
ترجمة وتحرير / نسيم الفيل - عرب جورنال
كشف تحقيق موسع أجرته صحيفة واشنطن بوست بالتعاون مع فريق من المراسلين، بما فيهم مريام بيرغر، لويزا لافلاك، إيموغين بايبر، حازم بلوشة، هاجر حرب، وأبي جيزمان، عن تفاصيل صادمة حول مقتل 14 مسعفاً فلسطينياً على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلية في حي تل السلطان برفح بقطاع غزة، ودفنهم في مقبرة جماعية مع حطام سيارات الإسعاف الخاصة بهم.
ووفقاً للتحقيق، الذي اعتمد على مقاطع فيديو، تسجيلات صوتية، شهادات شهود، وصور أقمار صناعية، فإن الرواية الإسرائيلية الرسمية، التي زعمت أن المسعفين قُتلوا بسبب "تحركات مشبوهة"، تتعارض مع الأدلة التي تكشف أنهم تعرضوا لإطلاق نار من مسافة قريبة، بينما كانت سياراتهم تحمل علامات إسعاف واضحة ويرتدون ملابس عاكسة تميزهم كفرق طوارئ.
تفاصيل الجريمة
في 22 آذار/مارس 2025، تعرض حي تل السلطان لقصف إسرائيلي عنيف، مما دفع فرق الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني إلى التوجه إلى المكان.
الساعة 3:50 صباحاً: انطلقت سيارة إسعاف أولى من خربة العدس شرق رفح لإنقاذ ضحايا القصف، وتمكنت من نقل ثلاث جثث إلى مستشفى ناصر قبل العودة إلى القاعدة.
الساعة 4:35 صباحاً: أُرسلت سيارة إسعاف ثانية، لكنها تعرضت لإطلاق نار، مما أدى إلى توقفها. منذر عابد، الناجي الوحيد من الطاقم، قال إن الجنود الإسرائيليين اعتقلوه بعد أن جرّوه من السيارة، وعذبوه، وسألوه عن علاقته بهجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
الساعة 4:50 صباحاً: عادت السيارة الأولى مع طاقمها (صلاح معمر، رائد الشريف، أشرف أبو لبدة) للبحث عن زملائهم المفقودين، لكنهم تعرضوا هم أيضاً لإطلاق نار.
الفيديو الذي فضح الجريمة
وسجل رفعت رضوان، أحد المسعفين، فيديو مدته 19 دقيقة يوثق اللحظات الأخيرة قبل مقتله، حيث ظهرت سيارات الإسعاف بأضوائها الحمراء المتوهجة، بينما كان هو وزملاؤه يحاولون إنقاذ المصابين.
في التسجيل، يُسمع رضوان يقول:"سامحيني يا أمي، هذا هو الطريق الذي اخترته لمساعدة الناس"، قبل أن يصرخ: "إنهم قادمون!"، ثم يُسمع إطلاق نار كثيف.
وأكد خبراء في الأدلة الجنائية الصوتية أن الجنود الإسرائيليين أطلقوا النار من مسافة 150 قدماً في البداية، ثم تقدموا إلى 50 قدماً، مما يناقض رواية (الجيش الإسرائيلي) التي زعمت أن القوات أطلقت النار "من بعيد".
الجيش الإسرائيلي يتهم المسعفين بـ"الإرهاب"
وزعمت الاحتلال الاسرائيلي في البداية أن السيارات المستهدفة كانت تابعة لـ"شرطة حماس" وتقل "إرهابيين"، لكن سجلات الاتصالات وتسجيلات الراديو أثبتت أنها كانت سيارات إسعاف تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني، كما ادعى الجيش أن أضواء الطوارئ لم تكن مضاءة، لكن الفيديو أظهر العكس.
وكشفت التحقيقات أن الوحدة المسؤولة عن الحادث هي لواء غولاني، حيث ظهر في فيديو بثته القناة 14 الإسرائيلية أحد قادة اللواء وهو يوجه جنوده بقوله: "كل من نواجهه عدو، إذا تم تحديد هوية شخص ما، نطلق النار عليه، ونقضي عليه، ثم نتقدم للأمام. لا تخلطوا الأمر".
وبعد أسبوع من اختفاء المسعفين، عثرت فرق الأمم المتحدة والدفاع المدني على جثثهم في مقبرة جماعية محفورة في الرمال خارج رفح، إلى جانب حطام سيارات الإسعاف.
وصرح جوناثان ويتال من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: "ننبش قبورهم وهم بزيهم الطبي وقفازاتهم. لقد جاءوا لإنقاذ الأرواح، لكنهم انتهوا في مقبرة جماعية".
هذه الواقعة تمثل انتهاكاً واضحاً لـ اتفاقيات جنيف، التي تحظر استهداف طواقم الإسعاف والطواقم الطبية أثناء النزاعات. ومع استمرار التحقيقات، تبقى الأسئلة مطروحة حول مدى مساءلة القادة الإسرائيليين عن هذه الجريمة.