ديسمبر 29, 2023 - 10:27
جماعات الضغط وتأثيرها في السياسة الأمريكية (3-3)

عرب جورنال / خالد الأشموري - 
ثانياً: آليات وأدوات جماعات الضغط الخليجية:
تعتمد دول الخليج على قوتها الاقتصادية النفطية بهدف الحصول على تأثير جيد في القرار الأمريكي، وذلك من خلال الاعتماد على شركات ضغط تروج للمصالح الخليجية في الولايات المتحدة مقابل حصول الإدارات الأمريكية على منفعة جيدة من الطاقة النفطية الخاصة بدول الخليج بالإضافة إلى ذلك هناك لوبيات السلاح الأمريكية، التي تعتمد اعتماداً كبيراً على النفط الخليجي، ومن ثم تشترك مع اللوبي الخليجي من مطلق المصلحة المشتركة، والتأثير في قرار السياسة الخارجية في الولايات المتحدة.. إذ يعتمد اللوبي الخليجي على شركات العلاقات العامة، وقد كان للشركات العامة دور كبير في تحسين صورة العرب في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وذلك من خلال القنوات الإعلامية ووسائل التأثير محددة المعالم ، لكن مع دخول الألفية الجديدة ووقوع أحداث 11 سبتمبر / أيلول 2001م وما أعقب ذلك من حملة شرسة ضد العرب والمسلمين في الإعلام الأمريكي، تضاءل هذا الدور أو سكن لمدة محددة.
وقد أدى توسع نشاط التكنولوجيا الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي إلى تصعيب مهمة جماعات الضغط الخليجية نظراً لسيطرة لوبي الكيان الإسرائيلي على هذه التقنية ، وهو ما ألحق ضرراً بتحقيق مستوى التأثير المطلوب للجانب الخليجي ولكن ما لبث أن عاد اللوبي الخليجي مجدداً لدوره في السنوات الأخيرة ، بعد أن برزت الحاجة إلى الاعتماد على شركات العلاقات العامة لتمرير عدد من التشريعات الخاصة بقضايا المنطقة الخليجية.
وتجدر الإشارة إلى أن اللوبي الخليجي العربي ودوره يعاني عدداً من العراقيل في ممارسة مهامه داخل الولايات المتحد، أبرزها أن مفهوم اللوبي لدى الإدارات العربية مفهوم غير واضح، وذلك لكون " النظام العام السياسي والاجتماعي والسيكولوجي في الدول الخليجية والعربية يختلف عنه في الولايات المتحدة ففي الولايات المتحدة حق التظلم للحكومة هو حق محفوظ دستورياً، وهذا يختلف عن الأنظمة الخليجية والعربية فعلى الرغم من أن للدول الخليجية والعربية مجالس يلجأ إليها المواطنون للتظلم، فإن هذه المجالس لا تقارن بعملية الضغط في أمريكا وهي عملية منظمة لها شكل مؤسساتي.
بالإضافة إلى ذلك فإن لاختلاف الطبيعة الاجتماعية لسكان الدول العربية والخليجية دوراً سلبياً في مفهوم الضغط والتأثير، فطبيعة سكان الخليج تتميز بالولاء للقبيلة والعائلة أكثر من تحريكهم بالمصلحة المادية والإيديولوجية ، وهي تلك التي تسير المجتمعات في الولايات المتحدة، وعليه يصبح المفهوم ناقصاً لدى عقلية المشرع العربي الخليجي، وهو ما ينعكس على فعالية اللوبي الخليجي في تحقيق مصالحه.
يمكن القول إن وسائل الضغط والتأثير الخليجية لديها القدرة على خلق واقع يدعم أهدافها الخاصة فكل دولة خليجية تتمتع بأسلوب فريد لدفع المشرع الأمريكي إلى حماية مصالحها فضلاً عن اشتراكها جميعاً في التركيز على نهج من أعلى إلى أسفل في ممارسة الضغط، وهو ما مكن الدول الخليجية من تحقيق إنجاز يذكر في المصالح الآنية دون الحاجة إلى التأثير الكبير في كل مكونات القرار الأمريكي، بل تكتفي بتجاوب القليل منهم لتحقيق التأثير المطلوب. 
وفي المقابل يعاني اللوبي الخليجي عدداً من التحديات حالت دون تحقيق إنجاز كبير في أسلوب السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية، على رأسها تحدي توحيد أنشطة التأثير الخليجية وتكاثف جهودها المشتركة لخلق تأثير طويل المدى، وهو ما يجعل الدول الخليجية أقل حظوظاً في امتلاك العناصر الأساسية لتحريك السياسة الأمريكية، واستمرار الكيان الإسرائيلي في موقع الصدارة فيما يتعلق بنهج الولايات المتحدة الاستراتيجي تجاه المنطقة العربية.
كذلك يعاني اللوبي الخليجي التنافس الداخلي، والانشغال بالخلافات البينية ، ولذلك فعلى الرغم من كل هذه الجهود، لم تتمكن جماعات الضغط العربية من صناعة توجهات استراتيجية في السياسة الأمريكية، على عكس جماعات الضغط الأخرى التي تركز على صناعة التأثير في قضايا جوهرية تلامس شعوبها لفترة زمنية ممتدة وتبذل وسائل الضغط المختلفة لتحقيقها، وهذا الأمر يتطلب من الحكومات العربية والخليجية التركيز على القضايا الوجودية لأمنها ومصادر استقرارها وأن تضع خططاً ذات أبعاد استراتيجية، تقوم بتحقيقها من خلال سلسلة مترابطة من الضغط والتأثير، لتتمكن مستقبلاً من إرساء قواعد متينة تدعم المصالح العربية عند المشرع الامريكي.
بالنسبة للوبيات ضغط المنطقة العربية هناك عدد من الاختلافات الحاسمة فيما بينها، فعلى سبيل المثال هناك اختلاف جوهري بين اللوبي العربي ولوبي الكيان الإسرائيلي، وهو تشتت أهداف قضايا اللوبي الأول في حين يتمتع لوبي الكيان الإسرائيلي بأهداف محددة حافظ عليها سنوات طويلة حتى في حالة وجود خلافات بين إدارات البلدين.. أيضاً تجري معاملة لوبي الكيان الإسرائيلي كأدوات ضغط أمريكية لكون الغالبية منهم يحملون الجنسية الأمريكية، ويحصلون على تعاطف من المجتمع الامريكي لقضاياهم، في حين يعد اللوبي العربي بدولة المختلفة وسيلة ضغط أجنبية، ولا يحصلون على نفس استجابة المجتمع الأمريكي لقضاياهم.
وقد أظهر اللوبي الخليجي ضعفاً في التأثير في عدة مستويات ،وربما يعود ذلك حسب استنتاج توصلت إليه "دانيا الخطيب" في رسالتها للدكتوراه التي حملت أسم "اللوبي الخليجي العربي في أمريكا: بين الطموح والواقع" إلا أن اللوبي الخليجي لا يعتمد على قاعدة شعبية تؤمن بأطروحاته، على عكس اللوبي الإسرائيلي وغيره من المكونات العرقية الأخرى الذين يمتلكون جماعات تقدم لها الدعم والمناصرة الكافيين فضلاً عن عدم وجود استراتيجية مشتركة لكل الدول الخليجية مع الدول العربية في إيجاد تكتل موحد للوبي العربي، فكل دولة تبني علاقاتها مع أمريكا أحادياً ، وليس هناك توجه مشترك للعلاقة مع أمريكا، فكل دولة تمارس الضغط بطريقة مستقلة وتسعى للتميز في علاقتها مع أمريكا، وليس للتعاون من أجل تحقيق تأثير أكبر.
أيضاً، لم تستفيد الدول العربية من العرب الأمريكيين إفادة كافية في أنشطة الضغط كما استفادت جماعات الضغط للكيان الإسرائيلي من ذلك.. صحيح أن الهجرة اليهودية لها تقليد أطول من مثيلتها العربية، لكن كان يجب على الأطراف العربية أن تحقق فائدة أكبر من المجتمعات العربية الموجودة في الولايات المتحدة وربطهم أكثر مع مصالح دولهم، حتى يكون لهم دور أكبر في صنع السياسة بنفس الطريقة التي يمارس فيها اليهود الأمريكيون التأثير في العملية التشريعية الأمريكية فقد أنشأ المهاجرون العرب في سبعينيات القرن الماضي عدة منظمات عربية أمريكية، وذلك بعد الهزيمة في حرب الأيام الستة عام 1967م ، مثل : رابطة خريجي الجامعات من العرب الأمريكيين ولجنة مكافحة التمييز العربية الأمريكية والمعهد العربي الأمريكي، والرابطة القومية للأمريكيين العرب.
وتعد الرابطة القومية للأمريكيين العرب أقدم المنظمات العربية ، حيث أسست في أواخر السبعينيات وكانت تسعى إلى محاكاة نموذج لجنة إيباك في الضغط على الكونجرس، إلا أنها وجدت نفسها ممزقة بسبب التوترات الناتجة عن الحرب الأهلية اللبنانية، وانفصال بعض أعضائها المسيحيين اللبنانيين الأمريكيين والعمل مع منظمات أمريكية بحتة فضلاً عن مشاكل التمويل الصعبة التي دفعتها إلى الاندماج في لجنة مكافحة التمييز العربية الأمريكية، التي كانت هي كذلك تعاني مشاكل مالية مستعصية.
غياب التمويل الخليجي لمثل هذه المنظمات ربما يرجع إلى ضعف الاعتقاد الحكومي الخليجي بأهمية القاعدة الشعبية في جوهر ممارسة التأثير والضغط وتفضيلهم للشركات التجارية التي يسهل التحكم فيها.
كذلك يساهم الشرخ الطائفي في جعل التعامل الخليجي ودعمه المالي مع قضايا السياسة الخارجية أمراً أكثر صعوبة، فلم يعد ثمة سياسة خارجية موحدة يمكن تحقيق إجماع حولها، مثل غزو العراق في عام 2003م، حيث كان هناك إجماع عربي أمريكي على معارضة الغزو.
هذه الفرص الضائعة تتطلب معالجة عاجلة، لتلافي القصور والاستفادة من المتاحات المتعددة، بدلاً من مواجهة جماعات الضغط العربية بعضها لبعض، وتحركها بانفراد لحماية مصالحها الخاصة، وهو ما سيضر بالمنطقة في حال استمر الأمر على هذا النحو مستقبلاً.
بالنسبة للوبي الكيان الإسرائيلي فعلى الرغم من تفوقه لعقود في الضغط والتأثير فقد لا يستمر الأمر مثلما كان عليه الوضع سابقاً، فالولايات المتحدة بدأت تتجه نحو مصالحها القومية والابتعاد شيئاً فشيئاً عن المشاركة المباشرة في القضايا العالمية، وهذا التحول قد يؤدي إلى تعارض بعض المصالح الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة، ولعل ملف إيران النووي، والسعي الأمريكي لإتمام الصفقة خير شاهد على ذلك.
هذا التحول رافقه كسر أكاديمي ومجتمعي لتحريم الانتقاد العلني للكيان الإسرائيلي، ففي السنوات الأخيرة كتب كُتاب، مثل بيتر بينارت وجون جوديس ودان فليشلر وآخرون، أعمالاً مهمة تدرس حول الجماعات المؤيدة للكيان الإسرائيلي في السياسة الأمريكية، وانتقدت تأثيرها في السياسة الخارجية الأمريكية، وقد أظهر صحفيون بارزون، مثل توماس فريدمان وأندرو سوليفان وروجر كوهين، انتقاداتهم الخاصة لسياسات الكيان الإسرائيلي، وأنشطة اللوبي وأصبح المزيد من الأمريكيين على بينة من تعقيدات الحياة في الكيان الإسرائيلي وفلسطين، وأكثر تعاطفاً مع احتياجات ورغبات السكان في كلا الجانبين.
خاتمة:
تُّربع الولايات المتحدة على رأس النظام العالمي وامتلاكها لأغلب قنوات القرار الدولي جعل من المهم بمكان سعي الدول من حول العالم للحصول على معاملة خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تحاول الأطراف الدولية الحصول عليها عن طريق عملية الضغط والتأثير.
تلك العملية التي تعد عنصراً مميزاً للسياسة الأمريكية، لا تقوم على العشوائية والأهداف غير المحددة، بل هي مسعى طويل الامد يبنى على التخطيط الاستراتيجي العميق، والوقت الكافي لتحقيق نتائج قوية في التأثير بالإضافة إلى أمتلاك كل ما يلزم من التفوق المعلوماتي لإمداد الكونجرس الأمريكي وإقناعه بمشروعية قضيته وأحقيتها عن غيرها من المصالح.
لم ترسخ دول الخليج عمليتها التأثيرية من مقومات القوة التي تمتلكها، إذ تركز على حماية مصالح آنية دون أن تنظر إلى الأبعاد المستقبلية، وهو ما يوجب عليها تقوية دور المجتمع الخليجي والعربي المقيم في الولايات المتحدة، ومساعدته على تثبيت روابط طويلة الأمد مع الحكومة الأمريكية لتأمين مواقعها في التأثير في السياسة الخارجية الأمريكية.
ويمكن القول أن الدول الخليجية لم تفقد الكثير، ولكن عليها الاستثمار السريع في تعميق عملية الضغط والتأثير، خاصة في الفترة الحالية مع تنامي تأثير القوة النفطية على السياسة الدولية وزيادة التحديات الأمنية للدول الخليجية، وتشابك المصالح المختلفة في نظام عالمي وإقليمي مضطرب.
وفي حال تمكنت الدول الخليجية ومن خلفها الدول العربية من استيعاب استراتيجية استثمار القوة المالية لديها في رعاية المنظمات العربية الأمريكية وضمها إلى صفها في إطار أهداف ثابتة وموحدة، فأنها قد تتمكن بفعالية من تحريك الشارع العربي الأمريكي على الصعيد الوطني، وزيادة نشاطه السياسي المنظم للدفاع على القضايا المختلفة، وربما يؤدي إلى إنشاء منظمات جديدة لرعاية المصالح العربية الخليجية، ويقلل من الاعتماد على شركات العلاقات العامة التي تحقق نتائج لحظية للمصالح الخليجية.
•    ملخص من دراسة بحثية لـ سلسبيل سعيد ( مركز الفكر الإستراتيجي للدراسات).