عرب جورنال /حوار/ حلمي الكمالي -
الثورة الشعبية العارمة في البحرين حصيلة إستمرار الإستبداد والتسلط والقمع من قبل السلطة الحاكمة
القمة العربية في الجزائر تختلف عن سابقاتها كون المستضيف يمتلك إرثاً تاريخياً فضلاً عن المستجدات في المنطقة والعالم
أي تصعيد إسرائيلي سينسحب على استقرارها الداخلي والغرب لا يريد حرب جديدة في الإقليم
الإعتداءات الإسرائيلية على سوريا تفترض رداً إستراتيجياً للمقاومة على إمتداد المنطقة عاجلاً أم آجلاً
مستقبل ليبيا مرهون بلعبة الأمم وحسابات وصراعات المصالح واحتمال عودة التصعيد وارد
العراق يواجه تحديات كبيرة وخطيرة على رأسها مواجهة الاحتلال والحكومة العتيدة معنية بمحاربة الفساد ومكافحته
الإرهاب ضد إيران لن يؤثر على الشرعية السياسية والشعبية للثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية
صعود المقاومة وتقدمها كخيار سياسي واستيراتيجي سيعيدان الحقيقة إلى نصابها الطبيعي والصحيح
الولايات المتحدة الأمريكية تتراجع في مقابل عودة روسيا وصعود الصين وتقدم إيران وبقية القوى الناشئة
_ بماذا اختلفت القمة العربية في الجزائر عن سابقاتها؟ وهل تنجح إدارة الرئيس عبدالمجيد تبون في رؤيتها لرفض التدخلات الخارجية في شؤون الدول العربية؟ وما تعليقكم على نتائج البيان الختامي للقمة ؟ ولماذا رفض بن سلمان المشاركة في هذه القمة برأيكم؟
القمة العربية الأخيرة قد لا تختلف كثيراً عن سابقاتها من القمم العربية التي انعقدت طوال السنوات أو العقود المنصرمة، وهي لا تخرج ربما إلى حدٍ بعيد عن مسار الرتابة النمطية الذي سلكته مجمل القمم العربية السابقة، أما سبب الإختلاف إلى حدٍ ما بين هذه القمة وسابقاتها فقد يعود إلى أمرين؛ الأمر الأول هو أن هذه القمة تعقد في العاصمة الجزائرية وبرئاسة الجزائر مما يعني بالتحديد بالنظر إلى تاريخ الجزائر والإرث الجزائري فيما يتعلق بالإلتزام أو التضامن من قبل الجزائر تجاه القضايا القومية العربية والحقوق العربية خاصةً وأن الجزائر قد نالت استقلالها ثورةً قدم فيها الشعب الجزائري ما يزيد عن المليون ونصف المليون شهيد، وبالتالي من الطبيعي أن يكون للجهة المضيفة في الإشارة إلى الجزائر وإلى الأرض التي تعقد عليها هذه القمة، تأثير ما بطريقة أو بأخرى لناحية عدم الإفراط في التخاذل العربي إن جاز التعبير أو التلكؤ العربي كما جرت العادة في السابق، الأمر الثاني: ربما يتعلق بالتطورات الأخيرة في السنوات الماضية والمستجدات على الصعيدين الدولي والإقليمي لاسيما على إمتداد المنطقة العربية إن لم يكن انتصار فهو في الحد الأدنى تقدم بعض الخيارات والرهانات في مواجهة الخيارات أو الرهانات الأخرى التي كانت تستهدف الأمن الإقليمي للمنطقة العربية والأمن القومي للبلدان العربية، هذا فيما يتعلق بقرائتي للقمة العربية والإختلاف بينها وبين سابقاتها كما قلت ضمن حدود معينة ربما أيضاً تخاذل أو تلكؤ بعض القادة العرب من الملوك أو الأمراء أو الرؤساء في حضور هذه القمة والمشاركة فيها وانتظار أن تتجلى لاحقاً الإرهاصات الجدية والحقيقية للمتغيرات التي نتحدث عنها على الصعيدين الدولي والإقليمي وكذلك الترتيبات الإقليمية المستجدة والتي يفترض أن تنبثق عن هذه المتغيرات الملحوظة.
_ نتائج الإنتخابات الأخيرة للكنيست .. هل تعكس الإنقسام القائم في الداخل الإسرائيلي ؟ وهل يمكن أن يدعم هذا التوجه تصعيد جديد للكيان في الأراضي المحتلة؟
مما لاشك فيه وهو لم يعد خافياً على أحد أن الكيان الإسرائيلي يتجه نحو المزيد من التطرف سواءً على مستوى "الإنتلجنس" السياسية أو حتى على مستوى الرأي العام، وهي ملاحظة علمية يجب أن نتوقف عندها بمعنى أن عودة "بينامين نتينياهو" ورئيس الوزراء الأسبق إلى الحكم وعلى رأس الحكومة في كيان العدو يندرج ضمن إظهار هذا الإتجاه السياسي وغير السياسي نحو التطرف، إما سوف يؤدي بالتبعية إلى المزيد من التشدد والتصلب والتعنت في الموقف الإسرائيلي دون أن يعني ذلك بالضرورة إندلاع حرب أو أن يبلغ هذا التصعيد حد إنفجار الأوضاع الأمنية في فلسطين المحتلة، مما قد يؤدي أيضاً إلى إندلاع حرب واسعة في المنطقة أو حرب إقليمية لأسباب عدة منها على سبيل المثال لا الحصر : أنه ليس لدى الأمريكيين والأوروبيين النية أو الرغبة أو الإرادة أو القرار السياسي بالسماح للعدو الإسرائيلي بأن يؤدي سلوكه المتطرف والمتشدد المتعنت إلى التصعيد واندلاع الحرب وأنا أعتقد أن الغرب لا يحتمل اندلاع حرب ثانية بالتوازي مع الحرب الروسية الأوكرانية التي أدت إلى نتائج عكسية.
أمريكا وأوروبا لا تريدان اندلاع حرب في المنطقة ولا تحبذان التصعيد بالنظر إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الأوضاع السياسية، الإقتصادية والإجتماعية في الغرب، في إشارة إلى التضخم الكبير والملحوظ في الإقتصادات الغربية ومفاعيل هذا التضخم السياسي ، الأمني ، الشعبي والإجتماعي ، كما يجب الإشارة إلى أن المستوى الأمني العسكري للقرار الإسرائيلي على القيادة الأمنية العسكرية ربما هي أيضاً قد لا تتفق مع المستوى السياسي أو القيادة السياسية لدى الكيان الإسرائيلي في الذهاب بالتصعيد إلى حد تفاقم الأوضاع الميدانية والأمنية مما قد يتهدد أمن "إسرائيل" نفسه والدليل على ذلك هو الإذعان إلى الجانب الإسرائيلي في المفاوضات غير المباشرة بوساطة أمريكية ورعاية أممية حول مسألة تعيين الحدود البحرية الجنوبية لبنان مع فلسطين المحتلة.
في هذا المضمار المستوى الأمني العسكري للعدو لم يكن يرغب بالتصعيد والذهاب نحو الصدام العسكري المباشر أو المواجهة العسكرية المباشرة ، مع ذلك هذا لا يمنع ولا يلغي أو ينفي احتمال -وهو أمر منطقي- أن تذهب الحكومة الإسرائيلية الجديدة المتطرفة نحو التصعيد ضمن حدود معينة في مواجهة الفلسطينيين وهو الأمر الذي سوف يقود -بطبيعة الحال- إلى ردة فعل طبيعية تتمثل وتتجسد في التعنت والتشدد والتصلب. دعني أقول التصلب والتشدد وليس التعنت في الموقف الفلسطيني من ناحية الإلتفات نحو خيار المقاومة في مواجهة التصعيد الإسرائيلي والعدوان الإسرائيلي المستمر والمتواصل والمتكرر.
_ بعد تهديد سوريا على لسان وزير خارجيتها فيصل المقداد، برد قاس وقريب على الإعتداءات الإسرائيلية.. هل تتوقعون أن يشن الكيان عدوانا جديدا على دمشق؟ وأين وكيف سيكون الرد السوري؟
وأنا أتحدث هنا عن العدو الإسرائيلي، هذا الكيان اللقيط ، المؤقت والزائل ، طبعاً لا أريد أن أستبق، ولكن من البديهي ألا تستمر الإعتداءات الإسرائيلية إلى مالا نهاية دون أن يكون هنالك رد من الجانب السوري أو من جانب محور المقاومة على إمتداد المنطقة لمواجهة هذا الأذى السلوكي من جانب العدو الإسرائيلي، طبعاً تمت اعتذارات عديدة تتعلق بموازين القوى، وأيضاً تتعلق بترتيب الأولويات لدى القيادة السورية وأيضاً باختيار التوقيت والمكان المناسبين من قبل سوريا وحلفائها والرد على الإعتداءات الإسرائيلية المستمرة وأنا لا أستبعد أن نكون قد اقتربنا من اللحظة السياسية ، التاريخية والزمنية التي يحين معها موعد إتخاذ القرار من قبل القيادة السورية وحلفاءها في المقاومة ضد العدو الإسرائيلي للرد على مثل هذه الإنتهاكات الفاضحة من جانب العدو الإسرائيلي للسيادة الوطنية السورية وكذلك تهديدها للأمن القومي السوري.
وأيضاً كما قلت في بداية الإجابة على هذا السؤال أنا لا أريد أن أستبق الأمور خاصةً وأن العديد من المتابعين والمراقبين والمعنيين كانوا دائما يتساءلون حول استمرار "الصمت" من جانب سوريا ومحور المقاومة وإن كنت أرى خلاف ذلك، أن المقاومة على إمتداد المنطقة كانت ترد على طريقتها بعيداً عن الردود التكتيكية إنما من خلال التحرك على خط الرد الإستراتيجي بالعمل والسعي الحثيث لتفكيك المؤامرة التي كانت تستهدف سوريا وإنقاذ سوريا من المشروع الذي كان يريد اسقاطها في دوامة الحرب، الفتنة والإرهاب، وبالتالي تفكيك الوحدة الإقليمية للدولة السورية وضرب سوريا واقتصادها وجيشها.
إذاً الرد من جانب القيادة السورية وحلفائها كان استيراتيجياً أكثر مما هو تكتيكياً لأسباب عدة تتعلق بالحسابات السياسية والإستيراتيجية لدى السوريين وحلفاؤهم وكذلك الإعتبارات ذات الصلة بهذا الأمر.
_ عقب إنتهاء ولاية الرئيس عون ودخول لبنان في مرحلة الفراغ الرئاسي.. ما العراقيل الحقيقية التي تحول دون انتخاب رئيس جديد؟ وما تداعيات هذا الفراغ على لبنان في ظل ما يشهده من أزمات سياسية واقتصادية متراكمة؟
بالنسبة لإنتهاء الولاية الرئاسية لفخامة الرئيس السابق " ميشال عون" وهو يتضمن نقطتين، إستمرار الشغور في سدلة الرئاسة وليس الفراغ بلغة القانون الدستوري سببه الإنقسام السياسي العمودي الحاد بين اللبنانيين على المستويات كافة ؛ على مستوى الأحزاب السياسية، النواب والكتلة الأمنية ، الناس ، الشعب ، الرأي العام، وبالتالي عدم إمكانية التوافق على انتخاب رئيس جديد أو التوصل إلى صيغة ما تضمن تحقق أو توفر النصاب لإنعقاد الجلسة المخصصة لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، طبعاً من غير المقبول ومن غير المنطقي أيضاً إستمرار هذا الشعور وهو الأمر الذي يحيلنا أيضاً إلى جانب الملاحظة العلمية الأولى المتعلقة بالإنقسام السياسي العمودي الحاد بين اللبنانيين للإرتهان في الداخل للخارج ولإرادة القوى الخارجية الدولية والإقليمية المعنية بالشؤون اللبنانية أو الضالعة بالشؤون اللبنانية لا أريد أن أقول أنها غير معنية الآن بالبت بهذا الإستحقاق ولكنها تبدو منغمسة ومنشغلة بالعديد من التحديات والقضايا أو الملفات الساخنة بالذات الحرب الروسية الأوكرانية، المشاكل الإقتصادية والإجتماعية في الغرب، الفراغ وكذلك الإرباك والتخبط على صعيد المشهد السياسي الإقليمي العربي؛ بحيث يمكن القول أن لبنان قد يكون في هذه اللحظة أو في هذا التوقيت على هامش اللحظة الدولية الإقليمية.
ومن الطبيعي أن نقول أيضاً أن من نتائج ومفاعيل هذا الإرتهان الداخلي للقرار الخارجي أن يتأثر اللبنانيون في انتخاب رئيس جديد مع انعدام إمكانية التفاهم أو التوافق ليس فقط على الصعيد الداخلي ولكن أيضاً على الصعيد الخارجي الدولي والإقليمي ؛ بمعنى أن الأمر ربما يحتاج إلى التوصل إلى تسوية سياسية ما تسمح بتمرير هذا الإستحقاق وانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية.
بالنسبة للتداعيات من الطبيعي أيضاً القول بأن من نتائج إستمرار هذا الشغور الرئاسي، أن تتفاقم الأوضاع أكثر فأكثر وهي في الأساس متدهورة خاصةً وأن الحكومة القائمة ، وهي حكومة لتصريف الأعمال وليست مكتملة الصلاحيات ، قد تكون عاجزة إلى حد كبير عن التعويض عن حالة الشعور والنهوض بالملفات والتحديات والقضايا الداهمة أو الملحة التي يواجهها لبنان ، لذلك كان لابد من تشكيل حكومة في السابق قبل إنتهاء الولاية الرئاسية وكذلك من باب أولى على اللبنانيين الإسراع في انتخاب رئيس بل كان عليهم انتخاب رئيس قبل دخول لبنان في مرحلة الشعور في الشغور الرئاسي والشلل العام والشامل في الدولة اللبنانية التي ربما انتقلت منذ مدة ليست بقصيرة من حالة الترهل في المؤسسات إلى حالة التحلل في مفهوم الدولة نفسه.
_ في أعقاب قرار أوبك بتخفيض إنتاج النفط.. كيف ينظر اليوم للخلافات بين السعودية والولايات المتحدة؟ وهل ستجرؤ أنظمة مرتهنة تاريخيا للمعسكر الغربي كالنظام السعودي ، على الخروج من ظل العباءة الأمريكية ؟ وأي تداعيات لهذه الخطوة؟
لابد من القول أنه في هذا التوقيت ومن ضمن هذا السياق تمت تغييرات تطرأ على المشهدين الدولي والإقليمي مع صعود "بكين" وعودة "موسكو" إلى الساحة العالمية، وكذلك تراجع الغرب بمستوييه الأمريكي والأوروبي، ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية تتقدم بالتأكيد على حلفائها وشركائها الأوروبيين في هذا التصنيف والتوزيع للقوة على الصعيد الدولي.
السعودية ليست بصدد الإنتقال بطبيعة الحال من التحالف مع الغرب وكذلك التبعية بكل معنى الكلمة للقرار الغربي، إلى التحالف مع الشرق، ولكنها بالتأكيد تعيد حساباتها، وأنا أعتقد أنه مع تغير وتطور النظام الدولي أن الهيمنة الأحادية القطبية الأمريكية أو الغربية قد انتهت بالتأكيد ، ولأننا في هذه المرحلة الإنتقالية المؤقتة التي يشهد فيها النظام الدولي هذا الكم من الفوضى وهذه الضبابية في الرؤية وهذا الإرباك والتخبط ولكن من شأن الإنتقال لاحقاً إلى نظام دولي متعدد الأقطاب والأطراف أن يسمح للعديد من القوى الدولية أو الإقليمية من مثل المملكة العربية السعودية وكذلك تركيا وربما سواهما، أن تجري شكل من إعادة التموضع السياسي والإستيراتيجي والإصطفاف الدولي، هذا أمر طبيعي وبديهي بحيث تتراجع مسألة التبعية المطلقة والعمياء للغرب دون أن يعني ذلك الإلتحاق بالكامل بالشرق.
قد تقوم مثل هذه الدول والأنظمة والحكومات بإعادة تقييم لسياساتها، طبعاً قد تكون تركيا على سبيل المثال أكثر تحرراً وأكثر قدرة على المبادرة والإستفادة من هذا الهامش في المناورة في حين أن السعودية ؛ نعم هي تخضع للإرادة الغربية والقرار الغربي ولاسيما إرادة وقرار الولايات المتحدة الأمريكية ولكنها أيضاً معنية بأن تبحث عن مصالحها في التواصل والتعاون والإنفتاح على الشرق وربما البحث عن مكان ما في النظام الدولي المستجد، ودون أن أبالغ في الرهان على ذلك ودون أن أقلل أيضاً من أهمية هذه الملاحظة العلمية التي تحيلنا على الإرهاصات الفعلية والعملية لعملية إعادة التفكير في كيفية تقدير الحسابات والمصالح وتقدير الموقف في هذا التوقيت وكذلك استشراف المستقبل على المديين القريب والمتوسط ولا أقول المدى البعيد على الإطلاق.
_ تزامنا مع تهديدات خليفة حفتر .. هل نحن أمام حرب جديدة في ليبيا ؟ ومن المستهدف منها داخلياً وخارجياً؟ وأي مستقبل للبلاد في ظل إستمرار الإنقسام السياسي وإنتشار العصابات المسلحة ؟
ليس خافياً على أحد أن ليبيا مع اندلاع ما بات يصطلح على تسميته زوراً وبهتاناً بثورات الربيع العربي ومع سقوط النظام السابق في إشارة إلى نظام الرئيس السابق المخلوع "معمر القذافي" ، قد دخلت ليبيا في دوامة من العنف والإرهاب مع استمرار هذا الإنقسام العمودي الحاد وكذلك التجذر في العصبيات الفئوية والقبلية والجهوية وحالة الإرباك والتخبط، بل أيضاً حالة الضياع والتيه لدى الليبيين إضافةً إلى التدخلات الأجنبية الخارجية. لقد دخلت ليبيا منذ سنوات عدة في دوامة لعبة الأمم وهي باتت تخضع لهذه الصراعات والحسابات والمصالح المتصارعة بين القوى الدولية والإقليمية المتناحرة والمتصارعة في ليبيا وسواها من بلدان المنطقة العربية.
احتمال التصعيد في ليبيا قائم وواقع سواء من الناحية النظرية أو من الناحية العملية أو العملانية مع الأسف ليس هناك من رؤية وطنية لحل هذه الأزمة المستعصية وكذلك أمام هذا التخبط الداخلي وضعف المناعة الداخلية في مواجهة الإختراقات والضغوطات والتدخلات الخارجية، تبقى ليبيا عرضة للمزيد من المزايدات وتسجيل النقاط والأحداث التي تؤدي إلى انتهاك السيادة الوطنية، وربما ضرب الوحدة الوطنية الإقليمية وتهشيم البناء الداخلي الوطني، وتدمير ما تبقى إن كان قد تبقى من شيء من الدولة ومؤسساتها واستمرار هذا الإستنزاف السياسي للدولة الليبية والشعب الليبي.
_ انتخاب رئيس جديد للعراق وكذلك منح البرلمان العراقي الثقة لحكومة محمد شياع السوداني بعد عام كامل من الأزمات السياسية والدستورية .. هل يمكن القول أن بغداد في طريقها للخروج من الأزمات المركبة؟ وأي تحديات داخلية وخارجية تواجهها الحكومة الجديدة؟
طبعاً التوصل لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية العراقية وكذلك تكليف شخصية سياسية تأليف الحكومة من شأنه أن يساعد وأن يساهم في إيجاد فرصة في الحد الأدنى للعراقيين للخروج من عنق الزجاجة من هذه الحلقة المفرغة، محاولة البحث عن كيفية معالجة الأزمات المستفحلة، ذلك أنه لابد من وجود رئيس على رأس الدولة العراقية وحكومة كي تتمكن الشرعية العراقية من مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
أنا لا أريد طبعاً أن أبالغ في التفاؤل وعلينا بطبيعية الحال أن نرصد في المستقبل القريب غير البعيد مسار التطورات السياسية وغير السياسية في العراق ، مع التأكيد أنه ثمة تحديات تواجهها الحكومة العراقية من مثل : إستمرار التدخلات الخارجية الأجنبية في الشؤون الداخلية، إستمرار حالة الفوضى الأمنية العارمة والمتنقلة، إستمرار الإختراقات الخارجية الأمنية والإستخبارية وليس فقط التدخلات والإحتلال الأجنبي والإنتهاك للسيادة الوطنية العراقية كان تهديد للأمن القومي والإستيراتيجي للدولة العراقية.
مسؤولية الحكومة العراقية الجديدة: العمل على مكافحة الفساد المستشري والمستفحل في الدولة العراقية والإدارات والمؤسسات العامة.
_ هناك حراك شعبي كبير مؤخرا في البحرين رفضاً للانتخابات التشريعية "الصورية".. برأيكم إلى متى سيستمر الخداع والقمع السياسي الذي يمارسه النظام البحريني بحق شعبه؟ وهل يمكن أن نشهد انتفاضة جديدة ضمن مسار الثورة الشعبية التي انطلقت في 2011 ومستمرة حتى اليوم ؟
لابد من القول أن معاناة الشعب البحريني هي مستمرة منذ سنوات بل منذ عقود ، ونحن نأسف للصمت العربي أو الصمت الغربي أو الدولي حيال قضية الشعب البحريني وهي قضية محقة خلافاً للموقف الغربي والعربي والدولي من قضايا أخرى مماثلة حيث أمعن العرب والقوى الغربية الدولية في التدخل والإضاءة على العديد من القضايا في ميادين أخرى.
لذلك أقول إن المظلومية التي يتحملها الشعب البحريني هي كبيرة وهي برسم الرأي العام العربي والإسلامي وهي أيضاً مسؤولية الأنظمة الحاكمة العربية التي لم ولن ولا تتحمل مسؤولياتها الوطنية، القومية ، الدينية ، الإنسانية والأخلاقية تجاه الشعب البحريني.
قد يعود الشعب البحريني بطبيعة الحال إلى خوض ضمار ثورة شعبية عارمة دون أن يعني ذلك أنه يرضى أو يقبل هذا الوضع الراهن، ولكن إستمرار القمع والإستبداد والتعنت والتشدد والتصلب في الموقف والتسلط من قبل السلطة البحرينية هو الذي سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى إنفجار الأوضاع في البحرين من جديد.
لابد القول إن من الحتميات التاريخية والحقائق العلمية أنه لا يمكن القول بإستمرار الظلم إلى مالا نهاية، لذلك قد يكون من المفيد في هذا المقام الإضاءة على المشهد البحريني من باب التأكيد على المصداقية قبل الموضوعية في التأكيد على نصرة ودعم الشعب البحريني المظلوم والمضطهد، وإن كنت أستهجن وأستنكر وأدين الصمت العربي الغربي الدولي خلافاً للإدعاءات غير الدقيقة وغير الصحيحة كي لا أقول الكاذبة بنصرة حقوق الإنسان ودعم الديموقراطية، وهو الأمر الذي يبقى لرسم الرأي العام ، الإعلام، المنظمات والجمعيات الحقوقية وكل من يدعي أنه يعنى بقضايا حقوق الإنسان والحريات العامة والأساسية وما إلى ذلك.
_ الإرهاب الذي يضرب إيران مؤخرا مع تصاعد التفجيرات وأعمال العنف.. هل هو ردة فعل لفشل الإستخبارات الغربية في تركيع طهران؟ وأي رد متوقع للجمهورية الإسلامية؟ وما علاقة الإتفاقيات الإستراتيجية الأخيرة التي تبرمها طهران مع "قوى صديقة" بمحاولة الغرب زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد؟
هذا الإرهاب بالتأكيد هو مُدان، هو لافت من حيث التوقيت في الزمان والمكان أيضاً. وتبقى ظاهرة الإرهاب لافتة من ناحية استهداف القوى، الدول ، البلدان ، الحكومات والشعوب المناهضة للأمريكيين والإسرائيليين من مثل : إيران ، سوريا ، العراق ، اليمن، والعديد من بلدان المنطقة والعالم.
أنا أستبعد أن يؤدي هذا النمط من الإرهاب إلى التأثير في النظام الإيراني من حيث الشرعية السياسية والشعبية وكذلك القدرة على الثبات، التماسك، الإستمرار والبقاء ، ذلك أن الشرعية التي يحظى بها نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ إنتصار الثورة الإسلامية الإيرانية هو أمر واضح وثابت، وهو حقيقة قائمة لابد من التوقف عندها والتأمل والتفكر بصرف النظر عن التظليل عبر الإعلام للناس ، الرأي العام العالمي ، العربي ، الإسلامي والغربي من قبل القوى الغربية والإستخبارات الغربية التي تحاول إستهداف إيران لعدة أسباب تتعلق بسلوكها ، أدائها ، سياستها على مستوى المنطقة وبوقوفها إلى جانب العديد من القضاء ومواجهتها للهيمنة الأحادية الأمريكية منذ سنوات بل منذ عقود، وكذلك دورها الإقليمي في مواجهة الأمريكيين والإسرائيليين ناهيك عن مسار التعاون المستمر والمتنامي بين "طهران" و"بكين" وبين "طهران"و"روسيا".
إذاً ظاهرة الإرهاب الذي يستهدف الدولة الإيرانية والشعب الإيراني هي ظاهرة مشبوهة بالتأكيد وأيضاً هي ظاهرة مدانة وتستدعي الرد على ظاهرة الإرهاب ومواجهتها وكذلك من يقف خلفه من مدارس فكرية ومصادر للتمويل وهو الأمر الذي تقوم به الحكومة الإيرانية والقوات المسلحة الإيرانية. أيضاً ربما علينا أن ندين ونستنكر التظليل من قبل الإعلام للناس وكذلك التشويه للحقيقة من خلال إظهار الأمر وكأنه ثمة "ثورة شعبية حقيقية" في إيران وأن ثمة ظلم واستبداد من قبل الحكومة في إيران في مواجهة الشعب، وهذا الأمر أقل ما يقال فيه إنه غير دقيق وغير صحيح وأنه يندرج في إطار الحرب الناعمة الذكية اللتان تعتمدان القوة الناعمة والقوة الذكية في مواجهة الإيرانيين من قبل الغربيين بطبيعة الحال ولاسيما الأمريكيين و الإسرائيليين وكذلك غير الإيرانيين في إشارة -كما قلت- البلدان ، الدول والشعوب المناهضة للأمريكيين و الإسرائيليين وخاصةً في المنطقة من مثل: السوريين ، اليمنيين ، العراقيين وسواهم.
_ بعد قرار الحكومة الأسترالية بالتراجع عن إعترافها بالقدس عاصمة لكيان الإحتلال.. ما تأثير هذا القرار على الموقف الغربي من فلسطين المحتلة؟ وهل يشجع تبني مواقف دولية لدعم القضية الفلسطينية وإنهاء السطوة الصهيونية على الأراضي المحتلة؟
دعني أقول إن الإعتراف بالقدس عاصمةً لدولة "إسرائيل" بين مزدوجين ومع التحفظ الشديد على هذه العبارة في إشارة إلى كيان العدو ؛ الإعتراف بذلك أو التراجع عن الإعتراف لا يغير في الحقائق والوقائع ، ذلك أن القدس عاصمة دولة فلسطين المحتلة ، كذلك التوجه الغربي منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب"، التوجه الأمريكي أولاً والغربي ثانياً لدى العديد من الدول والحكومات التي تدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والإعتراف بالقدس عاصمة لها هو _ في الحقيقة_ يخالف ويناقض القانون الدولي والشرعية الدولية ومنطق القرارات الدولية، وهو الأمر الذي يجعلنا نعيد التذكير بأن هذا الكيان هو في الأساس كيان غاصب ومحتل، الإعتراف بذلك أو التراجع عنه لن يؤدي إلى أي شيء ، كذلك أيضاً الإعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري العربي المحتل أو غير ذلك هي مسألة وقت ، ذلك أن هذا الكيان هو -كما قلت- كيان لقيط وغير شرعي وهو كيان مؤقت وزائل، هي مسألة وقت قد يطول وقد لا يطول ، وحتى ذلك الحين أعتقد أن "إسرائيل الكبرى" قد سقطت.
أنا أتحدث عن صورة "إسرائيل الكبرى" وصورة جيش "إسرائيل" الذي لا يقهر ، كل هذه الأطروحات قد سقطت بفعل المقاومة وبإرادتها وتحت قبضات المقاومين على إمتداد المنطقة من فلسطين المحتلة إلى لبنان ، سوريا ، العراق ، إيران ، اليمن، وإلى بقية البلدان والشعوب العربية والإسلامية.
علينا أن ننتظر بعض الوقت وأنا من زاوية الملاحظة العلمية يمكنني أن أقول إننا نرصد صعود المقاومة وتقدمها كخيار سياسي وإستيراتيجي وهو الأمر الذي يفترض أن يعيد الحقيقة السياسية والتاريخية العلمية إلى نصابها الطبيعي والصحيح، وإن غداً لناظره قريب.
_ مع نشر الولايات المتحدة قاذفات نووية في أستراليا.. هل تسعى واشنطن لتحويل القارة الصغيرة إلى قاعدة عسكرية للهجوم على الصين؟ وأي ردة فعل متوقعة لبكين على هذه الخطوة؟
هذه الخطوة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بنشر قاذفات في أستراليا ؛ نعم هي تندرج في الإطار الإستراتيجي الأمريكي منذ عدة عقود لمحاولة تطويق الصين من خلال إستحداث قواعد عسكرية، إرسال قوات عسكرية وعقد تحالفات جديدة مع دول أو بلدان أو حكومات متاخمة للصين من زاوية "الجيوبوليتيك"، وإن كنت لا أعتقد صراحةً أن من شأن مثل هذه الخطوات أن تفيد الولايات المتحدة التي تبدو كإمبراطورية عالمية مثخنة بالجراح ، مجهدة ومثقلة بالأعباء ، قد شنت العديد من الحروب في المنطقة والعالم.
القوة الأمريكية تبدو بحالة تراجع وانحسار دون أن يعني ذلك انهيار الولايات المتحدة بالكامل ولكنها تتراجع ، حضورها يتراجع ونفوذها ينحسر في العالم والمنطقة، هي تعيد ترتيب أولوياتها ، لذلك تتراجع عن الحضور بقوة في منطقة الشرق الأوسط ؛ في منطقة غربي آسيا وشمال أفريقيا. من ضمن استيراتيجيتها أيضاً الإنتقال نحو منطقة جنوب شرقي آسيا لمواجهة الخطر المتأتي من الصعود الصيني المستمر والمتصاعد. إذاً الخطوة الأمريكية التي تسألني عنها تندرج ضمن هذا السياق الإستراتيجي الأمريكي في تطويق الصين وفي الإنتقال من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى جنوب شرقي آسيا دون أن يعني ذلك خروجها بالكامل من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، ولكنها تتحسس حجم الخطر الذي يجسده صعود "بكين" بالنسبة لـ "واشنطن" ولمصالحها الحيوية ، القومية والإستراتيجية، ونحن هنا نتحدث عن المستويات الثلاثة للقوة الأمريكية ؛ المستوى الأول : في الداخل الأمريكي القاري، المستوى الثاني : هو المستوى التقليدي في إشارة إلى أوروبا الغربية وأقصى شرقي آسيا أي منطقة النفوذ التقليدي الأمريكي من جهة المحيط الأطلسي والهادي، والمستوى الثالث : وهو الإستيراتيجي بعيد المدى، والذي يحيلنا على العديد من البقع والمناطق والأقاليم في العالم ومنها منطقتنا.
وإن كنت أعتقد أن الوقت ليس من صالح واشنطن على الإطلاق.
"بكين" تستمر في الصعود، النظام الدولي يتغير ، نحن نقترب من دخول حقبة جديدة في العلاقات الدولية كان قد أعلن عنها الرئيسان "الروسي و الصيني" منذ حوالي سنة لدى إفتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية في "بكين".
نحن في عصر جديد وفي طور جديد من العلاقات الدولية، هذه الخطوات الأمريكية لن تجدي نفعاً، الولايات المتحدة تتراجع إلى حدٍ ما، روسيا والصين وسواهما كإيران تتقدم في المقابل وسوف يتجلى ذلك للعيان قريباً كما أعتقد ، هي مسألة وقت أيضاً.