
أروى حنيش
في السنوات الأخيرة، أصبحت السياسة التجارية أداة رئيسة في رسم ملامح العلاقات الدولية، لا سيما بين الولايات المتحدة والصين. ومن أبرز تجليات هذه السياسات ما قام به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من فرض تعريفات جمركية جديدة على السلع الاقتصادية الواردة إلى أمريكا من دول مختلفة، في خطوة مثيرة للجدل أثارت ردود فعل واسعة على الساحة الاقتصادية العالمية. تعكس هذه الإجراءات توجهًا جديدًا نحو الحماية الاقتصادية، لكنها في الوقت ذاته تثير تساؤلات حول آثارها الحقيقية على الاقتصادين الأكبر في العالم الصيني والأمريكي، وعلى الاستقرار التجاري الدولي.
تصعيد التوترات مع الصين
في إطار تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوم جمركية جديدة على الصين. هذه الخطوة تعتبر جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى حماية المصالح الاقتصادية الأمريكية وتقليص العجز التجاري مع الصين.
و قد تؤدي خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرسوم الجمركية المتبادلة إلى قلب التجارة العالمية رأساً على عقب بطريقة غير مسبوقة، حيث أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مسؤوليه في وقت سابق من هذا العام بتطوير التعريفات الجمركية المتبادلة على الواردات إلى الولايات المتحدة، وذلك في إطار الوفاء بوعده الانتخابي "العين بالعين" بشأن مسائل التجارة العالمية.
وقال ترامب للصحفيين في المكتب البيضاوي: "قررتُ، حرصاً على الإنصاف، أن أفرض تعريفة جمركية مضادة، أي أننا سنفرض أي رسوم تفرضها الدول على الولايات المتحدة الأمريكية. لا أكثر ولا أقل".
واتسمت عودة ترامب إلى البيت الأبيض بالعديد من الإعلانات بشأن التعريفات الجمركية، والعديد من التراجعات أيضاً. وشملت القرارات فرض ضريبة إضافية بنسبة 20 بالمئة على الواردات من الصين ، إلى جانب تعريفات جمركية بنسبة 25 بالمئة على السلع القادمة من كندا والمكسيك المجاورتين تم تعليقها على الأغلب في الوقت الحالي.
كما أعلن ترامب عن فرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألومنيوم،
المعادلة بالمثل
لدى ترامب اعتقاد راسخ بأن الولايات المتحدة تُعامل بشكل غير عادل في التجارة العالمية. ويزعم أن العديد من البلدان تفرض رسوماً جمركية أعلى على البضائع الأمريكية مقارنة بالرسوم التي تفرضها الولايات المتحدة على سلعها "بما يخلق اختلالاً في التوازن".
ويقول ترامب إنه يرغب في فرض الضرائب على الواردات الأجنبية بما يحقق مبدأ المعاملة بالمثل. وبالإضافة إلى إجبار القوى الكبرى، مثل الصين والاتحاد الأوروبي، على خفض رسومها الجمركية، يعتقد الرئيس أن التعريفات الجمركية سوف تعزز سياسته الاقتصادية "أمريكا أولاً" من خلال خفض العجز التجاري للبلاد مع تحسين القدرة التنافسية للمصنعين الأمريكيين.
وقال ترامب للصحفيين عند توقيعه على الرسوم الجمركية "هذا ينطبق على كل دولة، وفي الأساس، عندما يعاملوننا بشكل عادل، فإننا نعاملهم بشكل عادل".
ومع ذلك، أشار خبراء الاقتصاد إلى أن الولايات المتحدة تستفيد من وجود اختلالات تجارية كبيرة مع بقية العالم، حيث يتم استخدام الدولار، العملة الاحتياطية العالمية بحكم الأمر الواقع، في معظم التجارة، وهو ما يوفر رياحاً داعمة كبيرة للاقتصاد الأمريكي.
وتستخدم البلدان تلك الدولارات التي حصلت عليها من التجارة لاستثمارها مرة أخرى في الولايات المتحدة، وغالباً في السندات الحكومية والأسهم والعقارات. ويؤدي هذا إلى إبقاء أسعار الفائدة الأمريكية منخفضة والسماح للشركات والمستهلكين الأمريكيين بالاقتراض والإنفاق
تفاصيل الرسوم
الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب على الصين تشمل مجموعة واسعة من المنتجات والقطاعات الاقتصادية. تشمل هذه الرسوم:
- السلع الاستهلاكية : فرض رسوم جمركية على مجموعة واسعة من السلع الاستهلاكية المستوردة من الصين، بما في ذلك الأجهزة الإلكترونية، الملابس، والأحذية.
-التكنولوجيا والاتصالات: فرض رسوم جمركية على منتجات التكنولوجيا والاتصالات، بما في ذلك الهواتف الذكية، أجهزة الكمبيوتر، والمعدات الطبية.
- الصناعات الثقيلة : فرض رسوم جمركية على منتجات الصناعات الثقيلة، بما في ذلك السيارات، المعدات الثقيلة، والمواد الكيميائية
تأثيرات الرسوم الجمركية
الرسوم الجمركية الجديدة من المتوقع أن يكون لها تأثيرات كبيرة على الاقتصاد الصيني. بعض هذه التأثيرات تشمل:
- تباطؤ النمو الاقتصادي : فرض رسوم جمركية على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين.
- زيادة التكاليف على الشركات الصينية : الشركات الصينية التي تصدر منتجاتها إلى الولايات المتحدة ستكون مطالبة بدفع رسوم جمركية إضافية، مما قد يزيد من تكاليفها ويقلل من قدرتها التنافسية.
- تأثيرات على العمالة : قد تؤدي الرسوم الجمركية إلى تقليص العمالة في القطاعات التي تتأثر بالرسوم، خاصة في الصناعات التي تعتمد على التصدير إلى الولايات المتحدة.
الرسوم الجمركية الجديدة من المتوقع أن يكون لها تأثيرات على الاقتصاد العالمي أيضًا. بعض هذه التأثيرات تشمل:
- زيادة التوترات التجارية : فرض رسوم جمركية جديدة قد يؤدي إلى زيادة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، مما قد يؤثر على الاستقرار التجاري العالمي.
- تأثيرات على الأسواق المالية : الرسوم الجمركية الجديدة قد تؤدي إلى تقلبات في الأسواق المالية العالمية، حيث قد يتأثر المستثمرون بالتوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
- تأثيرات على سلاسل التوريد العالمية : قد تؤدي الرسوم الجمركية إلى تغييرات في سلاسل التوريد العالمية، حيث قد تسعى الشركات إلى تنويع مصادرها وتقليص اعتمادها على الصين.
المواطن الأمريكي من أكبر الخاسرين
روّج الرئيس الأمريكي لفكرة الرسوم الجمركية العالمية بأجواء احتفالية، مُحققا بذلك وعده الانتخابي بتحرير البلاد من ارتفاع الأسعار. وادّعى الرئيس أن "الأسعار انخفضت بشكل ملحوظ" منذ عودته إلى منصبه، لكن أي شخص زار أي متجر بقالة في مختلف الولايات الأميركية سيخالفه الرأي بالتأكيد، وفقا لصحيفة الغارديان.
ويرى الكثير من الخبراء أن الولايات المتحدة والمواطن الأمريكي من أهم المتضررين من رسوم ترامب الجمركية. وتخشى الشركات الأمريكية التأثير الأوسع لهذه الخطوة، إذ تحذر من أن ارتفاع التكاليف سينتقل إلى عملائها.
وصرح نيل برادلي، كبير مسؤولي السياسات في غرفة التجارة الأمريكية، وهي جماعة ضغط للشركات، بأن "ما سمعناه من شركات من جميع الأحجام والقطاعات ومن جميع أنحاء البلاد هو أن هذه التعريفات الجمركية الشاملة تُمثل زيادة ضريبية سترفع الأسعار على المستهلكين الأميركيين وتضر بالاقتصاد"، وفقا للغارديان.
في النهاية، يتضح أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب لم تكن مجرد أداة اقتصادية بل جزء من سياسة أوسع تحمل أبعادًا استراتيجية وجيوسياسية. وبينما هدفت إلى حماية الاقتصاد الأمريكي، فإن نتائجها شملت العالم بأسره، محدثة تحولات في سلاسل التوريد، وزيادة في التوترات التجارية، وعبئًا إضافيًا على المستهلكين. ومع استمرار التغيرات في السياسات الاقتصادية العالمية، يبقى التوازن بين الحماية والنمو هو التحدي الأكبر الذي يواجهه قادة العالم اليوم.