نوفمبر 17, 2023 - 20:50
الكيان الصهيوني الأفاق تأريخ من الإخفاق في التعاطي مع سلاح «الأنفاق»

عرب جورنال/ عبدالسلام التويتي - 
شبكة أنفاق غزة أو ما يطلق عليها -إعلاءً من شأنها- «مترو أنفاق غزة» أو ما تسمى «غزة السفلى» هي تلك الأنفاق التي اضطرت مقاومة غزة إلى حفرها بهدف توفير السلع الضرورية حينما كان الاحتلال ما يزال جاثمًا على صدر «قطاع غزة» بقواته ومستوطناته ومستوطنيه الذين كانوا يعيشون حياة البذخ مستببين بألوان الحرمان لساكنيه، وبهدف تنفيذ بعض العمليات العسكرية النوعية -مستفيدين من تجربة الفيتناميين الذي تمكنوا بواسطة سلاح الأنفاق هزيمة أمريكا- ضد قوات العدو داخل قطاع غزة وخارجه، حتى اضطر العدو -عام 2005- إلى الخروج من القطاع والتخلي عن إدارته بصورة مباشرة، فعاد -بعد أقل من عامين على اندحاره- يستهدف تربة القطاع الطاهرة بسلاح المحاصرة. 

تأريخ الأنفاق ومواصفاتها وأغراضها
يُرجع بعض المطلعين بداية حفر الأنفاق الغزيَّة بصورتها البدائية التي اقتضاها اضطرار المواطن والمقاوم الغزي -على حدِّ سواء- لتوفير ما ينقص السكان من السلع الاستهلاكية وفي مقدمتها الغذاء والدواء إلى سني تسعينات القرن الماضي، بيد أن عام 2000م «عام الانتفاضة» شهد تطورًا ملحوظًا في سلاح الأنفاق تجاوبًا مع ما استجد من أغراضه، وقد أشير إلى هذا المعنى بوضوحٍ جلي -في سياق التقرير التفصيلي المعنون [الأنفاق في قطاع غزة.. قصة صمود جلبت الرعب إلى إسرائيل من تحت الأرض] الذي نشره موقع «TRTعربي» في الـ21 من أكتوبر الفائت- على النحو التالي: (تأريخ الأنفاق في قطاع غزة يعود إلى التسعينيات، إذ بدأ بعض العائلات المقيمة على طول الحدود بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية حفر أنفاق صغيرة لأغراض تهريب السلاح الخفيف والبضائع. ومع اندلاع انتفاضة الأقصى -في عام 2000- بدأت الفصائل الفلسطينية استغلال هذه الأنفاق لتهريب السلاح إلى القطاع وتعزيز قوتها العسكرية.
تطورت طرق التهريب المتشعبة عبر الأنفاق، إذ استُخدمت لجلب الأسلحة من مصر والسودان واليمن وإيران. وفي 26 سبتمبر 2001، نفذت "كتائب القسام" عملية تفجير موقع "ترميد" العسكري الإسرائيلي في رفح من خلال نفق طوله 150 مترًا، إذ زرعت العبوات الناسفة تحت الموقع، مما أسفر عن مقتل 5 جنود إسرائيليين وإصابة عدد آخر. تعتبر هذه العملية بداية ما سمي لاحقًا "سلاح الأنفاق".
استخدمت المقاومة الأنفاق وسيلة للتغلب على ضيق المساحة في القطاع وعدم وجود تضاريس جغرافية تساعدها على الاختباء وتنفيذ هجمات مفاجئة. تحولت الأنفاق إلى أداة حاسمة لتهريب السلاح وتعزيز قوة المقاومة في القطاع، واستُخدمت في عديد من العمليات الناجحة ضد القوات الإسرائيلية).
وتبعًا لما بات يُناط بـ«سلاح الأنفاق» من مهام جسام، تطورت كمًّا وكيفًا، لتفيَ بمهامها تمام الإيفاء فقد بلغت من حيث الطول والاتساع -بحسب بعض الروايات- 500 ألف كيلومتر متجاوزة حدود القطاع بمئات الكيلوهات، بينما يتجاوز عمقها -وفق روايات أخرى- بين «30، و40، و60، و80 مترًا»، وهذا يعني أنَّ مرتاديها في أيِّ عمقٍ متاح في مأمن من أيِّ سلاح.
أما قياسية مواصفاتها فقد أشارت إليها مصادر كثيرة، منها موقع «BBCنيوز» الذي نقل في تقريره التساؤلي المعنون [ما فرص إسرائيل في تدمير متاهة الأنفاق تحت قطاع غزة؟] الذي نشر في الـ13 أكتوبر -عن الدكتورة «دافني ريتشموند باراك» الخبيرة في الحرب تحت الأرض والأستاذة بجامعة «رايخمان» في إسرائيل- ما يلي: (الأنفاق داخل غزة مختلفة لأن حماس تستخدمها بشكل منتظم. وربما تكون أكثر راحة للبقاء فيها لفترات أطول من الوقت. وهي -بالتأكيد- مجهزة لوجود مستدام، والقادة يختبئون هناك، ولديهم مراكز للقيادة والسيطرة، ويستخدمونها للنقل وخطوط الاتصال. وهي مجهزة بالكهرباء والإضاءة ومسارات السكك الحديدية. ويمكنك التحرك فيها والوقوف بسهولة».
وبسبب شدة تعقيدها شبهتها الطليقة الصهيونية الثمانينية أو الثمانيناتية «يوتشيفيد ليفشيتز» -بحسب تقرير لـ«الجزيرة نت» يعود إلى 28 أكتوبر- بـ(شبكة عنكبوتية).

الأنفاق سلاح خطير عصي على التدمير
في ظل تنامي قدرات أجنحة المقاومة المسلحة على تنفيذ إغارات وكمائن عسكرية ناجحة ضد مواقع ومعسكرات العدو في الأراضي المحتلة وتمكنها من قتل وأسر عددٍ من رجاله، قررت سلطات الكيان وضع خطة محكمة لتدمير الأنفاق أو -على أقل تقدير- القضاء على أهميتها الاستراتيجية بالنسبة لعناصر المقاومة، بيد أنَّ جميع ترتيباتها الأمنية والفنية التي اعتمدت على أحدث التقنيات والوسائل باءت بالفشل، ولم تحقق الحدَّ الأدنى ممَّا كان الكيان يأمل، ففي عام 2016 أعلن كيان العدو -بحسب تقرير «الجزيرة نت» السالف الذكر- (إطلاق مشروع بناء جدار فوق وتحت الأرض، بطول 65 كيلومترًا، بهدف التصدي للأنفاق الهجومية. استغرق بناءه 3 سنوات ونصف وبلغت تكلفته 1.1 مليار دولار. وهو عبارة عن سياج فولاذي بارتفاع 6 أمتار وخرسانة مسلحة تحت الأرض، وقد جهز بأجهزة استشعار لاكتشاف الأنفاق، بالإضافة إلى شبكة من الرادارات وأجهزة المراقبة والاستشعار عن بعد، وأبراج حراسة مزودة برشاشات ثقيلة يجري التحكم بها عن بعد.
وبعد اكتمال بناء الجدار والسياج الذكي في عام 2019، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك «بيني غانتس» أنَّ هذا المشروع هو "مشروع تكنولوجي من الدرجة الأولى"، يحرم حركة حماس قدراتها المحتملة ويضع حاجزًا حديديًّا بينها وبين سكان الجنوب.
ومع ذلك، في الساعات الأولى من صباح السبت الموافق 7 أكتوبر الحالي، تمكن مقاتلو القسّام من تجاوز السياج وتحطيم الأسطورة الأمنية الصهيونية).
وفي هذا السياق ورد في طيات التقرير التحليلي المعنون [جبهة تحت الأرض.. مدينة أنفاق حماس تحت غزة عقبة خفية أمام إسرائيل] الذي نشرته «جريدة الأنباء الكويتية» يوم الجمعة الموافق 27 أكتوبر الفائت ما يلي: (وقال «جويل روسكين» عالم تضاريس الأرض والجيولوجيا بجامعة «بار إيلان» الإسرائيلية إنَّ من الصعب جدًّا رسم خريطة دقيقة لشبكة الأنفاق من السطح أو الفضاء).
وبالإضافة إلى ما أحاطت المقاومة مداخل الأنفاق من وسائل إخفاء وتمويه ترى بعض الاختصاصيين المحسوبين على كيان العدو المسمى «إسرائيل» أنَّ تدمير هذه الشبكة مستحيل، منهم -على سبيل المثال- الدكتورة «ريتشموند باراك» التي أشار تقرير «TRTعربي» إلى استبعادها نجاح مهمة التدمير على النحو التالي: (كما تحذر الدكتورة «ريتشموند باراك» من أنه من غير الواقعي بالنسبة للمؤسسة الإسرائيلية، وعامة الناس، أن يعتقدوا أنه سيكون من الممكن للجيش الإسرائيلي تدمير شبكة أنفاق حماس بالكامل في غزة، بسبب استحالة إجلاء جميع المدنيين عن أجزاء من الشبكة، كما  بعض أجزاء تلك الشبكة المخفية تحت الأرض غير معروفة. وستكون الأضرار الجانبية من المدنيين مرتفعة للغاية.
وحذرت من أن تدمير الأنفاق سيؤدي أيضًا إلى خسائر كبيرة في الأرواح بين القوات الإسرائيلية على الأرض وبين المدنيين الفلسطينيين وبين الرهائن).

الأنفاق مصيدة ذات أخطار متعددة
الحديث حول الأنفاق التي أعدتها المقاومة الفلسطينية في غزة وعن إتقانها ودقتها كثير جدًّا، ولم تكد يقف عند حدّ حتى يتجدد، ومن أهم ما قبل عنها قيل ثمانية أعوام -بحسب التقرير التحليلي الذي نشره «TRTعربي»- ما يلي: (في عام 2016 -خلال تشييع عدد من "شهداء الإعداد" الذين كانوا يعملون في حفر الأنفاق- أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس «إسماعيل هنية» أنَّ غزة "صنعت أنفاقًا للمقاومة تفوق أنفاق فيتنام التي تدرّس في المدارس العسكرية وتحظى بالكثير من الاهتمام").
وفي ضوء ما يتردد حول هذا السلاح من كلام وما باتت تحاط به هذه الأيام من بالغ الاهتمام، فقد باتت تمثل -بالنسبة للقوات الصهيونية- مصيدة ذات أخطار متعددة، تتمثل خطورتها على كيان العدو -بحسب ما جاء في سياق التقرير التساؤلي المعنون [في 6 أسباب.. لماذا ستكون حرب المدن في غزة أكثر ضراوة وتعقيدًا على إسرائيل من أي معركة برية سابقة؟] الذي أعدَّه «خير الدين الجابري» ونشره «عربي بوست» في الـ31 من أكتوبر الفائت- في: (امتلاك المقاومة في القطاع شبكة لا نهاية لها ولا يعلم عنها أحد شيئاً من الأنفاق الدفاعية والهجومية على طول مساحة القطاع، والتي تم تطويرها بشكل كبير منذ آخر حرب برية خاضتها إسرائيل مع قطاع غزة في عام 2014، وكان عنوانها الرئيسي تدمير شبكة أنفاق حماس، لكنها فشلت في ذلك. 
وستصبح مواجهة إسرائيل لهذه الأنفاق في هذه الحرب، الأكثر صعوبة في تاريخ الاحتلال، لفشلها في مواجهة ظاهرة الأنفاق الأرضية المنتشرة على حدود القطاع وفي داخله، وهو ما يصيب المستويين السياسي والعسكري بما يسمى "هستيريا الأنفاق" التي باتت تشكل تهديدًا استراتيجيًّا حقيقيًّا.
حيث يخشى جيش الاحتلال من أن تلعب الأنفاق الدور الأكثر محورية في استنزافه، وتكبيده خسائر فادحة في الأرواح والعتاد العسكري، عبر العمليات الهجومية التي ستفاجئ وحدات النخبة في مختلف مناطق قطاع غزة "التفاح، والشجاعية، وشرق خان يونس، ورفح، وبيت حانون".
ولعل ما ضاعف هذه الهستيريا أن النفق الواحد جرى استخدامه أكثر من مرة من طرف المقاومة، وأن عددًا منها أعلن الجيش عن تدميره قام المقاومون بإعادة استخدامه مرة أخرى، ما أذهل قادة الاحتلال، وغرس فيهم القلق والإحباط بشكل غير مسبوق).
 وتجسيدًا من «ديفيد غريتن» لمعنى آخر ممَّا تمثله الأنفاق من مظاهر  الخطر أورد تقريره المنشور في «بي بي سي نيوز» عن الدكتورة «دافني ريتشموند باراك» الخبيرة في الحرب تحت الأرض ما يلي: (ستُبطل شبكة الأنفاق المزايا التي يتمتع بها جيش الدفاع الإسرائيلي من حيث التكنولوجيا والاستخبارات، وستضخم صعوبات حرب المدن، وتشكل تهديدًا مميتًا للقوات الإسرائيلية. 
وقبل كل شيء، لدى حماس متسع من الوقت لتفخيخ الشبكة بأكملها. فبإمكانهم فقط السماح للجنود بالدخول إلى شبكة الأنفاق، ثم في النهاية تفجير كل شيء.
كما يمكنهم اختطاف الجنود في هجمات مفاجئة. وحينها ستواجه القوات كل المخاطر الأخرى من نفاد الأكسجين وقتال العدو قتالًا فرديًّ، وسيصبح إنقاذ الجنود الجرحى مستحيلًا).