يونيو 2, 2025 - 20:25
استراتيجية الإمارات في تأجيج  الصراع الدائر في السودان 



عرب جورنال / خالد الأشموري  - 
توجد العديد من الكتابات والمقالات والدراسات البحثية التي تتناول الصراعات والخلافات العميقة بين القوى العسكرية و السياسية في السودان، والتي تعود إلى صراعات تاريخية وتدخلات خارجية، آخرها الحرب الدائرة الآن، والتي بدأت، في 15/أبريل/2023 ، بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان ،الذي يقول: ان الجيش يحاول حماية الدولة من المتمردين وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو"حميدتي"،  الذي يقول: ان قواته تقاتل لتطهير السودان من فلول نظام البشير..هذه الحرب التي ساهمت فيها قوى إقليمية ودولية في تأجيج الصراع من خلال دعم أطراف النزاع، والتي تسببت في أزمة إنسانية كبيرة وصُفت بواحدة من أكبر وأسوأ الأزمات في العالم، أدت الى نزوح الملايين من السكان من منازلهم ولجوء آخرين الى دول الجوار، مع انتشار المجاعة وتدهور الوضع الصحي، غير الانتهاكات الواسعة لحقوق الانسان، بما في ذلك العنف الجنسي، والهجمات على المدنيين، بحسب المصادر الإعلامية.
وبحسب الواقع المعاش فإن هذه الحرب المستمرة والغير مسبوقة أصبحت كابوساً يهدد جيلاً بأكمله، حيث يواجه شعب السودان اليوم الانتهاكات لحقوق الانسان وتدمير البنى التحتية للبلاد في ظل إنهيار النظام ، وغياب الحقائق ، ونقص المساعدات .. فالواقع يشير الى أعلى عدد من الأسر النازحة، فيما دفعت أزمة الغذاء المتفاقمة أجزاءاً واسعة من السودان إلى حافة المجاعة.. نحن هنا أمام حالة إنسانية لا يمكن إنكار إن هناك الكثير من الخيرين من أبناء الشعب السوداني يكافحون من أجل إنهاء الحرب، والبقاء من أجل العيش المثقل بلحظات من الرعب والقلق ، مايهدد بتقسيم البلاد - كيف لا ؟ والسودان غارقاً في مشاكل اقتصادية )عويصة( وأعمال عنف لا تهدأ بين الطرفين المتنازعين وبخاصة بإقليم دارفور، حيث توجد مناجم الذهب أحد الموارد المهمة في السودان.
إذاً الشعب السوداني يعيش تحت وطأة حرب طاحنة عصفت بآمال وطموحات ملايين السودانيين في جنوبه وغربه، ولم تترك خلفها سوى المآسي (نزاع عسكري وقبلي وتجاري) حيث يتنافس الطرفان المتحاربان على مصالح تجارية مترامية الاطراف، يسعى كل طرف الى حمايتها. فكلاً يقاتل من أجل السيطرة على أكبر الشركات في البلاد والسلطة والثروة .. وما يقلق أكثر هو ذلك التدخل الأجنبي والإقليمي بحسب التفسيرات والآراء المنشورة في الصحافة العالمية والعربية.. هذا التدخل الذي في وأقع الأمر لا يسعى لإنهاء الحرب بين طرفي النزاع، بقدر ما تؤجج بعض الدول سعير الحرب، فيما يشدد الجانبان المتحاربان من مواقفهما بعدم وقف إطلاق النار ، حتى أنهما بين فينة واُخرى يصرحان بأنهما يعتزمان مواصلة القتال الى ان يسيطرا على البلاد.
وما يشار إليه في سياق التدخل الأجنبي والإقليمي في حرب السودان بين الطرفيين المتنازعين ما ذكر  في رؤى بعض رجال الإعلام إذ ينظر البعض إلى هذا التدخل على أنه لا يليق بأي دولة عربية كانت أو أجنبية أن تتدخل في شؤون دولة ذات سياده (بلد  عدد سكانه 45 مليون، وثالث أكبر دولة في أفريقيا من حيث المساحة غير الموقع الاستراتيجي في منطقة القرن الأفريقي).. وما لا يسر أن نقرأ ونسمع أن دولة عربية مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، تخاطر بسمعتها من خلال دعم قوات الدعم السريع بقيادة (حميدتي) في الحرب الأهلية الدامية في السودان؟!
الإعلامي العربي "حامد أبو العز" مستاءً من أن تُتهم دولة الإمارات في الحرب الدائرة في السودان، والتي تسعى بحسب- أبو العز - إلى تحقيق مصالحها في السودان من خلال دعم قوات الدعم السريع .. ففي مقالة المنشور في 13/اكتوبر/ 2024، موقع )عربي21( ، تحت عنوان" : الصراع في السودان وخيوط التدخل الخارجي" يقول :أصبح الصراع الآن ساحة معركة للقوى الإقليمية المتنافسة على النفوذ" لقد أشعل اكتشاف القوات المسلحة السودانية مؤخرا لأسلحة وإمدادات طبية إماراتية في جبل مويا، الذي كان تحت سيطرة قوات الدعم السريع سابقا، فتيل التوترات والمناقشات المتجددة حول تورط الإمارات في الصراع الدائر في السودان وبينما يعاني السودان صراعا داخليا، تكثفت الاتهامات بالتدخل الخارجي من قبل بعض الدول الإقليمية. .ويضيف بأن، تصاعد الصراع بين الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، منذ نيسان أبريل 2023، وبعد أن حفزه صراع على السلطة في البداية، أصبح الصراع الآن ساحة معركة للقوى الإقليمية المتنافسة على النفوذ. لقد اتُهمت الإمارات، التي تربطها علاقات تاريخية بحميدتي، مرارا وتكرارا بتوفير الأسلحة والذخيرة والدعم اللوجستي لقوات الدعم السريع، مما أدى إلى تأجيج الحرب الأهلية التي دمرت البلاد..وذكر المقال: إن تورط الإمارات ليس جديدا، تعود التقارير عن دعم الإمارات لحميدتي إلى عدة سنوات سابقة، حيث تم نشر قوات حميدتي للقتال في اليمن تحت قيادة التحالف الذي تقوده السعودية، وغالبا بدعم لوجستي ومالي من الإمارات. ويضيف بما معناه : ان اكتشاف الأسلحة في جبل مويا، أدلة متزايدة على أن الإمارات تقدم أكثر من مجرد مساعدات إنسانية للسودان، ويشمل ذلك معدات عسكرية متقدمة وإمدادات طبية، وهي عناصر تعزز بشكل مباشر قدرة قوات الدعم السريع على مواصلة القتال. وقد نفت الإمارات هذه الادعاءات بشدة، مؤكدة أن انخراطها إنساني بحت. ومع ذلك، فإن وجود أسلحة إماراتية الصنع تم العثور عليها في مناطق الصراع جعل من الصعب بشكل متزايد إثبات هذا النفي.
ويطرح المقال سؤال لافت وهو : لماذا تخاطر الإمارات بسمعتها الدولية من خلال دعم مجموعة شبه عسكرية في الحرب الأهلية الدامية في السودان؟ تكمن الإجابة في طموحاتها الإقليمية الأوسع. يحتل السودان موقعا استراتيجيا رئيسيا في منطقة القرن الأفريقي وعلى طول البحر الأحمر، وهو طريق تجاري بحري بالغ الأهمية. ومع خطط التنمية الطموحة للمملكة العربية السعودية، مثل مشروع نيوم على البحر الأحمر، تخشى الإمارات أن تفقد موانئها، مثل جبل علي، أهميتها إذا هيمنت المملكة العربية السعودية على التجارة البحرية في المنطقة.
من خلال دعم قوات الدعم السريع، قد تسعى الإمارات إلى تأمين السيطرة على أجزاء من الساحل الشرقي للسودان، وخاصة بالقرب من بورتسودان، مما يمنحها موطئ قدم حاسم في البحر الأحمر يمكن أن يعمل هذا كثقل موازن للنفوذ السعودي ويضمن بقاء الإمارات لاعبا مهيمنا في الشؤون التجارية والعسكرية في المنطقة. وعلاوة على ذلك، تعكس تحركات الإمارات في السودان استراتيجيتها الأوسع نطاقا لتأمين النفوذ على الموانئ الرئيسية وطرق التجارة في المنطقة، كما يتضح من تورطها في جيبوتي وإريتريا وحتى قناة السويس في مصر.
بالإضافة إلى ذلك، تلعب الثروة المعدنية الهائلة في السودان، وخاصة الذهب، دورا حاسما في هذه المعادلة إن سيطرة حميدتي على مناجم الذهب في دارفور، حيث تنقل كميات كبيرة من الثروة عبر الإمارات، تعزز علاقاته مع أبو ظبي. هذه المصالح الاقتصادية، إلى جانب الاعتبارات العسكرية والجيوسياسية، تخلق مزيجا قويا يجعل السودان ساحة معركة رئيسية للسياسة الخارجية الإماراتية.
وأشار المقال : ان الحكومة السودانية لم تلتزم الصمت في مواجهة هذه التدخلات، احتج المسؤولون السودانيون على التدخلات العسكرية الإماراتية، ونقلوا مخاوفهم إلى المنتديات الدولية مثل الأمم المتحدة في اجتماعات مجلس الأمن الأخيرة، انتقد سفير السودان علنا تصرفات الإمارات، داعيا إلى وقف الدعم العسكري لقوات الدعم السريع. ولقد وجدت هذه الدعوات آذانا صاغية، وخاصة بين الدول الغربية مثل المملكة المتحدة، التي أعرب دبلوماسيوها عن مخاوفهم إزاء ازدواجية الإمارات المزعومة (تقديم المساعدات الإنسانية على السطح بينما توريد الأسلحة في الظل).
ويؤكد المقال :لقد كان لهذا التدخل  عواقب كارثية على السودان، فقد أدى الصراع المستمر إلى نزوح الملايين وخلق واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم..  و"جنوب السودان" كما يزعم المقال :ليس الدولة الأفريقية الوحيدة التي سعت الإمارات إلى توسيع نفوذها فيها، ففي جميع أنحاء القارة، اتبعت الإمارات استراتيجية المشاركة الاقتصادية المتشابكة مع التدخلات العسكرية.
وفي هذا الصدد يؤكد المقال: إن الركيزة الأساسية لهذه الاستراتيجية هي الاستثمارات الاقتصادية لدولة الإمارات في الموانئ والبنية الأساسية التجارية، فمن خلال شركات مثل موانئ دبي العالمية، وضعت الإمارات نفسها كلاعب رئيسي في شبكة الخدمات اللوجستية العالمية، مع استثمارات كبيرة في الموانئ في جميع أنحاء أفريقيا. وفي السودان، يبدو أن هذه الاستراتيجية تلعب دورا عسكريا، حيث تسعى الإمارات إلى تأمين مصالحها من خلال الوسائل الاقتصادية والعسكرية ومع ذلك، فإن هذه السياسة الخارجية العدوانية تخاطر بنتائج عكسية. ومع تزايد وعي المجتمع الدولي بتورط الإمارات في صراعات مثل السودان، فقد تجد البلاد نفسها معزولة دبلوماسيا بالفعل، هناك علامات على التوتر في علاقاتها مع حلفائها التقليديين مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وكلاهما أعرب عن قلقه بشأن تصرفات الإمارات في السودان وإذا استمرت الإمارات على هذا المسار، فقد تواجه أكثر من مجرد رد فعل دبلوماسي عنيف، فقد تنهار طموحاتها في أفريقيا تحت وطأة العقوبات الدولية وعدم الاستقرار الإقليمي.
ويختم، إن الصراع في السودان هو نموذج مصغر للصراع الجيوسياسي الأكبر الذي يدور في الشرق الأوسط وأفريقيا وقد أدى تورط الإمارات، بدافع من مزيج من الطموحات الاقتصادية والمصالح الاستراتيجية، إلى تعقيد الوضع المزري بالفعل.
 وينذر الكاتب بحسب المقال : طالما استمرت الجهات الفاعلة الأجنبية في ضخ الأسلحة إلى السودان، فسيظل السلام بعيد المنال ويتعين على المجتمع الدولي أن يتحرك بسرعة لمعالجة هذه القضية، ليس فقط من خلال توسيع حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، بل وأيضا من خلال محاسبة المسؤولين عن تأجيج الصراع. وعندئذ فقط يمكن للسودان أن يأمل في رؤية نهاية للعنف وبدء الطريق الطويل نحو التعافي .