فبراير 18, 2024 - 19:43
قبل الاتفاق .. تفاوض تحت النار على السقوف والشروط ..!


عرب جورنال / توفيق سلاَّم  - 
كلما استمرت الحرب، كلما اتضح حجم تعقيدها وأخطارها، وأهميتها المصيرية بالنسبة للشعب الفلسطيني ومقاومته المسلحة الباسلة التي تخوض حربًا دفاعية في مواجهة الاحتلال الصهيوني وعدوانه الغاشم، دفاعًا عن كرامة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، واستحقاقاته الوطنية في نيل استقلاله، وبناء دولته على ترابه الوطني.. ورغم هول وفضاعة مجازر الإبادة الجماعية بحق السكان المدنيين الغزيين، وتدمير مقومات الحياة، والحصار وتجويع السكان، إلا أن ذلك لن يثنى من إرادة المقاومة الوطنية، التي تعتبر نفسها تخوض حرباً دفاعية عن الوجود، الذي يستهدف التطهير العرقي لحياة الغزيين والشعب الفلسطيني عموماً، وإنهاء القضية الفلسطينية. 
وما هو واضح أن جيش الكيان الصهيوني  الإسرائيلي فشل في تحقيق أهدافه المعلنة، وما كان يريده في تلقين درس قاس للمقاومة الفلسطينية التي تجرأت على مقاومته، بل لكل العرب والأطراف التي قد تتجرأ يوماً على تحديها. ومن هنا تبدو تعقيدات هذه الحرب المتشعبة وتشابكها وتجاوزها الأهداف العسكرية الإسرائيلية المعلنة وغير المعلنة، وهي في مجملها مشاريع  استعمارية كبرى، وداخل هذه الأجندة، تصفية القضية الفلسطينية، وإنهاء الوجود الفلسطيني، ويتكشف لنا حقيقة ذلك من خلال عمليات التصعيد الذي يستهدف هذه المرة رفح بغزو بري واسع النطاق لاجتياحها، وارتكاب جرائم حرب إبادة جماعية على المدنيين. تحاول من خلالها إسرائيل السيطرة على غزة، وترميم مكانة إسرائيل وصورتها الهشة في المنطقة، وتكشف ضعفها وهزالها أمام الجميع.

المعارضة الإسرائيلية

المعارضة الإسرائيلية التي تؤيد صفقة التبادل، تفصل بين موقفها هذا واستمرار الحرب في غزّة حتى تحقيق أهدافها،
بالإضافة إلى هذا كله، أي قبول إسرائيلي بوقف إطلاق النار حالياً في إطار صفقة تبادل الأسرى ستكون له تداعيات على الوضع الداخلي الإسرائيلي، ويمكن أن يهدّد بسقوط الائتلاف اليميني المتطرف الذي يترأسّه بنيامين نتنياهو، ودخول إسرائيل في حالة من عدم الاستقرار السياسي ونشوب أزمة حكومية حادة مع تفاقم عدم الثقة برئيس الحكومة نتنياهو. فالانطباع الحاصل داخل المستوطنات الإسرائيلية وخارجها، أنه يرغب في استمرار الحرب خدمة لمصالحه السياسية، وحفاظاً على بقائه في السلطة، وأنه أسير بين يدي وزراء اليمين المتطرف الذين يجدون في الحرب على غزة تحقيقاً لحلم العودة إلى الاستيطان في القطاع، وبدئهم حملة بروبجاندا لتسجيل أسماء العائلات اليهودية لنواة جديدة استيطانية يعملون على إقامتها في غزة بعد هذه المجازر وتهجير السكان  قسراً.

 اقتحام رفح 

الموقف الرافض الدولي والإقليمي لاجتياح غزة ووقف القتال، هو ما يرفضه الكيان الصهيوني، فنتنياهو المهووس بغطرسة القوة يعطى أوامره لجيشه، لكي يكونوا على استعداد لاقتحام مدينة رفح التي يتكدس فيها أكثر من مليون ونصف فلسطيني، جزء منهم نزح من شمال قطاع غزة ووسطها وجنوبها، وهناك مخاطر كبيرة، بأنه إذا ما نفذت هذه العملية العسكرية، التي يبرر نتنياهو المسكون بهاجس الغطرسة والعنجهية والحقد وعقلية الثأر والانتقام، بأنها تأتي من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي خرج هو وجيشه لخوضها،  بالقضاء على المقاومة الفلسطينية وفي قلبها حماس واستعادة أسراهم  عسكريين ومدنيين لدى المقاومة، وتغيير السلطة في غزة أو وضعها تحت الاحتلال، وتغيير التركيبة السكانية، حتى لا  ينشأ بعد ذلك وضع كما حصل في السابع من أكتوبر الماضي، بأن تشكل حماس والمقاومة، مجدداً خطراً على مستوطنات غلاف غزة.

وكالة الأونروا

 وكالة الغوث واللاجئين "الأونروا" التي تستهدفها أمريكا والصهاينة وتوابعهما من قوى الغرب الاستعماري بتجميد نشاطها، ووقف المساعدات عنها، حذرت بشكل واضح بأن هذه العملية العسكرية الواسعة من شأنها، إيقاع خسائر بشرية كبيرة ومجازر في صفوف المدنيين، الذين لا تتوفر لهم أدنى متطلبات الحياة الأساسية والخدمات الطبية والصحية والحماية، وكذلك ستؤدي إلى كارثة إنسانية ومأساة إنسانية فضيعة. في حين يرى مراقبون ومحللون بأنها مخطط يفضي، إلى التطهير العرقي بصورة متعمدة، في الإبادة الجماعية للمدنيين، والتهجير القسري، لمن تبقى منهم على قيد الحياة، أو من سينجون من هول الدمار، وبشاعة القصف والخراب والدمار. عشرات الآلاف ستجد نفسها خارج حدود قطاع غزة نحو سيناء، وستجد مصر نفسها أمام هذه الكارثة الإنسانية، وسط دعوات بفتح الحدود، وأمام هذه التداعيات ستجد مصر أيضًا نفسها أمام ضغوطات أممية، وأول من سيستثمر هذه القضية هي الولايات المتحدة ودول الغرب..

حينها فقط ستجد مصر أمام حقائق تاريخية، في استعادة حساباتها، وهي التي وقعت مع إسرائيل على اتفاقيات سلام، واتفاقيات أمنية، وعلاقات تطبيع تستطيع بهذه الأوراق وقف الحرب، ومنع العدو من اجتياح غزة، كما يستطيع العرب المطبعون، اغتنام هذه اللحظة التاريخية، واتخاذ قرار تاريخي بإنهاء التطبيع، وطرد السفراء الصهاينة من بلدانهم، وتأييد كل الإجراءات اللازمة والضرورية لمساندة أهلنا في فلسطين، واعتبار العدوان على غزة، والضفة الغربية، وعلى رفح تهديدًا مباشرًا للأمن القومى المصرى، والأمن القومي العربي، واتخاذ ما يلزم من وسائل دفاعية حاسمة. وإلغاء الاتفاقيات مع الكيان الصهيونى، واعتبارها كأنها لم تكن كرد على أي عدوان يمس الحدود أو يهدد الأمن المصرى، وتجريم كل أشكال التطبيع، أو التعاون مع الكيان الصهيونى، والمقاطعة لدخول السلع، وإلغاء تصاريح عمل الشركات والمصانع المدرجة فى المقاطعة. والدعوة لمراجعة العلاقات مع الدول العربية المتماهية في التطبيع مع الكيان الصهيونى على حساب مصالح الشعب الفلسطينى، ومصالح الأمة العربية، وكل متطلبات الأمن القومى العربى. فضلاً عن تنسيق الجهود الدبلوماسية الفاعلة للانفتاح على كل الدول المناصرة للقضية الفلسطينية، وقطع أو تعليق العلاقات مع الدول، التى دعّمت الكيان الصهيونى فى حربه على غزة والضفة، والعدوان على الشعب الفلسطينى، بل وكانت شريكة فى هذا العدوان، وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الأوروبية. وتأييد الموقف السياسي والقانوني الداعم لجنوب أفريقيا فى الدعوى المرفوعة منها أمام محكمة العدل الدولية، التى تتهم فيها إسرائيل بممارسة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.

رد المقاومة على مفاوضات باريس 

الإدارة الأمريكية كالعادة ممثلة برئيسها بايدن ووزير خارجيتها بلينكن، أبدت قلقها تجاه هذه العملية، والتي من شأنها أن توقع الكثير من الضحايا في صفوف المدنيين، ودون أن تمارس ضغوطًا جدية وحقيقية على الكيان الصهيوني، لوقف هذه العملية.. فالأمور تنذر بأوضاع كارثية، وربما عملية برية واسعة في رفح، تدفع نحو إنفجار إقليمي شامل.
هذه العملية التي تأتي في ظل رد المقاومة الفلسطينية على ورقة الرباعية الأمنية( قطر، مصر، أمريكا، وإسرائيل) التي انعقدت في باريس، وطرحت حماس شروطًا، أبرزها: وقف إطلاق النار، وانهاء العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وسحب القوات بالكامل من قطاع غزة، وادخال المساعدات الإغاثية من الغذاء والدواء ومتطلبات الإيواء، وإعادة الإعمار ورفع الحصار، وفتح المعابر وتبادل الأسرى، مع تحديد آليات تنفيذية وجدولة زمنية محددة بثلاث مراحل.
هذا الرد رفضته حكومة الكيان الصهيوني، وقالت بأن التفاوض يجب أن يجري وفق ورقة باريس الرباعية، ورفضت أغلب التعديلات التي أدخلتها حماس والمقاومة الفلسطينية. فقد رفض الصهاينة وقف إطلاق نار الشامل، والانسحاب من غزة، ورفض إطلاق عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين…الخ.

 الرد الصهيوني سُلم  لمصر وقطر، ولكن هذا لا يعني بأن الباب أمام عقد صفقة لتبادل الأسرى قد أغلق.
بلينكن قال بأن رد حماس على ورقة باريس الرباعية،  رغم المبالغة فيه، ولكنه يوفر فرصة للإتفاق ، وأعتقد بأن ما قاله الرئيس الأمريكي بايدن، وبما يشكل تغير في الموقف الأمريكي، لجهة الضغط على حكومة الكيان الصهيوني، بأن الرد الصهيوني على عملية 7 أكتوبر تجاوز الحدود ، وبأن حماس لم تعمل على تخريب التطبيع السعودي الأمريكي، والإشارات بأن أمريكا قد تعترف بدولة فلسطينية،  وإن كان هذا من باب البروبوجاندا الأمريكية المعهودة، وأن هذه الدولة ستكون على الورق، ولكن هذه رسائل مزعجة لحكومة الكيان المتطرفة، والقول له بأن هذه الحرب قد استنفدت أهدافها وأصبحت تكلفتها أعلى بكثير من العائد المتحقق منها.
بعد تسليم الرد الصهيوني لمصر وقطر وسفر وفد من المقاومة الفلسطينية إلى مصر، ووفد آخر صهيوني، وإحتمال قدوم مدير المخابرات المركزية الأمريكية وليم بيرنز إلى القاهرة، لدفع مفاوضات صفقة التبادل إلى الأمام.  يعني بأن إمكانيات  الوصول إلى نقطة إلتقاء لوقف الحرب على قطاع غزة وانسحاب إسرائيلي من قطاع غزة، وصفقة تبادل للأسرى تقترب من نهاية الحرب. ويبدو أننا أمام أسابيع، وقبل شهر رمضان لتنفيذ الإتفاق، التي يجري التفاوض حاليًا تحت نيران الحرب. في المقابل سنشهد تصعيدًا عسكرياً وأمنياً على جبهة قطاع غزة، ومناورة برية "محدودة" على مدينة رفح، لم تصل حد الإجتياح البري الشامل.
اجتياح غزة، قد تفجر الأوضاع في المنطقة، ولا يبدو أن مصر حتى النهاية ستقف مكتوفة الأيدي، دون وضع خط أحمر لذلك. الجبهات المساندة أو ما تسمى بوحدة الساحات، ستزيد وتيرة تصعيدها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وهذا التصعيد لن يصل إلى حد التوسع نحو حرب واسعة النطاق أو شاملة، سيكون من أجل تحسين شروط التفاوض وتخفيض سقف المطالب، التي طرحتها حماس في تعديلاتها على ورقة باريس الأمنية التي كانت صياغتها  أمريكية- صهيونية،

لخدمة هدف وحيد، هو السعي لإطلاق سراح الأسرى العسكريين والمدنيين لدى حماس والمقاومة الفلسطينية.


غياب موقف صهيوني موحد

لا يوجد موقف صهيوني موحد حول وقف استمرار الحرب، والتفاوض مع حماس والمقاومة الفلسطينية، عبر الوسطاء من أجل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، بل هناك اعتقاد عند أهالي الأسرى ومعهم عدد من أعضاء مجلس الحرب غانتس وايزنكوت،  بأنها ستقضي على من بقي منهم أحياء وسيعودن بتوابيت، وليس أحياء، وأن نتنياهو معني باستمرار هذه الحرب خدمة لأهدافه الشخصية وإطالة أمد تحالفه السياسي، وهذا يعني المزيد من التصدع والتفكك على المستوى السياسي الحاكم، وقد يؤدي ذلك إلى تفكك مجلس الحرب وفشل خططه في إدارة الحرب.
فهذه الحرب تمثل في مجملها حالة عبثية وهمجية في ردود أفعالها غير الطبيعية. بعد هزيمة إسرائيل في حرب أكتوبر 73، هذه المرة الثانية الذي  يشهد فيه الكيان الصهيوني نكسته وهزيمته.
رئيس الوزراء الأسبق يهودا اولمرت قال:" في 7 أكتوبر لأول مرة في تاريخها، تلحق بها هزيمة عسكرية واستراتيجية، وتبجح وتفاخر نتنياهو وتعهدات غير قابلة للتحقيق، لن تغير في المشهد، ولن تعيد أسرى بدون تفاوض، ولن تقضي على حركة حماس، بل سيجري التفاوض معها". 

وأخيرًا، فإن التهديدات بإجتياح رفح، هي حرب في الجانب النفسي ولتحسين شروط التفاوض على ضفتي الحرب، وعلى صعيد الجبهات المساندة لها، ويبدو أن الحرب تدخل نهايتها والتفاوض سيستمر تحت النار على السقوف والشروط، لتضع الحرب أوزارها تحت الوجع..!