عرب جورنال / كامل المعمري -
تواصل صنعاء إرسال رسائل سياسية واضحة في وجه الرياض والعواصم الغربية، مؤكدة أن مرحلة المراوغة قد انتهت، وأن المفاوضات الجارية في مسقط ليست سوى اختبار جديد لمدى جدية السعودية في الخروج من المستنقع اليمني الذي غرقت فيه خدمةً للمصالح الأمريكية والصهيونية.
في تفاصيل الجولة الجديدة، أفصحت مصادر سياسية في صنعاء عن أجواء مشحونة بالضغوط والإملاءات الأجنبية، حيث تحاول واشنطن وتل أبيب، وفق ما كشفه مستشار المجلس السياسي الأعلى محمد طاهر أنعم لقناة المسيرة ، فرض مسار تفاوضي يبقي الملف اليمني مفتوحًا ويحول دون الوصول إلى تسوية حقيقية تضمن رفع الحصار ووقف العدوان وإعادة الإعمار.
تصريحات أنعم جاءت لتؤكد أن صنعاء تدرك تمامًا أن ما يُدار في الكواليس ليس سوى محاولة لتجميد الإنجازات التي فرضتها المعركة الميدانية خلال السنوات الماضية، وأن القيادة الثورية لن تقبل أي اتفاق لا يعيد لليمنيين حقوقهم كاملة.
اللقاء الذي جمع المبعوث الأممي هانس غروندبرغ بوفد صنعاء في العاصمة العمانية مسقط، جاء في سياق إعادة التذكير بالتزامات مضى عليها أكثر من عامين، تم الاتفاق عليها في إطار “خارطة الطريق” التي أوقفتها واشنطن بذريعة ما تسميه “هجمات البحر الأحمر”.
تلك الذريعة، بحسب مراقبين، تحولت إلى غطاء لعرقلة أي حل إنساني واقتصادي شامل، رغم أن صنعاء أوفت بجميع تعهداتها وأبدت مرونة واضحة في الملفات الإنسانية، بينما ظلت الرياض تراوغ وتحتمي بالتوجيهات الأمريكية.
المبعوث الأممي، الذي أصبح شاهدًا على تكرار المماطلة السعودية، تلقى من وفد صنعاء رسالة حازمة مفادها أن الشارع اليمني ضاق ذرعًا بالوعود الكاذبة، وأن أي تسوية لن ترى النور ما لم تلتزم الرياض بدفع الاستحقاقات التي تم الاتفاق عليها، وفي مقدمتها رفع الحصار وصرف المرتبات وفتح الموانئ والمطارات.
سياسيًا، يرى المراقبون أن موقف صنعاء اليوم أكثر قوة من أي وقت مضى، إذ تتحدث من موقع المنتصر، وتفاوض على قاعدة الندية لا التبعية.
فبينما تحاول السعودية تصوير الأزمة كخلاف داخلي بين يمنيين، تصر صنعاء على أن الرياض طرفٌ مباشر في العدوان، وعليها أن تتحمل المسؤولية القانونية والسياسية والاقتصادية كاملة.
من جهة أخرى، أعاد عضو المكتب السياسي لأنصار الله، عبد الله النعيمي، التأكيد على أن ما يسمى بـ"المرتزقة" الذين تورطوا في الحرب على بلدهم، لن يكون أمامهم سوى خيارين لا ثالث لهما: إما البقاء في السجون السعودية كأداة انتهت صلاحيتها، أو المثول أمام القضاء اليمني لينالوا جزاء ما اقترفوه بحق الشعب.
تصريحات النعيمي جاءت حاسمة، وأعادت تعريف معادلة القوة الجديدة: صنعاء تفاوض من موقع المنتصر، بينما الأطراف الأخرى تتخبط في تبعات هزائمها.
وتشير المعلومات إلى أن الرياض، رغم محاولاتها المتكررة للظهور بمظهر الساعي للسلام، لا تزال رهينة للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية، وأن قرار الحرب أو السلام ليس بيدها.
في المقابل، تواصل القيادة الثورية في صنعاء المضي بثبات في مسار التحرر الكامل من كل أشكال الوصاية، واضعةً نصب عينيها هدفين استراتيجيين: انتزاع الحقوق الوطنية كاملة، وإغلاق ملف العدوان إلى الأبد.
بالمجمل يمكن القول ان ما يجري في مسقط ليس مفاوضات سلام بقدر ما هو جولة اختبار لميزان القوى الجديد في المنطقة، حيث لم تعد السعودية قادرة على فرض شروطها كما كانت تفعل في السابق، ولم تعد واشنطن قادرة على كبح اندفاع اليمن نحو استقلال قراره الوطني.
وبينما تتكشف خيوط الضغط الأمريكي–الصهيوني لإبقاء الأزمة قائمة فإن صنعاء تضع الرياض أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تمضي فورًا في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه من رفع الحصار وصرف للمرتبات ودفع التعويضات، أو أن تختار مواصلة المماطلة وبهذا تكون قد فتحت باب المواجهة التي ستتحمّل السعودية تبعاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية.