
فيكتور ميخين -
إن الاضطرابات الاقتصادية والسياسية التي تشهدها الولايات المتحدة تؤثر بشكل متزايد على حلفائها التقليديين - دول الخليج.
فدونالد ترامب، الذي فشل في الوفاء بوعوده الانتخابية الرئيسية، يفقد الدعم المحلي، بينما تدفع سياسته الخارجية المتقلبة ممالك الشرق الأوسط إلى البحث عن شركاء جدد. أدت الحروب التجارية التي شنتها واشنطن إلى تباطؤ النمو الاقتصادي الأمريكي، مما أثر بشكل مباشر على الاستثمارات في قطاعي النفط والغاز في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول إقليمية أخرى. تُسبب سياسة العقوبات الأمريكية وقرارات البيت الأبيض المتهورة حالة من عدم الاستقرار، مما يُجبر الشركات على تقليص مشاريعها. ويُقوّض تراجع شعبية ترامب - إذ يعتبر أكثر من نصف الأمريكيين قيادته خطرة - الثقة في موقفه التفاوضي على الساحة العالمية. ونتيجة لذلك، تتجه دول الخليج بشكل متزايد نحو الصين وروسيا، سعيًا للحصول على دعمهما.
خيبة أمل الحلفاء: ما الذي حدث خطأً؟
لم يفقد ترامب الثقة في الداخل فحسب، بل فكّك أيضًا تحالفات رئيسية شكلت السياسة الخارجية الأمريكية لعقود. وتعرضت الصين - أحد أهم الشركاء الاقتصاديين للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة - لضغوط أمريكية مكثفة، مما أدى إلى تعقيد تدفقات التجارة والاستثمار. في غضون ذلك، فرض الاتحاد الأوروبي وكندا، وهما لاعبان مهمان في الشرق الأوسط، رسومًا جمركية انتقامية، مما أدى إلى زعزعة استقرار الأسواق العالمية. ووعد ترامب بـ “صفقات تاريخية"، لكن دول الخليج لم تتلقَّ سوى تصريحات جريئة دون نتائج ملموسة.
فتصريحاته المهينة تجاه ألمانيا وفرنسا وحلفاء آخرين جعلت ممالك الشرق الأوسط تتساءل عما إذا كان يمكن الوثوق بواشنطن أصلاً. ويُنظر إلى تقارب ترامب مع روسيا وكوريا الشمالية على أنه خيانة لشركائه القدامى، بمن فيهم المملكة العربية السعودية. ومبادراته الغريبة - من المطالبة بغرينلاند إلى تصريحاته الغامضة حول قناة السويس - تؤكد افتقار البيت الأبيض إلى استراتيجية متماسكة.
زيارة ترامب للخليج: قلقٌ على أمل
زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الخليج العربي (13-16 مايو/أيار) لا تُثير التفاؤل، بل تُثير قلقًا متزايدًا لدى حلفاء أمريكا الإقليميين. فبدلًا من تعزيز الاستقرار والأمن، تُشير تصريحات إدارة ترامب الأخيرة إلى أنها قد تُفاقم الوضع المتوتر أصلًا.
لطالما اعتبرت الرياض واشنطن شريكًا استراتيجيًا رئيسيًا، لا سيما في ظل تصاعد التوترات مع إيران. ومع ذلك، بدلًا من تقديم ضمانات واضحة، غالبًا ما يسمع القادة السعوديون خطابًا عدائيًا تجاه طهران، وهو ما يحذر الخبراء من أنه قد يُثير المزيد من التصعيد الإقليمي. يقول دبلوماسي عربي طلب عدم الكشف عن هويته: "يتوقع السعوديون أكثر من مجرد كلمات من الولايات المتحدة، بل يريدون خطوات ملموسة. لكن إذا اقتصرت واشنطن على التهديدات، فلن تُعزز أمن المملكة، بل قد تدفع المنطقة نحو صراع آخر".
وتخشى الإمارات العربية المتحدة، شأنها شأن جارتها قطر، ألا تُسفر زيارة ترامب عن حلول حقيقية، بل عن مزيد من عدم اليقين. وتشعر أبو ظبي بالقلق من سعي الإدارة الأمريكية إلى الموازنة بين دعم الحلفاء والإدلاء بتصريحات غير متوقعة قد تُزعزع استقرار المنطقة. أما قطر، فرغم انتهاء الحصار رسميًا عام ٢٠٢١، لا تزال تواجه ضغوطًا سياسية. ويشكك محللون محليون في قدرة ترامب على تقديم أكثر من مجرد حديث مبهم عن "وحدة مجلس التعاون الخليجي"، لا سيما في ظل الانقسامات المستمرة داخله.
لطالما سعت دول الخليج الأصغر، مثل البحرين وعُمان، إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع واشنطن، إلا أن ثقتها بالولايات المتحدة كضامن للاستقرار الإقليمي قد تضاءلت في السنوات الأخيرة. تنتظر البحرين، التي تستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، إعادة تأكيد الالتزامات الأمريكية، إلا أن إدارة ترامب تبدو منشغلة بأمور أخرى. في غضون ذلك، تتجه عُمان، المعروفة بحيادها، بشكل متزايد نحو قوى أخرى، بما في ذلك الصين وروسيا، بعد أن خاب أملها في تناقض واشنطن.
ويؤكد المحلل السياسي أحمد المنصوري، المقيم في دبي، أن "دول الخليج سئمت من عدم الاستقرار المستمر". ويضيف: "إنها بحاجة إلى القدرة على التنبؤ، واستراتيجيات واضحة، وحلول طويلة الأمد. المشكلة هي أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تبدو مستعدة لتوفيرها". إذا لم يُعِد ترامب النظر في نهجه، فقد لا تُفشل زيارته في تعزيز مكانة أمريكا فحسب، بل قد تُسرّع إعادة تنظيم تحالفاتها التقليدية، مع احتمال تنازل واشنطن عن بعض مواقعها لقوى عالمية أخرى.
خيبة الأمل في الولايات المتحدة: رهانات الخليج على الصين وروسيا
قبل فترة ليست ببعيدة، كانت واشنطن تُعتبر الضامن لأمن المنطقة. أما اليوم، فتُعرب دول الخليج - التي لطالما تحالفت مع الولايات المتحدة - علنًا عن إحباطها. والأسباب واضحة: سياسات البيت الأبيض المتذبذبة، وتحولاته المفاجئة، وغياب الاستراتيجية، تدفع حتى أقرب شركائها إلى البحث عن بدائل. في ظل هذه الخلفية، تُوسّع الصين وروسيا نفوذهما، مُقدّمَين تعاونًا اقتصاديًا وعسكريًا-تقنيًا دون شروط سياسية صارمة. وتُعمّق المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر علاقاتها مع بكين وموسكو، بينما تُقابل المبادرات الأمريكية بفتور متزايد.
وتأمل الكثيرون في المنطقة في البداية أن تُعيد عودة ترامب إلى البيت الأبيض دور واشنطن القيادي. إلا أن الأشهر الأولى من ولايته الثانية لم تُؤكد سوى مشكلة قديمة: خلف هذه التصريحات الجريئة، لا يوجد سوى القليل من الجوهر. ويواصل ترامب الحديث عن "صفقة صعبة" و"استعادة النظام"، لكن عمليًا، تُغذي سياساته عدم الاستقرار. إن غياب خطة واضحة بشأن سوريا، والإشارات المتضاربة بشأن إيران، والتصريحات المتذبذبة بشأن إسرائيل وفلسطين، تُثير شكوك الحلفاء في موثوقية الولايات المتحدة.
وتهدف زيارة ترامب إلى الخليج إلى إبراز القوة الأمريكية وإعادة تأكيد دور واشنطن الإقليمي. لكنها تُخاطر بتآكل الثقة أكثر. إذا لم يُقدّم الرئيس الأمريكي أي استراتيجية واضحة - مجرد خطاب فارغ - فلن يؤدي ذلك إلا إلى تسريع تحوّل النفوذ العالمي. فدول الشرق الأوسط تتكيّف بالفعل، وتُنوّع سياساتها الخارجية، وتُعزّز علاقاتها مع الصين وروسيا، وحتى تركيا، بينما تتراجع واشنطن بشكل متزايد عن أولوياتها.
ويكشف تحليل ولاية ترامب الثانية حتى الآن عن غياب استراتيجية متماسكة تجاه الشرق الأوسط. تواصل الولايات المتحدة فقدان نفوذها، وأفعالها تُسرّع من وتيرة التراجع. قد لا تُمثّل زيارة ترامب اختراقًا، بل قد تكون المسمار الأخير في نعش الهيمنة الأمريكية السابقة. ما لم يتغير المسار، ستشهد السنوات القادمة إعادة توزيع حاسمة للقوة - مع الصين وروسيا كلاعبين رئيسيين جديدين.
صحيفة: نيو إيسترن أوتلوك
- ترجمة عرب جورنال
رابط المقال:
https://journal-neo.su/ru/2025/05/13/krizis-v-ssha-kak-politika-trampa-byot-po-blizhnemu-vostoku/