مايو 1, 2025 - 16:16
صراع على شريان الحياة: مياه نهر السند بوابة اشتعال جديد بين الهند وباكستان


أروى حنيش


في منطقة تهتز على وقع التاريخ وتتشظى بين رواسب الاستعمار وتقلبات الجغرافيا، يعود شبح الحرب ليخيّم من جديد فوق شبه القارة الهندية.
وبينما لم يهدأ لهيب كشمير منذ عقود، تلوح أزمة مياه نهر السند كجبهة جديدة في نزاع باتت أدواته تمتد من البنادق إلى السدود، ومن الشعارات القومية إلى تهديدات نووية صريحة. فالهجوم الأخير في وادي "بيساران"، لم يفتح جراح كشمير فحسب، بل فجّر أيضًا واحدة من أكثر القضايا حساسية بين الجارتين النوويتين: مستقبل معاهدة مياه السند التي صمدت منذ ستين عامًا كأحد آخر صمامات الأمان في علاقتهما الهشة.


تهديد متبادل 


التهديد الهندي بإعادة النظر في المعاهدة، وردود الفعل الباكستانية الصارمة، يكشفان عن تحوّل استراتيجي في إدارة الخلاف، حيث لم يعد النزاع محصورًا في الأرض والسكان فقط، بل بات يدور أيضًا حول الموارد الحيوية التي تضمن استمرار الدولة والمجتمع، وتمنح السيادة معناها الملموس. ومع تغير المناخ، وزيادة الاحتياجات السكانية، وتحول المياه إلى سلعة نادرة واستراتيجية، تبدو الأزمة الحالية أكثر خطورة مما توحي به مؤشرات التصعيد التقليدية.


 كشمير: عقدة الجغرافيا والتاريخ


منذ لحظة التقسيم الدامي عام 1947، تحوّلت كشمير إلى اختبار دائم لفشل مشروع "تقسيم الهند" على أسس دينية. رغم الأغلبية المسلمة، وقع الإقليم تحت سيطرة الهند بسبب خيارات سياسية فرضها حاكم هندوسي مدعوم بغطاء عسكري. الحروب الثلاث، وقرارات مجلس الأمن غير المنفذة، والانتفاضات الشعبية المستمرة، جميعها شكّلت تراكمًا تاريخيًا من الاحتقان، جعل من كشمير مركزًا للتماس العسكري والديمغرافي والرمزي بين القوتين النوويتين.

الهجوم الأخير في وادي بيساران، والذي استهدف سياحًا هنودًا، ليس حدثًا معزولًا، بل هو نتيجة مباشرة لسياسات "الاستيطان الهندوسي" التي تسعى إلى تغيير الطابع الديموغرافي للإقليم. الردود الغاضبة من نيودلهي، والتي شملت إجراءات دبلوماسية وانتقامية، تتجاهل جذور الأزمة وتغذي سردية الأمن القومي الهندوسي التي تتبناها حكومة مودي، وهو ما يفتح الباب أمام دوامة انتقامية لا تضع حدًا للعنف بل تُعيد إنتاجه.


معاهدة مياه السند


طوال أكثر من ستة عقود، كانت اتفاقية مياه نهر السند، الموقعة عام 1960 برعاية البنك الدولي، تُعد من أكثر الاتفاقيات الدولية استقرارًا، حتى في أوقات الحرب. إذ منحت الأنهار الشرقية للهند، والغربية لباكستان، وأقامت آلية دائمة لحل النزاعات.
لكن إعلان نيودلهي نيتها تعليق الاتفاقية، بدعوى "تغير الظروف"، ليس قرارًا فنيًا، بل عمل سياسي يعكس رغبة في إعادة هندسة ميزان القوى المائية، وفرض وقائع جديدة على الأرض. باكستان، التي تعتمد على مياه السند في زراعتها وصناعتها، ترى في هذا القرار تهديدًا وجوديًا، لا يقل خطرًا عن الاجتياح العسكري. لذا لم يكن غريبًا أن تُعلن إسلام آباد أن أي مساس بتدفق المياه "يُعد عملًا حربيًا".


 المياه كسلاح

 
لطالما كانت المياه في جنوب آسيا موردًا استراتيجيًا أكثر منها عنصرًا طبيعياً. واليوم، مع تفاقم تغيّر المناخ وذوبان الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا، وتزايد الاحتياجات السكانية، لم تعد المياه أداة للتنمية فقط، بل أصبحت جزءًا من أدوات الصراع.
الهند، وهي تبني مزيدًا من السدود لتوليد الطاقة، تستخدم ورقة المياه للضغط على باكستان، في حين تخشى الأخيرة من تكرار سيناريو "الاختناق المائي" في دولة تُعد من بين أكثر الدول تأثرًا بتغير المناخ. الأسوأ من ذلك، أن الهند نفسها قد تواجه ضغوطًا مماثلة من الصين، التي تتحكم بمنابع نهر براهمابوترا، ما يجعل من فتح "جبهة المياه" خطوة محفوفة بمخاطر إقليمية متشابكة.


 ما بعد التصعيد


إذا ما استمر التصعيد، فإن المنطقة قد تقترب من نقطة اللاعودة. الحرب ليست مستبعدة، خاصة في ظل أجواء قومية متطرفة تسيطر على الخطاب العام في البلدين. لكن مع امتلاك الطرفين أسلحة نووية، فإن أي اشتباك مباشر ينطوي على خطر تفجر إقليمي لا تُحمد عقباه.
من جهة أخرى، لا تزال بعض صمامات الأمان قائمة، الضغط الدولي، الخوف من التبعات الاقتصادية، ووجود قنوات خلفية للاتصال. كما أن تعليق معاهدة المياه، رغم خطورته، قد يكون أداة ضغط تفاوضي أكثر من كونه قرارًا تنفيذياً نهائيًا.

وهكذا تحوّلت كشمير من ساحة نزاع جغرافي إلى مسرح لصراع شامل على الموارد والسيادة والتوازنات الإقليمية. فالمياه التي كانت رمزًا للتعاون أصبحت اليوم على حافة أن تُستغل كسلاح جيوسياسي، يعكس تحوّل أدوات القوة في عالم مضطرب. ومع كل يوم يمضي من دون حل جذري وعادل، تتآكل إمكانيات التهدئة وتتعزز احتمالات الانفجار.