تمتد الواحة عبر صحراء مترامية الأطراف لا تصل عيناك إلى نهايتها، ويحيط بالأطلال على مساحةٍ واسعةٍ خمسمائة ألف شجرة من أشجار الزيتون، ونخيل يحمل أجود أنواع التمور، وتزينها أشجار الرمان كي تنسج حولها مشهدًا يشبه أحد أكاليل الغار.
مدينة القوافل
كانت تدمر مدينة كبيرة تقصدها القوافل ومركزًا يعج بثقافاتٍ متعددة، اذ كانت تتمتع بموقع رائع تترامى أطرافه عبر طريقٍ صحراوي يربط بين كبرى ممرات التجارة البرية، والبحرية، والنهرية التي تمتد من الصين إلى روما، ويُعرف هذا الطريق باسم طريق الحرير. وفي مختلف حقب التاريخ شغلت "تدمر" حلقة وصل بين إمبراطوريتين كبيرتين - وهما روما وبارثيا- وازدهرت حركات التبادل الثقافي في شتى المجالات، وكانت تدمر من المدن الجميلة المميزة بتعدد فنون هندستها المعمارية الأخَّاذة. فكانت عصب التجارة إلى مناطق مختلفة من العالم، فكانت أهم ووارداتها المنسوجات الصينية، وغيرها من البضائع الشرقية الفاخرة، وصور الآلهة، والنقوش باللغتين المحليتين التدمرية والآرامية، بالإضافة إلى اليونانية واللاتينية.
الموقع
تقريبا المدينة تتوسط الجغرافية السورية، وتتبع محافظة حمص، وهي مدينة ذات أهمية تاريخية، حيث كانت عاصمة مملكة تدمر، وهي اليوم مدينة سياحية. تبعد 215 كيلومتر عن مدينة دمشق إلى الشمال الشرقي منها، وتقع على بعد 150 إلى الجنوب الغربي من نهر الفرات و160 كيلومتر شرق مدينة حمص.
وتدمر هي أقدم تسمية للمدينة، وقد ظهرت في المخطوطات البابلية التي وجدت في مملكة ماري السورية على الفرات وتعني "بلد المقاومين" باللغة العمورية و"البلد التي لا تقهر" باللغة الآرامية السورية القديمة.
ارتفع شأن المدينة بعد أن أصبحت عاصمة لمملكة من اهم ممالك الشرق مملكة تدمر ونافست روما، وبسطت نفوذها على مناطق واسعة واتصفت بغناها الكبير وبالمراكز التجارية الحضرية.
تاريخ المدينة
يعود نشوء تدمر والمعروفة أيضاً باسم بالمير، إلى حوالى القرن التاسع عشر قبل الميلاد. تشير الكتابات القديمة أن المدينة كانت واحة نخيل تقع على حدود مملكتين عظيمتين في تلك الفترة هما مملكة "ماري" ومملكة "قطنا" الأثرية، مع أنه لم يتم العثور على معالم تعود لتلك الحقبة القديمة.
الإمبراطورية الرومانية
تم ضم تدمر إلى الإمبراطورية الرومانية في حوالى القرن التاسع عشر قبل الميلاد، وأصبحت جزءاً من ولاية الشام، فتم تزويدها حينذاك بالعناصر التأسيسية التي تميزت بها المدن الرومانية، حيث غدا مركز المدينة ومجمعاً لأهم المراكز والمباني العامة مثل ساحة السوق وشارع الأعمدة والمعابد والمسارح والحمامات.
الملكة زنوبيا
تعتبر زنوبيا، زوجة الملك أذينة، شخصية أسطورية ورمزية في تدمر. بعد اغتيال زوجها عام ٢٦٧، دخلت في صراع مع الإمبراطور أورليان عام ٢٧١ الذي امتنع عن نقل اللقب الذي حمله زوجها إلى ابنها وهب اللات الذي كان لايزال صغيراً في السن. قادت زنوبيا جيش مملكة تدمر العظيم قبل أن تتلاشى قواه عام ٢٧٢. وحوصرت تدمر وأُسرت زنوبيا، ونقلت إلى روما حيث جسّدت أحد أهم انتصارات أورليان.
زوال مجد تدمر
أخذت جاذبية المدينة تتراجع وتضمحل بعد أعمال السلب والنهب التي تعرضت لها تدمر عام ٢٧٢. وعلى الرغم من إعادة بنائها وتزويدها بقاعدة عسكرية للجنود الرومان، إلا أن الحركة التجارية مع الهند عبر الخليج الفارسي تلاشت أمام تطوّر طريق برية أخرى عُرفت في ما بعد بطريق الحرير.
البحث والتنقيب
وجد الباحثون شواهد من العصر الحجري الحديث في الأكمات المجاورة للنبع والواحة، وهي ترقى للألف السابع قبل الميلاد. وثمة شواهد من أزمنة أكثر حداثة في التل الأثري الذي يقوم عليه معبد بل.
أدت أعمال التنقيب في التل المذكور إلى اكتشاف فخار سوري من أواخر العصر المعروف باسم البرونز القديم في حدود 2200 إلى 2100 ق.م. لكن أقدم نصوص تذكر تدمر باسمها الحالي وجدت في مستعمرة كانيش الآشورية (كولتبة) بمقاطعة كبادوكية في الأناضول. وهي من مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، وتليها نصوص عثر عليها في مدينة ماري (تل الحريري على الفرات) تعود للقرن التاسع عشر قبل الميلاد، وأخرى من إيمار (مسكنة على الفرات) من القرن الرابع عشر قبل الميلاد. كما ذكرت تدمر باسمها الحالي في حوليات الملك الآشوري تغلات بيلاصّر الذي عاش في القرن الحادي عشر قبل الميلاد (1112-1074 ق.م).
نتائج الحفريات
كان من نتائج الحفريات الأثرية، وأعمال الترميم اكتشاف روعة الأوابد الأثرية التي تحفل بها تدمر من معابد وساحات وشوارع وأعمدة وحمامات ومباني عامة ويمكن تلخيص أهم هذه الأوابد كما يلي:
معبد بل - معبد نبو - معبد بعل شمين - معبد اللات - معبد يلحمون ومناة - الحمامات - المسرح - مجلس الشيوخ - الأسوار - الأعمدة التذكارية - نبع أفقا - هيكل الموتى - قلعة فخر الدين - قوس النصر.
دمار المدينة
في 18 أغسطس 2015 قام تنظيم الدولة الاسلامية بعد ثلاثة اشهر من استيلائه على المدينة بأكملها، بقطع رأس مدير الآثار في المدينة خالد الأسعد (82 عاما) الذي شغل هذا المنصب طيلة خمسين عاما. وبعد أقل من اسبوع قام التنظيم المتطرف الذي يعتبر التماثيل البشرية والحيوانية بمثابة أوثان، والمعروف بسوابقه في تدمير وجرف الاثار في مواقع أخرى، استولى عليها، لاسيما في العراق، بتدمير معبدي بعل شمين، وبل بالمتفجرات.. وقاموا بتدمير عددا من المدافن البرجية في المدينة قبل ان يحول قوس النصر الشهير إلى رماد.
وقد استعاد الجيش السوري المدينة بشكل كامل من تنظيم الدولة الاسلامية المعروفة ب"لؤلؤة البادية" وهي مدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو). وكان حوالى 150 ألف سائح يقصدون هذه الواحة في قلب بادية الشام قبل ثورات الربيع العربي، وكانت سوريا من البلدان العربية التي حققت تقدما كبيرا في شتى المجالات، وهي فوق ذلك بلد مستقل عن التبعية الأمريكية، لذا حيكت عليها المؤامرات من قبل الولايات المتحدة - والدول الغربية الأوروبية بحشد التيارات الإرهابية المتطرفة، والتدخل الأمريكي، لتدميرها، ونهب ثرواتها النفطية، وتدمير آثارها الحضارية منذ منتصف مارس 2011.