتبع ذلك من توزيع للأصول والإمكانيات الأمريكية بعيدًا عن منطقة الشرق الأوسط.

عسكرة البحر الأحمر

عسكرة البحر الأحمر هو الهدف الاستراتيجي الأمريكي في استعادة نفوذها في المنطقة، وتشكيل مخاطر أمنية، واقتصادية من خلال التحكم بطرق الملاحة الدولية، ونشر الفوضى، وجعل المنطقة في حالة من عدم الاستقرار جراء سياسة النهب والابتزاز وفرض سطوتها على الدول. ورغم كل ذلك لم تستطع حتى الآن حماية أمن إسرائيل، ولا توفير الحماية لمرور السفن لاسرائيل، ولا وقف الهجمات اليمنية على السفن التي تحاول الأبحار للوصول إلى موانئ الكيان الصهيوني. فلجأت واشنطن إلى فرض إجراءات متعددة ضد اليمن منها فرض عقوبات اقتصادية بعد وضع حركة أنصار الله على لائحة الإرهاب، ومنها سياسية يتعلق بالضغط السياسي على اليمن عبر مقاطعة أمريكية غربية للمساعدات الاغاثية، وتحميل اليمن تبعات ما يحصل بالملاحة في البحر الأحمر، بالإضافة إلى التصعيد العسكري عبر استهداف اليمن بغارات جوية تحت مسمى الضربات المحدودة، وذلك من أجل استعادة الردع المفقود الذي ظهر جليًا إبان العدوان الصهيوني على قطاع غزة.

فشل كسر الحصار

اتخاذ اليمن قراراً شجاعًا بدعم الشعب الفلسطيني ومساندته هو واجب ديني وانساني وأخلاقي في ردع العدوان، ولعل العمليات التي يقوم بها الجيش اليمني ضد السفن الإسرائيلية والعابرة إليها او الداعمة لها، هي ضغوط لوقف الحرب على غزة. 
وحاول الأمريكيون فصل التصعيد في البحر الأحمر عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لكن هذه المحاولة فشلت، لأن صنعاء أكدت مراراً وتكراراً أن وقف الهجمات مرتبط بوقف العدوان على غزة وادخال المساعدات الإغاثية، وبالتالي كان يمكن للإدارة الأمريكية أن تسعى إلى تحقيق الأمن الإقليمي من خلال الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لوقف الحرب ورفع الحصار عن قطاع غزة، لينتهى هذا الصراع، لكن ما تفعله الإدارة الأمريكية هو العكس تمامًا، فهي لا تريد وقف الحرب، وهذا بدا واضحًا من خلال استخدامها حق "الفيتو" في مجلس الأمن لثلاث مرات، وهذا يعني دعم واسناد العدوان لاستمرار جرائم الحرب على أهلنا في قطاع غزة، ومن ثم 
سعيهم إلى تأسيس وجودهم العسكري في البحر الأحمر، عبر تأسيس تحالف "حارس الازدهار" لكن الدول التي أعلنت تأييدها كفرنسا وهولندا وألمانيا، عادت ونفضت يدها عن العمل تحت عباءة الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يبق مع واشنطن من القوى العظمى بعض الدول بمشاركة رمزية عدا بريطانيا، التي تشارك بقطع بحرية، وإن عادت الدول الأوروبية للعمل منفردة تحت عباءة الاتحاد الأوروبي، وفي المحصلة هذا التحالف الهدف منه أن يكون لواشنطن تواجد دائم في البحر الأحمر، وإمكانية العمل متى تشاء تحت حجة حماية الملاحة الدولية، ومحاولة مد نفوذها للسيطرة على  الممرات والمضائق البحرية، وتقليل النفوذ الروسي الصيني في المنطقة. كل ذلك لم يمنع اليمن عن استهداف سفن الكيان الصهيوني والداعمين له، على الرغم من المحاولات الفاشلة لاستهداف مراكز تصنيع المسيرات ومخازن الأسلحة، بالإضافة لأنظمة الرادار وأنظمة الدفاع الجوي ومواقع التخزين والصواريخ الباليستية. وعملياً لم تمنع هذه الضربات الموضعية، عن قيام الجيش اليمني  بعمليات ناجحة ودقيقة في استهداف السفن والبوارج الأمريكية والبريطانية المعادية لليمن، وغيرها التي تحاول العبور بالقوة إلى إسرائيل، بل على العكس من ذلك قام الجيش اليمني باستخدام أسلحة جديدة كالغواصات المسيرّة وهذا ما فاجأ الامريكان والغرب.

وهكذا فقد فشلت سياسة الاستجابة للمخاطر الاستراتيجية التي تعمل وفقها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، بعد اعتبار أن ما تقوم به اليمن يفرض تداعيات سلبية على سلاسل الإمداد، ويهدد أمن الملاحة البحرية، لكن عملياً لم تستطع واشنطن من تحقيق هذه الاستجابة، ولم تتمكن القوة الأمريكية الغربية من حماية السفن البحرية في منطقة البحر الأحمر. بل أن الأخطر من ذلك هو عدم التمكن من تقليل نسبة التصعيد، والذي أصبح أمام خطورة أن يتسع نتيجة الضربات التي تقوم بها واشنطن، والضغط لإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي بسببها سوف يستمر إغلاق البحر الأحمر أمام السفن الداعمة للكيان الإسرائيلي، ما قد يؤدي إلى حصول تحركات متصاعدة قد تُفضي إلى اشتعال الصراع واتساع رقعة الاشتباك.