يناير 22, 2024 - 20:58
جرائم التطهير العرقي في غزة وغياب الدور المصري المكبل بالاتفاقات الأمنية مع إسرائيل


عرب جورنال / توفيق سلاّم -  
مايحدث من جرائم في فلسطين لم تكن على الإطلاق أمرًا عفويًا أستثنائيا طارئا لايقبل التكرار، الأمر ذاته تكرر فى الأندلس قبلها، وبصرف النظر عن كيفية وجود المسلمين هناك، لكنهم كانوا قد استقروا لمئات السنين، ثم انتهى بهم الأمر للإبادة والطرد وتغيير العقيدة عنوة. ومالم تكن هناك مبادرات دولية للسلام وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، فإن الاستمرار على هذا الحال في ارتكاب الجرائم الإنسانية، والتطهير العرقي والتهجير القسري والحصار في ظل الصمت الدولي، فإن المسألة ذاهبة لذات الفعل التاريخي الأندلسي، ولكنها ستأخذ وقتها، وقد نرى  مأساة الفلسطينيين وهم يخيرون، مابين الطرد، أو القتل، أو البقاء مع القبول بالتهويد أو التنصير ،
والحقيقة المرة أننا لا نتعلم من التاريخ...!
فمن المعلوم أن بداية التهويد في فلسطين كانت مجرد فكرة جاءت تجميعًا لأساطير وغيبيات وأكاذيب وهرطقات بدأت خجولة متمسكنة، ثم تدرجت حتى نالت الدعم والوعود التاريخية، وكبرت وتغلغلت حتى تمكنت وتفرعنت وتوحشت. ورغم وضوح تلك الحقائق، إلا أنها كانت بداية المأساة الفلسطينية.
وهؤلاء الصهاينة المجرمون العنصريون يتلقون الدعم الكامل من نفس الأيدى التي قدمت الدعم للآباء المؤسسين للدولة الصهيونية. فالجرائم التي تحدث فى فلسطين ينبغى أن تعلمنا ألا نستهتر بأي فكر عنصري إستئصالي مدعوم ومتواصل مع أوروبا والولايات المتحدة وكندا وإسرائيل، مهما بدا صغيرًا أو سطحيًا أو غير واقعي، فمعظم النار من مستصغر الشرر..!

المقاومة الرمز السياسي للقضية الفلسطينية 


المقاومة الفلسطينية أضحت منذ عقود الطرف العربي الوحيد والفاعل في مواجهة الصهيونية ومشاريعها الاحتلالية،  والعقبة الأساسية أمام مشاريع الاستيطان، والتهجير القسري. وشعبيتها أصبحت تشكل الرمز السياسي للقضية الفلسطينية كحركة تحرير وطني، يدّوي فعلها على مدار الساعة في أنحاء العالم إيذانًا بوجود الدولة الفلسطينية بنقاومتها وشعبها المناهض للاحتلال الذي يرتكب جرائم إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، ويشكل خطرًا وتهديدًا حقيقيًا على السلم والأمن الاقليميين. وهذا ما يجعل المقاومة ضرورة وجودية لحماية الشعب الفلسطيني، والأمة العربية والإسلامية وحق الوجود على الأرض، لاسيما بعد صفقات مشاريع التطبيع مع الأنظمة العربية، ورعاته وداعموه يعلمون هذه الحقيقة ودأبوا على محاولات اجتثاث حماس وكل فصائل المقاومة بالقوة الغاشمة والحملات العسكرية وبمختلف الوسائل منذ أواخر عام 1988، وعندما فشلوا حاولوا بالتآمر مع بعض الأنظمة العربية على تفكيك حماس. فعادوا إثر طوفان الأقصى بتحالف أطلسي في حرب مفتوحة، وبلا سقوف على غزة والضفة الغربية كأقذر حرب على مر التاريخ وعلى يد عصابات نازية، وفر لها الغرب كل سبل الدعم السياسي والعسكري والمالي والاستخباري، واللوجيستي وكل متطلبات الحرب من الخبراء، وآخر تقنيات الأطلسي العسكرية  والتجسسية وسلاح  التدمير الشامل. 
وعندما خابت حسابات وتقديرات الصهاينة أمام صمود وبسالة وإيمان المقاومة وشعب غزة، رغم هول المجازر الغاشمة التي أثارت غضب وتعاطف شعوب وأحرار العالم مع القضية الفلسطينية، هو ماصنع اليأس لدى أطراف عديدة في المعسكر الصهيوني والغربي في استحالة القضاء على المقاومة الفلسطينية وعلى قادتها. ورغم الفشل العسكري في تحقيق استراتيجية العدوان الصهيوني، لكنهم مازالوا يناورون على سقوف أعلى، ولايريدون التعاطي مع القضية الفلسطينية، والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967. 

حرب طويلة الأمد 

هناك خلافات سياسية وانقسامات بين حكومة نتنياهو وبين وزارة الدفاع، خصوصًا بعد توالي الفشل في تحقيق أي من أهداف الحرب المعلنة، وكل طرف يلقي باللائمة على الطرف الآخر، بحيث طفى على الخلاف الجانب الشخصي خصوصًا بين نتنياهو وجالانت وزير الدفاع، تأتي هذه الخلافات بالتزامن مع غليان الشارع الإسرائيلي المطالب نتنياهو بتقديم استقالته.. ومع ذلك يصر نتنياهو في الاستمرار في الحرب، وبتصعيد خطاباته التي لا يسمعها أحد، فهو رغم الهزائم مازال يصر على الانتقال إلى استراتيجية جديدة في المواجهة مع المقاومة، وهي استراتيجية الحرب "طويلة الأمد" أو الحرب الاستنزافية، كمحاولة أخيرة لاجتثاث أو تدجين المقاومة، وصولاً للنيل من الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وإحلال المحتل بديلاً عن أصحاب الأرض، إذ ما زال المخطط الصهيوني يدور حول فلك  التهجير القسري، إلى دول الجوار، والضغط على مصر والأردن قبول ذلك. وهذه الاستراتيجية هي خلاف للاتفاقيات الأمنية، هي موضوعنا هنا للحالة الفلسطينية الغزية، وخاصة إذا اكتملت شروطها بتبني أمريكا لها، أو في حالة  تواطؤ النظام المصري مع هذه القضية.
إذ أن خطورتها تنبع من أسباب القبول بها كأمر واقع كحالة إنسانية يحاول الصهاينة تمريرها، بفعل أعمالها البربرية لتهجير السكان، في حين لا يلقي الغرب بالاً وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لما ترتكبه إسرائيل من جرائم، ليس لهم سلطان عليها، بل يتعاطون مع نتائج أفعالها،  وفرضها على الأطراف المجاورة كحالة إنسانية. أي أن وقف الحرب والإبادة الجماعية لا تمثل حالة إنسانية في مفهوم الغرب، أما تهجير السكان حالة إنسانية ملزمة، تتطلب القبول عن وطن آخر يأويهم بدلاً عن وطنهم.. فلماذا يعتمد الكيان هذه الاستراتيجية، واجتثاث المقاومة وهي حق مشروع تخص الشعب الفلسطيني في مقاومة المحتل كحق طبيعي شرعي وإنساني، باعتبار المقاومة لسان حال شعب فلسطين  كحركة تحرير وطنية لمقاومة المحتل  وليس العكس؟ وقبل الإجابة قد يقول قائل بأن تحول حكومة الاحتلال للحرب الطويلة هو مجرد ملعوب يختبئ فيه نتنياهو وزمرته لتأجيل إعلان فشلهم وهزيمتهم.. هذا صحيح من حيث أن حربهم العدوانية فشلت، وهي الآن مستمرة بلا هدف أو استراتيجية وكل المباحثات، أو التحضيرات لما بعد حماس باتت تشكل أزمة سياسية وهزيمة لإسرائيل، وهذا بحد ذاته يصب في خانة البحث عن استراتيجية جديدة للقضاء على المقاومة وتحرير الأسرى. لذا نجد الكيان يبحث عن حرب طويلة يراهن من خلالها، على عدة عناصر من أهمها: الاستنزاف، فكل ما تفقده المقاومة لا يتم تعويضه في ظل الحصار الخانق، بالإضافة إلى سياسة التهجير، والتطهير العرقي، فضلاً عن الغطاء السياسي الأمريكي - الغربي مع استمرار الدعم، وجر أمريكا وبريطانيا ودول التطبيع العربية كلها أو بعضها إلى هذه الاستراتيجية أو ربما قد أقنعتهم بها.
أما لماذا يلجأ الكيان لهذه الاستراتيجية، فلأنه مضطر من ناحية ومدفوع من ناحية أخرى. أما مضطر فذلك في ضوء فشله المتكرر منذ أكثر من ثلاثة عقود لحسم الحرب مع المقاومة على الطريقة السريعة ذات الصدمة والترويع التي اعتاد عليها في حسم حروبه مع الجيوش العربية. والحقيقة الثابتة، أنه لا أمل بتبدل المواقف العربية، إلى جانب الشعب الفلسطيني، بالأخص الموقف المصري الهش، وموافقة مصر على تسليم حدودها مع قطاع غزة لجيش الكيان ولو بملعوب ما.
فاستراتيجية هذه الحرب الطويلة إن حصلت فلن تحصل الإ بموافقة أمريكية - بريطانية بدرجة رئيسة وباتفاق وتعاون أنظمة دول التطبيع المندسة ضمن أجندات الحرب على غزة. وفي هذه الحالة وعلى الأغلب ستذهب أمريكا -كالعادة- لمجلس الأمن لاتخاذ حق "الفيتو" لاستمرار جرائم الإبادة الإنسانية، وحماية إسرائيل   بحرًا وبرًا وجوًا بذريعة ربط حماس، وكل أطراف المقاومة بالإرهاب مع فرض الحصار من تمرير الغذاء والدواء، وإن كان بصورة متقطعة. ومن شأن ذلك أن يجعل من كل قطعة سلاح أو ذخيرة للمقاومة تستهلك لا تعوض ولا يصنع غيرها. وهنا لابد من التذكير إذا سقطت المقاومة الفلسطينية، فلن يكون مبرر لوجود محور المقاومة أي فاعلية على صعيد القضية الفلسطينية والتحرير الوطني. 
فإسرائيل تتبنى استراتيجية "حرب طويلة الأمد" لتضع مقاومة غزة، والقطاع في إطار حصار محكم، وحرب استنزاف، وإبادة عرقية للسكان، وإجبار السكان على مغادرة أراضيهم، وهذه مؤامرة خطيرة على المقاومة وعلى القضية القضية الفلسطينية ومستقبل الشرق الأوسط والدول العربية. ومن الأهمية بمكان ولو على سبيل الحيطة والتحوط إحباط  هذا المشروع التفكيكي من خلال وقف الحرب العدوانية القائمة على غزة والضفة بالسرعة الممكنة. وهذه مسؤولية المجتمع الدولي والأنظمة العربية والإسلامية ومحور المقاومة بالتحرك الجاد والفاعل، إذ ينبغي هنا أن يكون يكون الجميع  مستعدًا لما هو أخطر خلال الأيام القادمة، وما هو مطلوب الآن من المقاومة الانتقال بالعمليات إلى المستوى الهجومي ذات التأثير المباشر على قرارات الكيان وحلفائه. فما تفعله اليمن هو الإجراء الفاعل في طبيعة الأحداث والأكثر تأثيرًا على العدو الصهيوني. والثانية بالتدخل الميداني المباشر لحزب الله في الحرب العدوانية على غزة كأن يضرب على محيط غزة، ويعلن بأن ما يسمى باجتثاث حماس خط أحمر. أما دور شعوب أنظمة التطبيع العربي لا يعول عليها بشيء، فهي رهينة وأسيرة لأمريكا والصهاينة. يبقى محور المقاومة هو واقع مسؤولياتها في مواجهة القوى الاستعمارية الإجرامية، وما يحدث في فلسطين سيتكرر حدوثة في أكثر من منطقة عربية،  وأفعال إسرائيل تؤشر على أنه وكيل عميل متصهين  في مستعمرة غير معلنة. وكل الدول العربية المطبعة على الشكل والمضمون التي نراها هي بمثابة مستعمرات أمريكية غير معلنة. 

التحديات الماثلة أمام مصر 

مصر تواجه تحديات أمنية كبيرة، وخطيرة في نفس الوقت هي تواجه انتقادات تتعلق بتحكم الاحتلال الإسرائيلي في حجم المساعدات التي تدخل قطاع غزة عبر معبر رفح، في وقت تتصاعد فيه المخاوف من تنفيذ الاحتلال تهجير أهالي القطاع إلى سيناء.
وبشيء من التوضيح عن طبيعة العلاقات المصرية الإسرائيلية نجتزئ بتصرف  مما يقوله المفكر المصري محمد سيف الدولة مستشار رئيس الجمهورية الأسبق للشؤون العربية في مقابلة أجرتها معه صحيفة القدس العربي، فهو يقول :"الواضح أن مصر مقيدة باتفاقيات مع الكيان الصهيوني منها اتفاقية "فيلادلفيا" التي وقعتها مع الكيان الصهيوني عام 2005، بعد انسحاب الاحتلال من غزة تحت ضغط المقاومة، لأن الحدود بين مصر والقطاع لم تعد تحت سيطرة الاحتلال، فقرر الاحتلال أن يكلف مصر بمراقبة الفلسطينيين والمقاومة وتهريب السلاح. وهذه الاتفاقية تخضع لاتفاقية أكبر هي "اتفاقية المعابر الفلسطينية الإسرائيلية" وهي الاتفاقية التي كانت تعطي لإسرائيل حق الرقابة وتحديد من يعبر منه، بجود إشراف ورقابة من الاتحاد الأوروبي، وعندما تولت حركة حماس المسؤولية في قطاع غزة، انسحب الاتحاد الأوروبي وانسحب الاحتلال، وغرفة الكنترول الإسرائيلية لم تعد قائمة، وأصبحت مصر تقوم بهذا الدور، على أن توافق إسرائيل على مرور الأشخاص أو حتى البضائع.
هذا بالإضافة إلى قيود اتفاقية السلام المعروفة بـ " كامب ديفيد". فمصر منذ سبعينيات القرن الماضي، تضع علاقتها مع إسرائيل، كأولوية على أي علاقات أخرى، وهذا الأمر بموجب نصوص واضحة في اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، فالمادة السادسة، تنص على أن المعاهدة لها أولوية على أي اتفاقيات أخرى سابقة وقعتها مصر في إشارة لاتفاقية الدفاع العربي المشترك، وعدم السماح للطرفين في المستقبل توقيع أي معاهدة تخل بالالتزامات الموجودة في هذه الاتفاقية، وأن هذه المعاهدة مستقلة عن أي أحداث أو أطراف، وبالتالي وفقا لنصوص كامب ديفيد،  تكون مصر مقيدة خارج  أي علاقات مع إسرائيل، وهذا هو الجانب القانوني في اتفاقية كامب ديفيد الباطلة". فبعد حرب 1973 تبنى الرئيس الراحل أنور السادات سياسة التبعية، (بعد أن ركل العلاقات مع الاتحاد السوفيتي)، على اعتبار أن التبعية مع أمريكا  هي الحل لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على مصر، ومنذ ذلك الوقت دخلت مصر تحت العباءة الأمريكية. وكل الرؤساء الذين حكموا مصر منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد، ينتمون لمدرسة التبعية. والآن هناك من يتحدث من المحسوبين على السلطة عن الخطأ التاريخي في الفترات السابقة عندما كان التعامل مع إسرائيل كتحدي، وأنه آن الأوان أن يتم التعامل معها كفرصة للتعايش، أو صديقة حليفة.
وفي هذه المسألة لابد من  التذكير، بأنه عندما تدهورت العلاقات بين مصر والولايات المتحدة في صيف عام 2013 وقررت أمريكا تعليق نسبة من المساعدات العسكرية لمصر، تدخلت إسرائيل للمرة الأولى لإقناع الإدارة الأمريكية بتسليم المساعدات إلى مصر،  (أربعة مليار دولار سنويًا). فالاحتلال اعتاد كل عام أثناء مناقشة الميزانية الأمريكية أن يضغط على الكونغرس، بمنح المساعدات لمصر، وتوقيف المساعدات إجراء إمريكي لعدم إغلاق مصر الأنفاق مع قطاع غزة التي يتم من خلالها تهريب الأسلحة كما تدعي بذلك إسرائيل".  وهذا ما يمكن تلخيصه فيما قاله مصطفى الفقي سكرتير رئيس الجمهورية الأسبق عام 2010 من أن رئيس مصر يجب أن توافق عليه الإدارة الأمريكية ويحظى بقبول إسرائيل. الجانب الآخر، يتمثل في أن التحرر من كامب ديفيد- وهو السبيل الوحيد لإنقاذ مصر، ومثلما طالبت كل القوى الوطنية قبل ثورة 1952 بالتحرر من الاحتلال البريطاني- إلا أن ذلك يرتبط أولاً  بالتحرر من التبعية الأمريكية، وهنا جذر المشكلة. فالتحرر من التبعية الأمريكية وكامب ديفيد لن يتم عبر مؤسسات الدولة التي تربت في أحضان كامب ديفيد، وتستفيد من صفقاتها، المعول أن يكون هناك حالة شعبية ضاغطة تجبر أمريكا والمجتمع الدولي على قبول تحرير مصر من كامب ديفيد.
للأسف كل الفرقاء السياسيين من كافة الاتجاهات يرون بعدم استفزاز الولايات المتحدة وإسرائيل، وإرسال أكبر قدر من التطمينات لكليهما بأنهم لن يقتربوا من اتفاقية كامب ديفيد.

الإتفاقات الأمنية 

وعن الاتفاقيات الأمنية واتفاقيات السلام يقول المفكر سيف الدولة:"  اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية في مادتها الرابعة تحدثت عن ترتيبات أمنية، ووضعت لها ملحق أمني، مفروض على رقبة مصر، يمكن تلخيصه في أن أقرب دبابة إسرائيلية للنقطة الحدودية تبعد 3 كيلومترات، فيما تبعد أقرب دبابة مصرية عن نفس النقطة 150 كيلومترًا، وبالتالي هذا هو ملخص أزمة الأمن القومي المصري. فالاتفاقيات الموقعة انحازت للأمن القومي الإسرائيلي عن الأمن القومي المصري، عبر مرحلتين، الأولى تمت عام 1974 فيما يسمى باتفاقية فض الاشتباك الأول، حين قبل السادات شروط وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنرى كيسنجر بسحب القوات المصرية التي عبرت في 6 تشرين الثاني/اكتوبر 1973 وإعادتها مرة أخرى إلى الضفة الغربية لقناة السويس، فمثلاً:  كان لدى مصر 80 ألف جندي تم إعادة 73 ألف، وكان لديها ما يوازي ألف دبابة، تم سحبها وترك منها 30 دبابة، مقابل انسحاب القوات الإسرائيلية من الثغرة.
في المرحلة الثانية، صنعت إسرائيل لمصر حدود، دولية وهي التي نعرفها بين مصر وفلسطين المحتلة، وحدود أمنية، على بعد 55 كيلومترًا من قناة السويس، من خلال تقسيم سيناء إلى 3 مناطق، الأولى، بجوار قناة السويس، مسموح فيها بتواجد 22 ألف جندي مصري و230 دبابة، والمنطقة "ب" وعرضها 109 كيلومترات ومسموح فيها بـ 4 آلاف عسكري حرس حدود فقط. والمنطقة "ج" عرضها 33 كيلومترًا بجوار فلسطين، وغير مسموح فيها إلا بقوات الشرطة فقط، بالإضافة إلى بعض القوات المصرية التي سمحت بها إسرائيل لمكافحة الإرهاب، في المقابل تنص الاتفاقية على شريط حدودي من الجانب الآخر عرضه 3 كيلومترات، وقيدت وجود إسرائيل العسكري بـ4 آلاف عسكري حرس حدود فقط ولا يجوز لإسرائيل وضع مدرعات في هذه المنطقة.
 ومحور فيلادلفيا يقع في هذا الشريط الحدودي، وبالتالي لا يجوز لإسرائيل، احتلال المحور، رغم  مطالبة مصر  بالتحرر من شروط كامب ديفيد، إلا لو أنها مصرة على الالتزام بالاتفاقية، فعليها رفض إعادة احتلال المحور لما يمثله من انتهاك للاتفاقية.
كما أنه ليس من حق مصر أو أي دولة أخرى أن تعطي لإسرئيل حق احتلال أراض فلسطينية، وهنا يمكن الرد على بعض المتحدثين باسم السلطة، الذين تحدثوا عن إعادة احتلال المحور لابد أن يتم بالتشاور مع مصر، من خلال لجان التنسيق.

هدم الانفاق

ويتحدث سيف الدولة عن هدم الانفاق فيقول" مبارك لم يهدم الأنفاق، ولم تنشأ منطقة عازلة، ولم يفرغ منطقتي رفح والشيخ زويد من السكان، على عكس السيسي الذي فعل كل ذلك، وما قام به مبارك، يعود لسبيين، الأول أن الدولة المصرية تعي أنها حتى لو لم ترغب في قتال إسرائيل، فإنها ترغب في وجود من يشاغب المحتل، والسبب الثاني أنه في عام 2008 نظرًا لحالة الحصار، اقتحم أهالي فلسطين الحدود وحصلوا على احتياجاتهم وعادوا مرة أخرى، وكانت وجهة نظر مبارك ومؤسساته أنه لابد من وجود مكان للتنفيس، عن هذه المشكلة.


مخطط التهجير

أما ما يتعلق بمخطط  تهجير أهالي قطاع غزة فيقول" حتى الآن لم تتخذ خطوات للتصدي لهذا المخطط عدا التصريحات الرسمية، وهو قائم على قدم وساق مع استمرار قصف الأحياء السكنية وهدم وتخريب البنية التحتية وقتل السكان، واجبارهم  على النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه، وعلى الحدود المصرية وبالذات على منطقة رفح المكتظة بالسكان، وخصوصًا مع نزوح سكان غزة إليها. إذًا هناك مئات الآلاف من أهالي القطاع أمام بوابة رفح، وسوف يتضاعف أعداد هؤلاء، وأمام هذه الحالة الإنسانية، فماذا ستفعل السلطات المصرية في مواجهة ذلك؟  
والاجابة أن السلطة المصرية ترفض التهجير إلى سيناء، والرئيس الأمريكي قدم للكونغرس طلبًا، بـ14 مليار دولار لدعم إسرائيل، وتم اقرار هذا الدعم لحرب على غزة، مقسم إلى بنود إحداها مخصص لتهجير أهالي القطاع إلى دول مجاورة. فالمصريون في حالة صراع مع الاحتلال، والفلسطينيون كذلك، كما كانت الحالة بعد حرب 1967 وحدثت ضغوط عسكرية من الاحتلال أجبرت الفلسطينيين على التقهقر والانسحاب لإعادة التنظيم ومعاودة الهجوم، لكن هذا ليس الوضع القائم اليوم، وبالتالي عندما يتم التهجير القسري، ستأتي غزة بأهلها بمقاومتها وسلاحها، وسيكون في سيناء سيادتان مسلحتان، والدستور المصري ينص على أنه لا يحق لأحد أن يحمل السلاح إلا القوات المسلحة المصرية، وبالتالي ستكون هناك قطعة من أرض مصر مساحتها 60 ألف كيلومتر مربع، عليها قوتان مسلحتان، بالضرورة سيتكرر ما حدث في أيلول الأسود في الأردن وفي الحرب الأهلية اللبنانية، وسيتحول الصراع، من حرب تحرير فلسطينية في مواجهة المحتل لصراع بين المقاومة الفلسطينية ومؤسسات الدولة المصرية"، هذا هو ما يتعلق بالأمن القومي المصري، وما سيترتب عليه من تداعيات، قد تؤدي إلى  سقوط شرعية النظام الحاكم في مصر بفعل حراك الشارع، والجيش الذي لن يقبل بالمخططات الصهيونية الغربية. والكلام هنا لسيف الدولة" لأن أي نظام يحكم حتى لو كان مستبدًا يستمد شرعيته من الحفاظ على الأرض، فإذا كانت القيادات المصرية متخيلة أن الأمر ممكن أن يتم وأن تظل في مواقعها فهي واهمة. وهناك تسريبات، تتحدث عن ضغوط تتعلق بإسقاط ديون مصر مقابل القبول بمخطط التهجير"، (وهذا لو تم ستكون المرة الثانية في نكبة فلسطين).
ما تقوم به مصر حتى الآن سوى تصريحات بأن التهجير خط أحمر، وأعلى ما هدد به السيسي اخراج المصريين إلى الشوارع، والسماح بالتظاهر، وكانت هناك مظاهرتين، الأولى تتبع مؤسساته، وأخرى للشعب المصري الحقيقي، وترك المظاهرات 24 ساعة قبل أن يلقي القبض على قيادات التظاهرات. فالإدارة الأمريكية وإسرائيل يعرفون أن الدولة المصرية قادرة على التحكم في المظاهرات التي تنظمها، وما يخيف أمريكا وإسرائيل وجود حالة شبيهة لثوار يناير يرفضون التهجير ويهتفون ضد أمريكا وإسرائيل.
كما قامت مصر بتفتيش حرب كان فيه استعراض للقوة، لكنه في مدينة السويس وليس في سيناء، وبينه وبين سيناء حاجز مائي هو قناة السويس وبنود معاهدة كامب ديفيد، التي لا تسمح للقوات المصرية بدخول سيناء. ولدى السلطة المصرية، خطوات يمكن اتخاذها لوقف التهجير، منها تجميد المادة الرابعة من اتفاقية السلام، وتدفع بقوات إلى المنطقة "ج" بالقرب من الحدود، اعتمادًا على سند قانوني دولي هو نظرية تغير الظروف، وهو حق الدول في إعادة النظر في بنود الاتفاقيات إذا تغيرت الظروف التي وقعت فيها، والأمن القومي المصري مهدد الآن بضياع سيناء، وإعادة الأهالي الذين تم تهجيرهم من رفح والشيخ زويد وتلغي فكرة المنطقة العازلة، وتجميد اتفاقية فيلادلفيا وإدخال المساعدات رغم أنف إسرائيل، وتدشين دعوة لكافة القطاعات السياسية والثقافية والفنية لتواجد  الداعمين لفلسطين من أوروبا وأمريكا للاعتصام أمام معبر رفح لصناعة حماية من الرأي العام الدولي لحماية المساعدات، ويمكنها إلغاء صفقة استيراد الغاز من إسرائيل وقيمتها 15 مليار دولار، وإلغاء اتفاقية طابا التي تسمح للسياح الإسرائيليين بدخول شواطئ خليج العقبة لمدة أسبوعين بدون تأشيرة، وإلغاء اتفاقية الكويز، وفي المقابل من ذلك تلمح للولايات المتحدة أنها ستتوقف عن تقديم التسهيلات الممنوحة لها في قناة السويس.

فقدان سيناء

يشير سيف الدولة إلى خطورة التهجير على الأمن القومي المصري بالقول:"  السلطة المصرية تدرك أن اتخاذ مثل هذه الخطوات ستثير غضب أمريكا،  وهناك كذبة كبرى تتمثل في أن المطالبة بتحرير مصر من قيود اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية ستؤدي إلى حرب، وستعيد إسرائيل احتلال سيناء، إلا أن مثل هذه التحليلات غير واقعية، فإذا لم تقم مصر الآن بإدخال قوات مصرية لحماية سيناء، ستضيع سيناء بدون حرب، وبالتالي الالتزام باتفاقية السلام يؤدي إلى احتمال كبير لفقدان سيناء، والتحرر من الاتفاقية، يحمل ضمانات أكبر لحماية سيناء. ذلك أن إسرائيل دولة وظيفية، صنعها الغرب لحماية مصالحه، باعتبارها قاعدة عسكرية استراتيجية متقدمة في الشرق الأوسط، لضرب الأنظمة العربية، وهذا أمر نجحت فيه بعد حرب 1973 ما دفع عدد كبير من الأنظمة العربية للدخول في الحظيرة الأمريكية، وهو ما أدى إلى تفكيك أي تقارب، وجعل الصراع البيني دون وحدة الأمة العربية،
إضافة إلى أن أمريكا تحتكر تسليح الدول العربية (خاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي)، والشرط الرئيس لبقاء الحاكم العربي في مكانه هو الاعتراف والقبول من أمريكا، كما قال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إن السعودية وعددًا من الدول العربية ليست سوى محميات أمريكية، إذا رفعت أمريكا الحماية عنها ستسقط خلال أسبوع، وبالتالي فإن دور الأنظمة العربية هو تنفيذ المشروع الأمريكي وإقامة التطبيع مع إسرائيل، ومخططات إعادة  تقسيم الحدود العربية وبعودتها إلى اتفاقية سايكس بيكو، ومازالت السلطات العربية حتى اليوم تلعب دورًا في حماية إسرائيل من الشعوب العربية، وهذا ما يفسر غياب المظاهرات في البلدان العربية بالمقارنة بالدول الأوروبية، ولماذا لم يطلق نظام عربي واحد رصاصة على إسرائيل، بل أن كل الأنظمة العربية تدين العدوان الإسرائيلي وتدين في الوقت نفسه عملية طوفان الأقصى، وفي النهاية إذا تعامل المواطن العربي مع الأنظمة العربية باعتبارها ولاة للسلطان الأمريكي، سيفسر له ذلك كثيرًا ما يحدث في المنطقة".