
عرب جورنال / كامل المعمري -
الذريعة التي استخدمتها واشنطن لتبرير العدوان لم تعد تنطلي على أحد.
فزعيم أنصار الله، السيد عبد الملك الحوثي، كان واضحا في خطابه الأخير، عندما أكد أن العمليات البحرية اليمنية تستهدف فقط السفن الإسرائيلية، ردًا على جرائم الاحتلال في حصار غزة.
لم يكن هناك أي استهداف للسفن الدولية، ولم يكن هناك أي تهديد للملاحة الدولية إلا أن الولايات المتحدة، التي تخوض حربا غير مباشرة لحماية إسرائيل، أرادت افتعال معركة أوسع، ظنا منها أنها قادرة على فرض قواعد اشتباك جديدة تخدم أجندتها العسكرية في المنطقة.
لكن الواقع الميداني يثبت أن هذا التصعيد لن يكون بلا ثمن... فمنذ بداية المواجهة في البحر الأحمر، فشلت واشنطن في ردع القوات البحرية اليمنية، رغم كل ما تمتلكه من ترسانة عسكرية متطورة.
الطائرات المسيرة والصواريخ البحرية اليمنية كانت العامل الحاسم في فرض معادلة جديدة، تسببت في شلل الملاحة الإسرائيلية والامريكية والبريطانية وأجبرت الشركات العالمية على تغيير مساراتها بعيدًا عن البحر الأحمر.
وعلى الرغم من تدخل البحرية الأمريكية والبريطانية لمحاولة تأمين الخطوط الملاحية، إلا أن الضربات اليمنية استمرت، بل وتصاعدت دقتها وقوتها، ما جعل القوات الأمريكية تعيش حالة استنزاف مستمر، في معركة لم تكن تتوقع أن تتحول إلى حرب مفتوحة بهذا الشكل.
اليوم، وبعد الضربة العدوانية الأمريكية البريطانية، أصبح واضحا أن واشنطن تسير في طريق محفوف بالمخاطر. فالرد اليمني بات حتميا، والقوات المسلحة اليمنية لن تترك هذا العدوان يمر دون رد.
ومن خلال التجارب السابقة، أثبتت صنعاء أنها قادرة على مفاجأة العدو بأساليب غير متوقعة، سواء عبر ضربات صاروخية نوعية أو عمليات بحرية معقدة تستهدف القطع العسكرية المعادية في الممرات المائية الاستراتيجية.
علاوة على ذلك فان الولايات المتحدة تدفع بنفسها إلى معركة استنزاف طويلة الأمد، لن تخرج منها دون خسائر فادحة... فقد فشلت في تشكيل تحالف دولي قوي لدعم عملياتها في البحر الأحمر، حيث رفضت معظم الدول الأوروبية الانخراط في المواجهة، خشية الوقوع في مستنقع جديد لا يخدم مصالحها.
حتى بريطانيا، التي شاركت في العدوان الأخير، تدرك جيدا أنها قد لا تكون قادرة على الاستمرار في دعم هذا التصعيد لفترة طويلة، خاصة مع تصاعد الضغط الداخلي والتكلفة الباهظة لأي تدخل عسكري جديد.
التداعيات العسكرية للعدوان الجديد قد تتجاوز حدود اليمن، فالقوات المسلحة اليمنية سبق أن أكدت أن أي عدوان مباشر سيجعل المصالح الأمريكية والبريطانية أهدافا مشروعة..وهذا يعني أن القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، بالإضافة إلى السفن الحربية التي تجوب المياه الإقليمية، قد تصبح في مرمى النيران اليمنية.
السؤال الذي يفرض نفسه لماذا تخاطر واشنطن بكل ما تبقى من سمعتها العسكرية في المنطقة من أجل إسرائيل؟ الجواب يكمن في حقيقتين
الأولى أن إسرائيل تعيش حالة من الانهيار العسكري والأمني غير المسبوق، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى تحمل عبء المواجهة بدلاً عنها، كما يحدث في غزة تمامًا. والثانية أن الإدارة الأمريكية تدرك أن استمرار الضربات اليمنية على السفن الإسرائيلية سيكون له تداعيات كبيره اقتصاديا على الكيان وهو أمر لا يمكن تحمله استراتيجيًا في ظل صراع إقليمي متصاعد
من الواضح أن واشنطن لم تتعلم من تجاربها السابقة في المنطقة، ولا تزال تعتمد على القوة العسكرية كوسيلة لفرض هيمنتها، دون إدراك أن المعادلات قد تغيرت، وأن الخصوم الذين تواجههم اليوم يمتلكون قدرات وإرادة قتال لم تكن في حسبانها.
بالمجمل فان ما حدث من تصعيد خلال الساعات الماضيه هو تحول استراتيجي يطيح بسنوات من النفوذ الأمريكي في المنطقة... فشل الحصار، فشل التحالف، والآن تفشل الضربات الجوية في تحقيق أي تغيير في موازين القوة. ما بعد الضربات ليس كما قبلها، والخطوة القادمة في المعركة لم تعد بيد واشنطن، بل في يد القوة التي تمتلك زمام المبادرة وتحدد متى وأين وكيف يتم ضرب العدو.