مارس 10, 2025 - 21:07
سوريا في قلب العاصفة: هل يقود العنف الطائفي البلاد نحو الهاوية؟


توفيق سلاّم 


منذ مطلع مارس الجاري، تعيش سوريا على وقع تطورات دموية خطيرة، حيث شهدت مناطق الساحل السوري، بما في ذلك أرياف اللاذقية وطرطوس وحماة، موجة من المجازر التي تجاوزت حصيلتها الأولية 600 قتيل، وسط عمليات تصفية طائفية واسعة النطاق. هذه المجازر أثارت مخاوف حقيقية بين أبناء الطائفة العلوية، الذين أطلقوا نداءات استغاثة في ظل استمرار عمليات القتل والتشريد. الأحداث الجارية لا تعكس فقط فشل السلطة الجديدة في إدارة البلاد، بل تشير أيضًا إلى انزلاق سوريا نحو حرب أهلية مفتوحة، يغذيها العنف الطائفي والتدخلات الخارجية، ما يضع البلاد أمام سيناريوهات كارثية قد تفضي إلى التقسيم أو الفوضى المستدامة.

 صراع على السلطة أم تصفية طائفية؟

وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن عمليات التصفية في الساحل لم تكن مجرد اشتباكات بين قوات الأمن ومجموعات مسلحة، بل تحولت إلى استهداف منهجي للسكان على أساس طائفي. عشرات الجثث ملقاة في الطرقات، وعمليات إعدام ميدانية لم تستثنِ حتى الأطفال والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة، في مشهد يعيد إلى الأذهان مجازر الحرب الأهلية اللبنانية وصراعات البلقان والسودان.

في مدينة بانياس، تتحدث التقارير عن عمليات قتل جماعي تنفذها مجموعات مسلحة، بينها عناصر من الحزب الإسلامي التركستاني، بينما تفيد مصادر أخرى بأن القوات الأمنية التابعة للنظام الجديد لعبت دورًا رئيسًا في تصفية مئات المدنيين العلويين خلال عمليات التمشيط. في ظل هذه الجرائم، لم تتخذ السلطة أي إجراءات حقيقية لحماية المدنيين، مما يعكس ضعفًا أمنيًا خطيرًا، وغياب أي رؤية سياسية لاستيعاب الأزمة المتفاقمة.


السلطة الجديدة

عندما تولت القيادة الجديدة حكم البلاد، كان أمامها فرصة نادرة لإعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية شاملة، لكن بدلاً من ذلك، سلكت الطريق ذاته الذي سلكه النظام السابق، عبر الاعتماد على الحلول العسكرية والإقصائية. الرئيس الشرع، في تصريحاته الأخيرة، بدا منشغلاً بالخلافات بين الفصائل المسلحة أكثر من اهتمامه بإرساء نظام حكم مستقر، حيث أكد أنه يقضي "90% من وقته في الحديث عن الفصائل"، مما يعكس حالة الفوضى داخل المنظومة الحاكمة.

إلى جانب ذلك، فإن سرعة انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، الذي لم يستمر سوى بضع ساعات، كشفت عن نهج متسرع وغير مدروس في اتخاذ القرارات المصيرية، في مشهد يُعيد للأذهان ممارسات النظام السابق في إقصاء المعارضة، وعدم إفساح المجال لحوار وطني حقيقي.


تركيا وإسرائيل في سباق النفوذ


في ظل الفراغ الأمني والفوضى، برزت التدخلات الخارجية بشكل أكثر وضوحًا. تركيا، التي تتخذ موقفًا معاديًا للوجود الكردي في شمال سوريا، دفعت السلطة الجديدة إلى تصعيد العمليات العسكرية ضد الأكراد، مما يهدد بمواجهة مفتوحة بين الطرفين. كما تشير تقارير إلى مشاركة مقاتلين أجانب في العمليات العسكرية، في خطوة تُثير تساؤلات حول مدى استقلالية القرار السوري، ومدى قدرة القيادة الجديدة على فرض سيطرتها على الفصائل المسلحة التابعة لها التي ارتكبت جرائم بحق المدنيين.
في المقابل، تستغل إسرائيل الوضع المنقسم لتعزيز وجودها في الجنوب السوري، وسط مخاوف من تنفيذ عمليات أمنية تهدف إلى فرض واقع جديد على الأرض، وربما دعم حركات انفصالية تسهّل تقسيم سوريا.
وعلى الرغم من نشر تعزيزات أمنية وعسكرية ضخمة في الساحل السوري، إلا أن المواجهات الأخيرة كشفت عن نقاط ضعف قاتلة في منظومة الأمن والدفاع. المفاجأة التكتيكية كانت لصالح المهاجمين، بينما فشلت السلطة في التنبؤ بالهجوم أو اتخاذ إجراءات استباقية لحماية المدنيين.

الأكثر خطورة أن بعض الفصائل المسلحة الموالية للنظام الجديد أثبتت أنها خارج السيطرة، وارتكبت مجازر بحق المدنيين، مما يزيد من حالة الغضب الشعبي، ويدفع البلاد نحو مزيد من التوترات الطائفية. وإذا كان الهدف بناء جيش نظامي جديد، فلماذا لم يتم تشكيله وفق أسس عسكرية واضحة بدلاً من الاعتماد على مليشيات متفرقة؟ هذه الفوضى العسكرية تهدد بإعادة إنتاج نموذج ليبيا أو الصومال، حيث تتحكم الجماعات المسلحة في مصير البلاد، دون وجود قيادة مركزية قوية.
وإذا ما استمرت الأوضاع على هذا النحو، فإن سوريا قد تكون على أعتاب مرحلة جديدة من الصراع، يكون فيها التقسيم أمرًا محتملاً، خاصة مع تزايد النزعات الطائفية والمناطقية. فشل السلطة الجديدة في تقديم مشروع وطني جامع، واعتمادها على القمع، سيؤديان إلى فقدانها للشرعية، مما يفتح الباب أمام ثورات جديدة أو تدخلات خارجية أكثر عمقًا.

ما يحدث في سوريا اليوم ليس مجرد صراع على السلطة، بل هو إعادة صياغة لمستقبل البلاد، فإما أن يتم التوصل إلى حلول سياسية تضمن وحدة سوريا، أو أن يتحول المشهد إلى فوضى دائمة، تجعل من البلاد ساحة صراع مفتوحة للقوى الإقليمية والدولية.

وأخيراً، فإن الأحداث الجارية في الساحل السوري ليست مجرد اشتباكات مسلحة، بل تمثل اختبارًا حقيقيًا لمستقبل سوريا كدولة موحدة. الفشل في تحقيق الاستقرار، واستمرار سياسات القمع، قد يسرّعان من سيناريو التقسيم، ويمنحان الفرصة للقوى الخارجية لفرض أجنداتها على الأرض. في ظل هذه الفوضى، يبقى السؤال: هل تدرك القيادة الجديدة أن استمرارها في النهج ذاته سيقود البلاد إلى مصير أسوأ مما كانت عليه في عهد النظام السابق؟ الوقائع على الأرض تقول أن سوريا محكومة بالدخول في دورة صراعات لا نهاية لها..!