مارس 31, 2025 - 14:36
مارس 31, 2025 - 14:37
هل الشرق الأوسط قادم على مخطط استعماري لتفكيكه وإعادة رسم خرائطه الجغرافية ؟

 

عرب جورنال / توفيق سلاَّم  - 

في مشهد لم تعرفه المنطقة من قبل، تتصرف إسرائيل كأنها الحاكم المطلق، الجلاد والقاضي، ومالك الأرض، مدعومةً بغطاء أمريكي غير مسبوق. واشنطن منحتها تفويضًا مفتوحًا لإعادة رسم خرائط الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، وضمان تفوقها الاستراتيجي على كل المستويات، بدءًا بتوسيع عمقها الجغرافي وتأمين مصادر المياه، وصولًا إلى تفتيت المنطقة إلى كيانات متناحرة لا تسمح بقيام أي قوة قد تهدد وجودها. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كم من الوقت تحتاج تل أبيب لتنفيذ هذا المخطط؟ وما هو الدور الفعلي للولايات المتحدة في ضمان تحقيق هذا المشروع الجهنمي؟

يتجلى أمامنا مشهد أكثر وضوحًا مع تتالي الوقائع، حيث تنشغل القوى الكبرى بتقاسم النفوذ، بينما يدفع العرب الثمن. مصر، بجيشها الكبير، تحت المجهر، فهل هناك مخطط لتفكيكه؟ وهل يدرك العرب أن الولايات المتحدة لم تعد تكتفي بالتحكم في قراراتهم، بل تريد إعادة تشكيل شعوبهم وفق رؤى تخدم المشروع الصهيوني؟ يبدو أن الإجابة واضحة: أنهم  يدركون ذلك، وهم شركاء اللعبة.

منذ أن أزاحت واشنطن بريطانيا عن المشهد في الشرق الأوسط، تسلمت ملف الإسلام السياسي، وأوكلت الأدوار لتركيا الإخوانية والسعودية الوهابية. آل سعود موّلوا المدارس التي أنشأت أجيالًا تكفيرية، استُخدمت كأدوات في حروب واشنطن، بدءًا من أفغانستان وصولًا إلى سوريا والعراق. في المقابل، بقي الإخوان المسلمون في وضعية الانتظار، حتى جاء أردوغان ليعيد تحريك هذا المشروع وفق مقتضيات السياسة الأمريكية.

تمكنت واشنطن، عبر أدواتها، من توجيه الإسلام التكفيري لضرب الإسلام المقاوم. كانت النتيجة واضحة: بينما قدّمت المقاومة الإسلامية في لبنان وإيران آلاف الشهداء دفاعًا عن فلسطين، لم يطلق المتطرفون رصاصة واحدة ضد أمريكا أو إسرائيل، لقد جندوا  أنفسهم، في خدمة مشروع التفتيت الأمريكي.
أما على المستوى الجيوسياسي، فالمخطط يسير بدقة. تم إنهاك الشعوب عبر أنظمتها، وإغراقها في أزمات اقتصادية، ليتحقق السيناريو الذي تنبأت به غولدا مائير: "سيستيقظ العرب يومًا ليجدوا أبناء اليهود يحكمونهم". فمن المغرب إلى الخليج، نرى أنظمة باتت أقرب إلى تنفيذ أجندة تل أبيب منها إلى مصالح شعوبها.

تركيا، التي بدت يومًا وكأنها تملك هامشًا من الاستقلالية، دخلت بدورها في اللعبة. نجم الدين أربكان حاول التمرد على الهيمنة الأمريكية، فتم استبداله بساحر يجيد اللعب على التناقضات: رجب طيب أردوغان. الأخير، ورغم شعاراته الإسلامية، لم يكن سوى أداة بيد واشنطن وتل أبيب، بدءًا من توريط سوريا والعراق، وصولًا إلى تدخله في ليبيا وابتزاز السعودية تحت ذريعة دعم قطر. اليوم، يبدو أن موسكو وطهران قررتا تركه معلقًا بين السماء والأرض، فهل سيجد مخرجًا، أم أن ساعته قد دنت؟

وفي غمرة هذه التحولات، تتهيأ المنطقة لمرحلة جديدة من الفوضى. "طوفان الأقصى" لم يكن مجرد حدث عابر، بل بداية لمخطط إعادة رسم الحدود بالقوة. عودة ترامب إلى البيت الأبيض تعني استئناف مشروع تفكيك الدول وتوسيع إسرائيل. المقاومة في غزة تتعرض لحرب استنزاف، ولبنان في عين العاصفة، إذ تسعى إسرائيل إلى فرض معادلة جديدة في الجنوب، قد تصل إلى احتلال مناطق واسعة من الليطاني والبقاع الغربي، مستفيدة من الحصار الاقتصادي الذي يخنق حزب الله.
أما الأردن، المحاصر من جنوب سوريا والمحروم من موارده المائية، فقد يكون الوجهة التالية للمخطط، إذ تُهيَّأ الظروف لدفعه إلى قبول توطين الملايين من الفلسطينيين، ما سيؤدي إلى تغيير ديموغرافي جذري يقلب توازناته السياسية والاقتصادية.

وفي مصر، لا يبدو الوضع أقل خطورة. إسرائيل لن تقبل بوجود جيش عربي قوي على حدودها الجنوبية، وبالتالي فإن سيناريو تفكيك الدولة المصرية عبر أزمات داخلية وإقليمية يبدو مطروحًا بقوة، خاصة مع تورط القاهرة في صراعات مع إثيوبيا والسودان وتركيا. كل هذه الوقائع تشير إلى أن المنطقة على أبواب مرحلة جديدة من الصراع، حيث تتحرك واشنطن وتل أبيب لإعادة رسم الخارطة بما يخدم مصالحهما، بينما تبدو الأنظمة العربية عاجزة أو متواطئة. لبنان قد يكون الساحة التالية للانفجار، مع تصاعد التوتر بين القوى السياسية، في حين أن سوريا لا تزال في قلب العاصفة، حيث تُستخدم الجماعات التكفيرية كأدوات لضرب أي مشروع مقاوم.

تركيا الماكرة، بدورها، ليست في مأمن، فبعدما انقلب أردوغان على تحالفاته مع موسكو وطهران، وجد نفسه وحيدًا، تتقاذفه التهديدات الداخلية والخارجية لا سيما بعد إقدامه على اعتقال حاكم اسطنبول أكرم أوغلو المنافس له في الانتخابات الرئاسية وعدد كبير من المعارضين مما أدى إلى اشتعال أنقرة واسطنبول ومدن عديدة بالمظاهرات المليونية لأزمة واقع سياسي يقوده أردوغان إلى إغراق تركيا بالإضطرابات الداخلية. فهل يستطيع البقاء في السلطة، أم أن واشنطن تجهز البديل؟