
عرب جورنال/ عبدالسلام التويتي -
تأسست العصابة الصهيونية على أساس من الأنانية بهدف هدم كل القيم الإنسانية السوية، وما كان بالإمكان أن تؤسس «دولة الكيان» لولا اللجوء إلى أساليب التوائية وادعاء ما لا أساس له من المظلومية، فضلًا عن التغلغل في مفاصل الأنظمة الحكومية لا سيما ذات النفوذ الواسع والشديد التأثير في رسم السياسات العالمية، وبذل الجهود -بدعاوى الانتصار لمظالم اليهود- للارتقاء بالصهيونية والصهيونيين فوق كل التشريعات والقوانين بصورة انتقائية وإلزامية، إلى حدَّ أنَّ الأنظمة الغربية التي يتعاقب عليها -في الأغلب الأعمّ- مسؤولون إنجيليون «صهاينة مسيحيون» يشرعون القانون بعد القانون لتجريم ما يسمونه «معاداة السامية» تهدف جميعها إلى تكميم أفواه العرب والمسلمين والمتعاطفين معهم في أنحاء العالم عن الانتصار للقضايا العربية والإسلامية وانتقاد ما يمارسه الصهاينة في الأراضي الفلسطينية من أعمال وحشية إجرامية.
تجريم أمريكا للحياد وتحريم مجرد الانتقاد
كانت العصابة الصهيونية -إلى أن قابلت «طوفان الأقصى» بردود فعل وحشية لا تمت بأدنى صلة إلى الآدمية- تحظى بالكثير من التعاطفات العالمية، كما لو كانت -في ضوء ما كانت تضخه مكنتها الإعلامية- صاحبة مظلومية، وعند ما أزيح الستار -بعد أشهر من إمطار غزة ليل نهار بحمم النار دون أدنى تمييز بين الرجال والنساء والكبار والصغار- عن إجرام هذه العصابة المنقطع النظير والتأكد من أنَّ التخفي وراء يافطة المظلومية كان محض تزوير، استفاقت شريحة الشباب لا سيما الطلاب من غفلتها وبدأت الجامعات الأمريكية بالذات -منذ حوالي عام- تعجّ بالاعتصامات وبدأت شوارع المدن الأمريكية الرئيسة تضيق ذرعًا بالمظاهرات المنددة بكل ما يربط بين «أمريكا» وبين « دولة الكيان» من مظاهر التعاون وبتعاطي الحكومة الأمريكية مع المجازر الصهيونية في حق التجمعات السكانية الفلسطينية بالكثير من التهاون بل بأوضح صور الدعم والتضامن.
وإزاء تلك الضغوط الطلابية المتنامية لم يسع الإدارة الأمريكية الواقعة تحت تأثير وضغط اللوبي الصهيوني إلَّا أن تتصدى لتلك المظاهرات الطلابية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني المنددة بكل ما يمارس في حقه -من قبل السلطات الصهيونية ذات النزعة العنصرية- من مشاهد قتل يومية بكل الوسائل القمعية الانتقامية عامدة إلى فضِّ الاعتصامات الطلابية بأساليب صدامية ترهيبية واعتقال المئات من أصحاب الملكات التنظيمية القيادية وسجن بعض الوافدين لا سيما المحسوبين على فلسطين -على سبيل الترهيب- في زنازن انفرادية وتزوير الوثائق اللازمة لما من شأنه إدانتهم عند مثولهم في جلسات المحاكمة.
أما بعد إمساك «ترامب» بمقاليد السلطة في البلاد فقد شرع يتعامل مع من ثبت اشتراكهم في إقامة الاعتصامات في ساحات الجامعات أو تنظيم المظاهرات المنددة بالإبادة الجماعية التي ترتكبها القوات الصهيونية ضد التجمعات السكانية الفلسطينية بأساليب الجلَّاد، ويمارس هو وإدارته التي لا تقل عنه مغالاة في العنصرية وفي تجريم الحياد وتحرم مجرد الانتقاد ضد أولئك الطلاب كل أساليب الاضطهاد بدءًا بالاعتقال بطرق ترهيبية تتسم بالكثير من الإهانة والإذلال مرورًا بإلغاء تأشيرات الوافدين وفودًا قانونيًّا محددًا بأجل للدراسة أو العمل، وصولًا إلى استهدافهم -من دون العثور لتجريمهم على أيّ دليل- بالترحيل بأساليب تعسفية همجية لا تستند إلى أية مرجعيات قانونية، وحجتهم في كل ما يقترفونه في حقهم أنَّ ما أقاموه من اعتصامات في حدائق الجامعات وما قادوه في الشوارع والساحات من مظاهرات تنديدية بالمجازر الصهيونية الوحشية الإجرامية التي أزهقت وما تزال تزهق الأرواح الفلسطينية تندرج في سياق ما يطلقون عليه «جرائم معاداة السامية».
استغلال «نتنياهو» الأكذوبة لتحقيق مآربه
شماعة «معاداة السامية» التي رفعها الرئيس الأمريكي «جو بايدن» الذي غرب من مدة 5 أشهر أو أقرب، وخلفه في رفعها -بوتيرة أعلى- خلفه الأسوأ «دونالد ترامب» منحت أيقونة الإجرام «بنيامين نتنياهو» صلاحيات لا محدودة في مواصلة الحرب على «قطاع غزة» واستمرار إبادة من لم يسلم من سكانه بالهجرة القسرية، فقد تجاوز -في حربه على القطاع الشديد الازدحام بالسكان- أبشع الأساليب الوحشية التي اتبعت -على مدى تأريخ البشرية- لإبادة أية جماعة من بني الإنسان على مرِّ الأزمان وفي أيّ مكان كان، ففي ظل عجزه التام عن النيل من القوة المقاتلة التي تمثل الأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية المقاومة المنتشرة في كافة محافظات «قطاع غزة» عمد إلى التعامل مع القطاع -ببشره وشجره وحجره- بأساليب الأرض المحروقة مؤكدًا المرة تلو المرة على ما لم يعد خافيًا حتى أبناء جلدته من شدة حيوانيته ومروقه.
وحين بدأت الحملات الأمنية الأمريكية تطلق ضد التجمعات الطلابية المنددة بوحشية جيشه الصهيوني ضد سكان «قطاع غزة» الفلسطيني اعتبر الفرصة مواتية لتحريض السلطات الأمنية الأمريكية التي لا تحتاج إلى تحريض خارجي جديد على الضرب ضد من يزعمهم «أعداء السامية» بيد من حديد وعلى ممارسة المزيد من الأساليب القمعية ضد شريحة الشباب وبخاصة الطلاب باعتبارهم الشريحة الأمريكية المجتمعية الواعية، وذلك ما أشير إليه في سياق التقرير التحليلي التساؤلي المعنون [“مسمار جحا” لتشويه الاحتجاجات ضد إسرائيل.. كيف يتحول انتقاد الحرب على غزة إلى “معاداة السامية”؟] الذي نشر في «عربي بوست» مساء الـ26 من أبريل من العام الماضي بما يلي: (من جانبه، لم يفوِّت المستفيد الأكبر من استمرار الحرب على «غزة» رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» فرصة الانضمام إلى ركاب المحرضين على استئصال فكرة تأييد «فلسطين»، فقد انضم هو الآخر لمن يتباكون على "معاداة السامية"، وانتقد تلك المظاهرات الطلابية في أمريكا، واصمًا المشاركين فيها بـ"الإرهاب"، ومطالبًا بـ"سحق المظاهرات ومن يلتف حولها من الجمهور" على الفور).
تعاطيات يهودية مع الأكذوبة بحيادية
لأنَّ فكرة الصهيونية فكرة شيطانية ولا إنسانية، فها هي مزدراة ومستقبحة -حتى بعد الترويج لها مدة قرنين زمنيين وبضعة عقود- من قبل نسبة معتبرة من اليهود، فبقدر ما تذهب نخبة من اليهود المتدينين الذي يحرمون الخلط بين السياسة والدين إلى أنَّ إقامة «دولة الكيان» هي أكبر معصية ترتكب من قبل صهاينة اليهود للرب وأنها توجب نزول العقاب على النخب المستحقة للغضب، فإنَّ المنصفين من الساسة يستهجنون رفع شماعة أو أكذوبة «معاداة السامية» ويعتبرونها وسيلة من وسائل القوى الصهيونية لتكميم الأفواه عن المناداة بمحاكمة من يرتكبون من «آل صهيون» في حقِّ أطفال ونساء فلسطين واحدة من أبشع ما عرفته البشرية من حروب الإبادة، وذلك ما يمكن أن يفهم من احتواء التقرير التساؤلي الذي سبق الاستشهاد بفقرةٍ منه على ما يلي: (لكن السيناتور الأمريكي «بيرني ساندرز» اليهودي الديانة لم يفوٌّت -هو الآخر- الفرصة، فقد وجه نقدًا لاذعًا لادعاءات «نتنياهو» بأنَّ المظاهرات الداعمة لغزة وأهلها في الجامعات الأمريكية "معاداة للسامية".
فقد نشر -على منصة «إكس» يوم الخميس- ما يلي: "كلا، يا سيد نتنياهو، إنَّ تسليط الضوء على مجازر حكومتك المتطرفة التي قتلت أكثر من 34 ألف فلسطيني، 70 بالمائة منهم من النساء والأطفال، وجرحت أكثر من 77 ألفًا، خلال فترة قصيرة لا تتجاوز 6 أشهر، ليس معاداة للسامية أو تأييدًا لحماس".
"لا تستهزئ بذكاء الشعب الأمريكي عبر مساعيك لصرف انتباهنا عن السياسات العسكرية الفاشلة وغير الأخلاقية لحكومتك المتطرفة والعنصرية. لا تستخدم معاداة السامية لصرف الانتباه عن الاتهامات التي تواجهها من المحاكم الإسرائيلية).
وقد أشير إلى التعاطي اليهودي مع «أكذوبة معاداة السامية» بمنطقٍ حيادي في سياق مقال الكاتب «إبراهيم درويش» التحليلي المعنون [جماعة صهيونية أمريكية متطرفة تعد قوائم لإدارة ترامب بهدف ترحيل ناشطين مؤيدين لفلسطين] الذي نشره في جريدة «القدس العربي» في الـ7 من فبراير الماضي على النحو التالي: (وقال «جونا روبين» من منظمة “صوت اليهود من أجل السلام”، وهي منظمة يهودية أمريكية تقدمية تدافع عن حقوق الإنسان الفلسطينية: «إنَّ هذا الخلط بين الخطاب المنتقد لإسرائيل ومعاداة السامية أو دعم حماس لن يفعل الكثير لحماية اليهود في الولايات المتحدة من الكراهية. وقال روبين: “هذه السياسات لا علاقة لها بسلامة اليهود»).
اتهام «ترامب» بأنه يبيع لليهود الكذب
مع أنَّ معظم قرارات «ترامب» التي يتطاير شررها صوب بلدان الشرق والغرب تتسم بخصوصية مراعاة المصالح الصهيونية وتؤكد مغالاته في الصهينة، فإنَّ اتسامها -من ناحية ثانية- بالتهور واللاعقلانية تجعل إيجابيتها المدعاة غير مضمونة، فضلًا عن أنَّ حرصه على تطبيق شعاره المعلن على الملأ «أمريكا أولا» وحرصه -ما وسعه المجال- على فائدة أقطاب إدارته المنتمي معظمهم إلى طبقة «رجال الأعمال» قد يدفعانه إلى التضحية -في سبيل تحقيق أهدافه وأهداف أعضاء منظومة حكمه هدفًا هدفا- حتى بمصالح أقرب الحلفاء بما فيهم «دولة الكيان» محظية معظم الرؤساء الأمريكان، وهذه النقطة مأخوذة من بعض اليهود الأمريكيين -لا سيما الأكاديميين- في الحسبان، وقد تجسد هذا المعنى في استهلال تقرير «عربي21» التحليلي المعنون [كاتب يهودي: ترامب يبيع اليهود كذبة خطيرة ولا يحميهم من معاداة السامية] الذي نشر في الـ8 من أبريل الحالي الاستهلال التالي: (شدد رئيس جامعة "ويسليان" في الولايات المتحدة والكاتب اليهودي «مايكل روث» على أنَّ الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» يقوم ببيع اليهود "كذبة خطيرة ولا يحميهم من معاداة السامية"، منتقدًا التصعيد الذي يمارسه البيت الأبيض تجاه الطلاب والأكاديميين المناصرين لفلسطين).
وازداد المعنى وضوحًا في احتواء التقرير ذاته -في فقرتين من فقراته- على ما يلي: (وتابع الكاتب: "بصفتي أول رئيس يهودي لجامعة «كانت ميثودية» {منهاجية} سابقًا، لا أجد أيَّ عزاء في احتضان إدارة «ترامب» لشعبي، سواء في الجامعات أو في أي مكان آخر، فكراهية اليهود حقيقية، لكن مكافحة معاداة السامية اليوم ليست جهدًا مشروعًا لمحاربتها. إنها غطاء لمجموعة واسعة من الأجندات التي لا علاقة لها برفاهية الشعب اليهودي".
وشدد «مايكل روث» على أنَّ جميع هذه الأجندات: تفكيك الوظائف الحكومية الأساسية، إلى سحق استقلال المنظمات الثقافية والتعليمية، إلى تجريم الخطاب السياسي، إلى إضفاء الشرعية على الثارات الرئاسية التافهة، تعرض المبادئ والمؤسسات التي جعلت هذا البلد عظيمًا للخطر. وبالنسبة لليهود، فإنَّ عددًا من هذه الأجندات يفعل أكثر من ذلك: إنها تشكل تهديدًا مباشرًا للأشخاص الذين تدعي مساعدتهم. وسيكتشف اليهود الذين يشيدون بحملة الإدارة الصارمة -قريبًا- أنهم يفعلون ذلك وأنَّ الحملة ليست لصالحهم).