عرب جورنال/ عبدالسلام التويتي -
الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» شخص مزاجي يعتمد في اتخاذ قراراته سواء المتعلقة بالسياسة الداخلية أو المتعلقة بالسياسة الخارجية على ما يمر به -في لحظات اتخاذها- من حالة نفسية أو مزاجية، فلا ينفك يعرض طاقم عمله أو طاقم إدارته المنتقى جلُّ أعضائها وفقًا لطبيعة علاقته بهذا الشخص أو ذاك للكثير من الارتباك، وهو -من ناحية أخرى- شخص نرجسي تستهويه كثرة الثناء والإطراء، كما أنه -من ناحية ثالثة- مصاب -بالرغم من غبائه ومحدودية فهمه- بالغرور وجنون العظمة الذي يصور له -بصفةٍ دائمة- أنَّ حلول كافة إشكاليات العالم المتفاقمة مرهونة -وفق ما تُهيئ له خيالاته وأوهامه- بشخطةٍ يشخطها قلمة أو عبارةٍ ينطقها فمه.
تأثير أبعاده النفسية على رؤاه السياسية
من الملاحظ أنَّ تصرفات «ترامب» الشخصية الفردية والرسمية المؤسسية أو الرئاسية التي تعبر -بصورة أساسية- عن انفعالاته ونزواته النفسية تمثل المادة الخام التي تتشكل منها تصوراته ورؤاه السياسية التي تعتبر الإطار الناظم للسياسة الداخلية للولايات المتحدة ولسياستها الخارجية التي ترسم ملامح علاقتها بكافة أنظمة العالم التي يدفع بها نحو حالةٍ من التضادّ أو التصادم، وذلك ما يمكن أن يُفهم من احتواء تقرير «رنا الزاغة» التحليلي المعنون [السياسة الأمريكية في عهد ترامب … ما وراء الأبعاد النفسية] الذي نشرته في «معهد السياسة والمجتمع» بتأريخ 12 فبراير الماضي على ما يلي: (يبدو واضحًا أنَّ شخصية الرئيس «ترامب» وما تحمله من أبعاد نفسية تؤثر -بشكلٍ واضح- على مستوى علاقاته المباشرة، وعلى مستوى السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي دفع الدكتور «محمد خير عيادات» أستاذ النظرية السياسية في الجامعة الأردنية إلى القول: ”إنَّ العلاقة مع الرئيس الأمريكي الحالي لا ينبغي أن تكون تصادمية، لأنَّ ذلك سيولد لديه الرغبة في التوجه بطريقه معاكسة لنظيره أو من سيعده خصمه، فهو يمارس استراتيجية “الرجل المجنون” حتى لو استبعدنا أنه قرأ عنها أصلًا”).
تصرفات عشوائية باعثها علاقات شخصية
منذ ولوج «ترامب» إلى البيت الأبيض رئيسًا للولايات المتحدة وهو يتعامل مع السياسة بنوعٍ من العشوائية، ويعتمد -في التعاطي مع العلاقات الدولية- على العلاقات الشخصية أكثر من اعتماده على القنوات المؤسسية الدبلوماسية، وقد أشير إلى هذا المعنى في سياق التقرير التحليلي المعنون [كاتب أميركي: ترامب زلزل العالم في 50 يومًا] الذي نشره «الجزيرة نت» في الـ12 من مارس الماضي على النحو التالي: (وقال الكاتب الأمريكي «ديفيد سانغر» إنَّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أحدث تحولًا جذريًّا في السياسة الخارجية الأميركية خلال أول 50 يومًا من ولايته الثانية، إذ تخلى عن حلفاء بلاده التقليديين، وتحالف مع خصوم الغرب تاريخيًّا، مثل روسيا وكوريا الشمالية، ممَّا أدى إلى تغيير جذري في موازين القوى العالمية.
وتشير تصرفات ترامب -برأي الكاتب- إلى أنه يفضل أن يعيش في عالم أقرب للقرن التاسع عشر، حيث يتفاوض هو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ بينهم، وعلى الدول الأضعف الطاعة.
كما أورد الكاتب، أنَّ تصرفات ترامب -بما فيها فرض التعريفات الجمركية عشوائيًّا والتهديد بضمّ غرينلاند وكندا- أدت إلى صدمة واسعة وحقيقية في العالم الغربي، كما دفع تخلي الرئيس عن أوكرانيا وقطع المساعدات العسكرية عنها مستشاره السابق «جون بولتون» إلى التصريح أنَّ "ترامب أصبح الآن في صف المعتدي".
وأضاف بولتون: "إنَّ ترامب ليس لديه فلسفة أو استراتيجية كبرى للأمن القومي، بل يعتمد على سلسلة من العلاقات الشخصية لتشكيل سياساته").
تسخير كافة وسائله لتلبية طموحات العائلة
بالرغم من أنَّ «دونالد ترامب» صار -للمرة الثانية- رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، وصار يتسنَّم أعظم اقتصادات العالم، فإنَّ تعاملاته في مختلف القضايا الدولية تنحو مناحيَ شخصية، وتأخذ في الحسبان ما قد يترتب على تلك التعاملات من مردودات مالية، وما قد يمكن أن يتحقق على هامشها من طموحات عائلية، وليس أدلّ على ذلك من استهلال تقرير «الجزيرة نت» التحليلي المعنون [مستشار رئاسي أميركي سابق: الفوضى سمة سياسة ترامب الخارجية] الذي نشر بتأريخ 20 أغسطس الماضي الاستهلال التالي: (بينما كان العالم يترقب ما ستؤول إليه القمة التي جمعت الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في مدينة أنكوراج بولاية ألاسكا الجمعة الماضية، تحوّل المشهد برمته إلى ما يشبه مسرح العبث، حسب وصف مقال رأي بصحيفة «الغارديان» البريطانية.
ويرى «سيدني بلومنثال» المستشار الكبير السابق للرئيس الأميركي «بيل كلينتون» وزوجته «هيلاري كلينتون» وزيرة الخارجية السابقة -في مقال له- أنَّ ما حدث في قمة «ألاسكا» بين الرئيسين الأميركي «دونالد ترامب» والروسي «فلاديمير بوتين» لا يعبّر عن "عقيدة ترامب" المزعومة في السياسة الخارجية، بل يكشف عن فوضى داخلية، وانحياز شخصي إلى «موسكو» مقلق للدول الأوربية، يقابله عجز كامل عن بلورة استراتيجية واضحة أو حماية المصالح الغربية.
وفي مقاله النقدي اللاذع، يصوّر «بلومنثال» الحدث على أنه حلقة جديدة من مسلسل انهيار الدبلوماسية الأميركية، حيث تتداخل الهشاشة السياسية بالصفقات الشخصية والطموحات "الفاسدة" لعائلة ترامب).
انعكاس علاقته بـ«مودي» على الفيل الهندي
مع أنَّ «الهند» قد مثلت ثاني أهم المتنفسات التي تغلبت من خلالها «روسيا» على ما فرضه عليها الغرب -جراء هجومها على أوكرانيا»- من عقوبات، بقيت علاقتها بـ«الولايات المتحدة» -بسبب ما ربط «ترامب» بـ«مودي» من علاقة شخصية ودية- علاقة جيدة ألمح إليها في طيات الدراسة التحليلية المعنونة [الـ 100 يوم الأولى لـ “ترامب”.. سخط داخلي وإعادة توجيه السياسة الخارجية] التي أعدها «بيير يعقوب» و«مروة محمد عبد الحليم» ونشراها في «المرصد المصري» في الـ7 من مايو بالفقرة التالية: (برغم موقف «نيودلهي» من حصار «موسكو» المخيب لآمال الغرب، ظلت العلاقات الأمريكية-الهندية في حالة استقرار نسبي، مدعومة بعلاقة شخصية بين “ترامب” ورئيس الوزراء الهندي مودي).
وقد كانت حميمية العلاقة ببن الرجلين أساس متانة العلاقة بين البلدين وذلك ما يُفهم من احتواء تقرير الكاتب الباكستاني «ألطاف موتي» التحليلي المعنون [القصة الخفية وراء الخلاف بين الولايات المتحدة والهند] الذي نشره موقع «ميدل إيست أونلاين» يوم الإثنين الـ8 من سبتمبر الفائت على ما يلي: (كانت الرابطة التي بدت متينة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تُعتبر في وقت من الأوقات حجر الزاوية لعهد جديد في العلاقات الأميركية-الهندية.
وقد أظهرت تجمعاتهما المشتركة، المليئة بالحماس الشعبوي والثناء المتبادل، صورة لتحالف لا يتزعزع).
ولأنَّ جودة علاقة البلدين الكبيرين كانت رهنًا بالرضا المتبادل بين «ترامب» و«مودي»، فقد أفضى بالبلدين ما طرأ بينهما من سوء تفاهم إلى خلاف متفاقم أشير إليه في سياق التقرير الآنف الذكر بما يلي: (يمكن إرجاع نقطة التحول الحاسمة في هذه العلاقة إلى محادثة هاتفية محددة استمرت 35 دقيقة في 17 يونيو، فقد اتصل الرئيس ترامب -وهو يشعر بالإنجاز الشخصي- برئيس الوزراء مودي لمناقشة التهدئة الأخيرة للتوترات العسكرية بين الهند وباكستان، ووفقًا لأشخاص مطلعين على المحادثة، صرّح ترامب بفخر بأنه كان المسؤول عن إنهاء الصراع.
وفي سياق هذا المديح الذاتي، لعب ترامب ورقته التالية، فذكر لمودي أن باكستان ممتنة جدًّا لتدخله لدرجة أنها تستعد لترشيحه لجائزة نوبل للسلام، كانت الرسالة -وإن لم تكن صريحة- واضحة تمامًا، وكما ذكرت نيويورك تايمز، كان "التلميح غير الخفي" هو أنَّ ترامب توقّع تمامًا من رئيس الوزراء مودي -بصفته زعيم الدولة الأخرى المعنية- أن يفعل الشيء نفسه، وبالنسبة لترامب، لم يكن هذا الترشيح مجرد جائزة سياسية، بل كان الإثبات المطلق لصورته التي صنعها بنفسه كصانع صفقات بارع وصانع سلام عالمي.
لكن رد مودي لم يكن التأكيد المتوقع، فبدلاً من مجاراة رغبة الرئيس في الثناء، قدّم رئيس الوزراء الهندي رفضًا حازمًا ومباشرًا، وأكد أنَّ التدخل الأميركي لم يلعب أي دور في وقف إطلاق النار، وأنَّ المسألة كانت قضية ثنائية بحتة، تمت تسويتها مباشرة بين الهند وباكستان.
في تلك اللحظة، كان الأمر بمثابة تناقض مباشر مع رواية ترامب ورفض كامل لطموحاته في الحصول على جائزة نوبل.
انتهت المحادثة فجأة، فانهار معها أساس علاقتهما الشخصية.
لم تتأخر تداعيات تلك المكالمة، فقد تُرجمت الإهانة الشخصية على الفور إلى سلسلة من التجاهلات الدبلوماسية التي أشارت إلى انهيار كامل للثقة.
ومع تجميد القنوات الدبلوماسية والحاجة إلى تصفية حساب شخصي، تحركت إدارة ترامب لاتخاذ إجراءات عقابية، لكن لا يمكن لرئيس أن يفرض عقوبات لأنَّ مشاعره قد جُرحت، وكان من الضروري وجود مبرر شرعي قائم على السياسة، وقد وفرت سياسات الهند الاقتصادية الغطاء الدبلوماسي المثالي.
وتم تبرير الرسوم الجمركية البالغة 50% علنًا بالإشارة إلى الإجراءات التجارية الحمائية للهند، والأهم من ذلك تجارتها المستمرة في مجال الطاقة مع روسيا).