مارس 17, 2025 - 02:20
اليمن في مواجهة العدوان الأمريكي

عرب جورنال / توفيق سلاّم - 

تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في عدوان ومواجهة مباشرة مع اليمن في سياق استراتيجية أوسع تهدف إلى حماية أمن إسرائيل وضمان استمرار الهيمنة على الممرات البحرية. لكن العدوان الأمريكي على اليمن، الذي بدأ بضربات جوية مكثفة على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية، واستهداف أحياء سكنية مدنية، وضرب المصالح الحيوية لليمن، يواجه عقبات استراتيجية تجعل تحقيق أهدافه أمرًا صعبًا، بل وربما مستحيلاً. فاليمن ليس ساحة مفتوحة للغزو، ولا يمكن للولايات المتحدة فرض إرادتها عبر عمليات جوية فقط. ومع تصاعد الرد اليمني واستهداف السفن الأمريكية، يتضح أن واشنطن دخلت مستنقعًا جديدًا قد يكون أشد خطرًا في المعركة البحرية، وعلى مصالحها في المنطقة.

تحالف الهيمنة العسكرية 

يدخل العدوان الأمريكي على اليمن مرحلة جديدة من التصعيد، حيث تحاول واشنطن فرض هيمنتها عبر الغارات الجوية والضربات الصاروخية، لكنها تواجه واقعًا مختلفًا عما اعتادت عليه في صراعاتها السابقة. فاليمن ليس دولة يمكن احتلالها بعمليات إنزال بحري، وليس ساحة مفتوحة لحرب جوية طويلة الأمد، كما أن خياراتها التقليدية، مثل الحصار الاقتصادي ودعم الأدوات الداخلية، قد لا تكون كافية لإضعاف قوة عسكرية متماسكة نجحت في تطوير قدراتها بشكل مستقل. فهل تمتلك واشنطن حقًا القدرة على إنهاك اليمن، أم أنها تتجه إلى صراع استنزاف طويل ينتهي بخسارتها كما حدث في فيتنام وأفغانستان؟

لم يعد هناك شك في أن التصعيد الأمريكي ضد اليمن ليس مجرد رد فعل على تهديد الملاحة البحرية، بل هو دفاع مباشر عن إسرائيل، التي تواجه تحديًا استراتيجيًا في البحر الأحمر. تهديد اليمن بفك الحصار عن غزة وادخال المساعدات الغذائية يعني، من الناحية العملية، كسر إحدى أهم أدوات الهيمنة الإسرائيلية، وهو ما دفع واشنطن إلى التحرك عسكريًا. لكن بدلاً من تحقيق الردع، أدت هذه الضربات إلى تصعيد غير مسبوق، حيث انتقلت المعركة من تهديد السفن التجارية إلى استهداف مباشر للأسطول الأمريكي.

تصعيد بلا قيود

سمحت إدارة ترامب للقادة العسكريين في الشرق الأوسط بتنفيذ الضربات الجوية دون الحاجة إلى موافقة البيت الأبيض، ما يعكس تحولًا خطيرًا نحو عسكرة القرار السياسي. لكن هذه الضربات لم تحقق نتائج استراتيجية، بل جاءت كرد فعل انتقامي على التهديدات اليمنية، ما يكشف عن فشل استخباري واضح في تحديد الأهداف الحيوية للخصم. ومع ذلك، فإن التصعيد المستمر دون استراتيجية خروج واضحة يهدد بإغراق واشنطن في حرب استنزاف غير محسوبة العواقب، رغم امتلاكها أقوى جيش في العالم، تجد الولايات المتحدة نفسها غير قادرة على فرض معادلة جديدة في اليمن. فالقدرات العسكرية اليمنية، التي تشمل صواريخ مجنحة  وباليستية فرط صوتية، ومنظومات دفاع ساحلي ورادارات متطورة،  ومسيرات بعيدة المدى وغيرها، تجعل من المستحيل تأمين الممرات البحرية دون تكبد أمريكا  خسائر كبيرة. ولم يكن الرد اليمني مجرد استعراض للقوة، بل جاء عبر استهداف مباشر لحاملة الطائرات والبوارج الأمريكية، في عملية عسكرية غير مسبوقة أجبرت واشنطن على إعادة تقييم خياراتها.

ومع استمرار التصعيد، تتكرر الأخطاء الأمريكية السابقة في أفغانستان والعراق، حيث لم تؤدِّ القوة العسكرية إلى تحقيق النصر، بل إلى استنزاف طويل الأمد. واليمن، بتاريخ مقاومته العريق، قد يصبح الساحة الجديدة التي تفقد فيها واشنطن قدرتها على فرض الهيمنة بالقوة.

استحالة العمليات البرية والبحرية

لا إمكانية للإبرار البحري، فاليمن يسيطر على السواحل الاستراتيجية ويمتلك ترسانة صاروخية قادرة على تدمير أي قوة تحاول الاقتراب من مياهه. أي محاولة أمريكية لإنزال قوات ستواجه مقاومة عنيفة، ما يجعل السيناريو مستبعدًا. وأما
الحرب الجوية فهي غير كافية بالمعنى الاستراتيجي، وأمريكا لها تجربة فاشلة في أفغانستان. بمعنى لا يمكن للقصف الجوي وحده حسم معركة ضد عدو، له مراس حربي عالي، ويتحرك في بيئة جغرافية تضاريسها وعرة للغاية. وهذا يعني أن الضربات الأمريكية لم تنجح في استهداف مراكز القيادة أو تقويض القوة الصاروخية اليمنية، أو مخازن الأسلحة ما يعني أن القوة الجوية الأمريكية عاجزة عن تغيير ميزان القوة، وهذه الضربات ليس أكثر من ظاهرة إعلامية.

التصنيع العسكري اليمني

على عكس الجيوش التي تعتمد على استيراد الأسلحة، تمتلك اليمن قدرة على تصنيع صواريخها ومسيراتها محليًا، وتطور أسلحة ومنظومات عديدة، ما يجعل من المستحيل فرض حصار فعال عليها. ويستخدم الجيش اليمني تكتيكات حرب العصابات والهجمات غير التقليدية، ما يجعل من الصعب استهداف مراكز القوة. والرد اليمني على الغارات الأمريكية يثبت أن القوات اليمنية قادرة على مواصلة الهجمات رغم القصف المستمر.


السيطرة الجغرافية
اليمن ساحة كبيرة، فهي ليست لبنان أو غزة، بلد ذات عمق استراتيجي هام وهو في موقع استراتيجي بإطلاله على البحار والمحيطات ومضائق بحرية، بالإضافة إلى تضاريسه الجبلية الوعرة، وشعبه المسلح، تجعل من أي عملية عسكرية برية أو بحرية ضد اليمن غير قابلة للتنفيذ، كما أن القدرة على إطلاق الصواريخ من مواقع متحركة تعقد مهمة الاستهداف الأمريكي.
ومع إدراك واشنطن أن الحل العسكري المباشر غير ممكن، لذلك قد تحاول واشنطن تحريك أدواتها الداخلية عبر القوى المدعومة من الإمارات والسعودية، لكن هذا الخيار يعاني من مشكلات جوهرية: أهمها تفكك القوى الموالية للتحالف، وفشل التحالف السعودي-الإماراتي في تحقيق اختراق عسكري رغم سنوات من الدعم، كما أن الصراعات بين الفصائل المدعومة من الطرفين تجعلها غير فعالة كأداة أمريكية.
ويبدو أن واشنطن لم تعد قادرة على فرض قراراتها كما في السابق، فالصعود الصيني-الروسي، والتغير في أولويات الدول الإقليمية، جعل من التدخل الأمريكي أقل تأثيرًا. فضلاً عن قدرة اليمن على احتواء التهديدات الداخلية. وخبرة الجيش اليمني في مواجهة الحرب الداخلية تعني أن أي محاولة لإثارة الفوضى ستجد ردعًا سريعًا، كما حدث مع الجماعات المدعومة خارجيًا في السنوات الماضية.


باب المندب


يعتبر مضيق باب المندب نقطة محورية في الصراع، حيث تسعى واشنطن لتأمينه لصالح إسرائيل. لكن رغم التفوق العسكري الأمريكي، لا تستطيع الولايات المتحدة تأمينه بالقوة، لأن اليمن يمتلك وسائل ردع قادرة على تهديد أي وجود عسكري هناك. العمليات اليمنية الأخيرة ضد السفن الحربية الأمريكية تثبت أن التحكم في المضيق لا يمكن أن يتم عبر القوة وحدها، وأن استمرار المعركة سيجعل تكلفة الحماية الأمريكية أعلى بكثير من الفوائد الاستراتيجية المرجوة.
كل المعطيات تؤكد أن أمريكا دخلت معركة لا يمكنها حسمها بسهولة. فالضربات الجوية وحدها غير قادرة على تغيير ميزان القوة، وعمليات الإنزال البحري غير ممكنة، والاعتماد على القوى الداخلية غير ممكنه وقد يصاحب ذلك تفكك داخلي، لما تواجهه هذه الأدوات من مشاكل جوهرية. ومع استمرار اليمن في تطوير قدراته العسكرية، وتنفيذ هجمات مباشرة على الأصول الأمريكية، فإن الصراع قد يتحول إلى استنزاف للاساطيل البحرية الأمريكية وحلفائها.

لذلك كل المعطيات تشير إلى أن واشنطن لا تملك خيارات فعالة لإضعاف اليمن دون الدخول في حرب استنزاف مكلفة. فهي غير قادرة على تنفيذ عمليات إنزال بحري، ولا تستطيع فرض حرب جوية طويلة الأمد دون خسائر، كما أن دعم القوى الداخلية الموالية للإمارات والسعودية لن يحقق نتائج سريعة. وفي ظل استمرار اليمن في تطوير قدراته العسكرية وتنفيذ عمليات هجومية على الأسطول الأمريكي، فإن الحرب لن تكون قصيرة أو محسومة لصالح واشنطن، بل قد تتحول إلى مستنقع أكثر تعقيدًا.
واشنطن، التي دخلت الصراع لحماية أمن إسرائيل وضمان عبور السفن إلى موانئها، قد تجد نفسها في مواجهة أزمة استراتيجية، حيث لا تستطيع فرض هيمنتها، ولا تستطيع الخروج دون خسائر، لتصبح الحرب في اليمن تحديًا جديدًا يعيد تشكيل توازنات القوة في المنطقة، وربما العالم.