
عرب جورنال / خالد الأشموري -
في ٢٥ أبريل من العام الجاري - نُشر للدكتور محسن محمد صالح -كاتب وباحث فلسطيني مقالاً بعنوان : " هذا ما تخطط له اسرائيل لمستقبل غزة " الجزيرة - نت أشار فيه إلى ان الإستراتيجية الإسرائيلية تعمل تجاه قطاع غزة ضمن ثلاثة أسقف أو مستويات : أعلى ، ووسط وأدنى بحسب إمكانية التحقيق. وفي كل الأحوال، فإن المشترك، على ما يبدو، في الأسقف الثلاثة، أي الحد الأدنى المستهدف، هو أن تكون غزة بلا سلاح، وبلا حماس!!أما السقف الأعلى فهو مرتبط بمشاريع احتلال قطاع غزة، وتهجير سكانه، وضمه أو ضمّ أجزاء منه، وإعادة تفعيل برامج الاستيطان، وحكمه بشكل مباشر أو غير مباشر.. وهو ما يعني ضمنًا القضاء على حماس، ونزع أسلحتها وأسلحة المقاومة وثمة الكثير من الحديث حول هذا السقف في أوساط اليمين المتطرف والصهيونية الدينية، وهو مدعوم بغطاء أميركي حيث كرر ترامب الدعوة لتهجير سكان القطاع.. أما السقف الوسط، فيتضمن الإبقاء على نقاط سيطرة في القطاع، والتحكم الظاهر أو غير الظاهر في المعابر، واستباحة أجواء القطاع وإمكانية عمل اقتحامات وضربات محددة، كما يحدث في الضفة الغربية، وحكم غزة بوجود قوات عربية ودولية أو سلطة رام الله، ولكن بمعايير إسرائيلية. مع سحب فكرة التهجير والضم والاستيطان، وتسهيل دخول الاحتياجات الأساسية للقطاع، وبعض من مستلزمات إعادة الإعمار، وبوجود برنامج حثيث لنزع أسلحة المقاومة، وتحييد حماس عن المشهد السياسي ومشهد إدارة القطاع..
سيسعى الطرف الإسرائيلي لتحقيق ما يمكن تحقيقه في السقفين؛ الأعلى والوسط، وفق ما يوفره الواقع الميداني والمعطيات على الأرض، غير أنه سيستخدم هذين السقفين كأدوات تفاوضية ضاغطة، إذا ما استمرت المقاومة في أدائها، سعيًا للوصول إلى الحد المستهدف،.. محدداً ١٢ عنصراً من الاستراتيجية الاسرائيلية و من خلال سياسة حكومة نتنياهو وجيشة في كيفية التعامل مع قطاع غزة حاضرا ومستقبلاً ، لخصها في النقاط التالية :
• محاولة استعادة الصورة التي فقدها الاحتلال الإسرائيلي، نتيجة الضربة القاسية التي تعرضت لها نظرية الأمن الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وفقدان قوة الردع، وتزعزُع ثقة التجمع الاستيطاني الصهيوني بها.
• محاولة إعادة تسويق الدور الوظيفي للاحتلال، كقلعة متقدمة وعصا غليظة للنفوذ الغربي في المنطقة؛ وكقوة جديرة بالثقة والاعتماد عليها لدى دول التطبيع العربي، خصوصًا في إدارة صراعها مع منافسيها في البيئة الإقليميّة.
• محاولة إحداث أقسى حالة "كي وعي" لدى الحاضنة الشعبية في قطاع غزة ولدى المقاومة، عبر استخدام القوة الساحقة الباطشة والمجازر البشعة للمدنيين، والتدمير الشامل للبيوت والبنى التحتية والمؤسسات الرسمية والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس والمزروعات وآبار المياه.. وغيرها؛ بعيدًا عن أي معايير قانونية أو أخلاقية أو سياسية، لمحاولة ترسيخ "عقدة" عدم تكرار هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول.
• استغلال بيئة الحرب لفرض تصورات "اليوم التالي" لحكم القطاع، وفق المعايير والضوابط الإسرائيلية.
• السعي للاستفادة من بيئة الحرب، لتمرير وتسريع مشاريع التهويد والتهجير في الضفة الغربية وقطاع غزة.
• السعي لتوسيع النظرية الأمنية الإسرائيلية، لتشمل في إطارها الرادع الفعَّال المحيط الإستراتيجي للكيان الصهيوني، لضمان استقرار الكيان وديمومته، حتى بعد إغلاق الملف الفلسطيني، حيث سبق أن كرر نتنياهو هذه الرؤية أكثر من مرة.
• رفع السقف التفاوضي مع المقاومة إلى مديات عالية جدًا، وإن لم يكن من الممكن تحقيقها، بهدف استخدامها كأدوات ضغط، وتوظيفها في العملية التفاوضية.
• محاولة تخفيف تأثير قضية الأسرى الصهاينة على الأثمان المدفوعة للمقاومة قدر الإمكان، سواء بمحاولة تحريرهم، أم بإطالة أمد التفاوض عليهم، أم بالتركيز على المنجزات المحتملة من استمرار الحرب، ولو تسبب ذلك بخسارة المزيد من الأسرى.
• الاستفادة من النفوذ والغطاء الأميركي قدر الإمكان، في البيئة الدولية ومجلس الأمن، وفي البيئة العربية، وفي الدور كوسيط، وفي مجالات الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي والإعلامي.
• الاستفادة قدر الإمكان من الضعف والخذلان العربي وكذلك الاستفادة من عدم فاعلية البيئة الدولية ومؤسساتها وفشلها، لتمرير الأجندة الإسرائيلية.
إطالة أمد الحرب ما أمكن، سعيًا لتحقيق أكبر منجز ممكن ضد المقاومة، وكذلك للإبقاء على تماسك الائتلاف المتطرف الحاكم لكيان الاحتلال، وتمرير أجنداته الداخلية، والتّهرب من السقوط وإمكانية المحاسبة.
• تعمد إخفاء الخسائر الحقيقية للجيش الإسرائيلي، واصطناع أكاذيب عن منجزاته، ومحاولة التعمية عن حالات التهرب الواسعة من الخدمة لدى قوات الاحتياط، والأزمات المرتبطة بالتجنيد وغيرها؛ سعيًا للإبقاء على بيئة داخلية داعمة للحرب.
تعمُّد نقض العهود والاتفاقات مع المقاومة، واستخدام ذلك في الابتزاز العسكري والسياسي والاقتصادي، والاستفادة من حالة الإنهاك والمعاناة في القطاع؛ لتشديد الحصار لتحقيق مكاسب إستراتيجية وتفاوضية، خصوصًا على حساب المقاومة.
وفي السياق وتحت هذا العنوان : مستقبل إسرائيل وفقاً لليمين المتطرف، ، نشر الباحثان نمرود فلاشينبرغ وألما يتسحاقي مقالاً، في 16 كانون الأول/ديسمبر 2024،) وفق مؤسسة الدراسات الفلسطينية في 24/ فبراير /2025م) أبرزا فيه كيف أن أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 عمقت الانحراف الفاشي للكيان الإسرائيلي المحتل فتلك الأحداث التي سلطت الضوء "على النزعات الكامنة في دولة إسرائيل، ولا سيما اعتمادها على الجيش وطابعها العرقي"، خلقت "شعوراً بانعدام الأمن ورؤية تشاؤمية للمستقبل"، كما أثارت "غضباً انتقامياً ضد الفلسطينيين"، مقدّرين أن الحرب التي تشنها حكومة بنيامين نتنياهو سيكون لها "العديد من العواقب المدمرة على المجتمع الإسرائيلي". ولدى تناولهما مظاهر تعمق الانحراف الفاشي في إسرائيل، توقف الباحثان عند ظاهرة تصاعد القمع الممارس على المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، وانتشار الأسلحة الفردية بين المدنيين على نطاق واسع، وتوسيع الحكم الاستعماري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، وتعاظم التوجّه نحو عسكرة الدولة.. ففي الأسابيع القليلة الأولى التي تلت السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أطلقت حكومة إسرائيل موجة واسعة من التحقيقات والاعتقالات ولوائح الاتهام ضد المواطنين الفلسطينيين المتهمين بـ "التحريض على العنف" و"دعم الإرهاب". وكان سبب اعتقال العديد منهم قيامهم بنشر "منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي، ولا سيما عبارات التعاطف والحزن إزاء معاناة سكان غزة". وتعرض الفلسطينيون "للتهديد في أماكن عملهم ومدارسهم وفي الأماكن العامة، مما أشاع جواً من الترهيب والرقابة، وانتشرت المضايقات بصورة خاصة في الجامعات . " وعلى صعيد توسيع الحكم الاستعماري، عمل وزير المالية والمسؤول عن الإدارة المدنية في الأراضي المحتلة، بتسلئيل سموتريتش، على تسريع الاستيطان في الضفة الغربية، بحيث "حطمت سنة 2024 أرقاماً قياسية جديدة في معدل المصادقة على مخططات لمبانٍ جديدة، ومحاولات إضفاء الشرعية بأثر رجعي على المنازل والبؤر الاستيطانية غير القانونية، بما في ذلك على أراضٍ مملوكة ملكية خاصة للفلسطينيين"، و"تمّ بناء أربع وعشرين بؤرة استيطانية جديدة منذ بداية الحرب وشق عشرات الطرق الجديدة.. وترافق هذا مع تجريد الفلسطينيين في قطاع غزة من إنسانيتهم، بصورة لا سابق لها، إذ "تتراوح ردود الفعل العامة على عمليات القتل والتجويع والإرهاب التي يتعرض لها سكان غزة بين هز الأكتاف والدعوات إلى القتل".
وفي 15 فبراير / ٢٠٢٤ ، كتب ألوف بن - رئيس تحرير صحيفه هآرتس مقال بعنوان : لماذا تتجه إسرائيل نحو التدمير الذاتي " اشار فيه إلى أن يوم 7 أكتوبر "كان أسوأ كارثة في تاريخ إسرائيل، ونقطة تحول وطنية وشخصية لكل من يعيش في البلاد أو يرتبط بها". ومع أن الجيش الإسرائيلي رد على ذلك الهجوم "بقوة ساحقة، فقتل آلاف الفلسطينيين ودمر أحياء بأكملها في غزة"، إلا أن الحكومة الإسرائيلية "لم تأخذ في الاعتبار الكراهية الكامنة وراء الهجوم، أو السياسات التي يمكن أن تمنع وقوع هجوم آخر"، مقدّراً أن إسرائيل كي تنعم بالسلام، "سوف يكون لزاماً عليها أخيراً أن تتصالح مع الفلسطينيين، وهو الأمر الذي عارضه نتنياهو طوال حياته المهنية، ذلك إنه كرس فترة ولايته كرئيس للوزراء، وهي الأطول في تاريخ إسرائيل، لتقويض وتهميش الحركة الوطنية الفلسطينية، ووعد شعبه بأنهم يستطيعون الازدهار من دون سلام"، وروّج فكرة أن إسرائيل "يمكن أن تستمر في احتلال الأراضي الفلسطينية إلى الأبد، دون أن يكلفها ذلك الكثير، سواء على المستوى الوطني أو الدولي؛ وحتى اليوم، بعد يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، لم يغير هذه الرسالة"، لكن إسرائيل –كما تابع رئيس تحرير "هآرتس"- "لم يعد في وسعها أن تكون عمياء إلى هذا الحد، إذ أثبتت هجمات 7 أكتوبر أن وعد نتنياهو كان أجوفاً، وأن الفلسطينيين، وعلى الرغم من تعثر عملية السلام وفقدان الدول الأخرى اهتمامها بهم، حافظوا على قضيتهم حية". وأجبرت صدمة السابع من أكتوبر الإسرائيليين مرة أخرى "على إدراك أن الصراع مع الفلسطينيين يشكل أهمية مركزية لهويتهم الوطنية ويشكل تهديداً لرفاهيتهم، ولا يمكن إهماله أو التهرب منه؛ واستمرار الاحتلال، وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والحصار المفروض على غزة، ورفض تقديم أي تسوية إقليمية (أو حتى الاعتراف بحقوق الفلسطينيين) لن يجلب للبلاد الأمن الدائم.
معرباً عن تشاؤمة تشاؤمه من بداية "حقبة مظلمة"، معتبراً أنه "سيكون من الصعب للغاية التعافي من هذه الحرب وتغيير المسار، ليس فقط لأن نتنياهو لا يريد حل الصراع الفلسطيني فحسب، بل لأن الحرب ضربت إسرائيل في الفترة الأكثر انقساماً في تاريخها، وفي السنوات التي سبقت الهجوم، تمزقت البلاد بسبب جهود نتنياهو لتقويض مؤسساتها الديمقراطية وتحويلها إلى دولة استبدادية قومية ثيوقراطية"، ومقدّراً أنه "من غير المرجح أن تجري إسرائيل نقاشاً جدياً حول التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين"، وذلك بعد أن "تحوّل الرأي العام الإسرائيلي ككل نحو اليمين" و "لن يكون هناك سوى القليل من الإرادة أو الحافز لاستئناف عملية سلام ذات معنى في المستقبل القريب.
ویری أبراهام بورغ - رئيس الكنيست السابق عن حزب العمل في مقالاً بعنوان : بعد الـ 7 من اكتوبر : غارقون في الكراهية والعنف واليأس" في 6 / أكتوبر / 2024م -عن ( مؤسسة الدراسات الفلسطينية ( فبراير - ٢0٢٥م (لاحظ فيه فيه أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي دام قرناً من الزمان، "بدأ يتغير في طبيعته، إذ أصبحت إسرائيل، في العقود الأخيرة، تعتقد أنه من الممكن إدارة الصراع من دون حله على الإطلاق"، معتمدة في ذلك على "الحفاظ على توازن دقيق للقوى من خلال مزيج من السيطرة العسكرية والإجراءات الأمنية والمساعدات الاقتصادية المحدودة للفلسطينيين"، مؤكداً أن هجوم حركة "حماس" تسبب في انهيار هذه الاستراتيجية و"حطم الوهم القائل بإمكانية الحفاظ على الوضع الراهن إلى أجل غير مسمى"، وبيّن أن "القناعة بأن التفوق التكنولوجي والردع العسكري يمكن أن يضمنا أمن البلد هي قناعة خاطئة، بحيث كان يوم السابع من أكتوبر بمثابة دعوة صادمة للاستيقاظ"، وأظهر خطأ "افتراض مفاده أن القوة العسكرية قادرة على احتواء رغبة الفلسطينيين في الاستقلال والحرية من خلال منع أي اتفاق سلمي معهم" وقال: أن السابع من أكتوبر أظهر أن "الاعتماد على القوة العسكرية وحدها له حدوده بالفعل"، إذ "فشلت العمليات المتعددة التي نُفذت في غزة في إرساء السلام أو الأمن الدائم"، و"أثارت الحرب أسئلة أخلاقية وسياسية حاسمة"، وخلقت فراغاً إيديولوجياً وسياسياً، جعل "الأفكار المتطرفة تكتسب المزيد من الأرض، وتدعو الأصوات الراديكالية إلى إعادة احتلال غزة، والطرد الجماعي للفلسطينيين من الضفة الغربية؛ وهذه الأفكار، التي كانت هامشية ذات يوم، أصبحت أكثر وأكثر أهمية، مدفوعة باليأس المتزايد.
وكان بورغ قد ذهب في مقال سابق في سبتمبر ٢٠٠٣، تحت عنوان (الثورة الصهيونية) في صحيفة (يديعوت أحرنوت( قال فيه : أن "الأمة الإسرائيلية ليست اليوم سوء خليط لا شكل له من الفساد والقمع والظلم " لامكان فيه للأخلاق المدنية والقانون ...وما نشهده راهنًا هو انفجار الوضع الأمني داخل إسرائيل وفي المحيط الجغرافي الذي تحتلّه إلى حد أنّ تكلفة الاستيطان أصبحت غالية وخطيرة بالنسبة للمهاجرين اليهود من دول العالم، كما أنّ الأحداث الأخيرة بيّنت أنّ القضية الفلسطينية لا تزال حيّة وقويّة في الوعي العربي والإنساني.. لا يمكن لإسرائيل أن تنتصر في حرب غزّة ولو تمكّنت من تدمير الأبنية وقتل المدنيين العزّل المأزق الذي تعيشه إسرائيل راهنًا هو أنها وصلت إلى الحدود القصوى للحلّ العسكري العنيف الذي فشل في تقويض القضية الفلسطينية من خلال الإبادة أو التهجير القسري.. وقد عبّر المفكّر الفرنسي برتراند بادي عن هذا المأزق بمقولة "عجز القوة" التي تعني أنّ الحروب الجديدة لا تقوم على موازين القوة الخشنة، وإنما تتحكّم فيها الموازين الاجتماعية وحالة الرأي العام، بما ينجم عنه في الغالب انتصار الضعيف على القوي في معركة تتم على أرضية الأهواء والمشاعر والصورة حرب غزّة الحالية تندرج في هذا السياق، وهي حرب لا يمكن لإسرائيل أن تنتصر فيها ولو تمكّنت من تدمير الأبنية وقتل المدنيين العزّل، بل ستؤدي حتمًا إلى تركيز الاهتمام مجددًا على المأساة الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني العادلة.
وفي مقال " لحسن نافعة " أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة – نُشر العام الماضي في 18/9/2024م (موقع الميادين – نت ) ذكر فيه عدد من الحقائق التي كشفت عنها حرب جيش الأحتلال على قطاع غزة وما أسفر عن الصراع الحالي مع الكيان الصهيوني والتي يمكن تلخيص أهمها على النحو التالي :
الحقيقة الأولى: أن الكيان الصهيوني مني بهزيمة نكراء في هذه الجولة التي ارتكب خلالها أبشع أنواع جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضدّ الإنسانية، ومن ثم ينبغي عليه أن يدفع ثمن ارتكابه لهذه الجرائم، مثلما دفعت ألمانيا من قبل ثمناً للجرائم التي ارتكبها النظام النازي في الحرب العالمية النازية، خصوصاً وأنه يلاحق قضائياً أمام محكمة العدل الدولية، بتهمة ارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، فضلاً عن أن رئيس وزرائه ووزير دفاعه معرّضون للملاحقة الجنائية أمام محكمة الجنايات الدولية، وذلك بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
الحقيقة الثانية: أنّ الهالة التي كانت تحيط بهذا الكيان سقطت إلى غير رجعة، وعلى الأصعدة كافة. فعلى الصعيد العسكري والأمني سقطت أسطورة "جيشه الذي لا يقهر"، وتبدّدت خرافة أجهزته الأمنية القادرة على الوصول إلى كلّ مكان وفي أي وقت. وعلى الصعيد السياسي تبيّن أن الطبيعة العنصرية للكيان لا تتسق أبداً مع ادعائه القائل بأنه واحة للديمقراطية في صحراء الاستبداد العربي. وعلى الصعيد الأخلاقي تبيّن أن الغاية عنده تبرّر الوسيلة وأن سلوكه الإجرامي مطلق وغير مقيّد بأي كوابح أخلاقية أو قانونية.
الحقيقة الثالثة: أنه كيان غير قادر على حماية نفسه، وأنّ حلفاءه الأميركيين والأوربيين عاجزون عن ردع أيّ من مكوّنات محور المقاومة. فعلى أيّ أساس يمكن للكيان أن يزعم بأنه قادر على حماية الآخرين، وعلى أيّ أساس يمكن لحلفائه الأميركيّين والأوربيين أن يزعموا أنهم وحدهم المؤهّلين للانفراد بقيادة النظام الدولي.
لكلّ ما تقدّم، يبدو لي أنّ حرب الكيان الصهيوني على قطاع غزة، والتي عجز عن حسمها لصالحه، أسهمت بدورها في إلقاء الضوء من جديد على حقيقة مفادها أن النظام الدولي أحادي القطبية في طريقه إلى الانهيار حتماً، إن لم يكن قد انهار بالفعل، وأن نظاماً دولياً متعدّد القطبية في طريقه للتشكّل، وأنّ بوسع "الجنوب العالمي" أن يؤدي دوراً مهماً في التعجيل بانهيار ما تبقّى من النظام العالمي أحادي القطبية والإسراع في بناء نظام عالمي جديد متعدد القطبية وأكثر عدالة في بنيته المؤسسية وقواعده القانونية والأخلاقية.
وفي السياق قال الكاتب العربي " أسعد أبو خليل " في محاضرة ألقاها في كلية لندن للإقتصاد والعلوم السياسية، نُشرت في " جريدة الأخبار " بعنوان : "فلسطين ومستقبل السياسة في العالم العربي" بتاريخ 15/ حزيران /2024م " تحدث فيها عن ماهو جديد في حرب غزة – نذكر أهم ما جاء فيها :
أوّلاً: ليست هذه الحرب جديدة إذا ما قسناها بأنماط تاريخيّة مِن العنف الجماعي والإرهاب الإسرائيلي وحتّى الصهيوني (قبل إنشاء الدولة). فرضية أنّ العرب لا يفهمون إلا لغة القوّة سمةٌ مِن السمات المبكرة للحركة الصهيونية.
ثانياً: ليس جديداً ما يجري لأنّ إسرائيل عندما ترتكب جرائمها فإنها تستطيع أن تعتمد على الدعم الغربي المطلق. الغرب ثابر على دعم وتغطية جرائم إسرائيل مهما كانت فظيعة. نلاحظ ذلك اليوم كما لاحظ العرب رعاية الاستعمار البريطاني للمشروع الصهيوني.
ثالثاً: ليس جديداً ما نلاحظه اليوم مِن ناحية الخداع الإسرائيلي والتلاعب بوسائل الإعلام الغربية، ويمكن أن نضيف العربية لأنّ التغلغل الصهيوني في الإعلام العربي انطلق بقوّة منذ تأسيس جريدة "الشرق الأوسط" ومحطة "العربية" )ويمكن إضافة وسائل إعلام أخرى خصوصاً محطّتي "إل بي سي" و"إم تي في" و"النهار" في لبنان).
رابعاً: ليس جديداً أن إسرائيل تستطيع أن تعتمد على الدعم الأمريكي المطلق لحمياتها من العقاب ومن المحاسبة .
خامساً: ليس جديداً ما شاهدناه مِن ناحية الخيانة العربية مِن قبَل كلّ الأنظمة وإنْ كان ذلك بدرجاتٍ متفاوتة: هي إمّا خانت أو هي خذلت أو هي تملّصت أو تنصّلت أو هي خافت مذعورةً مِن عقاب أميركي.