
تصاعدت الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا إلى مستوى جديد بعد قرار السلطات الجزائرية طرد مجموعة جديدة من الموظفين الفرنسيين، مما دفع باريس إلى التهديد برد "فوري وحازم". جاء ذلك في تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الفرنسية جان-نويل بارو، وصف فيها القرار الجزائري بأنه "غير مفهوم وحاد"، مؤكداً أن بلاده لن تتردد في الرد بالمثل.
وأوضح بارو، خلال زيارته لبلدة بونت-ليفيك غرب فرنسا، أن طرد موظفين كانوا في مهمة مؤقتة يعد إجراءً غير مبرر، مشيراً إلى أن فرنسا ستتخذ إجراءات مماثلة كما فعلت الشهر الماضي. وأضاف أن الرد الفرنسي سيكون متناسباً مع الضرر الذي لحق بمصالح بلاده، دون أن يكشف عن تفاصيل الإجراءات المتوقعة.
من جهتها، بررت الجزائر قرارها بالاستناد إلى مخالفات إجرائية ارتكبها الجانب الفرنسي، حيث اتهمت السلطات الجزائرية فرنسا بتعيين 15 موظفاً دون الحصول على الاعتماد الدبلوماسي المطلوب. كما أشارت إلى منح جوازات سفر دبلوماسية لموظفين غير معتمدين، بينهم عناصر من وزارة الداخلية الفرنسية، في انتهاك للاتفاقيات الدولية.
ويأتي هذا التصعيد في إطار أزمة دبلوماسية مستمرة بين البلدين منذ أشهر، بدأت عندما قررت الجزائر طرد 12 موظفاً فرنسياً في أبريل الماضي رداً على حبس مواطن جزائري في فرنسا. وكانت باريس قد ردت آنذاك باستدعاء سفيرها من الجزائر وطرد عدد مماثل من الدبلوماسيين الجزائريين، في خطوة غير مسبوقة منذ استقلال الجزائر عام 1962.
وتعقد الأزمة الحالية بسبب عدة ملفات خلافية عالقة، أبرزها قضية التعاون في مجال الهجرة وترحيل المطلوبين، التي تشكل أولوية للحكومة الفرنسية. كما تثير قضية الكاتب الفرانكو-جزائري بوعلام صنصال، المحكوم عليه بالسجن في الجزائر، توتراً إضافياً بين البلدين، حيث تضغط باريس للإفراج عنه بينما ترفض الجزائر أي تدخل في شؤونها القضائية.
على الصعيد الاقتصادي، تشهد العلاقات الثنائية تراجعاً ملحوظاً، مع انخفاض التبادل التجاري بنسبة 30% في الأشهر الأخيرة. وتتهم الجزائر فرنسا بالسعي للحفاظ على هيمنتها الاقتصادية، بينما تعبر باريس عن قلقها من السياسات الجزائرية التي تهدف -حسب زعمها- إلى تقليص النفوذ الفرنسي في البلاد.
في هذا السياق المتوتر، تبدو آفاق الحل بعيدة المنال، خاصة مع تصلب المواقف من الجانبين. فبينما تؤكد الجزائر على سيادتها وحقها في اتخاذ القرارات التي تحمي مصالحها، تصر فرنسا على ضرورة احترام القواعد الدبلوماسية المتبادلة. ويبقى السؤال المطروح هو مدى قدرة الطرفين على تجاوز هذه الأزمة التي تهدد بتعطيل المصالح المشتركة للبلدين الجارين.