عرب جورنال / أنس القباطي -
تشهد المملكة المغربية منذ أواخر سبتمبر/أيلول 2025 موجة احتجاجات شبابية غير مسبوقة، قادتها مجموعة تُدعى "جيل زد"، عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك وإنستغرام وديسكورد. تطالب هذه الاحتجاجات بتحسين الخدمات الأساسية، خاصة في مجالي الصحة والتعليم، ومكافحة الفساد، وتوجيه الإنفاق العام نحو تحسين الظروف المعيشية.
وبدأت الاحتجاجات في مدينة أغادير بعد وفاة ثماني نساء أثناء الولادة في مستشفى محلي، وانتشرت بسرعة إلى مدن أخرى مثل: الرباط، الدار البيضاء، طنجة، مراكش، مكناس، وجدة، آيت عميرة، إنزكان، وتزنيت. شهدت هذه المدن اشتباكات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن، بما في ذلك رشق بالحجارة، إحراق سيارات أمنية وبنوك، ومحاولات لاقتحام أسواق رئيسية.
غضب شعبي
وعلى الرغم من أن الاحتجاجات لم تستهدف الملك مباشرة، إلا أن بعض الشعارات رفعت مطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية، ما يعكس حالة من الغضب الشعبي تجاه الوضع الراهن، وهو ما يجعل الاحتجاجات في المجمل تمثل تهديدًا مباشرًا للنظام الملكي، وتعكس حالة من الاستياء الشعبي تتطلب استجابة حكومية سريعة وفعّالة لتلبية المطالب المشروعة للشباب وتحقيق الإصلاحات المطلوبة.
ضد التطبيع
وجاءت الاحتجاجات الشبابية بعد أن شهدت البلاد خلال الأشهر الماضية احتجاجات مناهضة للتطبيع، بما في ذلك مظاهرات ضد زيارة مسؤولين إسرائيليين إلى المغرب.
ومن أبرز الاحتجاجات تلك التي حصلت في فبراير/شباط 2025، حينما خرج المئات من المغاربة للاحتجاج على زيارة وزيرة النقل الإسرائيلية إلى مراكش، معتبرين وجودها استفزازًا في ظل الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين. وفي سبتمبر/أيلول 2025 خرج آلاف المغاربة في مظاهرات واسعة شملت 110 وقفات احتجاجية في 58 مدينة، للتنديد بما وصفوه بسياسة "التجويع والإبادة"، ورفضًا للتطبيع مع إسرائيل.
علاقة ربط
وتشير تلك الاحتجاجات إلى أن هناك علاقة بين الاحتجاجات الحالية ورفض التطبيع مع إسرائيل، حيث يعبر المحتجون عن استيائهم من السياسات الحكومية في هذا الصدد، إلى جانب مطالبهم بتحسين الخدمات الاجتماعية ومكافحة الفساد.
فشل
وتعكس هذه الاحتجاجات فشل السلطات المغربية في إدارة البلد، وابتعادها عن هموم المجتمع، الذي بات يطالب بالخدمات، فيما السلطات تتجه لتحسين صورتها لدى الخارج من خلال إقامة ملاعب وبنى تحتية رياضية لاستضافة كأس العالم، على حساب الخدمات المجتمعية، وهربت إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، غير عابئة بالموقف الشعبي الرافض للتطبيع والمتعاطف مع إخوانهم في غزة. فكانت النتيجة احتجاجات شبابية تفتقد للقيادة التقليدية؛ فلا أحزاب سياسية تقف خلفها، ولا نقابات أو منظمات تقليدية تؤطرها، وإنما هي حركة عفوية يقودها جيل متصل بالفضاء الرقمي، يملك أدوات جديدة للتنظيم يصعب مراقبتها أو اختراقها. وهو ما يفسر تخوف السلطة من تحوّل هذه الموجة الصغيرة إلى كرة ثلج تتوسع بسرعة، مستفيدة من شبكات التواصل الاجتماعي التي تضمن انتشارًا لحظيًا للمعلومة والشعارات.
تراكم إحباطات
ومن تحليل السياق يتضح أن هذه الاحتجاجات الواسعة ليست مجرد رد فعل لحظي، بل تعبير عن تراكم الإحباطات: بطالة مستمرة، غياب عدالة في توزيع الثروة، تراجع الخدمات العامة، وتهميش متزايد لفئة الشباب. جيل زد المغربي لم يعد يجد نفسه ممثلًا في السياسة أو الإعلام التقليدي، فابتكر أدواته الخاصة ليعبر عن رفضه.
فقدان الثقة
وتواجه السلطة المغربية اليوم معادلة صعبة، بين الاستمرار في المعالجة الأمنية التي قد تنجح مرحليًا في تفريق الحشود لكنها قد تفاقم حالة الاحتقان وتفقد الثقة المتبقية لدى الشباب، وبين الانفتاح على حوار حقيقي مقرون بإصلاحات ملموسة في الصحة والتعليم ومحاربة الفساد، وهو ما يمكن أن يخفف من زخم الحراك ويعيد بعض الثقة. غير أن الحل لدى الكثيرين يرتكز على تغيير النظام الملكي "المريض".
مخاوف
وتزداد خطورة هذه الموجة مع اتساع رقعتها يومًا بعد يوم، ما يجعل مراقبين يرون فيها مؤشرًا قد يزلزل عرش الملك محمد السادس، خاصة في ظل الرفض الشعبي للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ويعجّل بطرح سيناريوهات تغيير النظام، في ظل إصرار المخزن على القبضة الأمنية في التعامل مع الاحتجاجات السلمية.
جرس انذار
إن ما يحدث اليوم في المغرب هو جرس إنذار بأن جيلًا جديدًا من المواطنين دخل ساحة الفعل السياسي والاجتماعي خارج القنوات الرسمية، مسلحًا بالذكاء الرقمي وروح جماعية تتخطى الحدود التقليدية للتنظيم. وبقدر ما تحمل هذه الحركة من تحديات للنظام السياسي، فإنها تفتح أيضًا فرصة لإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والشباب على أسس أكثر عدالة وشفافية.
شعور بالسخط
وفي المجمل، فإن الرفض للتطبيع بدأ يظهر كجزء من الشعارات المرافقة للاحتجاجات، لكنه ليس سببها الأساسي، لأن السبب المباشر هو المطالب الاجتماعية والمعيشية، بينما التطبيع يمثل عاملًا إضافيًا يغذي شعور السخط لدى فئات من المحتجين، لأنه يُعد قضية رمزية لها وزن كبير في الرأي العام المغربي.
لذا، حتى لو لم يكن رفض التطبيع من المطالب الأساسية للحركة الحالية، فقد ظهر كمكون في بعض الوقفات أو كشعارات مرافقة من بعض المتظاهرين أو المجموعات الحقوقية/السياسية المشاركة.
تحول نوعي
وعليه، فإن الاحتجاجات الشبابية في المغرب تمثل تحوّلًا نوعيًا؛ فهي ليست مجرد رد فعل آني، بل نتيجة تراكم طويل من الإحباطات المعيشية والسياسية، يغذيه عامل رمزي هو رفض التطبيع. هذا الحراك يضع النظام أمام تحدٍّ وجودي: إما إصلاحات حقيقية تلامس حياة الناس، أو مواجهة كرة ثلج مرشحة للتوسع قد تهدد استقرار الملكية نفسها.