
عرب جورنال / كامل المعمري -
ما بين نيران صديقة، وتصادم مفاجئ، وسقوط متكرر للطائرات، تقف "ترومان" على حافة سجل عملياتي مثقل بالأعطال، كاشفة هشاشة الردع الأميركي حين يوضع تحت ضغط صراعات غير متماثلة.
اذ تواجه البحرية الأميركية موجة من التدقيق والانتقادات بعد تعرض إحدى أبرز حاملاتها، يو إس إس هاري إس ترومان، لسلسلة من الحوادث التشغيلية المتتالية، مما أثار تساؤلات جدية بشأن سلامة العمليات البحرية في البيئات القتالية المعقدة، خاصة في البحر الأحمر.
وفي أقل من نصف عام، سجلت الحاملة أربع حوادث رئيسية، شملت نيرانًا صديقة، تصادمًا بحريًا، وسقوط طائرتين مقاتلتين، ما يضع وحدة بحرية ذات رمزية استراتيجية عالية تحت المجهر.
ديسمبر 2024 – نيران صديقة
في أولى الحوادث، أسقطت المدمرة الأميركية "يو إس إس جيتيسبيرغ" بالخطأ طائرة F/A-18 سوبر هورنت تابعة لسرب "ريد ريبرز" أثناء تحليقها فوق البحر الأحمر. الحادث وُصف حينها بأنه نتيجة "خلل في التنسيق القتالي"، وأثار نقاشًا داخليًا في البحرية حول قواعد الاشتباك والسلامة بين الوحدات الجوية والبحرية.
فبراير 2025 – تصادم في المتوسط
بعد شهرين، تعرضت الحاملة لحادث تصادم مع سفينة تجارية أثناء عبورها البحر المتوسط. أسفر الحادث عن أضرار هيكلية، وأدى إلى إقالة القائد البحري ديف سنودن، وتعيين الكابتن كريستوفر هيل قائدًا جديدًا. تم تنفيذ إصلاحات طارئة قبل أن تُستأنف عمليات الحاملة لاحقًا في البحر الأحمر.
أواخر أبريل 2025 – سقوط من الحظيرة
وفي نهاية أبريل، سقطت طائرة F/A-18E من سطح الحاملة أثناء سحبها على رافعة الطائرات. وكان الحادث نتيجة مناورة مفاجئة لتفادي تهديد يُعتقد أنه ناجم عن إطلاق صاروخي حوثي. أصيب أحد أفراد الطاقم بجروح طفيفة، فيما لم يُسترد حطام الطائرة.
6 مايو 2025 – فشل في الهبوط الليلي
وفي أحدث الحوادث، سقطت طائرة F/A-18F في البحر أثناء محاولة هبوط ليلي على متن الحاملة. فشل خطاف الذيل في الإمساك بسلك الإيقاف، مما أدى إلى انزلاق الطائرة في البحر. نجا الطيار ومساعده بعد أن تم إنقاذهما بمروحية، وقد أُصيبا بجروح طفيفة.
رغم أن البحرية الأميركية أكدت أن الحاملة "هاري إس ترومان" ما تزال في وضع تشغيلي كامل، إلا أن توالي الحوادث بهذا الشكل، وفي مسرح عمليات واحد، يُعد استثنائياً.
المفارقة كانت في توقيت الحادث الأخير، الذي تزامن مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف الغارات في المنطقة، في رسالة ضمنية قد تعكس رغبة واشنطن في تجنب مزيد من الإحراج.
المحللون يرون في هذه الحوادث إشارة واضحة إلى عجز البحرية الأميركية عن التعامل مع نمط جديد من الصراعات منخفضة التكلفة وعالية التأثير، ويؤكدون أن العقيدة العسكرية الأميركية التي اعتادت على حروب مفتوحة ومكلفة، ربما تحتاج لإعادة تقييم جذري.
وهكذا، اصبحت الحاملة يو إس إس هاري ترومان شاهدًا عسكريًا على مأزق أميركا في البحر الأحمر. سلسلة الحوادث لم تكن طارئة ولا معزولة، بل كانت انعكاسا مباشرا لحالة إنهاك ميداني سببته الضربات المتواصلة والضغط العملياتي الذي مارسه الحوثيون بوسائل بسيطة وفعالة. من صواريخ دقيقة إلى طائرات مسيّرة تفرض الإرباك وتخلخل أنظمة الدفاع، أُجبرت ترومان على العمل تحت ضغط متواصل، فترنحت وفقدت توازنها التكتيكي.
فالتقنيات المتقدمة والميزانيات الضخمة لم تمنع سلسلة الانتكاسات، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول فعالية الجاهزية الأميركية في مواجهة خصم لا يعتمد على التفوق التكنولوجي وانما على حرب استنزاف ذكية ومباغتة.