يناير 6, 2024 - 16:59
مظاهر تمترس تيار السلفية المدخلية في خندق العداء للمقاومة الفلسطينية والاجتهاد في شرعنة جرائم الصهيونية


عرب جورنال/ عبدالسلام التويتي - 
من الأمور المعلومة لدى الخاصَّة والعامة أنَّ تيار السلفية «المدخلية» نشأ وترعرع في محاضن بعض الأجهزة الاستخباراتية العربية، وأنَّ الباعث على إنشائه ودعمه بالمال العام الذي يمكنه من تجييش لفيف من المتدينين العوام هو الرغبة في التأسيس لواقع سياسيٍّ ومجتمعيٍّ قمعي وتهيئة المناخات العامَّة لطاعة الأنظمة العميلة الظالمة وصولًا إلى إلزام المسلمين -في مخالفةٍ صارخة لمسلمات العقل والدين- بطاعة المحتلين الغاصبين، على غرار إفتاء المدعو «عبدالمحسن العبيكان» -بحسب ما أوردت في سياق مقالي المعنون [دعم المدخلية الفظيع لمسار التطبيع] الذي نشرته في صحيفة «26 سبتمبر بتأريخ 20 ديسمبر 2020م- (عموم العراقيين بطاعة «بول بريمر» الذي فرضه «جورج بوش الابن» على الشعب العراقي -بعد احتلال العراق عام 2003م- راعيًا لمصالح الغزو الأمريكي، باعتباره وليّ أمر شرعيّ تجب طاعته)، وقس على ذلك من المواقف الكثيرة التي تبنى -حلالها- رموز هذا التيار الدفع بالعوام إلى موالاة الكفار ومساندتهم حتى يتمكنوا من استئصال شأفة تيار المقاومين الأحرار.

فظاعة اعتبار «نتنياهو» ولي أمر واجب الطاعة

خلافًا لما تنصُّ عليه الشرائع السماوية من تنظيم العلاقة بين الراعي والرعية على أساس من الطاعة بالمعروف للحاكم الجدير بتحمل ما يسند إليه من مسؤولية، وخلافًا لما تتوافق عليه القوانين الوضعية بشأن التناوب على السلطة بالطرق السلمية في ضوء ما ترتضيه المجتمعات من وثائق دستورية منعًا للاستحواذ على السلطة بصورةٍ احتكارية، يوجب تيار السلفية «المدخلية» طاعة ولي الأمر المدمن على تعاطي الخمر وعلى اقتراف الفحشاء والمنكر، وتحرم الخروج عليه -بحسب بعض الفتاوى المدخلية الشائعة- حتى (ولو شرب الخمر علنًا أو ظهر على التلفاز يزني لمدة نصف ساعة)، بل لقد أوجب رموز هذا التيار المتصهينين على أبناء فلسطين العرب المسلمين طاعة الحكام الصهاينة الغاصبين على اعتبار أنهم -على حدَّ زعمهم الذي لا يقرِّه عرفٌ ولا دين- أولياء أمر متغلبين، وليس أدلّ على تورط هذه الفرقة الضالة المضلة في إصدار هذه الفتوى المزلزلة من احتواء مقال الكاتب «عبدالله مخلص» التحليلي المعنون [«مَداخلة» يباركون قصف غزة.. ويتبنون موقف السعودية لا المغرب من حصار قطر] الذي نشره في موقع «هوية برس» بتأريخ 28 يونيو 2017 على ما يلي: (نشرت صفحة «طرابلس العاصمة» التي تنتسب إلى لتيار المدخلي: “هل تعلم أن جميع سكان غزة الإخوانيين هم من الخوارج، وذلك لأنهم خرجوا عن ولي أمرهم المتغلب السيد «بنيامين نتنياهو» رئيس الوزراء الإسرائيلي، فطاعة ولي الأمر المتغلب هي واجب شرعي، ولهذا نحن نبارك الحرب الإسرائيلية والقصف على مدينة غزة الفلسطينية التابعة للإخوان المفسدين، ونرجو السلامة لجميع المواطنين في «اسرائيل» من الصواريخ التي تطلقها «حماس» الإخوانية على الأراضي الإسرائيلية”).

عمل التيار بإصرار على تسريع وتيرة التطبيع

لأنَّ الفرقة المدخلية بكل ما تتبناه من رؤى فاسدةٍ دخيلة صنيعة أنظمة عميلة، فقد كانت وما تزال تشرعن لمفاسدها بكل وسيلة، حتى لقد صاغت لها من الفتاوى التضليلية ما تشرعن إتيان ما يتنافى مع أوامر ونواهي شديد القوى وهدي من لم ينطق عن الهوى، وأجازت لها -خلافًا لمقتضيات الولاء والبراء- موالاة اليهود والنصارى بمن فيهم المعتدين المغتصبين -منذ عشرات السنين- لأوطان بعض إخواننا المسلمين، وذلك ما يمكن أن يستشف من تضمُّن مقالي الذي سبق الاستشهاد ببعض محتواه ما يلي: (وإذا جاز لنا أخذ ما يبديه هذا التيار من انحيازٍ جنوني إلى الأنظمة المهرولة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني وبمجمل ما صدر عن رموزه من فتاوى توجب طاعة من تعتبرهم أولياء أمر حتى من المحتلين الكفار، فستتجلى حقيقة الدور العمالي المنوط بهذا التيار منذ نشأته والمتمثل في تهيئة وضع مجتمعي عربي أكثر قابلية لما تُبديه بعض أنظمة الخزان النفطي الخليجي من تسابُقٍ مجنون على تطبيع العلاقات مع "آل صهيون")، كما أشيرَ -من ناحية أخرى- إلى تشجيع تيار المداخلة على تسريع وتيرة التطبيع في استهلال الخبر الصحفي التحليلي المعنون [هل "المداخلة" أصدقاء لـ"إسرائيل"؟.. كاتب يجيب] الذي نشره «عربي21» بتأريخ 30 من ديسمبر الماضي على النحو التالي: (أشار المصرفي السابق والكاتب «زالغي خان» -في مدونةٍ له منشورةٍ على موقع "تايمز أوف إسرائيل"- إلى أنَّ المدرسة الإسلامية الفكرية التي يطلق عليها "المدخلية" متشجعة لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل" أكثر من الأحزاب الليبرالية والعلمانية).

تصويغ التطبيع مع العدا بالتلاعب بفتاوى العلماء

لعل إدراك هذا التيار كثرة لججه وضعف حججه يحمله –بين الحين والحين لكي يتمكن من تمرير أباطيله وتعميم هرطقات كهنته الصاغرين- على التستر خلف أقوال بعض علماء الدين المعتبرين المشهود بتقواهم المعتد بآرائهم وفتاواهم، فنجدهم عند ما يعجزون عن إقناع أتباعهم الرعاع باستساغة ما لا يستساغ يلجؤون إلى استحضار فتوى لعالم من العلماء الثقات فيدعمون بها طرحهم بعد تعريضها لما قد تنخدع به بعض الشرائح والفئات من التلاعب والافتئات، وقد أشير إلى ما عمدت إليه عناصر ذلك التيار من تلاعب بفتاوى علماء أجلاء لإحقاق باطلٍ واضح البطلان -في سياق مقال الكاتب «عبدالسلام سكية» التحليلي المعنون [المداخلة يتلاعبون بفتوى ابن باز لتبرير التطبيع] الذي نشره في موقع «الشروق أونلاين» بتأريخ 14 أغسطس 2020- بما يلي: (دافع محسوبون على الدعوة الإسلامية وتحديدًا المداخلة عن الخطوة التطبيعية الإماراتية، واستشهد الداعية الإماراتي الأردني الأصل «وسيم يوسف» على جواز توقيع اتفاق التطبيع بظاهر فتوى لـ«عبد العزيز بن باز» مفتي السعودية السابق.
ونقل يوسف في تغريدة على حسابه في تويتر فتوى الشيخ «ابن باز» التي قال فيها: “كل دولة تنظر في مصلحتها، فإذا رأت أن من المصلحة للمسلمين في بلادها الصلح مع اليهود في تبادل السفراء والبيع والشراء، وغير ذلك من المعاملات التي يجيزها شرعُ الله المطهَّر، فلا بأس في ذلك”.
وردَّ الداعية الكويتي الشيخ «مشاري بن راشد العفاسي» على تبرير التطبيع الإماراتي مع دولة الصهاينة، مؤكدًا استناد المبررين إلى فتوى سابقة لرئيس هيئة العلماء السعودية الأسبق «عبد العزيز بن باز» بعد أن جرى التلاعب بمضمونها.
وأوضح «بن عثيمين» الذي كان عضوًا في هيئة كبار العلماء بالمملكة حتى وفاته أنَّ من شنّعوا {يقصد من تلاعبوا بفتوى ابن باز} بالشيخ الراحل، بسبب حديثه عن الصلح مع اليهود، أغلبهم لا علاقة لهم بالإسلام ولا يعرفون عنه).

شماتة المدخلية بالمقاومة واعتبارها خوارج الأمة

إذا سلمنا -نزولًا عند ما سبق سرده من معطيات- بأنَّ غاية غايات استنبات الفرقة المدخلية تقتصر على إضعاف شوكة التيارات الإسلامية المتمتعة بنوعٍ من الاستقلالية المتحررة من هيمنة الرؤى السلطوية العمالية، فقد أنيط بها -منذ السنوات الأولى لنشأتها- تبني الخطاب المساند للدولة الصهيوإسرائيلية بصورٍ غاية في الابتذالية، وفي هذا الصدد فقد ورد في موضعين مختلفين من المقال التحليلي للكاتب «عبدالله مخلص» ما يلي: (فعقب التصعيد الأخير الذي عرفته غزة، والقصف الصهيوني على القطاع، عبرت عدد من الصفحات المنسوبة للتيار المدخلي عن فرحها بهذا العدوان. 
وأعربت صفحة «محبي الشيخ ربيع المدخلي في ليبيا» عن فرحها العارم بالعدوان الصهيوني وكتبت -بالبنط العريض-: “الله أكبر.. معاقل حركة حماس الإخوانية يتم دكها بالصواريخ في قطاع غزة، نسأل الله أن يخلصنا من شرور هؤلاء الخوارج ومن والاهم وأيدهم ودعمهم”).
ولا يمكن أن يعكس هذا الخطاب الأشد انحيازًا للعدو الصهيوني المستبشر بإراقة الكثير من الدم الفلسطيني إلَّا شدة حقد هذه الفرقة المتجردة من الحدِّ الأدنى من القيم الإنسانية على المقاومة الفلسطينية الذي نبهت إليه قبل أكثر من ثلاثة أعوام -في ختام مقالي- بما يلي: (إنَّ موقف المداخلة من الفصائل الفلسطينية المقاومة والمقاومين الفلسطينيين ينمُّ عن حقدٍ دفين، وليس أدلّ على ذلك ممَّا يكنون لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" من عداءٍ فَجّ ونعت عناصرها -على لسان المدخلي محمد سعيد رسلان- بـ"الخوارج").

طمأنة العدو القاطعة بإفشال المدخلية سلاح المقاطعة

إذا كانت قوة أية بلاد تعتمد على ما تتمتع به من قوة الاقتصاد الذي يعتمد في إرساء مداميكه على كثافة منتجات البلد وعلى السياسة التسويقية التي تمكنها من غزو معظم الأسواق ومن تحقيق أعلى معدل في المبيعات على الإطلاق، وهذا ما تحقق -إلى حدٍّ ما- لدولة «الكيان الصهيوني» باعتمادها على الوكلاء والمستوردين العديمي الأخلاق.
بيد أنَّ إصرار سلطات الكيان على الاستمرار في توسيع رقعة الاستيطان وإصراره على تنفيذ مجازره المستمرة ضد شيوخ ونساء وأطفال غزة منذ أكثر من ثلاثة أشهر وإلى الآن حملت معظم سكان المعمورة على مقاطعة ما علم لهم من منتجاته، فبدأ سلاح المقاطعة يفتُّ -سريعًا- في عضُد اقتصاد البلد بشكل لم يدُر في الخلد، الأمر الذي اضطر «نتنياهو» إلى التفكير في تقليص عدد الوزارات حتى يتمكن من تغطية ما تتطلبه الحرب من نفقات.
بيد أنَّ تيار المدخلية يبذل جهودًا خيالية لتلميع سمعة العدو الصهيوني الممرغة ولإفشال سلاح المقاطعة الذي أسفر عن نتائج رائعة في محاصرة منتجاته وبضائعه، وإذا كانت المدخلية الضالة تعتمد -لذلك الترويج- وسائل تجنبها المجابهة الجدلية، فقد أشير إلى دورها الترويجي المتجدد من خلال اختتام التقرير التحليلي المعنون [السلفية المدخلية كنز تكتيكي واستراتيجي للأهداف الإسرائيلية] الذي ترجمته «شبكة الهدهد» عن «تايمز أوف إسرائيل» ونشرته يوم الإثنين الـ31 من ديسمبر  الماضي على النحو التالي: (وأكد المحلل العبري “زالجي خان” أنَّ المدخلية هي تيار الفكر الإسلامي الأكثر ملاءمة للأهداف والغايات التكتيكية والعملياتية والاستراتيجية لدولة إسرائيل.
وأوضح أنَّ تلك المجموعة ليس لديها أية مشاكل مع تطبيع العلاقات معها، كما أنه ليس لديها أية مشاكل مع الدول العربية التي تبيع وتشتري مع إسرائيل.
وهي -بالتالي- مع تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي، وتأمين مصالح إسرائيل في جميع أنحاء العالم الإسلامي وحتى خارجه).