مارس 19, 2025 - 22:24
العلاقات الصينية الروسية الإيرانية ..  صداقة بلا حدود أم شراكة إستراتيجية ؟


خالد الأشموري -
على الرغم من الوقت القصير الذي أستغرقه إعداد البيان المشترك للاجتماع الثلاثي بين الصين وروسيا وإيران، الذي استضافته العاصمة الصينية " بكين " الجمعة 14/مارس / 2025م ، بشأن الملف النووي الإيراني برئاسة نائب وزير الخارجية الصيني  "ماتشاورشو" وبحضور نواب وزراء خارجية روسيا وإيران .. يمكن القول أن الاجتماع بين الثلاث الدول في بكين, والمناورات البحرية العسكرية في المحيط الهندي وبالتحديد في ميناء " تشابهار" يشيران وفي هذا التوقيت بالتحديد بأن ثمة رسائل سعت الدول الثلاث إيصالها إلى الغرب والولايات المتحدة الأمريكية في ظل رئاسة الرئيس ترامب ، فضلاً عن التطورات الإقليمية التي تشهدها المنطقة والتي تعد إيران رقماً صعباً فيها.. حيث أنطوى بيان اجتماع بكين في مجملة على عدة رسائل لعل أهمها:
-    تأكيد روسيا والصين وإيران على ضرورة إلغاء كافة العقوبات الأحادية غير القانونية.
-     ضرورة التفاعل والحوار السياسي والدبلوماسي على أساس مبدأ الاحترام المتبادل، وهو الخيار العملي الوحيد في هذا المجال .
-    يجب على الأطراف المعنية أن تلتزم بمعالجة الأسباب الجذرية للوضع الحالي والتخلي عن العقوبات أو الضغط أو التهديد باستخدام القوة , وإلى أهمية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231، بما في ذلك الجداول الزمنية الواردة فيه.
-    دعوة الأطراف المعنية لتجنب أي عمل من شأنه تصعيد الوضع من أجل تهيئة الأجواء والظروف المناسبة للجهود الدبلوماسية.
وفيما شددت الدول الثلاث على أهمية احترام معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية باعتبارها حجر الزاوية في النظام الدولي لعدم انتشار الأسلحة النووية ,فيما رحبت الصين وروسيا بإعادة تأكيد إيران أن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية حصراً وليس لإنتاج الأسلحة النووية”، كما رحبتا “بالتزام إيران بالامتثال الكامل لالتزاماتها بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية واتفاق الضمانات الشاملة.. وأيّد البيان الثلاثي المشترك “سياسة إيران الرامية إلى مواصلة التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ,وشدد على ضرورة الاحترام الكامل لحق إيران، باعتبارها دولة عضو في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية وعلى تجنب كافة الحكومات أي عمل من شأنه تقويض النشاط الفني والمحايد والموضوعي للوكالة الدولية للطاقة الذرية , كما تبادلت الدول الثلاث وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، واتفقوا على الحفاظ على تعاونهما وتعزيزه في المنظمات الدولية والترتيبات متعددة الأطراف، مثل منظمة شانغهاي للتعاون وبريكس .
وثمة دلالة مهمة تتعلق بالمناورات البحرية المشتركة بين الثلاث الدول.. وبحسب وكالة تسنيم الإيرانية – فقد أعنلت الدول المشتركة بدء المناورات في الأسبوع الماضي في ميناء "تشابهار " المطل على المحيط الهندي والذي لا يمثل مجرد قاعدة بحرية إيرانية ، بل نقطة محورية في المشروعات الاقتصادية الإقليمية ، كما يتمتع بأهمية جغرافية تجعله مركزاً لطرق التجارة الدولية.. وبحسب المحلليين السياسيين والعسكريين : فإن حدث المناورات العسكرية بين الثلاث الدول روسيا والصين وإيران في هذا التوقيت تحديداً لا يقتصر على البعد العسكري بل يتداخل مع سياقات سياسية واقتصادية تعكس أولويات الدول المشاركة فيه، خاصة في ظل تصاعد الضغوط الغربية على هذه القوى وسعيها لتعزيز شراكاتها الدفاعية في مواجهة التحديات المتزايدة.وكذلك من حيث موقع المناورات الذي يضفي بعداً إستراتيجياً خاصاً.
 وفي إجابة على تساؤل وكالة تسنيم- حول ما إذا كان اختيار هذا الموقع يعكس توجهًا لتعزيز النفوذ البحري الإيراني، أو أنه يحمل في طياته رسائل أوسع تتجاوز الحدود الإقليمية لتشمل موازين القوى العالمية ؟ يمكن القول: أن التهديدات الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشن عمل عسكري ضد إيران إن استمرت برفض التفاوض حيث تفضى المناورات بعداً إضافياً يتجاوز الأبعاد العسكرية التقليدية إلى رسائل سياسية واضحة .. وبالنظر إلى الظروف الدولية الراهنة، فإن هذا التطور يثير اهتمام الأوساط السياسية والعسكرية، حيث يتزامن مع عزلة دولية متزايدة تواجهها روسيا نتيجة حربها في أوكرانيا، إلى جانب التنافس الحاد بين الصين والولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادي.
وفي سياق أوسع من مجرد الحديث عن الظروف الدولية الراهنة فإن تنفيذ المناورات البحرية الثلاثية عوامل مهمة للأطراف المشاركة في إطار التعاون العسكري، وحدثاً يحمل أبعاداً متعددة على المستويين الإقليمي والدولي.. وهناك رؤى ثاقبة وعقلانية لعدد من القيادات العسكرية الإيرانية حول هذه العوامل المجتمعة الوارد ذكرها – القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني حسين كنعاني يرى: أن هذه المناورات في" تشابهار" تأتي ردا على تهديدات ترامب بشن هجوم على إيران، لافتا إلى أنه على ترامب أن يعلم أن إيران ليست وحيدة والدول الحليفة مثل روسيا والصين حاضرة إلى جانبها، وأن شن هجوم عسكري على إيران يعني الهجوم على الصين وروسيا، على حد قوله.
كما أوضح في حديث للجزيرة نت، أنه بناء على الاتفاقيات طويلة المدى بين إيران والصين (25 سنة) وروسيا (20 سنة والتي تتضمن بعض التعاون العسكري والأمني والمخابراتي كما تضم مناورات ثلاثية مشتركة بين البلدان الثلاثة ووفقا لجدول معين، تنظم  مناورات كل فترة معينة بين هذه البلدان.
وأردف كنعاني "أن رسالة هذه المناورات واضحة وهي أن دول آسيا القوية ومنها الصين وروسيا وإيران وكذلك الدول الراغبة بالتعاون لتأمين أمان المنطقة قادرة على فعل ذلك".
وقال عارف دهقاندار – خبير الأمن الدولي – في حديث للجزيرة نت : أن اختيار ميناء تشابهار لإجراء المناورات المشتركة بين إيران والصين وروسيا ينبع من الأهمية الجيوستراتيجية لهذه المنطقة ، وأن تشابهار، باعتباره الميناء الإيراني الوحيد المطل على المحيط، يوفر وصولا مباشرا إلى المياه الحرة، ويقع في موقع إستراتيجي بالقرب من المحيط الهندي، ما يجعله نقطة محورية في التحكم في طرق التجارة البحرية وبوابة حيوية للوصول إلى أسواق آسيا الوسطى وهو أي الميناء، يُعد جزءًا من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، كما يكتسب أهمية خاصة لروسيا التي تسعى إلى توسيع وجودها في المياه الدافئة، كما أشار إلى أن وجود هذه القوى الثلاث في تشابهار قد يحمل رسالة معينة إلى واشنطن وإدارة ترامب، لاسيما في ظل اعتبار الهند شريكا إستراتيجيا للولايات المتحدة في شبه القارة الهندية.
وفي إشارة إلى التصعيد الإقليمي إلى جانب سياسة (العصا والجزرة ) التي يتبعها الرئيس ترامب قال دهقاندار : أن قيادة ترامب تزيد من تعقيد المشهد السياسي مما يجعل هذه المناورات بمثابة إشارة إلى إستعداد طهران لمواجهة أي تهديدات محتملة ، فإيران قوة إقليمية ولها دورها الخاص في المعادلات الدولية، وينبغي لها، خاصة في المجال العسكري، أن تعتمد على قدراتها الذاتية بدلًا من التعويل على القوى الكبرى.وخلص دهقاندار إلى أنه رغم تصاعد التوترات بين الصين والولايات المتحدة خلال فترة حكم ترامب، فإن إقامة هذه المناورات لا تعني بالضرورة تشكيل تحالف رسمي ضد الغرب، بل تمثل نموذجًا للتعاون البراغماتي بين الدول الثلاث وفقًا لمصالحها المشتركة.
نخلص مما سبق أن العلاقات بين الصين وروسيا وإيران في سياق أوسع من انعقاد قمم ومؤتمرات صحفية وإصدار بيانات ، ومن تنفيذ مناورات بحرية تنظم كل فترة معينة بين هذه البلدان.
والثابت هنا بحسب المطلعين من رجال السياسة والإعلام والإقتصاد والباحثين : أن هناك علاقات تعاون وإتفاقيات طويلة المدى بين الثلاث الدول بصور ( ثنائية ) بعضها على مستوى عال من الشراكة الإستراتيجية الشاملة في العديد من المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية والثقافية والاجتماعية والعلمية وفي قطاعات السياحة والزارعة تترأسها لجان مشتركة ، ينتج عن هذه الاتفاقيات مكاسب جيدة ، ولا تخلو بعض الاتفاقيات من المعوقات ..وبحسب خبراء الأقتصاد والمهتمين بقضايا العلاقات الدولية قولهم: بأن انعكاس هذه الشراكة على أرض الواقع بين دولة وأخرى لا تتم أحياناً بالرغم من وضع آليات محددة ووثائق تعاون وجداول أعمال بهدف الوصول إلى انجازات عملية مثال :التعاون الإستراتيجي بين روسيا وإيران ، كما ورد في الدراسة البحثية لـ مركز المستقبل للدراسات والأبحاث في 14/ يناير 2025م تحت عنوان ( تحالفات مناوئة : رسائل توقيت الشراكة الإستراتيجية بين روسيا وإيران إلى ترامب ) وبحسب الدراسة : فأن تاريخ التعاون الاستراتيجي بين روسيا وإيران يرجع إلى عام 2001، حين تم توقيع اتفاق استراتيجي وضع مبادئ التعاون بين البلدين، وكانت مدته 10 سنوات، على أن يتم تجديده تلقائياً كل 5 سنوات، طالما لم يرغب أحد الطرفين في إنهائه. وفي ظل المستجدات الدولية والإقليمية التي التقت فيها مصالح موسكو وطهران بشكل فاق تضارب مصالحهما، سعى الجانبان لتوسيع مجالات التعاون من خلال اتفاق جديد؛ يهدف إلى تطوير التعاون في مجالات الدفاع والتجارة والطاقة والنقل والصناعة والزراعة والثقافة والتعليم والتكنولوجيا واستكشاف الفضاء.وما يجدر ذكره أن توقيع هذه الاتفاقية لم يتم التوافق بشأنها لبروز معوقات أدت لتأجيل توقيع هذه الاتفاقية.. وبحسب المصدر المشار إليه -فأن التطورات الإقليمية والدولية الراهنة قد دفعت روسيا وإيران إلى التعجيل بتوقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، ولاسيما مع تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة لولاية ثانية، والذي شهدت فترة رئاسته الأولى صداماً واسعاً مع إيران. 
وثمة دلالة مهمة تتعلق بتوقيت توقيع الاتفاقية بين روسيا وإيران قبل أيام من تنصيب ترامب؛ بسبب توجهات الأخير المتشددة تجاه طهران، وسعيه للحد من النفوذ الروسي؛ إذ يُعد توقيع هذه الاتفاقية تحدياً للغرب والولايات المتحدة، في ظل سعيهما لعرقلة التحالف بين روسيا وإيران بتغليظ العقوبات الاقتصادية على كليهما، وذلك على خلفية التُّهم الموجهة لطهران بمساعدة موسكو في حربها على أوكرانيا من خلال إرسال طائرات مُسيَّرة مقاتلة استخدمتها روسيا في استهداف منشآت حيوية داخل أوكرانيا. 
وفي المُجمل، ينطوي توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران في هذا التوقيت تحديداً، إلى عدة رسائل، من بينها الآتي: 
1-    إمكانية عقد شراكات بين القوى المناوئة للغرب : في وقت يتزايد فيه التوتر بين روسيا وإيران من ناحية، والولايات المتحدة والغرب من ناحية أخرى؛ تُمثل هذه الاتفاقية رسالة واضحة من موسكو وطهران بأنهما يتعاونان بشكل أكثر قوة وتنسيقاً في مواجهة الضغوط الغربية على كليهما. وقد سمح تقارب المصالح بين روسيا وإيران، ووحدة نهجهما المُعارض للأحادية القطبية والهيمنة الأمريكية، بالدفع ناحية تعزيز شراكتهما كوسيلة لمواجهة الضغوط الغربية عليهما، خاصةً في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلدين، والتي يتم تغليظها بين الحين والآخر، وذلك على الرغم من وجود العديد من الملفات الخلافية، بل والتنافس بينهما ولاسيما في مجال النفط .
2-إعادة الزخم للتحالفات بعيداً عن النفوذ الغربي:  ولاسيما في منطقة آسيا الوسطى، التي تُعد مجالاً خصباً للتعاون الروسي الإيراني في القطاعات الاقتصادية واللوجستية في ظل العلاقات الجيدة مع أغلب دول هذه المنطقة. كما تتيح اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران الفرصة لتعزيز محور "روسيا- الصين- إيران"، الذي يضم العديد من المشروعات الكبرى التي ستشمل عدداً آخر من الدول، مثل "مشروع ممر النقل الدولي الشمال- الجنوب"، و"مبادرة الحزام والطريق" التي تضم 65 دولة.
3- تأكيد استمرار النفوذ الروسي والإيراني في الإقليم: تشير اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، ضمنياً بما تحتويه من بنود تعاون على المستويات الأمنية والعسكرية، إلى تصميم موسكو وطهران على الحفاظ على تأثيرهما في  منطقة الشرق الأوسط، في سياق إدارة الصراعات أو دعم الحلفاء، وقد دعت التطورات الإقليمية الأخيرة كلاً منهما للتركيز على هذا الهدف. كما تُمثل الاتفاقية رسالة لدول المنطقة بأن ثمة محوراً يمكن أن يعيد رسم التوازنات الإقليمية. 
إذا ً هناك تقارب إقتصادي وعسكري وسياسي وأن وجدت بعض المعوقات .. هذا التقارب يشير إلى إمكانية استمرار التعاون بين البلدين ( روسيا وإيران ) .. وهذا يُمكننا من القول أيضاً أن هناك أهداف مشتركة بين الصين وروسيا في جوانب السياسة والاقتصاد وغيرها من المجالات المتعارف عليها التي يفسرها المحللون السياسيون في وسائل الإعلام الروسية والصينية بالعلاقات الثنائية القوية والمفيدة بخلاف أية قضايا تباينات أو مصالح أخرى لا تجدي من خلق تغيرات وتحولات في ميزان القوى الدولي .. حول هذه العلاقات الصينية الروسية نقتبس وبتصرف شيء من التحليلات السياسية والاقتصادية من مقال منشور للباحث المصري – عمران طه عبد الرحمن في 23/1/2025م ( مجلة السياسة الدولية ) بعنوان : العلاقات الصينية – الروسية .. تحالف مؤقت أم إستراتيجي دائم ؟ يشير ألمصدر إلى أن روسيا تتمتع بتاريخ طويل من الاتصالات مع الصين، والتي تأسست رسميًا في القرن السابع عشر مع أول بعثات دبلوماسية روسية إلى بكين في ستينيات القرن التاسع عشر، وأصبح البلدان جيرانًا متجاورين عندما أصبحت أراضي شرق سيبيريا، المعروفة حاليًا باسم الشرق الأقصى الروسي، جزءًا من الإمبراطورية الروسية. منذ ذلك الحين، أصبحت مسائل ترسيم الحدود الصينية-الروسية، والاستغلال المشترك للموارد الطبيعية في المنطقة، وإدارة تدفقات المهاجرين من الصين في قلب النزاعات بين البلدين.وأدى سقوط الاتحاد السوفيتي والتسوية التدريجية للنزاعات الحدودية في التسعينيات إلى تطبيع العلاقات السياسية بين روسيا والصين، وساهم في التطور السريع للعلاقات الصينية-الروسية ".
إذاً التقارب الروسي – الصيني ليس ظاهرة جديدة وبخاصة في العلاقات التجارية إذ لم تكن مستحدثة وإنما هي علاقات طويلة تأسست على مدار قرون جنباً إلى جنب مع العلاقات السياسية بين البلدين بحاجة إلى شرح ودراسات أكاديمية لبحثها وتحليلها – ولا بأس بذكر وبشيء من التحليل الإشارة إلى ما تضمنه مقال الباحث عمران طه - عن مستوى تأثير الشراكة بين الصين وروسيا في السنوات الماضية حيث حدث تقارب اقتصادي وسياسي كبير بين الصين وروسيا، توج بالإعلان عن العديد من الاتفاقيات التجارية والاستثمارات في البنية التحتية، وبشكل مطرد ازداد هذا التعاون منذ الأزمة الأوكرانية عام 2014، الأمر الذى اعتبرته بعض وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية علامة على أن الصين وروسيا تطوران شكلا من أشكال التحالف الاستراتيجي المعارض للغرب.. وما يجدر ذكرة أن سبق هذا التقارب تطور في العلاقات الصينية الروسية في مايو عام 2017م في بكين العاصمة الصينية حين رحب الرئيس الصيني شى جين بينغ بالعديد من رؤساء الدول والحكومات الذين قدموا إلى بكين للتعبير عن دعمهم، أو على الأقل اهتمامهم، بمشروعه الضخم للبنية التحتية العالمية المعروف باسم مبادرة الحزام والطريق (BRI). كان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أحد الضيوف في المنتدى وألقى كلمته في حفل الافتتاح بعد رئيس جمهورية الصين الشعبية مباشرة، والتي سلطت وفقًا لوسائل الإعلام الروسية الضوء ليس فقط على الأهمية التي توليها بكين للشراكة الاستراتيجية مع موسكو ولكن أيضًا رغبة الكرملين في تعزيز روابطها مع بكين وزيادة التعاون التجاري الثنائي، منذ ذلك الحين أظهرت روسيا دعما غير متحفظ لمبادرة  الحزام والطريق، وهو تحول مفاجئ إلى حد ما في الأحداث منذ أن كانت موسكو حذرة من المشروع الصيني، الذى تجاوز منطقة نفوذها التقليدية في آسيا الوسطى.
ويبدو أن هذا الموقف الروسي الجديد تجاه الصين جاء نتاج كثافة الاتصالات المتزايدة بين الصين وروسيا كنتيجة مباشرة للجهود الدبلوماسية التي تستخدمها موسكو منذ عام 2014م والتي تهدف إلى تصحيح توازن سياستها الخارجية لصالح آسيا، وبالتالي إنهاء انعزالها عن العالم الغربي نتيجة الأزمة في أوكرانيا والعقوبات التي أعقبت ذلك، وعلى الجانب الآخر فسرت وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية هذا على أنه إشارة إلى أن الصين وروسيا بصدد تشكيل نوع من التحالف الاستراتيجي الذى يمكن أن يضر بالمصالح الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وتعكس الزيادة الكبيرة في التجارة بين البلدين منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين هذا التطور والأهمية المتزايدة للصين في التجارة الدولية tdlh زادت التجارة الثنائية بين الصين وروسيا بشكل مطرد على الرغم من الأزمة الاقتصادية لعام 2008، والتي ثبت أن آثارها مؤقتة ففي عام 2009، انخفضت التجارة الصينية-الروسية بنسبة 31.7٪، ولكن في العام التالي استعاد حجم التجارة تقريبا مستواه الذى كان عليه قبل الأزمة، ومع ذلك مرة أخرى عانت التجارة الثنائية في عام 2015 من السقوط الحر نتيجة الانكماش الاقتصادي العالمي والانخفاض الكبير في أسعار الطاقة، وفي عام 2017 انتعشت العلاقات التجارية الصينية-الروسية مدفوعة ببيع الأسلحة والتقنيات العسكرية الروسية وتكثيف صادرات النفط والغاز الطبيعي الروسي إلى جارتها الصينية وحتى عام 2006، كان هذا النمو في التجارة ناتجا بشكل أساسي عن زيادة الصادرات الروسية إلى الصين، مما سمح لروسيا بالحفاظ على فائض تجارى في علاقاتها مع جمهورية الصين الشعبية، ومع ذلك، زادت الواردات من الصين بسرعة مدفوعة بالحاجة إلى المنتجات الاستهلاكية اليومية في الشرق الأقصى الروسي وسيبيريا، وهذا يفسر كيف ظل الميزان التجارى، بشكل عام لصالح جمهورية الصين الشعبية منذ عام 2007.
ومن وجهة النظر التجارية، يبدو أن جهود التقارب بين روسيا والصين قد أثمرت، فمنذ عام 2001، نما حجم التجارة الصينية-الروسية تسعة أضعاف، ليصل إلى 95.3 مليار دولار أمريكي في عام 2014، وهو رقم قياسي، وفي عام 2017 كانت الصين الشريك التجاري الرائد لروسيا للعام الثامن على التوالي حيث بلغ حجم التجارة 84.07 مليار دولار، بزيادة قدرها 20.8٪ مقارنة بالعام السابق.
ونتيجة لنمو التجارة بين المناطق الحدودية الصينية والروسية، أصبحت العلاقات الجغرافية والاقتصادية المتبادلة بين الشرق الأقصى الروسى وشمال شرق الصين أكثر وضوحا، كما أصبحت الأنشطة الاقتصادية للصينيين في روسيا أكثر تنوعا حيث أضيف إلى تجارة التجزئة البناء، والزراعة، والسياحة بالإضافة إلى استكشاف الموارد الطبيعية في المنطقة، وفي الوقت نفسه غامر رواد الأعمال الصينيون أبعد وأبعد في غرب البلاد في بحثهم عن فرص اقتصادية جديدة، وقاموا بتوسيع شبكاتهم التجارية تدريجيا لتشمل الاتحاد السوفيتي السابق بأكمله وبينما ترغب موسكو في تعزيز سيطرتها الاقتصادية والجيوسياسية على الشرق الأقصى الروسي – يمكن القول: أنها غير قادرة على القيام بذلك دون مشاركة اللاعبين الآسيويين، وخاصة الصينيين في تحديث هذه المناطق، كما يمكن القول إن انخفاض أسعار النفط الذى أضر بعائدات العملة الروسية بشدة، وقبل كل شيء الأزمة الأوكرانية والعقوبات الغربية  الناتجة عنها، أدى إلى تفاقم هذا الوضع المتناقض واضطرت موسكو إلى التخلي عن نهجها الحذر تجاه بكين ونفوذها المتزايد في شرق البلاد على أمل تحسين الآفاق الاقتصادية لروسيا، والتي بدت كارثية نتيجة انخفاض أسعار النفط وتنفيذ العقوبات الغربية، و أصبحت فكرة أن الصين يمكن أن تحل محل الغرب بشكل مفيد كشريك اقتصادي وكمصدر للتقنيات المتطورة هى الفكرة المسيطرة في الكرملين، تروج لها جميع وسائل الإعلام الروسية ويتم الترويج لها بنشاط داخل الحكومة. ومنذ عام 2014، وقعت موسكو عدة اتفاقيات تعاون صناعى جديدة مع بكين، بما في ذلك عقد غاز ضخم بقيمة 400 مليار دولار أمريكي لتسليم 38 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنويًا إلى الصين حتى عام 2048. هذا "العقد الضخم"، استشهدت به وسائل الإعلام المختلفة كرمز للتقارب الصينين-الروسي الجديد.
 وبالحديث عن التعاون الصيني الروسي في مشروع مبادرة الحزام الأمني والطريق فأن مشاركة روسيا في هذا المشروع خير مثال على ذلك، حيث وصفتها بكين بأنها "مفيدة للجميع"، ومن المفترض أن تكون المبادرة برنامجا للتعاون الدولي الواسع النطاق هذا قبل كل شيء، وأن تحافظ على معدلات نمو الاقتصاد الصينين الذى كان يعانى منذ عدة سنوات من تباطؤ ملحوظ بشكل متزايد، كما ينبغي أن تسمح للصين بالانتقال إلى مرحلة جديدة في تنميتها الاقتصادية وتحقيق الأهداف الاستراتيجية الرئيسية التى حددها شى جين بينغ وفريقه في إنشاء "مجتمع مزدهر" وتحويل الصين إلى دولة حديثة وغنية وقوية بحلول عام 2049 .، 
الجدير بالذكر أن الاهتمام الصيني بالقطب الشمالي الروسي وموارده ليس جديدًا، حتى لو كان في الوقت الحالي، باستثناء المشروع الضخم لإنتاج الغاز الطبيعي المسال في منطقة يامال، وتم إنشاء عدد قليل من المشاريع التعاونية الصينية-الروسية في هذا المجال حيث شاركت الصين في بناء مصنع تسييل الغاز العملاق والبنى التحتية المرتبطة به شمال الدائرة القطبية الشمالية بنجاح كبير، بما يوضح قدرة الصين على مواجهة التحديات التقنية والمالية الرئيسية ويبرر اهتمام الصين المتزايد بالقطب الشمالي واستغلال موارده إن الإدراج الرسمي للممر الشمالي الشرفي  في الشبكة البحرية لمبادرة الحزام والطريق، الذى تم الإعلان عنه رسميًا في عام 2017، يمكن أن يحفز فعليا التعاون الصيني-الروسي في مجال الطاقة والنقل وكذلك توسيع المشاركة الصينية في المشاريع المشتركة . لذا فإن الاتجاه الاستراتيجي الرئيسي للتعاون بين روسيا والصين هو تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية والتعاون الصناعي، حيث يتركز أكثر من نصف حجم التجارة العالمية في السكك الحديدية الروسية والسكك الحديدية الصينية. يشير سيرجى بافلوف نائب المدير العام لشركة السكك الحديدية الروسية JSC، إلى أنه في عام 2021 بلغ حجم نقل البضائع بين البلدين 100 مليون طن.وحتى قبل حرب روسيا وأكرانيا أعلنت الصين وسط ضجة كبيرة عن" صداقة بلا حدود "مع روسيا، وهو ما يشير إلى مستقبل من التعاون الوثيق في التجارة والطاقة، وربما الأهم من ذلك، الأمن والآن، بعد مرور أكثر من عامين على الحرب، تطور معنى وتفسير هذا الالتزام  "الذى لا حدود له ويبدو الآن أن الحكومة تسعى إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع روسيا والغرب. وربما لا ترغب بكين في أن يُنظَر إليها باعتبارها" الممكن الحاسم" للحرب.
 ويخلص الباحث عمران إلى القول: إن تعزيز العلاقات مع الصين يقع في قلب توجه روسيا نحو آسيا، وهذا ليس مفاجئًا في ضوء الأهمية التي أولاها الكرملين للبعد الصيني لسياسته الخارجية منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، ومن خلال تقديم أنفسهما على أنهما أبطال التعددية القطبية، كما تأمل موسكو وبكين في معارضة النظام القائم تحت إشراف واشنطن وتطمح إلى إنشاء نظام جديد للأمن الجماعي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتحقيقا لهذا الهدف تتعاون الصين وروسيا بانتظام في إطار المنظمات الإقليمية الرئيسية، مثل البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون. فيما ستعتمد آفاق تحول روسيا نحو الصين على المدى البعيد على الوضع الدولي وقدرة الكرملين على وضع استراتيجية متماسكة للتقارب مع الصين، بأهداف محددة بوضوح يتم تطبيقها على أرض الواقع.