
عرب جورنال / أنس القباطي -
اصبحت الطائفة الدرزية في الجولان السوري أداة اسرائيل للهيمنة على الجنوب السوري، وجعل العاصمة السورية دمشق تحت السيطرة النارية لجيش الاحتلال.
والجمعة 2 مايو/آيار 2025 ظهر نتنياهو على وسائل الإعلام مقدما اسرائيل بانها حامية للطائفة الدرزية. وقال نتنياهو إن الجيش الاسرائيلي قصف هدفا قرب القصر الرئاسي في دمشق، مشيرا الى ان الهجوم ردا على الانتهاكات التي يتعرض لها الدروز في الجنوب السوري، مجددا تعهده بحماية الأقلية الدرزية.
انتهاك السيادة
وبذلك فإن اسرائيل تستخدم الطائفة الدرزية لانتهاك السيادة السورية، وضرب ما تبقى من آليات وبنى تحتية للجيش السوري، فقد شن الطيران الحربي الاسرائيلي سلسلة غارات يومي الخميس والجمعة استهدفت بنى تحتية عسكرية في عدد من المحافظات السورية، وذلك بعد يومين من تعهد تل ابيب بحماية الدروز في سوريا من الحكومة التي تصفها بالاسلامية المتشددة.
يشكل الدروز في إسرائيل رابع جماعة دينيّة، ويعدون أقلية إثنية دينية بين المواطنين العرب في إسرائيل، وبينما يعتبر معظم الدروز الإسرائيليين أنفسهم عرباً من الناحية العرقية، تعترف الحكومة الإسرائيلية بهم كمجتمع منفصل عن العرب، وقد حصل الدروز في منطقة الجليل ومنطقة حيفا على الجنسية الإسرائيلية تلقائياً في العام 1948.
وينتشر الدروز في كل من سوريا ولبنان وفلسطين، إلى جانب مجتمعات محلية صغيرة في الأردن، وأقدم وأكبر المجتمعات الدرزية توجد في كل من جبل لبنان وجبل الدروز وجبل الكرمل.
أداة استهداف
وتركز إسرائيل على الروز باعتبارهم الادة التي يمكن استخدامها لاستهداف الدول التي ينتشرون فيها، وانتهاك سيادتها، تحت ذريعة حماية الدروز، مستغلة عددا من العوامل.
ويكشف المؤرخ الدرزي الراحل قيس بن فرو الأساليب والسياسات التي انتهجتها اسرائيل في صياغة الذاكرة الجماعية للدروز، بدءًا من إسحاق بن تسفي، أحد قادة الحركة الصهيونية والرئيس الثاني لإسرائيل، الذي أرسى مفهوم "حب الطائفة الدرزية لليهود"، معتمدًا على نظرية "المجموعات الصغيرة" التي عانت الاضطهاد، حيث عزلت الطائفة الدرزية في الجبال ولم تشهد أية تغيرات اقتصادية أو اجتماعية لكونها معزولة. وبالتالي، فإن التغلغل في قيمها ومبادئها يعتبر سهلًا نسبيًا، في الوقت الذي تمت فيه السيطرة فكريًا ومعرفيًا وماديًا على النخب والقيادات الدرزية.
تحويل المهن
ولذلك نجد ان قادة دولة الكيان عملوا على تحويل دروز فلسطين من ممتهنين للزراعة إلى محاربين في صفوف جيش الاحتلال، وهو توجه يشي باستخدام الدروز في الفتك بأبناء جلدتهم العرب، في إطار مخطط يهدف الى جر الدروز نحو اسرائيل، ووسيع التباعد بينهم وبين المجتمع العربي في بلدان الاقامة، تمهيدا لاستخدام الاقلية الدرزية في دول الطوق إلى بؤرة توتر تتيح لدولة الكيان التدخل في شؤون تلك الدول، كما يحصل اليوم مع دروز سوريا.
يبلغ عدد دروز فلسطين نحو 143 ألف نسمة، ويمتدون عبر مناطق الجليل والجولان السوري المحتل، وخلال حرب النكبة في عام 1948، احتلت العصابات الصهيونية ما نسبته 83% من أراضي الدروز، وحرمهم من وسيلة رزقهم الوحيدة: الزراعة التي يعتمدون عليها بنسبة 96%، وهنا بدأ مخطط قادة الدولة العبرية بتحويل الدرزي من مزارع إلى محارب في جيش الاحتلال، وبذلك تمكن القادة الصهاينة من رفع نسبة دروز فلسطين في الجيش الاسرائيلي إلى 85٪.
من مزارع إلى محارب
ورغم نجاح الصهاينة في تحويل دروز فلسطين إلى مقاتلين في صفوف جيش الاحتلال، إلا انهم فشلوا في اقناع دروز الجولان في الانضمام، ويبدو أن ما تقوم به القيادات العسكرية الصهيونية من اختراق للمجتمع الدرزي في الجولان، والادعاء بتحملها عبء حمايتهم، يرجع إلى مساعي تهدف لتحويلهم من منتجين إلى محاربين، وهو ما سيسهل عليها إحداث تغيير داخل أراضي الجولان التي تعرف بأرض القمح والبقر، فضلا عن أهميتها الهيدرولوجية باعتبار تلك المرتفعات روافد تغذي الأنهار والوديان والبحيرات في المنطقة.
أطماع جيوسياسية
ينطلق اهتمام القادة الصهاينة بالطائفية من اطماع جيوسياسية مرتبطة بالارض، لان تحول الدرزي إلى حامل بندقية يجعل خطره يزول على دولة الاحتلال، باعتبار أنه عندما يحمل البندقية سيدافع عن الأرض التي يقيم عليها ببندقية إسرائيلية، ولن يرى عدوه إلا ابن جلدته المختلف في الطائفة في الطائفة، في حين أن بقاؤه مزارعا سيجعله دائم الاحتكاك مع الجندي الذي يتواجد على ارضه، لأن الفلاح لا يولي الجوانب العسكرية والامنية اهتماما، بعكس اهتمامه بامانه الشخصي وسهولة الوصول إلى أرضه وخدمة محاصيله.
ولذلك سيظل قادة اسرائيل ينسجون المخططات وينشرون الفتن مستغلين جهل الدروز لتفجير مواجهات طائفية في الجولان، لاجبار دروزها على حمل السلاح الذي ستوفره لهم بسهولة، بما يؤدي إلى تحويلهم شركاء لها في الأمن، بمقابل التزامها سياسيا تجاههم وتبني مطالبهم.
تضخيم المخاوف
وتنظر اسرائيل لمناطق انتشار الدروز في سوريا ولبنان تحديدا على أنها مناطق ذات أهمية جيوسياسية، ولذلك تسعى لكسب ودهم وجرهم نحوها، من خلال تضخيم المخاوف الامنية لديهم، وتصوير المختلفين معهم في العقيدة من أبناء جلدتهم العرب بأنهم يشكلون خطر وجودي عليهم، وكلما حصل احتكاك معهم زاد الاسرائيليون في التقرب منهم.
حزام أمني اجتماعي
وفي المجمل تسعى اسرائيل لتحويل المجتمعات الدرزية إلى مناطق عمق امني تفصلها عن الطوائف الأخرى، تماما كما كانت الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية تستخدمان العرب الغساسنة والمناذرة لحمايتها من هجمات إخوانهم العرب، والمسألة هنا في العقيدة الجيوسياسية الاسرائيلية تهدف لتحويل الدروز إلى "حزام أمني اجتماعي"، من خلال تحويل الانسان إلى محارب يتكي على بندقية اسرائيلية ما يضمن وجودها بأمان على أرضه، بمبرر تقديم دعم للمجتمع، فيما هي في الحقيقة تكون قد سيطرت على الأرض، واوجدت عليها قوى مسلحة معارضة للنظام، أو على الأقل محايدة تجاهها.