مايو 3, 2025 - 19:24
أغلبية يهود أمريكا وخاصة الشباب ضد الإبادة وضد اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم طبقًا لـ(خطة ترامب)

عرب جورنال/ عبدالسلام التويتي - 

دولة «الكيان الصهيوني» التي أقامتها الصهيونية العالمية لكي تكون شوكة في خاصرة الأمة الإسلامية ظهرت إلى الوجود بعد ترويج فكرة تعرض اليهود في مختلف أنحاء أوروبا للاضطهاد وادعاء حرق الآلاف منهم أحياء.
وبالاستناد إلى تلك المظلومية المدَّعاة تعمل تلك العصابة الإجرامية على شحن النشء اليهودي بالعداء التام لأتباع «دين الإسلام» تمهيدًا لتجييش إمكانات اليهود -جيلًا بعد جيل- في جميع أنحاء العالم لاستئصال شأفة الفلسطينيين واستكمال السيطرة على كل شبرٍ في «فلسطين» التي يمثل استكمال السيطرة عليها تهيئةً لتحقيق الحلم التوراتي المتمثل في تملك ما بين «الفرات والنيل». 
بيد أنَّ ما ترتكبه قوات الكيان -منذ الـ7 من أكتوبر إلى الآن- من جرائم جلُّ ضحاياها من النساء والأطفال كشف للكثير من يهود العالم وفي مقدمتهم يهود أمريكا لا سيما شريحة الشباب حقيقة هذه الدولة التي تمارس في حق الفلسطينيين العزل أبشع صور الاحتلال.

مناهضة الحرب واتهام «الصهيونية» بالإرهاب

ردُّ دولة «الكيان الصهيوني» على هجوم الـ7 من أكتوبر البالغ العنف إلى مستوى جنوني وتحويلها «قطاع غزة» ذي الكثافة السكانية إلى لجَّةٍ نيرانية حتى صار أشبه بفوهةٍ بركانية زلزل كيان الإنسانيّة إلى أبعد الحدود، وجعل اليهود وبالذات «اليهود الأمريكان» الذين كانوا أكبر داعمٍ ماليٍّ لذلك «الكيان»، فسارعوا -في الأسابيع الأولى من ذلك الهجوم المحموم- إلى تنظيم المسيرات المناهضة للهجوم الصهيوني الوحشي، وإلى إصدار البيانات المنددة بما اعتبروه حرب الإبادة، وإلى التبرؤ من الصهيونية التي أقامت دولتها بالاغتصاب وصولًا إلى اتهامها بالإرهاب، وقد أشير إلى التحرك المبكر ليهود أمريكا ضدَّ الهجوم الصهيوني على «قطاع غزة» والدعوة المنصفة إلى ضرورة إيقافه في مستهل الخبر الصحفي التفصيلي المعنون [يهود أمريكيون يتظاهرون لوقف "الإبادة الجماعية" في غزة] الذي نشر في «عربي21» بتأريخ 16 أكتوبر 2023 بالتالي: (نظم يهود أمريكيون تظاهرات في نيويورك ومدن أخرى في الولايات المتحدة، للمطالبة بوقف الحرب على غزة، كما طالبوا بوقف المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل.
وألقيت خلال التظاهرات التي نظمتها يوم الجمعة منظمة "الصوت اليهودي من أجل السلام" -وهي منظمة مناهضة للصهيونية- أكثر من كلمة تذكر بمعاناة أهالي غزة التي وصفها أحد المتحدثين بـ"السجن الكبير" لنحو 2.2 مليون نسمة.
وهتف المتظاهرون الذين قدرت المنظمة عددهم بنحو ألفي متظاهر: "ليس باسمنا"، ورفعوا لافتة كبيرة كُتب عليها "اليهود يقولون أوقفوا الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين"، فيما رفع آخرون لافتات كتب عليها "الصهيونية إرهاب"، و"أوقفوا الفصل العنصري الإسرائيلي").

إبداء ارتياح لحظر تزويد «الكيان» بالسلاح

بعد مضي حوالي 9 أشهر من تعرض «قطاع غزة» لـ«حرب الإبادة» دون هوادة أصبح موقف الرئيس الأمريكي السابق «جو بايدن» في غاية الحرج، باعتباره المزود الأول بالأسلحة والذخائر التي تفتك بالمدنيين بشكلٍ أكثر من جائر وباعتبار «أمريكا» شريك شبه مباشر في ما ترتكبه «دولة الكيان» في حقِّ سكان «القطاع» المحاصر من مجازر.
وإزاء ذلك المأزق الإنساني والأخلاقي الذي وجد المتصهين «بايدن» نفسه واقعًا فيه أخذ يبحث عن مخرج يرفع عنه بعض ذلك الحرج، فبدأ -بين الحين والحين- بتذكير أو مطالبة حليفه النتن «بنيامين» بضرورة تحرري تقليل الخسائر أو الضحايا الجانبيين في أوساط المدنيين، بيد أنَّ «نتنياهو» كان يقابل تلك النصائح أو تلك المطالب بالكثير من الاستخفاف وعدم إبداء أيّ مستوى من التجاوب، فلم يسع «بايدن» -ولو من باب حفظ ماء الوجه- إلَّا اتخاذ قرار بتعليق أو إيقاف تدفق بعض الأسلحة الأمريكية إلى «دولة الكيان» بما في ذلك الذخائر المتسببة في رفع أعداد تلك الخسائر، فقوبل ذلك القرار من أكثرية «يهود أمريكا» لا سيما الشباب بالكثير من الترحاب، وذلك يفهم من استهلال التقرير التفصيلي المعنون [60 % من اليهود الأميركيين يؤيدون قيام دولة فلسطينية] الذي نشرته جريدة «الشرق الأوسط» في الـ2 من يونيو الماضي بما يلي: (كشفت دراسة أجراها «مركز القدس للشؤون العامة وشؤون الدولة» في تل أبيب، عن أنَّ اليهود الأميركيين يتأثرون بالخلافات المتفاقمة بين حكومتهم وإسرائيل، ويتخذون مواقف تختلف عن موقف الرأي العام الإسرائيلي، منها تأييد 52% منهم لفكرة معاقبة إسرائيل بوقف شحنات الأسلحة إليها، في حال دخلت في صدام سياسي مع البيت الأبيض.
وبحسب الدكتور «إسحاق مانسدورف» المبادر لهذا البحث الذي تولى رئاسة فريق الباحثين، فإنَّ معطيات هذه الدراسة تشير إلى «زيادة كبيرة في دعم يهود الولايات المتحدة لوجهات النظر المناهضة لإسرائيل»).
 
تصدي الشباب مدافعين عن «حرية فلسطين»

لقد كانت مساندة اليهود في العالم وفي طليعتهم يهود أمريكا لدولة «الكيان الصهيوني» اللامحدودة نتيجة منطقية لما كانت تضخه لهم مؤسسات الكيان الإعلامية والثقافية من توعيةٍ مغلوطة حملهم تأثيرها القوي على التحيز لدولة الكيان التي تمارس ضدَّ مدنيين عزل -بهدف الاستيلاء القسري على أرضهم- ممارسات تمييزية عنصرية وحشية لا تحتمل، ودفعهم إلى إضمار عداوة غير محدودة للشعب الفلسطيني لا لشيء إلَّا لسعيه لنيل حريته المفقودة.
بيد أنَّ الإجرام الذي تقترفه سلطات الكيان في حقِّ أطفال ونساء «قطاع غزة» -لأكثر من عام ونصف العام- كشف ليهود أمريكا وليهود العالم -وخاصة الشباب الواعي والمثقف- فداحة ما كانوا عليه من موقف، فانضم معظمهم إلى قوافل المنادين بـ«حرية فلسطين»، وذلك ما قد يستشف من احتواء التقرير التحليلي المعنون [ناشطون يهود يعتصمون أمام تمثال الحرية في نيويورك للمطالبة بوقف إطلاق النار في قطاع غزة] الذي نشره موقع «فرانس24» في الـ7 من نوفمبر 2023 على ما يلي: (احتل مئات الناشطين اليهود الأمريكيين التقدميين، الإثنين، بصورة سلمية تمثال الحرية في نيويورك، لمطالبة إسرائيل بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ووضع حد لما يتسبب به قصفها من "إبادة جماعية لمدنيين فلسطينيين في غزة".
وارتدى الناشطون -وجلهم من الشباب- قمصانًا سوداء طبعت عليها شعارات، من بينها "يهود يطالبون بوقف إطلاق النار الآن" و"ليس باسمنا".
ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها "العالم كله يراقب" و"يجب أن يتحرر الفلسطينيون" و"أوقفوا إطلاق النار الآن".
ونقل بيان عن «جاي سابر» من منظمة "الصوت اليهودي من أجل السلام" قوله إن "الكلمات الشهيرة لجدتنا اليهودية {الشاعرة الأمريكية من القرن التاسع عشر}«إيما لازاروس» المنقوشة على هذا النصب تجبرنا على العمل لدعم فلسطينيي غزة الذين يتطلعون إلى العيش أحرارا").
كما يستشف من موقف «هانا ستولزر» -وهي شابة أمريكية يهودية تبلغ من العمر 24 عامًا- الداعم بفخر -بحسب ما ورد في سياق التقرير التساؤلي المعنون [لماذا يناهض الكثير من الشباب اليهود الأمريكيين الصهيونية؟] الذي ترجمته «زينب إقبال» عن «ميدل إيست آي» لـ«نون بوست» ونشر في الـ10 من فبراير 2024- لـ(فلسطين الحرة)، وقولها -مستنكرة مبررات الصهاينة ما يرتكبونه من مجزرة-: (إنهم يستخدمون إبادة جماعية افتراضية لتبرير حدوث إبادة جماعية فعلية. إسرائيل ليست هي اليهودية، وتأييد فلسطين لا يعني معاداة السامية، الناس يدعمون «فلسطين» ليس لأنهم متحمسون لطرد اليهود، إنهم يدعمون «فلسطين» لأنها تستحق أن تكون حرة).

اعتبار خطة «ترامب» أعظم جرائم القرن

خطة «ترامب» التي طرحها -في الـ4 من فبراير الماضي- على بعض حلفائه العرب والرامية إلى إنهاء الحرب على «قطاع غزة» بتهجير سكانه، فيصبح القطاع -وفق ما يتصوره من مخطط- فرصة استثمارية أمريكية تحوله -على حدّ قوله- إلى «ريفييرا الشرق الأوسط»، خطةٌ جديرةٌ بالازدراء لدى اليهود كما هي مزدراة لدى أتباع الديانات الأخرى، إلَّا تلقفها من قبلهم -بالتحديد- بالازدراء تقيم الحجة بشكلٍ أقوى على «ترامب» وعلى «دولة الكيان» على حدٍّ سواء، كونه شهادة صادرة من ذوي قربى.
 وقد بلغ بـ«يهود أمريكا» ازدراؤهم لهذه الخطة البالغ الشدة حدَّ اعتبارها -بمنطقٍ رصين- أعظم جرائم القرن الحادي والعشرين، وذلك ما قد يفهم من استهلال  الكاتب «إبراهيم درويش» تقريره المقالي المعنون [يهود معارضون للصهيونية يحملون لافتات أثناء احتجاجهم خارج البيت الأبيض، خلال لقاء نتنياهو مع ترامب] الذي نشره في جريدة «القدس العربي» في الـ4 من فبراير الماضي الاستهلال التالي: (وقع أكثر من 350 حاخاما وناشطا يهوديا على إعلان أمريكي يهاجم خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة.
 ونشر الإعلان في صحيفة “نيويورك تايمز” بعنوان “لا للتطهير العرقي في غزة”. وأشارت صحيفة “الغارديان” في تقرير أعدته «مايا يانغ» إلى أنَّ الموقعين على الإعلان شجبوا خطة ترامب لتطهير غزة من سكانها.
وجاء في الإعلان الذي وقع عليه حاخامات من بينهم شارون بروس ورولي ماتالون وأليسا وايز، بالإضافة إلى مبدعين وناشطين يهود من بينهم توني كوشنر وإيلانا غلازر ونعومي كلاين ويواكيم فينيكس: “دعا ترامب إلى إبعاد جميع الفلسطينيين من غزة، الشعب اليهودي يقول لا للتطهير العرقي!”.
وقال بيتر بينارت، رئيس مجلة “جويش كارنتس” والذي وقع على الإعلان أيضا: “إنه لأمر مروع للغاية أن نرى الدرجة التي يكون بها الأشخاص الذين يتمتعون بشرعية واحترام كبيرين في مجتمعنا على استعداد لدعم شيء يعتبر أحد أعظم الجرائم في القرن الحادي والعشرين”.
وقال الحاخام يوسي بيرمان، مدير مشروع الكنيس الجديد في واشنطن العاصمة: ”إنَّ التعاليم اليهودية واضحة: ترامب ليس إلهًا، ولا يمكنه أن يسلب كرامة الفلسطينيين المتأصلة أو يسرق أرضهم من أجل صفقة عقارية“. إن رغبة ترامب في تطهير غزة عرقيًّا من الفلسطينيين أمر بغيض أخلاقيًّا).
 
تعاطف شباب اليهود الأمريكان مع «حماس»

خلافًا لأنظمة الهيمنة العالمية ولبعض الأنظمة المحسوبة علينا عربية في التعاطي مع حركة «حماس» على أنها «منظمة إرهابية»، يعتبرها شباب الطائفة اليهودية في أمريكا حركة مقاومة وطنية تتصدى لحرب الإبادة التي يتعرض لها شعبها من قبل القوات الاحتلالية الصهيونية، وقد ألمح إلى هذا المعنى بصورة ضمنية في مستهل السياق الخبري التفصيلي المعنون [استطلاع رأي إسرائيلي: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع "حماس"] الذي نشرته وكالة «قدس برس» في الـ3 من ديسمبر الماضي على النحو التالي: (كشف استطلاع رأي إسرائيلي أن 32% من الشبان اليهود في الخارج متعاطفون مع حركة "حماس"، و36% منهم يعتقدون أن «تل أبيب» ترتكب بالفعل إبادة جماعية في قطاع غزة.
وكشف الاستطلاع أيضا اختلافات كبيرة بين الشباب اليهود في الولايات المتحدة، وأولئك الذين يعيشون في بلدان أخرى، فيما يتعلق برأيهم بشأن حرب الإبادة بغزة و"حماس"، إذ تظهر البيانات أن 37% من الشباب اليهودي الأميركي يشعرون بالتعاطف مع "حماس"، في حين تنخفض النسبة إلى 7% فقط من الشباب في الدول الأخرى.
ويعتقد 42% من الشباب اليهودي الأميركي أنَّ إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة، مقارنة باعتقاد 9% فقط من الشباب اليهودي في دول أخرى، وفق النتائج ذاتها).
كما أشير إلى هذا المعنى بقدر كبير من الوضوح والجلاء في مستهل التقرير الإخباري التفصيلي المعنون [يهود أمريكيون يعلنون دعمهم لفلسطين والمقاومة في مواجهة الاحتلال] الذي نشر في الـ6 من ديسمبر 2024 في موقع «الجزيرة مباشر» بما يلي: (أعرب عدد من الشباب اليهود في الولايات المتحدة عن دعمهم الصريح للقضية الفلسطينية وللمقاومة في غزة في مواجهة عدوان الاحتلال الإسرائيلي، رافضين احتكار إسرائيل لتمثيل اليهود في العالم.
وفي لقاءات مع الجزيرة مباشر، أشار ناشطون من اليهود الأمريكيين إلى تحول سياسي واضح بين الشباب اليهودي في أمريكا، الذين أعلنوا بشكل واضح دعمهم لحقوق الفلسطينيين وتعاطفهم مع نضال الشعب الفلسطيني، بل وحتى تأييد حركة حماس بوصفها ممثلا للمقاومة ضد الاحتلال وضد ”الإبادة”.
وقال الناشط «إيتان غرونر» من منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام: “في تجربتي، أرى أنَّ الشباب اليهودي والشباب في أمريكا عمومًا يدعمون فلسطين بشكل هائل، وهذا تغيير سياسي إبجابي”).