
عرب جورنال / أنس القباطي -
توصلت الهند وباكستان السبت 10 مايو/آيار 2025 إلى اتفاق لوقف اطلاق بعد مناوشات حدودية وغارات جوية كادت أن تتحول إلى حرب شاملة بين الجارتين النوويتين، غير أن هذا الاتفاق لا يؤسس لانتهاء النزاع التاريخي الذي يعد اقليم كشمير المتنازع عليه بين البلدين سببه الرئيسي، والذي تتشعب منه الكثير من بؤر التوتر، التي تطفح على السطح بين الفينة والأخرى.
بداية النزاع
تعود البدايات الاولى للنزاع الهندي الباكستاني إلى العام 1947 عند تقسيم الهند إلى دولتين، إحداهما احتفظت بالاسم الاصلي، والاخرى أصبحت تحمل اسم باكستان.
وهذا النزاع الذي يعد من أكثر النزاعات تعقيدًا في العالم، يتركز حول قضايا الحدود، والهوية الدينية، ويدور في الغالب حول اقليم كشمير المقسم بين البلدين، وادى هذا النزاع المستمر إلى نشوب عدة حروب، أبرزها حروب الأعوام 1947 و1965 و1971.
سباق تسلح
وادى هذا النزاع الذي يحمل صفة الديمومة إلى سباق تسلح نووي بين البلدين خلال تسعينات القرن المنصرم، ما زاد من مخاطر الصراعات التي تحتدم بين الفينة والأخرى، ليس على البلدين، وانما على دول المحيط الإقليمي.
وعدت حرب كارجيل 1999 والهجوم على مومباي 2008 من أخطر الأزمات العسكرية بين نيودلهي واسلام آباد، لانها جاءت بعد امتلاك البلدين للسلاح النووي، ما يجعل توسع الصراع وامتداده مهددا للامن الاقليمي والدولي، ولذلك نجد ان دول المنطقة تسارع للاستعانة بالفاعلين الدوليين للتدخل لفض أي ازمة عسكرية تنشأ بين البلدين.
ارتباط
وان كانت بداية الصراع تعود إلى عام تقسيم الهند 1947 إلا أن الأسباب التي أدت إليه مرتبطة بالمستعمر البريطاني الذي احتل الهند الطبيعية مع نهاية القرن التاسع عشر، وظل فيها حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية، وعندما قرر مغادرتها تحت وقع الثورة السلمية النموذج في العالم والتي قادها غاندي، عمد إلى تقسيم البلد بما يبقي جذوة الصراع مشتعلة، متخذا من الهوية الدينية أساسا لابقاء النزاع مشتعلا بين الدولتين الوليدتين، جاعلا من جغرافية كشمير أرضا يدور حولها وفيها الصراع التاريخي، كما اتخذ من العرقية أساسا لنزاع انفصالي في العام 1971 أسفر عن استقلال البنغال (باكستان الشرقية) وتحويلها إلى دولة بنغلاديش الحالية، ومعها احتدم صراع هندي باكستاني.
خطوط رادكليف
أعد سيريل رادكليف رجل الاستخبارات البريطانية الذي يعمل محاميا خارطة التقسيم، رسمت خط الحدود في ولايتين كبيرتين يتساوى فيهما عدد الهندوس والمسلمين، وهما البنغال في الشرق والبنجاب في الغرب، وعندما تبينت طبيعة خط الحدود بين البلدين الوليدين، تفاجأ الهنود والباكستانيين.
أكلها العث
يومها قال محمد علي جناح، الملقب بالقائد الأعظم والذي أصبح حاكما عاما لباكستان بأنه حصل على باكستان "أكلها العث"، في اشارة الى أن الدولة المسلمة الجديدة تكونت من شطرين يفصل بينهما ألفا كيلومتر من الأراضي الهندية.
رادكليف أحرق كل وثائقه قبل أن يغادر الهند، ورغم تكريمه من قبل الحكومة البريطانية، لم يكن الرجل يشك في المشاعر الحقيقة التي يكنها له البنجابيون والبنغاليين.
وقال: "هناك 80 مليونا من البشر الغاضبين يبحثون عني، ولا أريد أن يعثرون علي". ومن يومها لم يعد السير سيريل رادكليف أبدا إلى الهند أو باكستان.
عنف غير مسبوق
التقسيم البريطاني للهند الطبيعية إلى هند وباكستان ولد من لحظة اعلانه عنفا غير مسبوق، وهو العنف الذي أصبح يندلع مرة بعد أخرى، والقضاء على بؤره تبدو عصية، لأن المستعمر رسم خطوط صراع، وليس خطوط حدود، فقبيل إعلان استقلال الدولتين، اندلعت صدامات بين الهندوس والمسلمين، لكن مستوى العنف الذي اندلع عقب التقسيم لم يكن متوقعا، ما يؤكد ان من رسم خطوط الحدود رسنها بعناية لإبقاء جذوة الصراع محتدمة، وبدأ ذلك جليا عندما أعلن قرار التقسيم، حيث نزح 12 مليون لاجئ على الأقل من إحدى الدولتين الى الدولة الأخرى، وقتل في العنف الطائفي نصف مليون الى مليون شخص على الأقل كما اختطف عشرات الآلاف من النسوة، وهذا الأمر كافيا بالنسبة لمن صنع خطوط الحدود ليضمن بقاء النزاع مستقبليا.
نزاع هيدرولوجي
الأمر ليس مرتبطا فقط بالنزاع الطائفي، وانما يتعداه الى خلق اشكالية تتمثل في حروب المياه، او النزاع الهيدرولوجي، ويتجلى هذا النوع من النزاع في منابع الأنهار، حيث تعد كشمير منبعًا رئيسيًا لعدة أنهار مهمة تتدفق نحو باكستان، وأهمها نهر السند وروافده، وبالتالي فإن السيطرة الهندية على كشمير تعني أن لديها نفوذاً على منابع هذه الأنهار، ما يثير مخاوف باكستان بشأن أمنها المائي.
وبسبب النزاع الهيدرولوجي المستمر بين الهند وباكستان منذ التقسيم، توصل البلدين إلى اتفاقية تقسيم مياه نهر السند في العام 1960، والتي وقعت برعاية البنك الدولي لتقاسم مياه النهر وانهار اخرى ثانوية مرتبطة به.
ورغم أن هذه الاتفاقية صمدت خلال الحروب بين البلدين، وما تزال نافذة إلى اليوم، إلا أنها تمثل احدى بؤر التوتر بين البلدين، فالهند تهددت أحيانًا بإعادة النظر فيها، خاصة في فترات التوتر، وهو ما يبرز البعد المائي في الصراع.
مشاريع مائية
ولعل أبرز ما يثير التوتر الهيدرولوجي هو مشاريع الهند على الأنهار الستة، حيث تبني نيودلهي سدود ومشاريع كهرومائية في كشمير، مثل سد باغليهار، وهو ما تعتبره باكستان تهديدًا لتدفق المياه نحو أراضيها الزراعية.
وبذلك فإن الصراع في كشمير ليس سببه الرئيسي المياه فقط، لكنه يتضمن بُعداً مائياً استراتيجياً مهماً، نظراً لحاجة باكستان الشديدة لهذه الموارد وتحكم الهند بمنابع الأنهار.
رسمت بعناية
ومما سبق يمكن القول أن بؤر الصراع بين الهند وباكستان رسمت بعناية من قبل المستعم بعد مغادرته للبلاد، وهي ديدن المستعمر البريطاني، والذي لا يغادر بلدا إلا وترك فيه مشاكل متعلقة بالحدود، وحتى تدفن الهند وباكستان بؤر الصراع ينبغي أن تولي البلدين اهمية قصوى للحوار بينهما تفضي في التوصل الى اتفاقات لردم هوة الخلافات في مختلف القضايا، ولن يتم ذلك إلا بمساعدة المحيط الإقليمي، لأن نشوب صراع بين الجارين النوويين سيؤدي الى الاضرار بهما، ويؤثر على تدفق سلاسل الغذاء، خاصة وأن الهند وباكستان تعد مصدرا مهما لواردات الأرز الذي تعتمد عليه دول المنطقة في أمنها الغذائي.