
عبدالرزاق علي ـ عرب جورنال:
في خضم التصعيد العسكري الأمريكي ضد اليمن، سلطت مجلة نيوزويك الأمريكية الضوء على ما وصفته بـ"الإخفاق الاستراتيجي المتجدد" للولايات المتحدة في التعامل مع الأزمة اليمنية، معتبرة أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تسير في خطى سلفه جو بايدن، لكن بـ"زخم أعنف، ونتائج أكثر ارتباكًا".
وفي تقرير تحليلي نشرته المجلة، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي دانيال ر. ديبيتريس أن حملة القصف التي تقودها واشنطن حاليًا ضد اليمن لا تختلف كثيرًا عن استراتيجية بايدن السابقة، مشددًا على أن المشكلة لا تكمن في طبيعة الضربات، بل في الافتراضات الخاطئة التي تستند إليها السياسات الأمريكية تجاه اليمن.
وفقًا للمقال، فإن البيت الأبيض يروّج لتحركاته العسكرية ضد صنعاء تحت عنوان "الردع والحزم"، لكنه، في الحقيقة، يعيد إنتاج الرهان ذاته الذي فشل في تحقيق أي إنجاز استراتيجي خلال إدارة بايدن: "الضغط العسكري المكثف سيجبر أنصار الله على التراجع".
ويرى ديبيتريس أن هذا التصور الاستراتيجي بات غير صالح، بل ومضلل، خصوصًا بعد التجربة الطويلة والمكلفة التي خاضتها السعودية ضد حركة أنصار الله، دون أن تنجح في تحجيمهم أو تغيير موازين القوى على الأرض.
ويشير التقرير إلى أن الرهان على القصف الجوي كوسيلة فعالة لإضعاف صنعاء، قد ثبت فشله عبر ثماني سنوات من الحرب، حتى اضطرت الرياض إلى البحث عن تسوية سياسية، بعد أن أصبحت الضربات الجوية عبئًا أكثر من كونها ورقة ضغط فعالة.
المجلة استعرضت تجربة التحالف بقيادة السعودية كنموذج واضح على حدود القوة الجوية أمام تنظيم عسكري غير تقليدي كأنصار الله. فرغم الدعم الأمريكي الكامل، والموارد المالية الضخمة التي سخّرتها الرياض، بقيت النتائج على الأرض محدودة، واضطرت السعودية في النهاية إلى تقليص مشاركتها والتفاوض مع صنعاء بشكل مباشر.
ويطرح الكاتب سؤالًا محوريًا في صلب التحليل: "إذا كانت الرياض، بكل إمكاناتها، لم تستطع كسر شوكة أنصار الله، فكيف يمكن لواشنطن أن تنجح بنفس الأدوات؟".
تكشف المجلة عن أن الولايات المتحدة دخلت في حرب استنزاف باهظة الكلفة، ليس فقط عسكريًا، بل سياسيًا أيضًا. فقد تم إنفاق أكثر من 200 مليون دولار خلال أسابيع قليلة فقط على الذخائر والعمليات، فيما قُدّرت الكلفة الكلية للحملة – بما في ذلك الوقود، وتشغيل الطائرات، والصواريخ الدفاعية – بأكثر من مليار دولار.
رغم هذا الإنفاق الضخم، تقول المجلة إن "النتائج الاستراتيجية ضئيلة جدًا"، مشيرة إلى أن قدرات أنصار الله لم تتراجع، بل إن الهجمات التي تستهدف الملاحة في البحر الأحمر مستمرة، بوتيرة عالية ومحددة الأهداف، وتُظهر مرونة وتخطيطًا لافتًا.
تلفت نيوزويك إلى أن التحليل الأمريكي لم يأخذ في الحسبان التغيير الجذري الذي طرأ على عقيدة أنصار الله العسكرية، والتي باتت تربط بشكل مباشر بين المعركة في البحر الأحمر والتصعيد في قطاع غزة.
وبحسب المقال، فإن قيادة صنعاء أعلنت بوضوح أن وقف عملياتها مرهون بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة وانسحاب قوات الاحتلال من القطاع. وهو ما يجعل أي محاولة أمريكية لعزل الجبهة اليمنية عن سياقها الإقليمي، محاولة محكومة بالفشل مسبقًا.
توصية المقال جاءت واضحة وصريحة: إذا كانت واشنطن ترغب في إنهاء التهديدات على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، فإن الطريق لا يمر عبر الجبال اليمنية، بل عبر وقف الحرب على غزة.
ويعتبر ديبيتريس أن إصرار إدارة ترامب على التصعيد العسكري، في ظل غياب أي حوار سياسي أو مسار دبلوماسي، يُعد بمثابة "استمرار في الخطأ"، بل قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة وتوسيع رقعتها الجغرافية لتشمل جبهات أخرى، قد تكون أكثر تعقيدًا وتأثيرًا على الأمن الإقليمي والدولي.
ويختم التقرير بدعوة واضحة إلى إدارة ترامب: "بدلًا من مواصلة الضغط على صنعاء، لماذا لا تُمارَس الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؟". ويذكّر الكاتب بأن نتنياهو كان قد تعهد في يناير الماضي بخفض التصعيد، لكنه لم ينفذ تلك التعهدات، وهو ما يجعل الولايات المتحدة مسؤولة عن فشل أي فرصة لتهدئة الأوضاع في البحر الأحمر.
ويضيف ديبيتريس: "التغاضي عن الترابط بين جبهتي غزة والبحر الأحمر ليس تجاهلًا فحسب، بل هو إنكار لحقيقة سياسية وعسكرية راسخة فرضتها التطورات الأخيرة".
في الخلاصة:
يرى مراقبون أن تحليل نيوزويك يعكس فشلًا متراكمًا في فهم تعقيدات المشهد اليمني، وخللًا استراتيجيًا في إدارة الملفات الإقليمية، حيث يبدو أن واشنطن تعيد تدوير أدوات أثبتت عجزها، بينما يتجاهل صناع القرار الأمريكيين الحقيقة التي باتت واضحة: صنعاء لا تُقصف… بل تُفهم.