أجندة نُشر

أزمة المياه .. خطر يهدد التنمية في المنطقة العربية

عرب جورنال / خالد الاشموري -
يلقي هذا المقال الضوء على أن أحد أسباب تعثر التنمية في المنطقة العربية هو شح المياه حيث أصبحت المياه تشكل عاملاً للتوتر بين دول المنطقة وبين العرب واسرائيل بصورة خاصة فثمة نزاع قديم بينهما.. لاشك أن الكثير من المعلومات حول المشكلة تداولتها الصحافة على مر السنين, الأمر الذي أجبر كل إعلامي ومراقب ومحلل أن يتناول الموضوع كما يجب بعلمية شاملة ومعرفة عميقة لتاريخ وأبعاد أزمة المياه التي أصبحت الخطر الأكبر الذي يهدد مستقبل المنطقة العربية في حال الندرة والتي ستولد صراعات جديدة وتعزز عدم الاستقرار.

أزمة المياه .. خطر يهدد التنمية في المنطقة العربية


ومن أبرز المعلومات التي نُشرت قبل عشر سنوات ولا زالت تمثل إضافة لكل مهتم وباحث ما اورده الأكاديمي اليمني الدكتور علي الفقيه ـ جامعة صنعاء .. حيث تناول القضية بطرح أكاديمي مقتضب " مجلة الإيمان – 1433هـ" قوله: المنطقة العربية تحتوي على أكبر احتياطي نفطي يبلغ أكثر من 66% من مجموعة احتياطات النفط المؤكدة في العالم , في حين لا يتوفر فيها سوى 1% من المياه العذبة المتجددة , وقد هبط معدل نصيب الفرد الواحد سنوياً من الماء العذب في المنطقة من " 3300" متر مكعب عام 1960م إلى أقل من "1250" متر مكعب عام 1995م وهو أقل معدل للمياه للفرد الواحد في العالم .
النمو السكاني أو الصناعي لا يعدوا وحدهما المسئولين عن ازدياد الطلب , فثمة مياه كافية لتلبية حاجة المجتمع في الحدود المعقولة ,ولكن لا توجد سوى حوافز قليلة لاستعمال هذه الموارد المهمة على نحو صحيح .
مصادر الماء الأساسية في المنطقة العربية مهددة , حيث تحول نهر الاردن إلى مجرد جدول صغير, ولم يتبقى من مياه النهر سوى القليل ما بين 20إلى 40 مليون متر مكعب, مقارنة بنحو " 300" متر مكعب عام 1930م, وقد أدى برنامج بناء السدود في تركيا إلى تقليص إمداد مياه نهري دجلة والفرات في سوريا والعراق, ويشكل النيل الذي يعتبر أطول أنهار العالم " 6560"كم ,بؤرة نزاع بين مصر والسودان, من جهة وثمانية دول إفريقية هي أثيويبا, اريتريا, أوغندا, تنزانيا, كينيا, الكونغو الديمقراطية, بورندي من جهة أخرى, غير الخلاف العربي الإسرائيلي حول الماء إنها أشبه بالمعجزة أن يتفادي الشرق الاوسط المبتلى بالنزاعات وكذلك نشوب حروب كبرى بسبب المياه ..وبالنسبة لكثير من دول المنطقة التي تسير إلى احتمالات المواجهة حيث أصبحت المياه تشكل قضية أمن وطني.
كانت اتفاقية 1929م بريطانيا التي كان لها مستعمرات في شرق أفريقيا, قد منحت مصر الحق في الاعتراض على المشاريع التي تغير مجرى مياه النيل كما يعطي اتفاق 1959م مع السودان نصيب الاسد من مياه النهر مع أن السودان يعتبر ثاني أكبر مستهلك لمياه النهر بعد مصر, وفي ابريل 2009م طالبت مصر باستمرار تمتعها بحق الفيتو على أي مشاريع ري جديدة تشيدها دول حوض النيل, ولكن دول جنوب الصحراء رفضت المطلب ودعت إلى إعادة تقسيم حصص مياه نهر النيل, بما يتواءم مع الزيادة المطردة في عدد السكان والمشاريع الصناعية, لاسيما مشاريع توليد الطاقة والنمو الزراعي, وقد وقعت كل دول حوض النيل نهاية عام 2012م باستثناء مصر والسودان اتفاقا للتعاون بشان المياه, وليس هناك تطورات بماذا سيحدث مستقبلا وسط التأثير المتزايد للتغير المناخي واضمحلال موارد المياه, وفي ظل تمسك مصر بمواقفها وإصرارها على حصتها دون نقصان .
أما بخصوص سوريا والعراق فقد دشنت تركيا سد "اتاتورك " قرب " بوزوفا " في جنوب شرقي الاناضول في يوليو 1992م.
السد جزء من شبكة متكاملة واسعة كلفت عدة مليارات من الدولارات للري ولتوليد الطاقة الكهربائية, وتضم 22سدا على نهري دجلة والفرات, وبحسب المصادر فقد ساعدت السدود الجديدة خلال العام 2015م في توليد المزيد من الطاقة, وقد روت الآف الكيلومترات المربعة من الأرض الأمر الذي ضاعف إنتاج تركيا الزراعي , في الوقت الذي تعتمد تركيا على مياه النهر بنسبة 28% وسوريا 40% والعراق 80%, وعندما قررت تركيا تحويل مجرى نهر الفرات وملء سد اتاتورك عام 1990م أوقفت تماما تدفق النهر إلى سوريا والعراق الأمر الذي أحدث أزمة حادة أعادت بعدها تركيا التدفق إلى معدله الطبيعي ولم تهدأ نزاعات المياه بين تركيا وسوريا والعراق .
وفي فلسطين المحتلة فإن الإسرائيليين يستهلكون أربعة اضعاف ما يستهلكه الفلسطينيون من المياه حيث أن إسرائيل تحرم أكثر من ربع مليون فلسطيني في الضفة الغربية من المياه الجارية.. وتتصدر دول مجلس التعاون الخليجي الصدارة في مجال تحلية المياه المالحة من البحر.
في مصر ورغم وجود نهر بحجم النيل فقد امتنعت عن زراعة الارز لأن طبيعة زراعته تتطلب غمر الأرض بالمياه وكان على الحكومة أن تختار إما أن تستمر في زراعته على حساب حصة توزيع المياه في أغراض أخرى أساسية كالشرب, وأما أن تخفف الضغط على المياه وتستغني عن زراعة هذا المحصول وتلجأ إلى استيراده ومشكلة مصر مع المياه دائمة حيث أن ما يصلها من مياه النيل بحدود " 55" مليار متر مكعب سنوياً تستهلك الزراعة حوالي 80% منها.. وفي قطاع الزراعة يتقدم أحيانا فقد كانت نسبة الاكتفاء الذاتي عام 1980م من القمح 25% وهي اليوم 56%، غير أن مصر لم تعد تتحمل إستصلاح أراضي جديدة بسبب محدودية الموارد المائية، فوقعت الحكومة المصرية مع الحكومة السودانية اتفاقاً يسمح للشركات المصرية بزراعة أراضي في السودان من دون اللجوء لتكوين شراكات محلية.
وبالنسبة لاثيوبيا فلا قلق فهي تعد أهم رافد من روافد النيل، إذ تجلس على منبع النيل الأزرق الذي يرفد نهر النيل بأكثر من ثلثي مياهه وتربته الخصبة، كما أنها الدولة التي تشهد واحدة من أعلى معدلات ارتفاع السكان، حيث سيبلغ عدد سكانها (113) مليونً نسمة بحلول عام 2025م.
وفي اليمن وتحديداً في صنعاء فقد بدأت المياه تنفذ بسرعة – ففيها يعتمد نحو 70% من الناس على شاحنات خاصة لنقل الماء ، وقد ارتفعت كلفة الماء أضعافاً مضاعفة الأمر الذي أجبر العائلات على إنفاق ثلث مدخولها على شراء الماء، وستكون صنعاء أول عاصمة في التاريخ الحديث تجف مواردها المائية.
الأزمة
وفي السياق قدم الدكتور أمين أحمد مشعل - مدير مكتب اليونسكو في الخليج سابقاً عرضاً حول - العرب وأزمة المياه - نُشر بمجلة العربي العدد 445 أشار فيه بأن الوضع المائي في المنطقة العربية ليس مقلقاً بحسب ولكنه يستدعي أن تتخلى هذه الدول عن تهاونها الذي استطال لتفكر في حل لهذه المشكلة.. ويتساءل الدكتور: كيف أن كثير من الدول النامية ومن بينها الدول العربية لم تتمكن من استغلال مواردها المائية استغلالا فعالاً، فتستخدم طرقاً تقليدية في الري تهدر قدراً كبيراً من المياه كما تسرف بعض البلدان في استغلال مواردها من المياه الجوفية مما يؤدي إلى تسرب المياه المالحة بشكل متزايد إلى مستودعات المياه الجوفية، ويلاحظ ذلك في المناطق الساحلية من شمال إفريقيا وكذلك في منطقة الخليج.
تضم المنطقة العربية بعض الأنهار التي تشارك في أحواضها أكثر من دولة تحصل على حصص متفاوتة من المياه العذبة وينظم ذلك اتفاقيات غير كافية وقد لا توجد اتفاقيات على الأطلاق ومع تزايد عدد السكان يتزايد استهلاكهم من المياه العذبة لتلبية احتياجاتهم الزراعية والصناعية والمنزلية، وقد يؤدي تضارب مصالح الدول التي تشارك في موارد المياه العذبة إلى نشؤ تنافس فيما بينها قد ينقلب إلى نزاع ثم إلى صراع ولذلك تحرص هذه الدول على إبرام اتفاقيات تحدد أسس إستغلال موارد المياه المشتركة بينها، وتنظم حصول كل دولة على حصتها وعدم الاقدام على تصرف يخص الموارد المشتركة للمياه قد يضر ببقية شركائها ومعظم النزاعات تقع بين الدول المتشاركة في حوض النهر الواحد وخاصة بين دولة أو دول المنبع حيث تقع منابع النهر ودولة أو دول المرور التي يمر فيها النهر ودولة أو دول المصب حيث ينتهي النهر.. أذ قد تدعي أي من المجموعتين الأوليين أن لها الحق في التصرف في مياه المنبع أو في المياه التي تمر في أراضيها ويشمل ذلك حق الاستغلال والتخزين وتحويل المجرى بينما ترى المجموعة الأخيرة أن لها حقاً متساوياً في استغلال هذه المياه المشتركة ووجوب عدم المساس بالمجرى الطبيعي للنهر وعدم جواز تغييره دون موافقة الدول المشاركة في حوض النهر.
الحل:
لم يتمكن الإنسان من الاستغلال الأمثل للمياه العذبة المتاحة له وهناك وسائل كثيرة يمكن بها زيادة فاعلية استغلال المياه منها أعادة تدوير المياه للاستخدامات الزراعية والصناعية والمنزلية، وتقليل الفاقد بالبخر عن طريق التوسع في استخدام الأنابيب لنقل المياه من منطقة لأخرى بدلا من القنوات المكشوفة ويجب التخلي عن استخدام الطرق التقليدية لري الأراضي الزراعية، نظراً لأنها تهدر جانباً كبيراً من مياه الري، والبحث عن طرق اقتصادية للري تلائم كل منطقة وتوفر المياه وتحافظ على نوعية التربة، وتعميم استعمال هذه الطرق.
ويجب على الدول المتشاركة في مياه الأنهار أن تتعاون في الاستغلال السلمي للمياه المشتركة وتحافظ عليها بدلاً من النزاع والصراع.
وهناك أمثلة ناجحة لمثل هذا التعاون السلمي بين الهند وباكستان، وبين الولايات المتحدة والمكسيك ، وبين الارجنتين والبرازيل، وهناك أيضاً حلول علمية لتوفير المياه العذبة تتمثل في تحلية أو إعذاب الماء المالح بطرق اقتصادية تستلزم توافر الماء المالح والطاقة أما الماء المالح فما أكثره في البحار إذ يشكل 96.5% من إجمالي المياه على الأرض، وأما الطاقة فهي أيضاً متوافرة بكثرة من الطاقة الشمسية فما المانع إذن؟ المشكلة هي التكنولوجيا التي تمكننا من تسخير الطاقة الشمسية لتحويل ماء البحر إلى ماء عذب فبرغم توافر المياه المالحة وطاقة الشمس إلا أن تكنولوجيا استخدام الطاقة الشمسية لا تزال قاصرة قليلة الكفاءة، فاذا أمكننا تطوير كفاءة مثل هذه التكنولوجيا فان الحصول على ماء عذب من البحار يصبح ميسراً ونعتقد أن في الامكان تحقيق ذلك أذا صحت العزيمة وهيئت لذلك الأسباب ولا سبيل لذلك إلا بالبحث العلمي الذي سيمكننا من حل هذه المشكلة وقد سبق للإنسان أن استخدم علمه في التوصل إلى تكنولوجيا مكنته مثلا من الحصول على السماد الأزوتي من خامات متوافرة لديه وهي الهواء الذي نحصل منه على النتروجين والحجر الجيري والطاقة، وقد أحدث هذا السماد ثورة زراعية وفرت الغذاء للملايين وقد تمكن الإنسان، عن طريق البحث العلمي، من تسخير ثروات الأرض لصالحه، وكل ما ابتكره الإنسان، من أجهزة ومعدات نستخدمها في حياتنا كان نتيجة مباشرة للبحث العلمي.
وتوجد طرق عديدة للحصول على مياه عذبة من مياه البحر لعل أقدمها وأبسطها هي طريقة التقطير حيث تسخن مياه البحر حتى الغليان تحت الضغط الجوي العادي ويكثف البخار المتصاعد وعيب هذه الطريقة أن كفاءتها منخفضة نظراً لأن الجانب الأعظم من الطاقة يفقد دون استغلال كاف، ولذلك ترتفع تكاليف الماء العذب الناتج منها، ثم ابتكر العلماء طريقة التقطير المتعدد المراحل حيث يبخر ماء البحر في مراجل تحت ضغوط مختلفة ثم يكثف ويحصل منها على الماء العذب، وتتميز هذه الطريقة بزيادة كفاءة استغلال الطاقة مما يقلل تكاليف الماء الناتج ولذلك فقد اتسع انتشارها في العالم عامة.. وفي منطقة الخليج على وجه الخصوص، وهناك طرق اقتصادية أخرى لتحلية ماء البحر منها التجمد حيث تبرد مياه البحر إلى أن تتجمد المياه العذبة تاركه الاملاح وكذلك طريقة التناضح العكسي حيث تستعمل اغشية شبه منفذة لعزل الماء العذب عن الأملاح وهي ناجحة في إعذاب المياه الشروب قليلة الأملاح ولكنها تستخدم أيضاً لإعذاب مياه البحر ولكن بدرجة كفاءة أقل.
وبالرغم من التطورات والتحسينات التي أدخلت على هذه الطرق لزيادة كفاءتها إلا أن تكاليف الماء العذب الناتج بهذه الطرق لا تزال عالية يصعب على كثير من الدول النامية تحملها وتجعل استخدامه غير اقتصادي في الأغراض الزراعية أو الصناعية، إذ تتراوح تكلفة انتاج المتر المكعب من الماء العذب بطرق التحلية الاقتصادية المنتشرة في العالم حاليا بين 0,75 1,75، دولار أمريكي وذلك حسب السعة الانتاجية للمحطة وطريقة التحلية ونوع الوقود المستعمل ويضاف إلى ذلك تكاليف انشاء المحطة ذاتها والتي تتراوح بين 2500,900 دولار لكل متر مكعب من السعة الإنتاجية للماء العذب وتختلف التكاليف حسب طريقة التحلية المتبعة وتقل بصفة عامة كلما كبر إنتاج المحطة.

 

 

تابعونا الآن على :


 

مواضيع ذات صلة :