مارس 2, 2024 - 16:34
نفقات دفاع قياسية في ميزانية تسليح اليابان في مواجهة الصين 


توفيق سلاّم

ضمن تطور يشي برفع منسوب التوتر في شرق آسيا وجنوبها، تعكف اليابان على برنامج تطوير قدراتها النووية والصاروخية في سباق تسلح جديد لعشر سنوات قادمة، وزيادة نفوذها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، على وشك أن تشهد ظهور إجراءات مضادة قوية ضد الصين لتشكل تحديًا جديدًا للصين لزعزعة الاستقرار حول بحر الصين الجنوبي والشرقي ومضيق تايوان. وكانت الصين قد اتهمت اليابان، بالتخلي عن سياستها السلمية المتواصلة منذ عقود والاتجاه صوب "العسكرة الجامحة"، وذلك تعقيباً على خطة دفاعية بقيمة 320 مليار دولار كشف عنها رئيس الوزراء، فوميو كيشيدا أواخر ديسمبر الماضي، بزيادة الميزانية الدفاعية إلى 2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي بحلول 2027، بينما كانت محددة من قبل بنحو 1 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي.

ميزانية قياسية 

وكانت الحكومة اليابانية قد وافقت أواخر ديسمبر 2023 على ميزانية سنوية جديدة تتجاوز قيمتها 112 تريليون ين (حوالى 716 مليار يورو) بما في ذلك إنفاق قياسي جديد للدفاع على خلفية تصاعد التوتر مع الصين وكوريا الشمالية. وللمرة الأولى منذ 12 عامًا، يفترض أن تنخفض الميزانية الإجمالية للحكومة بشكل طفيف مقارنة بميزانية العام السابق التي سجلت مستوى قياسيًا (114,4 تريليون ين)، بينما أصبح الدين العام للبلاد هائلاً (255 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي حسب صندوق النقد الدولي).

في هذه الميزانية الجديدة التي بلغت 112072 مليار ين للسنة المالية التي تمتد من الأول من نيسان/أبريل 2024 إلى 31 آذار/مارس 2025. وخصصت ميزانية الدفاع 370 مليار ين لبناء سفينتين حربيتين جديدتين مجهزتين بنظام الدفاع الصاروخي "إيجيس" الذي طورته الولايات المتحدة. كما خصصت وزارة الدفاع 734 مليار ين (4,7 مليارات يورو) لتعزيز مخزون الصواريخ، بما فيها تلك القادرة على ضرب أهداف عسكرية في البلدان المجاورة، بموجب المبدأ الياباني الجديد "للهجوم المضاد".
وكانت واشنطن وافقت  على بيع طوكيو 400 صاروخ كروز من طراز توماهوك لهذا الغرض، مقابل 2,35 مليار دولار.
وأدرج حوالي 75 مليار ين (حوالى 480 مليون يورو) في ميزانية الدفاع اليابانية المقبلة لتطوير أنظمة اعتراض تهدف إلى إسقاط الصواريخ الفرط صوتية.

مخاوف طوكيو الأمنية

تشعر طوكيو بالقلق من القوة العسكرية المتنامية لبكين وطموحاتها الإقليمية، والحرب الروسية الأوكرانية، وما تلاه من تعزيز للعلاقات بين الصين وروسيا، والتجارب الصاروخية المتكررة التي تجريها كوريا الشمالية التي حققت تقاربًا مع موسكو مؤخرًا. حيث أطلقت بيونغ يانغ صاروخها "هواسونغ-18" العابر للقارات، وهو أقوى صاروخ يمتلكه نظام كيم جونغ أون ويرجح أنه قادر على بلوغ الولايات المتحدة.
وتوعد الزعيم الكوري الشمالي برد نووي في حال استفزاز بلاده بأسلحة ذرية.
فيما تعتزم اليابان زيادة مخزونها من الذخائر لمواجهة سيناريو حرب طويلة، وتعزيز مواردها في مجال الدفاع السيبراني والمجال الفضائي العسكري. كما ينظر في زيادة استخدام الطائرات المسيّرة وغيرها.

وذكرت وزارة الخارجية الروسية ضمن بيان: "من الواضح أن طوكيو شرعت في مسار تعزيز قوتها العسكرية بصورة غير مسبوقة، بما في ذلك امتلاك القدرة على توجيه ضربات"، مشيرةً إلى أن مثل هذا التحرك "سيثير حتما تحديات أمنية جديدة سيؤدي إلى تصاعد التوتر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ".
فيما كان البيت الأبيض قد رحب بالخطة اليابانية الجديدة، وأن السياسة الدفاعية الجديدة ستسمح بـ"تعزيز وتحديث" التحالف العسكري بين طوكيو وواشنطن.
في سياق ذلك، يحذر مراقبون بأن فتح باب اعتماد الميزانيات العسكرية الضخمة حول العالم، سيسهم في تأجيج ملفات وقضايا خلافية كامنة قابلة للاشتعال في أي لحظة، كما هو حال أرخبيل جزر الكوريل المتنازع عليه بين اليابان وروسيا، ومضيق تايوان.

نادي سباق التسلح

 أستراليا واليابان توقعان اتفاقاً أمنياً تاريخياً
وتنوّه التحذيرات إلى أن دخول دول كاليابان وألمانيا لنادي سباقات التسلح، سيزيد من مساحات التوتر والتأزم بعد قرابة 8 عقود من انتهاء الحرب العالمية الثانية، ونأي البلدين بنفسيهما عن خيارات العسكرة.
ويشير آخرون إلى أن من حق اليابان الاحتياط وتمكين قدراتها الدفاعية والردعية، في ظل استقطابات ومناخات دولية متفجرة، لا سيما بعد الحرب الروسية الأوكرانية، كما أن خطتها الدفاعية الجديدة تتمتع بدعم حلفائها الغربيين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة.
يقول الباحث والخبير الروسي في العلاقات الدولية تيمور دويدار، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أن روسيا والصين قلقتان منذ سنوات من التصعيد والمزاحمة الأمريكيين في شرق آسيا وخاصة في بحر اليابان وبحر الصين الجنوبي، من خلال القوى الحليفة لواشنطن مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وهو ما يقود لزعزعة استقرار المنطقة وتأجيج الحساسيات، خاصة في بؤر توتر تقليدية مثل شبه الجزيرة الكورية وفي أرخبيل الكوريل. وبالتالي فالوضع يزداد تعقيداً مع هذا الرفع المهول للميزانية العسكرية اليابانية، لا سيما في ظل عدم وجود معاهدة سلام رسمية بين روسيا واليابان منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، نتيجة عقدة الخلاف حول جزر الكوريل، وهي قضية زادت تأزما مع اندلاع الأزمة الأوكرانية.
وتعمل اليابان حالياً على إطلاق سباق تسلح جديد في منطقة شرق آسيا وجنوبها، وهو ما يهدد الأمن القومي الروسي والصيني. ووفق مراقبين، فإن وموسكو ستعتبر ما يحدث بمثابة حصار لها شرقًا وغربًا، وهو ما سيساهم طبعًا في تسريع التقارب الروسي الصيني في وجه المحور الأمريكي الياباني.


اليابان في المرتبة الثالثة

فالزيادة الهائلة في الانفاق العسكري لليابان أمر غير مسبوق ومثير للتساؤل، حيث أضحت تحتل المرتبة الثالثة عالميًا متقدمة بذلك على دول مثل روسيا والهند، وهكذا فنحن أمام سباقات تسلح مفتوح وخاصة بين الدول التي لديها قضايا خلافية مزمنة وشائكة فيما بينها، كما هو حال قضية جزر الكوريل والخلاف عليها بين طوكيو وموسكو. ولعل ما يزيد خطورة المشهد هو أن دولاً مثل ألمانيا واليابان وبعد هزيمتهما في الحرب العالمية الثانية، بدأتا مجدداً باعتماد ميزانيات عسكرية ضخمة، وهو مؤشر على استحضار أجواء تصارع القوى العالمية وتنابذها قبل تلك الحرب، التي يتخوف كثيرون من أن ما نشهده من تأزم في العلاقات الدولية ومن صراع روسي أطلسي وتوتر صيني أمريكي، سيضع العالم على عتبة خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة.
وستضاعف خطة كيشيدا نفقات الدفاع لقرابة 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي على مدار 5 سنوات، وستجعل اليابان صاحبة أكبر ثالث إنفاق عسكري في العالم بعد الولايات المتحدة والصين.
فيما تعتبر الصين الخطة بالتحدي الاستراتيجي الأكبر وغير المسبوق، لاسيما بعد أن أقرت الحكومة اليابانية مراجعة جذرية لسياستها الدفاعية، في محاولة لما تصفه بالتصدي لـ"النفوذ العسكري الصيني"، الذي تعده طوكيو "تحدياً استراتيجياً غير مسبوق" لأمن الأرخبيل.
هذه المراجعة الجذرية وصفها رئيس الحكومة الياباني بأنها "ستدافع عن الأمة والشعب" في مواجهة ما سمّاه "بنقطة تحول في التاريخ"، بينما تعهد مواصلة شرح السياسة الدفاعية لليابان للدول المجاورة لها.
خطة طوكيو، وفق "أسوشيتد برس"، تشير إلى أكبر حشد عسكري ياباني منذ الحرب العالمية الثانية. وبحسب الأرقام، "تبلغ قيمة الخطة 320 مليار دولار لشراء صواريخ قادرة على ضرب الصين، وتهيئتها لصراع مستمر". 
كما تدرس اليابان شراء ما يصل إلى 500 صاروخ "كروز" أمريكي الصنع من طراز "توماهوك" بحلول السنة المالية المنتهية في آذار/مارس 2028، مع تسريعها الاستعدادات لتحسين قدرات الهجوم المضاد"، وفق صحيفة "يوميوري". كما تدرس أيضاً نشر صواريخ فرط صوتية تفوق سرعة الصوت عدة مرات بحلول عام 2030 لتعزيز الردع، وفق صحيفة "نيكي" .
وستضاعف الخطة النفقات الدفاعية إلى نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى خمسة أعوام، متجاوزة حد الإنفاق البالغ 1%، والذي فرضته منذ عام 1976.
وقد وصفت هذه السياسة الموقف العسكري الصيني الذي يزداد قوة بأنه "مصدر قلق كبير لليابان والأسرة الدولية". لكن الحكومة اليابانية لم تفصل طبيعة هذه التهديدات الصينية الأخيرة عليها بصورة خاصة، علمًا بأن النظرة اليابانية تبدلت وتغيرت عن عام 2006 حين وقعت مع الصين بيانًا مشتركاً بشأن "التعزيز الشامل لعلاقة المنفعة المتبادلة القائمة على المصالح الاستراتيجية المشتركة". وحينها، لفت البيان أيضًا إلى أن العلاقات اليابانية الصينية تقوم على "علاقة من المنفعة المتبادلة، والقائمة على المصالح الاستراتيجية المشتركة". ويُعَدّ هذا البيان واحدًا من 4 وثائق أساسية، تم توقيعها بين اليابان والصين، وأصبح إطاراً للعلاقات اليابانية الصينية.
الأكثر من ذلك، أن الخطة الجديدة تناقض استراتيجية الأمن القومي اليابانية الأولى في عام 2013، والتي جاء فيها أن العلاقات المستقرة بين اليابان والصين عامل أساس للسلام والاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، الأمر الذي يشير بأن الموقف الياباني المستجد يرتبط بـ"مخاوف" لا علاقة لها بطوكيو، باعتبار أن تطورات العقد الماضي لم يحمل أي تهديد صيني يُذكر ضد اليابان.. فما دور واشنطن؟

القرار الياباني: استراتيجية أمريكية

تعتقد الولايات المتحدة أن التعامل مع قوة الصين الصاعدة هو أحد أهدافها العسكرية الرئيسة، ففي تشرين الأول/أكتوبر، حذرت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، من أن الصين تعمل على تقويض التحالفات الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ، وعلى استخدام جيشها المتنامي في إكراه الجيران وتهديدهم. وبالتالي، فإنها تمثل تهديداً لأمريكا"، وفق تعبيرها.
الصياغة نفسها اعتمدتها اليابان خلال إعلانها تراجع سياستها الدفاعية، واصفة بكين بالتحدي الاستراتيجي، وهو ما يُظهر بوضوح تركيز مسودات استراتيجية الأمن القومي اليابانية الجديدة، على تعزيز العلاقات العسكرية بالولايات المتحدة.
بعد هذا الإعلان مباشرة، أكد البيت الأبيض أن السياسة الدفاعية الجديدة، التي أعلنتها اليابان، ستسمح بـ"التعزيز والتحديث" للتحالف العسكري بين طوكيو وواشنطن.
وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، إن "هدف اليابان المتمثل بزيادة استثماراتها الدفاعية بصورة كبيرة، سيعزز التحالف الأمريكي الياباني، ويحدثه". فالتناغم بين البلدين، سياسياً وعسكريًا، ظهر بصورة كبيرة هذا العام. وقال السفير الياباني في الولايات المتحدة الأمريكية لصحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، إن :"بلاده منفتحة على نشر صواريخ أمريكية نووية متوسطة المدى، كان يُحظَر نشرها في السابق، لكن في انتظار نتائج مراجعة السياسة الدفاعية اليابانية".
تزامن تصريح السفير الياباني مع موافقة اليابان على دفع أكثر من 9 مليارات دولار إلى الولايات المتحدة، كميزانية استضافة القوات الأمريكية  على أراضيها على مدى الأعوام الخمسة المقبلة، ابتداءً من نيسان/أبريل 2022.

رفض الوجود الأمريكي 

 سكان أوكيناوا اليابانية يرفضون الوجود العسكري الأمريكي، وبناء قاعدة عسكرية أمريكية في الجزيرة. وتحدثت وسائل إعلام يابانية عن تمركز نحو 50 ألف جندي أمريكي في اليابان، بموجب معاهدة أمنية ثنائية، وتدفع طوكيو مقابل ذلك ميزانية معتبرة. وذكرت هيئة الإذاعة اليابانية العامة أن "إنفاق اليابان على القوات الأمريكية، خلال الأعوام الخمسة المقبلة، يقدر بـ 1.055 تريليون ين (نحو 9.1 مليارات دولار)، الأمر الذي يعني زيادة سنوية تبلغ نحو 88 مليون دولار".
 تصريحُ وزير الدفاع الأسترالي، ريتشارد مارلس، بحضور نظيره الأمريكي، لويد أوستن، قائلاً: "نحن ذاهبون إلى اليابان نهاية الأسبوع، وسندعوها إلى المشاركة في مزيد من التدريبات مع أستراليا والولايات المتحدة".
بالطبع، تضاف إلى ذلك مشاركة اليابان في "الحوار الأمني الرباعي" عام 2021، والذي أطلقت عليه تسمية "الناتو الآسيوي"، والهادف إلى "احتواء النمو الصيني في منطقة آسيا والمحيط الهادئ".
لكن، إلى جانب النفوذ العسكري الأمريكي في اليابان، فإن لغة طوكيو الجديدة تجاه بكين يمكن رصدها في  استراتيجية واشنطن الدفاعية الأخيرة، والتي صنّفت بموجبها بكين "أكبرَ خطر على الأمن الأمريكي"، ودعت "إلى بذل الجهود المكثفة من أجل بناء القدرات العسكرية، والتي من شأنها أن تردع الصين في العقود المقبلة".
تشير السياسة الدفاعية اليابانية، التي جاءت في ثلاث وثائق، بوضوح إلى أن الصين وكوريا الشمالية وروسيا، هي مصدر خطر. فاليابان تعتمد لهجة أكثر صرامة مما كانت عليه عند نشر استراتيجية الأمن القومي لليابان للمرة الأولى في 2013. وفي إطار الخطة الجديدة تسعى لتعزيز علاقاتها الدفاعية مع اندونيسيا والفلبين وماليزيا وفيتنام من خلال مساعدتها على تطوير قدراتها البحرية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ضمن إجراءات مضادة ضد الصين، وهي استراتيجية أمريكية للهيمنة على بحر الصين الجنوبي والشرقي ومضيق تايوان. 
وتحاول الولايات المتحدة تصوير الصين بالخطر، لكبح تفوقها الصناعي والتقني الذي ينافس الغرب ويتفوق عليه. وعادة  ما تصف واشنطن الموقف العسكري الصيني الذي يزداد قوة بأنه "مصدر قلق كبير لليابان والأسرة الدولية"، وتعتبر التفوق الصيني "تحدياً استراتيجيًا غير مسبوق لجيرانها، فهو يشكل تهديدًا لكوريا الجنوبية واليابان، ودول شرق آسيا عامة.

واشنطن ترحب بسياسة اليابان الدفاعية

بدوره، أكد البيت الأبيض أن السياسة الدفاعية الجديدة التي أعلنت عنها اليابان ستسمح بـ"تعزيز وتحديث" التحالف العسكري بين طوكيو وواشنطن. وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك ساليفان إن "هدف اليابان المتمثل في زيادة استثماراتها الدفاعية بشكل كبير سيعزز التحالف الأمريكي الياباني ويحدثه". وتشترك الولايات المتحدة مع اليابان في نظرتها إلى الصين، حيث أصدرت واشنطن، في وقت سابق، استراتيجية دفاعية جديدة، صنفت بموجبها بكين "أكبرَ خطر على الأمن الأمريكي"، ودعت "إلى بذل الجهود المكثفة من أجل بناء القدرات العسكرية، التي من شأنها أن تردع الصين في العقود المقبلة". وكتب وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في مقدمة الاستراتيجية الجديدة، أن "جمهورية الصين الشعبية تظل أكبر منافس استراتيجي لنا، طوال العقود المقبلة"، مؤكداً أن "التهديد من بكين سيحدد كيفية تجهيز الجيش الأمريكي وتشكيله للمستقبل". ويتم إصدار الاستراتيجية الدفاعية الأمريكية كل أربعة أعوام من جانب الكونغرس الأمريكي، وتحدد بموجبها الخطط الدفاعية التي سيتم العمل بها في المستقبل من أجل مواجهة التحديات المحتملة للولايات المتحدة.. فهل تستطيع الولايات المتحدة وقف الزحف الصيني نحو القمة، وكيف تستعد اليابان لمواجهة الصين؟
ضمن سياستها المعادية لبكين، دخلت طوكيو في تحالفات عدة مع دول أخرى مثل الفلبين وفيتنام وماليزيا واندونيسيا، وهذه الدول تحمل نفس التوجهات حيال الصين، وذلك لكبح ما أسموه "القوة المتنامية" التي تشكل خطراً على اليابان ودول العالم. وقبل أيام، أعلن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك عن شراكة بين المملكة المتحدة وإيطاليا واليابان، لتطوير  طائرة مقاتلة جديدة تستخدم الذكاء الاصطناعي، في وقت تتقارب بريطانيا مع حلفائها في منطقة الهندي-الهادئ.
وذكرت صحيفة "يوميوري" أن اليابان تدرس شراء ما يصل إلى 500 صاروخ "كروز" أمريكي الصنع من طراز "توماهوك" بحلول السنة المالية المنتهية في آذار/مارس 2028 مع تسريعها الاستعدادات لتحسين قدرات الهجوم المضاد. وذكرت صحيفة "نيكي" أن اليابان تدرس أيضاً نشر صواريخ فرط صوتية تفوق سرعة الصوت عدة مرات، بحلول عام 2030 لتعزيز الردع.


 تطوير مدافع كهرومغاطيسية 

تعمل طوكيو على تطوير مدافع كهرومغناطيسية، وهي تقنية تمتلك باعاً طويلاً في تطويرها، وقد خصصت الحكومة اليابانية في الميزانية الدفاعية الحالية، نحو 56 مليون دولار أمريكي، لبرامج الأبحاث المتعلقة بهذه المدافع، التي تعد خياراً مهماً للتصدي للصواريخ الباليستية والجوالة.
يبقى أن مفهوم الخطر، الذي تراه الولايات المتحدة في الصين، يكمن في قدرة الأخيرة على مواجهة نفوذ واشنطن، والدفاع عن مصالحها، وفرض قوتها الاقتصادية. وهذا ما يفسّر الاستراتيجية الأمريكية. لكن ما هو غير واضح، هو الخطر الصيني الذي تشعر به اليابان، في الوقت الذي كانت الصين، ولا تزال، ترسل إشارات إيجابية نحو محيطها، تدعو إلى تحصين الدول المحيطة بها من التدخلات الخارجية، لاسيما الأمريكية.. فهل فعلاً الصين تشكل تهديداً لليابان؟
الصين سعت، بصورة دائمة، لتحذير اليابان، ودعوتها إلى أن "تتوقف عن اتباع الولايات المتحدة في التشهير والتحريض وتضخيم ما يسمى "التهديد العسكري الصيني"، لأن ذلك "تصرف غير مسؤول للغاية".
وبعد نشر وثائق الدفاع الجديدة، قال المتحدث باسم السفارة الصينية، في بيان، إن "قول مثل هذه الأشياء في الوثائق يشوه الحقائق بشدة، وينتهك المبادئ والروح للوثائق السياسية الأربع الصينية - اليابانية، ويضخم بصورة تعسفية التهديد الصيني، ويثير التوتر والمواجهة الإقليميين".
وأشار المتحدث إلى أن "اليابان لديها تاريخ من الانحراف في النزعة العسكرية، وارتكاب العدوان والجرائم ضد الإنسانية، الأمر الذي تسبب بكارثة للمنطقة والعالم".
من جهته، قال مدير معهد دراسات شمالي شرقي آسيا، في أكاديمية العلوم الاجتماعية في مقاطعة هيلونغجيانغ، دا تشيغانغ، لصحيفة "غلوبال تايمز"، إن لهذه التغيرات تأثيرًا في العلاقات بين الصين واليابان، بحيث ستميل استراتيجية اليابان مع الصين أكثر نحو الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي من خلال تصنيف الصين على أنها "تحدٍّ"، وسيتم تطوير العلاقات الثنائية بنبرة المواجهة، وهو ما يجعل الأمر أكثر صعوبة.
ولفت إلى أن "تغيير السياسة الحالية سيكون لها تأثير في المنطقة بأكملها، بحيث سيتعين على عدد من الدول زيادة إنفاقها العسكري، الأمر الذي سيؤدي إلى سباق تسلح جديد في الشمال الشرقي".
وعلى الرغم من محاولة طوكيو إثارة غضب بكين في الأعوام الأخيرة، من خلال التعبير عن مخاوفها بشأن "الإجراءات البحرية الصينية، وحقوق الإنسان في هونغ كونغ وشينجيانغ، والاستقرار في مضيق تايوان"، فإن الصين بقيت تعتمد أسلوب الدبلوماسية في خطاباتها، على عكس ما تفعله الولايات المتحدة بصورة عامة، وحلفاؤها على نحو خاص.

اليابان في مواجهة الصين 

 التحول في السياسة اليابانية يدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى وضع اليابان في مواجهة مباشرة مع الصين، لا تريدها بكين، ولا يمكن لطوكيو تحملها. وقد يؤدي هذا الأمر إلى تحمل اليابان التكلفة الأكبر في تلك المواجهة، كما حدث مع الأوروبيين، في إطار حرب روسيا مع الأطلسي في أوكرانيا، إذ أعربوا عن استيائهم من الولايات المتحدة، وقالوا إن "الدولة الأكثر استفادة من هذه الحرب هي الولايات المتحدة".
بالنسبة إلى قارة آسيا، تحدثت مجلة "فورين بولسي"، منذ أيام، في مقال لها، عن أن المسؤولين الأمريكيين يريدون من الدول الآسيوية مساعدتها على كبح صعود الصين من خلال حجب الدعم المادي والتعاون، أو بشكل أفضل، من خلال الضغط بنشاط على التوسع الصيني.
في المقابل، تريد أغلبية دول المحيط الهادئ، من فيتنام إلى الفلبين، إلى اندونيسيا وماليزيا الاستمرار في تجارتها القوية مع الصين، أحد أكبر شركائها، مع تلقي الحماية الأمنية، الصريحة أو غير ذلك، والتوازن الإقليمي، مع الولايات المتحدة.
لكن، وفق الصحيفة، هناك ثلاثة عوامل يمكن أن تجعل الدول الآسيوية تتراجع عن تفضيل الولايات المتحدة لمواقف أكثر عدوانية تجاه الصين.
أولاً: الصين قوية اقتصاديًا، لمدة 13 عاماً متواصلة، وكانت الشريك التجاري الأول لرابطة دول جنوبي شرقي آسيا (آسيان)، من خلال مبادرة الحزام والطريق.
ثانيًا: استثمرت بكين مليارات الدولارات في البنية التحتية والتصنيع في بلدان المنطقة.
ثالثًا: تستورد الصين سلعًا ومنتوجات بمليارات الدولارات من الدول المجاورة لها. ففي عام 2020 وحده، كسبت كل من اليابان وكوريا الجنوبية أكثر من 130 مليار دولار من الصادرات إلى الصين.
إذاً، بالنسبة إلى اليابان، الدولة التي يحدها البحر من جميع الجهات، فإن دفعها نحو تشديد موقفها تجاه الصين، ووضعها ضمن إطار الخطرين الأمني والعسكري، بالإضافة إلى مخاطر استراتيجية كبيرة، ليس فقط لأن الصين هي أكبر قوة بحرية في العالم، بل لأن المجال الحيوي الياباني يعتمد، بصورة كبيرة، على الوصول إلى الممرات المائية المشتركة مع الصين، من أجل التجارة واستيراد الموارد الحيوية، بينما تعتمد الولايات المتحدة عليها من أجل إزعاج بكين..!