مارس 20, 2025 - 22:07
الصراع الأمريكي-الصيني: مواجهة استراتيجية بين الاقتصاد والقوة العسكرية

أروى حنيش 


يمثل الصراع بين الولايات المتحدة والصين أحد أبرز التحولات الجيوسياسية في القرن الحادي والعشرين، حيث لم يعد مجرد تنافس اقتصادي أو تقني، بل أصبح مواجهة استراتيجية شاملة تشمل الأبعاد الاقتصادية، العسكرية، والتكنولوجية، مما يجعله أحد العوامل الحاسمة في إعادة تشكيل النظام العالمي. لم تكن الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي منذ الحرب العالمية الثانية موضع شك، لكن صعود الصين كقوة اقتصادية وتكنولوجية كبرى خلال العقود الأخيرة أعاد رسم موازين القوى، ليضع العالم أمام نموذجين متنافسين: الرأسمالية الليبرالية الأمريكية في مواجهة الرأسمالية الموجهة الصينية. مع وصول الصين إلى موقعها كثاني أكبر اقتصاد عالمي، وتوسع نفوذها في آسيا وإفريقيا، أصبحت المواجهة بين القوتين حتمية، حيث تدور رحاها في ساحات التجارة، التكنولوجيا، والاستراتيجيات العسكرية.

حرب تجارية

يبرز هذا الصراع بوضوح في الحرب التجارية التي أطلقتها إدارة ترامب عام 2018، واستمرار العقوبات الاقتصادية والتكنولوجية التي تستهدف الشركات الصينية، خاصة في مجال أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي. وفي الوقت نفسه، تتعزز المواجهة العسكرية عبر سباق التسلح والتوسع في المحيط الهادئ، حيث تسعى واشنطن إلى احتواء النفوذ الصيني، بينما تسعى بكين إلى فرض نفسها كقوة عظمى لا يمكن تجاوزها. في ظل هذا السياق، يصبح السؤال المطروح: هل يتجه العالم نحو حرب باردة جديدة، أم أن الطرفين قادران على التوصل إلى تفاهمات تحافظ على التوازن العالمي؟ الإجابة على هذا السؤال تعتمد على مدى قدرة كل طرف على إدارة التنافس دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة، وهو ما سيحدد مستقبل النظام الدولي خلال العقود القادمة.
المواجهة الاقتصادية والعسكرية بين أمريكا والصين هي واحدة من أهم التحديات التي تواجه العالم في القرن الحادي والعشرين. هذه المواجهة تتمحور حول عدة عوامل، بما في ذلك الصراع على السلطة الاقتصادية، والتنافس على التكنولوجيا، وعلى السيطرة والنفوذ الجيوسياسي في آسيا والمحيط الهادئ.

تاريخياً، كانت أمريكا هي القوة الاقتصادية والسياسية الرائدة في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لكن هذه السيادة بدأت تضمحل بفعل صعود قوى دولية منافسة في كافة المجالات. ففي السنوات الأخيرة، شهدت الصين نمواً اقتصاديًا سريعًا، مما جعلها تتبوأ مركز الصدارة في الصادرات الصينية إلى كثير من بلدان العالم في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، هذه الأسواق التجارية شكلت أسواق حصرية للصين، أو ذات سيادة مطلقة في التجارة الصينية، كل ذلك شكل تحديًا كبيرًا لأمريكا، وحتى لدول أوروبا الاستعمارية التي فقدت مصالحها، وإن لم يكن بشكل كلي، لكن تقلصت المنتجات والسلع الأوروبية بفعل المنافسة والجودة واسعار البضائع والمنتجات الصينية الزهيدة، مقارنة بأمثالها الأمريكية والأوروبية.
كل ذلك جعل الصين أن تتبوأ المراكز الأولى
في عام 2010، إذ أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، متجاوزة اليابان. وفي عام 2020، أصبحت الصين أكبر مصدر للسلع في العالم، متجاوزة الولايات المتحدة. وبناء على ماسبق، فإن الصراع الاقتصادي بين أمريكا والصين يمتد إلى عدة مجالات أهمها: 
1-الحرب التجارية، فمثلاً في عام 2018، فرضت إدارة ترامب رسوم جمركية على واردات الصين، مما أدى إلى ردود فعل قوية من قبل الصين التي فرضت هي الأخرى رسوم جمركية إضافية على المنتجات الأمريكية. لكن مثل هذه الحرب التجارية أثرت بشكل مباشر على الاقتصادات العالمية. 
2- يتنافس كلا البلدين على السيطرة على التكنولوجيا، خاصة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والطاقة المتجددة. بما في ذلك التتنافس بين البلدين على الاستثمار الأجنبي، خاصة في إفريقيا وآسيا. 3- هذا بالإضافة إلى تنافس القطبين الاقتصاديين على السيطرة والنفوذ الجيوسياسي في المحيطين الهندي والهادئ وفي منطقة شرق آسيا، إذ تسعى الولايات المتحدة إلى فرض ضغوطات على الدول الحليفة لها في شرق آسيا لتقليص واردتها مع الصين، وخاصة فيما يتعلق بأشباه المواصلات. وبالإضافة إلى الصراع الاقتصادي، هناك أيضًا صراع عسكري بين أمريكا والصين، تحاول أمريكا احتواء الصين، وتشكيل أخطار عليها، وفي هذا المنحى سعت إلى تشكل تحالفات عسكرية مثل "كواد" و"ايكواس"، ودعم تايوان سياسيا وعسكريا، وبناء قواعد عسكرية في الفلبين واليابان وكوريا الجنوبية، والسماح لهذه الدول بزيادة معدلات الانفاق العسكرية على ترسانتها العسكرية والبرامج النووية.
فالصراع العسكري أخذ اتجاه تصعيدي، وهو يمثل عودة إلى الحرب الباردة وسباق التسلح، وأهم اتجاهات هذا السباق في تطوير القدرات البحرية، والبوارج والغواصات النووية. والاستخدام العسكري للفضاء على نطاق واسع، وإطلاق الأقمار الصناعية ذات الاغراض المختلفة من بينها التجسسية.

وأخيرًا، يمثل الصراع الأمريكي-الصيني أحد أخطر التحديات التي تواجه النظام الدولي اليوم، إذ تجاوز كونه مجرد تنافس اقتصادي إلى مواجهة استراتيجية ذات أبعاد عسكرية وتقنية وجيوسياسية. وبينما تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على موقعها المهيمن عالميًا، تعمل الصين على ترسيخ نفوذها كقوة عظمى لا يمكن تجاوزها. هذا الصراع لا يقتصر على البلدين فحسب، بل ينعكس على الاقتصاد العالمي، وعلى مواقف القوى الإقليمية والدولية التي تجد نفسها مضطرة إلى إعادة ترتيب تحالفاتها وفقاً لمصالحها الاستراتيجية.
 استمرار هذا التصعيد دون وجود آليات واضحة لإدارته قد يقود إلى إعادة تشكيل النظام العالمي بطريقة غير متوقعة، وربما يسرّع من ظهور عالم متعدد الأقطاب. ومع تصاعد التوترات العسكرية في المحيط الهادئ، واستمرار الحروب التجارية والتكنولوجية، يبقى التساؤل الأهم: هل ستتمكن القوتان من تجنب المواجهة المباشرة، أم أن العالم مقبل على صراع مفتوح يعيد للأذهان أجواء الحرب الباردة، ولكن في سياق أكثر تعقيدًا وتداخلاً؟