محاور نُشر

فهم المجتمع الصناعي للإنفاق العسكري

عرب جورنال / خالد الإشموري :

في مقالة المعنون بـ " الإنفاق العسكري يجر الاقتصاد العالمي إلى أزمة كبرى – يرى الدكتور أحمد الجرموزي – الأستاذ بجامعة صنعاء: " أن هناك عدد من الإشكالات التي تواجه المجتمعات المصنعة للسلاح، وما يشكل الإنفاق العسكري من آثار وأزمات قد تجر الاقتصاد العالمي إلى الهاوية.. فثمة سمة مميزة للتطور العالمي في السنوات الأخيرة تتمثل في التصاعد المتعاظم للإنفاق العسكري في معظم البلدان بحيث أصبح يشكل عبئاً يرهق كاهل موازنات الدول الكبرى والصغيرة على حد سواء وعائقاً للتنمية الاقتصادية في هذه الدول..

فهم المجتمع الصناعي للإنفاق العسكري

ويرى العديد من المحللين الاقتصاديين في العالم أن الطفرة الاقتصادية التي شهدها الاقتصاد العالمي في التسعينات من القرن الماضي كانت ثمرة مباشرة لانتهاء الحرب الباردة إذ أن جزءاً أساسيا من الأموال التي كانت تنفق على سباق التسلح أخذت تتوجه حينذاك نحو مشاريع تطوير البنى التحتية المادية والاجتماعية غير أن تلك الحقبة الذهبية لم تدم طويلاً فنهاية الحرب الباردة لم تجلب السلام النهائي للعالم وسرعان ما احتدت التناقضات بين الدول وانتشرت النزاعات وتفاقمت الصراعات ووقعت الحروب وتسارعت عجلة سباق التسلح سواء بين الدول الكبرى أم بين دول نامية وفقيرة ذات دخول منخفضة ومتوسطة في آسيا وأفريقيا بالدرجة الأولى .

الإنفاق العسكري يتعاظم

لم تجلب نهاية الحرب الباردة كما ذكرنا السلام النهائي للعالم وكانت النتيجة الحتمية لاحتدام التناقضات بين الدول وانتشار النزاعات وتفاقم الصراعات وتسارع عجلة سباق التسلح ان تعاظمت النفقات  العسكرية لغالبيه بلدان العالم.. فحسب معطيات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي شهدت الفترة من عام 1989م وحتى عام 2009م ارتفاعا ًكبيراً جداً في النفقات العسكرية على مستوى العالم وكان السبق فيها للولايات المتحدة الأمريكية التي شكل الإنفاق العسكري فيها قرابة نصف مجموع الإنفاق العسكري على مستوى العالم ككل ,قدر الإنفاق العسكري العالمي بنحو 1464مليار دولار في سنة 2008م  بزيادة مقدارها  4% بالأسعار الحقيقية مقارنة بإنفاق عام 2007م وزيادة بنسبة 45% على فترة السنوات العشر1999ـ 2008م وبقيت الولايات المتحدة الأمريكية من أكثر الدول إنفاقاً وخاصة في سنة 2008م وتليها الصين ثم فرنسا وبريطانيا وروسيا ,ولا تقتصر معدلات الارتفاع الكبيرة في الإنفاق العسكري على البلدان الكبيرة والمتقدمة بل إن بلدان كثيرة نامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية تنفق  قسماً كبيراً من ثرواتها الوطنية على اقتناء الأسلحة وذلك بدواعي حماية الأمن الوطني ومواجهة التهديدات الخارجية الفعلية والمفترضة وبسبب النزاعات الداخلية والصراعات الإقليمية.. وتشير الوقائع والمعطيات المتوافرة إلى أن هذه البلدان أهدرت خلال هذه العقود الأخيرة موارد ضخمة على التسلح كان من الممكن أن توجهها  لمواجهة الفقر والتخلف ولتحقيق التنمية المستدامة لشعوبها .

 بين الانفاق العسكري وفرص التنمية

الإنفاق العسكري المتصاعد الذي يكون أحياناً وفي جزء أساسي منه من دون مبررات حقيقية يؤدي إلى اقتطاع قسم كبير جداً من الموارد المتاحة خصوصاً في البلدان النامية والتي يمكن أن تخصص للإنفاق على القطاعات الاقتصادية المنتجة وعلى تطوير البنى التحتية المادية والاجتماعية بما يؤدي إلى دفع عملية تنويع الاقتصاد الأحادي الجانب القائم أساساً على قطاع النفط والغاز وإنتاج المواد الأولية في بعض البلدان أو الصناعات الخفيفة في بلدان أخرى وإلى حد ما على الخدمات في حالات معينة كما انه يحرم المجتمع من جزء من الثروة الوطنية يمكن أن ينفق في مجالات تطوير النظام التعليمي وتحسين الرعاية الصحية للمواطنين كما أن تطوير الإنتاج العسكري في البلدان التي تصنع الأسلحة يتم توجيه قسم كبير من أفضل القدرات والكفاءات العلمية والإنتاجية للعمل في القطاع الصناعي العسكري حارماً قطاعات الإنتاج المدني منها, فتعمل أفضل العقول البشرية في ابتكار واختراع وتطوير أسلحة التدمير والإبادة..ويترافق تطوير الإنتاج الصناعي العسكري مع هدر مواد أولية طائلة تتحول إلى أسلحة لا يستفيد منها المجتمع بل تساهم في تدميره عند نشوب الحروب والنزاعات المسلحة, والأخطر من ذلك كله هو تدمير رأس المال البشري نتيجة الحروب والنزاعات والقضاء أحيانا على هذا الرأسمال الكامل في أجيال من البشر مما يشكل عائقاً هائلا أمام تقدم البشرية .

إن عمليات التسلح تشكل أداء استنزاف كبرى لموارد المجتمعات لانها تسبب في تحويل موارد هائلة إلى أغراض غير منتجة وإلى تفاقم أزمة المديونية الخارجية للبلدان النامية التي تبقى عبئاً ثقيلاً يرهق كاهل الاجيال الحالية والقادمة ,وهنا تتجسد العواقب المدمرة لتزايد الإنفاق العسكري وسباق التسلح.. وعند الحديث عن أثر الإنفاق العسكري على النمو الاقتصادي لا بد من الإشارة أيضاً إلى تأثيره على معدلات التضخم فمن المعروف أن لهذا النوع من الإنفاق طبيعة تضخمية وأنه يؤدي إلى تغيير في المستوى العام للأسعار وإلى ارتفاع معدلات التضخم وإعادة توزيع الدخل الوطني وما يستتبعه ذلك من سوء تخصيص للموارد وتشوهات في الاقتصاد الوطني , على الرغم من هذه الصورة الواضحة والكالحة لعواقب تزايد الانفاق العسكري فثمة من يحاول التركيز على ما يعتبره جوانب إيجابية في عملية التسلح وزيادة الإنتاج العسكري خصوصاً في البلدان الكبيرة والمتقدمة.. ومن الحجج التي تطرح في هذا السياق الإشارة إلى مراحل شهدت فيها البلدان الكبرى خلال القرن العشرين حالات من النمو الاقتصادي في ظل مستويات عالية من الإنفاق العسكري , من الامثلة على ذلك النمو الذي شهده الاقتصاد الأمريكي في فترة الحرب الباردة والنمو الذي شهدته كل من اليابان وألمانيا خلال الثلاثينات عندما بلغت عسكرة الاقتصاد والمجتمع في هذين البلدين الذروة وكذلك تأثر النمو العالي الذي شهده الاتحاد السوفيتي السابق في الفترة مابين عام 1920م وحتى نشوب الحرب العالمية الثانية وهي حقبة الحرب الباردة وصولاً إلى عام 1970م .

التعاون بين الإنفاق والنمو الاقتصادي

في ما يلاحظ خبراء الاقتصاد أن هناك ثمة تعاون بين الانفاق والنمو الاقتصادي يمكن ان يلعب دور المخفف للصدمات والأداة التي تمتص تداعيات الأزمات وبذلك فإنه يشكل الملاذ الآمن  للمستثمرين خلال الأزمات المادية والاقتصادية, ويقدمون مثالاً على ذلك ماحصل خلال الأزمة المالية العالمية بدءاً من العام 2007م وما تلا ذلك من أزمات مالية واقتصادية عالمية أحدثت انكماشاً اقتصادياً على المستوى العالمي وقادت إلى خسائر كبيرة في العديد من القطاعات الصناعية كصناعة السيارات على سبيل المثال متحولة إلى أزمة اقتصادية عالمية, بعد انتقالها من الاقتصاد الوهمي إلى الاقتصاد الحقيقي فقد بقي قطاع صناعة الأسلحة في منأى من تداعيات هذه الأزمة وظل محافظاً على إنتاجه وعلى القوى العاملة فيه وعلى قدرتها الشرائية الأمر الذي خفف إلى حد كبير من تداعيات الأزمة.

ويؤكد انصار الإنفاق العسكري: ان النفقات العسكرية تشكل عاملاً مهماً من عوامل الاستقرار في الاقتصاد الأمريكي وبإن النفقات العسكرية العالمية كانت خلال عقود من الزمن تشكل عامل استقرار في اقتصاد الولايات المتحدة على الرغم من أن وظيفتها المخفقة للصدمات لم تكن تبرز بوضوح إلا في حالات الأزمات الحادة عندما يجري بواسطتها كبح الانهيار الكارثي في الاقتصاد .

لقد غدت الموازنة العسكرية جزءاً مركزياً من النظام الاقتصادي الأمريكي ما من إنسان عاقل ينفي ضرورة تخصيص جزء من الثروة الوطنية في أي بلد من بلدان العالم للأغراض المحتملة التي يمكن أن تتعرض لها, لا بل هذه المسالة تعتبر قضية وطنية مصيرية كبرى لا يجوز المساس بها أو التقليل من أهميتها ولكن المسالة لم تكن في الحدود التي تتوقف عندها عملية الإنفاق العسكري بحيث لا تصبح عبئاً يثقل كاهل الاقتصاد الذي لا يزال يعتبر الأكبر والاقوى في العالم فإن المبالغ الفلكية التي تنفق على الاغراض العسكرية خصوصاً مع خوض الحروب على أكثر من جبهة تشكل حسب رأي الكثير من المحللين والمتابعين لحالة الاقتصاد الأمريكي اليوم سبباً أساسياً من أسباب الأزمة الكبرى التي يدخل أتونها اليوم ويجر معه الاقتصاد العالمي إليها .

خلاصة القول: إن الإنفاق العسكري هو بمنزلة قرار سياسي استراتيجي اقتصادي .. وبديهي أن تخضع عملية اتخاذ القرار في هذا الخصوص لتأثير عوامل مختلفة تتفاعل فيما بينها سياسية وإستراتيجية واقتصادية وتشمل العوامل السياسية والوضع السياسي القائم في البلد المعني وطبيعة نظام الحكم ودرجة الاستقرار السياسي فيه وطبيعي أن ثمة علاقة مباشرة بين عدم الاستقرار السياسي والإنفاق العسكري وكذلك في التحالفات الإقليمية للبلد المعنى ومدى ارتباطه بتحالفات عسكريه يمكن أن تجعل إنفاق البلد عند مستويات عالية إذ العوامل الإستراتيجية تكون عالية في المناطق التي تلوح في أُفقها احتمالات الحرب وكذلك الحروب الأهلية والنزاعات الإقليمية التي تطلق سباقات  تسلح بين دول المنطقة ,بينما تتمثل العوامل الاقتصادية في الأتي :

  • توافر المواد الاقتصادية فكلما كانت الدولة غنية بالمواد الاقتصادية كانت أكثر قدرة من غيرها على الإنفاق على الأغراض العسكرية والعكس صحيح.
  • مستوى التنمية الاقتصادية والذي يعبر عنه عادة بالتغيرات في متوسط نصيب الفرد في إجمالي الناتج الوطني حيث أن مستوى التنمية الاقتصادية يلعب دوراً في تحديد مستويات الإنفاق العسكري .
  • الصرف الأجنبي فتوافر الصرف الأجنبي يمكن أن يساعد الدولة على تلبية حاجاتها في المعدات العسكرية المتطورة مما يدفع النفقات العسكرية إلى الارتفاع والعكس صحيح .
  • التصنيع العسكري أي مدى وجود صناعة عسكرية محلية ففي الدول التي تتوافر فيها الصناعات عسكرية تجد المؤسسة العسكرية نفسها تحت ضغط طلب مستمر كاف على إنتاج هذه الصناعات الأمر الذي يجعل الإنفاق العسكري عند مستويات مرتفعة.
  • م/ الجيش اليمني – العدد 363.

تابعونا الآن على :


 

مواضيع ذات صلة :