أكتوبر 6, 2025 - 20:21
عام على العدوان الإسرائيلي على لبنان.. قراءة في الصدمة والتعافي

مستجدات - عرب جورنال 

مرّ عام كامل منذ العدوان الإسرائيلي على لبنان في أيلول 2024، وهو العدوان الذي تدرّج في حدّته بدءًا من عملية البايجر الإجرامية في 17 أيلول، مرورًا باستهداف اجتماع قيادة الرضوان يوم 20 أيلول، ثم بدء القصف على قرى الجنوب والبقاع في 23 أيلول، وصولًا إلى قصف الضاحية الجنوبية وتهجير أهلها بين 27 و28 أيلول، وختامًا بإعلان استشهاد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله.

هذه الأحداث المتسلسلة والفادحة خلقت صدمة عميقة في المجتمع اللبناني، ليس فقط لدى "العقل اللبناني العادي"، بل خاصة بين المنخرطين في مسيرة الجهاد والمقاومة، الذين وجّهت إليهم الضربات المباشرة، وأصبح مجرد التقاط النفس في ظل هذه المعاناة تحديًا صعبًا، وسط استمرار الغارات التدميرية وسقوط عشرات الشهداء تحت الأنقاض في الجنوب والبقاع وبيروت.

لقد شكل تسارع الأحداث صدمة مزدوجة: الأولى مرتبطة بالخسارة البشرية، من استشهاد السيد نصرالله ومئات القادة والمجاهدين، والثانية صدمة مادية ناجمة عن النزوح والتدمير والخسائر المادية وتشريد الأهالي.

هذه الصدمات أثارت شعورًا بالغ الحدة بالعجز، وأدخلت المجتمع اللبناني في حالة من الحزن النفسي العميق، تضافرت معها مشاعر الغضب واليأس أمام ضراوة العدوان، ووسط المشهد العالمي الذي شهد حفلات شماتة وتربص بالمقاومة، ما زاد من وطأة الألم النفسي.

رغم هذه الخسائر الباهظة، نجحت المقاومة في استعادة جزء من صلابتها بعد أيام قليلة، معلنة أن القيادة غير شاغرة، وأن الميدان هو الذي يتحدث عن المقاومين، وهو ما انعكس على بيئة المقاومة الميدانية والشعبية.

وقد أظهرت هذه المرحلة المبكرة من التعافي أن عملية تجاوز الصدمة الإنسانية تحتاج إلى زمن محدد، حيث يستخدم علماء النفس مفهوم "فترة الحداد" التي تمتد لسنة كاملة، مرورًا بمراحل الحداد التقليدية: الإنكار، الغضب، المساومة، الاكتئاب، وصولًا إلى القبول. خلال هذه الفترة، يمر الإنسان بمشاعر فقدان الذات، وصعوبة التكيّف مع المحيط الاجتماعي، والتأقلم مع الضغوط النفسية الناتجة عن الصدمة، بما في ذلك الشعور بالفراغ والحزن والغضب والذنب.

أما دلائل التعافي في بيئة المقاومة، فتتجلى في القدرة على العودة إلى المبادرة والتحرك بدل الانسحاب ورد الفعل السلبي، والتمسك بالمبادئ الدينية والفكرية والسياسية، ورفض الخضوع للعدو، والحفاظ على الثبات على الأرض، والتمسك بالقضية المحقة، والإيمان بالوعود الإلهية، والإصرار على متابعة النهج وحفظ التضحيات والدماء. التعافي في هذا السياق هو عملية تدريجية تشمل خطوات عقلية وسلوكية ومادية، تسعى لاستعادة الروح المعنوية وتعزيز الصمود أمام الابتلاء.

من أهم روافد هذا التعافي، أخبار المجاهدين في الميدان، التي تشكل مصدرًا رئيسيًا للمعنويات، إذ إن كل إنجاز ميداني للمقاومة، مثل استهداف المؤسسات الإسرائيلية أو مواقع قيادية، يعيد للأفراد الثقة والروح المعنوية، ويخلق شعورًا بأن الصدمة قابلة للتجاوز.

كذلك، الثبات في خطوط المواجهة والالتحام بالصمود تحت الظروف الصعبة يعكس الجوهر الإيماني للمقاومين، ويظهر أن التحديات الكبرى لا تقوي العزيمة، بل تصقلها. وقد شهدت هذه الفترة استشهاد عائلات كاملة، حيث لم يعد الشهداء حالات فردية، بل أصبح التضحيات جماعية، مما أضفى بعدًا روحانيًا واجتماعيًا إضافيًا على تجربة الصمود.

إضافة إلى ذلك، فقد عزز التعافي النفسي والمعنوي استمرار المقاومة في إطلاق الصواريخ على الكيان الإسرائيلي ابان فترة الحرب حتى اليوم الأخير منها، إذ يرتبط الشعور بالإنجاز المباشر بمواجهة تفوق الآلة الحربية الإسرائيلية، ويعيد الأمل بالنصر الإلهي المحتمل.

كما يشكل التخطيط لما بعد الابتلاء عنصرًا محوريًا في التعافي، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، إذ يتطلب التفكير بالمستقبل وإدارة المخاطر وإيجاد حلول عملية لتجاوز التحديات اليومية، مثل إعادة تنظيم حياة عائلات فقدت أعز المقربين أو تعرّضت بيوتها للدمار.

ويظل الصبر والنصر والأجر روحًا حاكمة لهذه العملية، حيث يشكل التحلي بالإيمان واليقين بالله والتسليم بحكمة البلاء أساسًا لاستعادة القوة الداخلية، وهو ما ينعكس في السلوك اليومي للمقاومين وأهاليهم. وفي المقابل، يمثل الدعم المادي والمالي ضرورة ملحة لاستكمال التعافي، إذ إن الدمار الهائل الذي خلفه العدوان لم يقتصر على الأرواح فحسب، بل شمل الحجر والشجر ووسائل العيش، مما يستوجب موارد ضخمة لإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي، على غرار ما حدث بعد حرب تموز 2006، مع ضرورة مراعاة التغير في حجم الدمار وتوافر الموارد.

تظهر هذه التجربة أن التعافي الكامل ليس عملية فورية، بل يحتاج إلى صبر طويل، وإعادة ترتيب للنظم الاجتماعية والاقتصادية، وتركيز على القيم الإيمانية والبُعد التربوي، بما يحافظ على إرث المقاومة ويؤسس لجيل قادر على تجاوز المصائب.

كما يتطلب تغييرًا في نمط الاستهلاك والتعامل مع التكنولوجيا، بما يقلل من التأثيرات النفسية للابتلاءات، ويعزز قدرة المجتمع على السيطرة على حياته واستقلالية قراراته.

إن مرور عام على العدوان الإسرائيلي على لبنان يبرز قدرة بيئة المقاومة على التعافي من الصدمات المزدوجة، الإنسانية والمادية، من خلال مزيج من الصبر، والإيمان، والثبات على المبادئ، والتخطيط العقلاني للمستقبل، والدعم المتكامل.

هذه التجربة تعكس درسًا عمليًا في الصمود الوطني، حيث تتحول التضحيات الفردية والجماعية إلى قوة جامعة ورافعة معنوية لمواجهة أي عدوان مستقبلي، معتمدين على قيم الصبر والإيمان والتوكل على الله، كما أشار أمير المؤمنين عليه السلام: "أعينوني بورع واجتهاد وعفّة وسداد"، لتكون هذه الكلمات مفتاحًا للتعافي الحقيقي والشامل في بيئة المقاومة اللبنانية.