
عرب جورنال/ عبدالسلام التويتي -
منذ الإعلان عن قيام الدولة الصهيونية قبل قرابة 8 قرون زمنية وحكوماتها المتعاقبة ومواطنوها المستجلبون يمارسون ضد الفلسطينيين سياسة الفصل العنصري أو ما يسمى الـ«أبارتايد» بشكلٍ متزايد، ولم تتوقف تلك الممارسات اللاإنسانية حتى بعد إبرام عدد من الاتفاقيات بين السلطات الصهيونية ومنظمة التحرير الفلسطينية، بل لقد ظلت الممارسات العنصرية واستيطان المكان تلو المكان وطرد السكان عقب كل اتفاق وإلى الآن ماضية على قدمٍ وساق، وبخلاف الطرف الفلسطيني لم يلتزم الطرف الصهيوني للفلسطينيين بأيِّ استحقاق.
بيد أنَّ المنصفين من تيار اليسار ينكرون تلك السياسات وما يترتب عليها من ممارسات بشكلٍ قاطعٍ وبات، بل إنَّ منهم من يجابه المظالم التي تقع على الفلسطينيين بقدرٍ كبيرٍ من الاستنكار، بينما يعتبرها آخرون مجلبةً للعار.
إدانات منظماتية لشرعنة الكيان للاستيطان
ما ليس بخافٍ على أحد أنَّ السياسة العنصرية والاستلابية الصهيونية الممارسة ضد التجمعات السكانية الفلسطينية قد تجاوزت كل حدّ، ونتيجة لهذا الواقع المفتقر إلى الحدِّ الأدنى من معايير الإنسانية والقائم -في جانبه الصهيوني- على التوسع الاستيطاني، وإغراء قطعان المستوطنين بالاعتداءات المتواصلة على الفلسطينيين واقتلاعهم من أرضهم برعاية رسمية ومساندة من الأجهزة العسكرية والأمنية الحكومية، تشكلت في أوساط تيار اليسار -مع الأيام- منظمات إنسانية تدعو إلى السلام وتناهض ما يُمارس في حق المدنيين الفلسطينيين من إجرام، وتندد بما تعمد إليه المؤسسات التشريعية والقضائية الصهيونية من إظفاء الصبغة القانونية على العمليات الاستيطانية التي تلتهم الأراضي الفلسطينية، وقد أشير إلى بعض مواقف تلك المنظمات المحمودة في هذا المجال -على سبيل المثال- في مستهل التقرير الإخباري المعنون [منظمات يسارية "إسرائيلية" تدين قانون "شرعنة" المستوطنات] الذي نشر في «qii.medi» يوم الثلاثاء الـ7 من فبراير 2017 بما يلي: (أدانت ثلاث منظمات "إسرائيلية" يسارية مصادقة برلمان الاحتلال الـ"كنيست" بالقراءة الثانية والثالثة -ليلة أمس- على قانون "التسوية"، الساعي إلى "شرعنة" المستوطنات العشوائية المقامة على أراضٍ فلسطينية خاصة.
ووصفت منظمة "السلام الآن" "الإسرائيلية" {يسارية غير حكومية} مصادقة الـ"كنيست" على قانون شرعنة المستوطنات بأنه "وصمة عار"، مشيرة إلى أنَّ "مستقبل إسرائيل بات في أيدي أقلية متطرفة".
من جانبها، هاجمت منظمة "يش دين" {هناك قانون} -في تغريده لها على حسابها في "تويتر"- القانون الجديد، ونعتته بـ"غير القانوني، وغير الأخلاقي".
وأكدت منظمة "بتسليم" لحقوق الإنسان في "إسرائيل" {حقوقية يسارية} -في بيان لها- أنَّ القانون الجديد يعمل على "إضفاء مظهر قانونيّ يشرعن النهب"، مبينة أنَّ مصادقة الـ"كنيست" على قانون شرعنة البؤر الاستيطانية "وصمة عار في جبين الدولة وهيئتها التشريعية").
وأشير -بعد مرور أكثر من 8 أعوام- إلى موقف منظماتي مناهض بشدة لقانون يشرعن لنهب أراضٍ فلسطينية في أماكن متعددة في سياق تقرير الكاتب الفلسطيني «عوض الرجوب» التحليلي المعنون [فلسطين: مناقشة تشريع لضم أراضٍ من الضفة "جريمة إسرائيلية كبرى"] الذي نشر في وكالة أنباء «الأناضول» في الـ2 من مارس الجاري على النحو التالي: (ونقلت "هآرتس" عن جمعية «عير عميم» اليسارية الإسرائيلية المختصة بشؤون القدس إنَّ "مشروع القانون الهادف إلى ضم مستوطنات في محيط القدس الشرقية بهدف إنشاء "مدينة القدس الكبرى" يسعى إلى تعزيز الضم غير القانوني، ويشكل استمرارًا لانتهاك إسرائيل الصارخ للقانون الدولي).
فضح حركة «السلام» جرائم الالتهام بالأرقام
لأنَّ الحكومات الصهيوإسرائيلية المتوالية مطمئنة إلى عدم تعرضها للعقوبات على استخفافها بقرارات الشرعية الدولية، فلم تتوقف عن التهام الأراضي الفلسطينية بشكلٍ مستدام، وقد حملت تلك التماديات الصهيونية المتواصلة في نهب الأراضي المخصصة لقيام الدولة الفلسطينية المؤمَّلة منظمات إسرائيلية ذات توجه يساري على إثبات تلك الالتهامات وما يترتب عليها من تداعيات بالغة الخطورة والأهمية في إحصائيات رقمية نُوِّه إلى بعضها بشكل تفصيلي في سياق التقرير التحليلي المعنون [منظمة إسرائيلية: عام 2024 عام بداية "ضم الضفة الغربية"] الذي نشرته وكالة «قدس برس» للأنباء بتأريخ 23 يناير 2023 على النحو التالي: (أكدت حركة "السلام الآن" اليسارية الإسرائيلية المناهضة للاستيطان أنه تم إنشاء ما لا يقل عن 59 بؤرة استيطانية جديدة، معظمها بؤر استيطانية زراعية، تشارك في الاستيلاء على الأراضي وطرد الفلسطينيين من المنطقة بشكل منهجي.
وأضافت أنَّ هذا عدد غير مسبوق من البؤر الاستيطانية الجديدة، لافتة إلى أنه منذ عام 1996 وحتى بداية عام 2023، تم إنشاء ما معدله السنوي حوالي 7 بؤر استيطانية في السنة.
وكشفت أنه لأول مرة منذ اتفاقية أوسلو، تم إنشاء 8 بؤر استيطانية على الأقل في المنطقة «ب» الخاضعة إداريًّا للسلطة الفلسطينية، وهذا يعني أنه من بين جميع البؤر الاستيطانية التي تم إنشاؤها في الضفة الغربية في عام 2024، تم إنشاء ما لا يقل عن 13% منها في المناطق المصنفة «ب».
كما تم الترويج لبناء «9884» وحدة استيطانية في المستوطنات من قبل مجلس التخطيط الأعلى الإسرائيلي.
وتم نشر عطاءات جديدة لما مجموعه «1,399» عطاء في جميع أنحاء الضفة الغربية، باستثناء شرقي القدس.
كما تم الإعلان عن 24,258 دونمًا "أراضي دولة" أي ما يعادل حوالي نصف كامل المساحة التي تم إعلانها أراضي دولة منذ أوسلو حتى اليوم.
وتم طرد حوالي 47 مجتمعًا فلسطينيًّا منذ أكتوبر 2023 بسبب عنف المستوطنين، بما في ذلك ما لا يقل عن 300 عائلة فلسطينية {حوالي 1,762 شخصًا} فقدت منازلها.
وأشارت الحركة إلى أن سلطات الاحتلال، هدمت 1,065 مبنىً فلسطينيًّا في الضفة الغربية بحجة عدم الحصول على تراخيص بناء، 17 منها في المنطقة «ب» الخاضعة لإدارة السلطة الفلسطينية.
وأضافت أنه نتيجة لذلك فقد 857 فلسطينيًّا منازلهم، مشيرة إلى أنَّ عام 2024 يعتبر عامًا قياسيًّا في عدد منازل الفلسطينيين التي هدمت بسبب عدم الحصول على تصاريح. وللمقارنة قالت الحركة إنه في العام القياسي السابق 2016 تم تدمير 870 مبنى. بالإضافة إلى ذلك تم -خلال العمليات العسكرية- تدمير 452 مبنى آخر يسكنها 2,704 من الفلسطينيين خاصة في منطقتي «جنين» و«طولكرم».
وفي القدس المحتلة هدمت قوات الاحتلال -في عام 2024- 215 منزلًا في شرقي القدس بذريعة عدم وجود تصريح بناء).
موقف يساري رصين ضد إرهاب المستوطنين
لم يكن موقف التيار اليساري بهذا المستوى الانتقادي الحادّ إلَّا بعد مبالغة المستوطنين في ما نراه من تمادٍ مشين على الفلسطينيين واستهدافهم -بإيعازٍ من أطراف حكومية- بشتى صنوف الإرهاب واستهداف مساكنهم بالتدمير والخراب وتجريفهم من أرضهم -على الدوام- على سبيل القسر والإرغام، فدفع شيوع هذه المظاهر تيار اليسار إلى التظاهر ضد ما تفسره بـ«الانتهاك السافر والظلم الجائر» ولم تخلُ مظاهرة من تلك المظاهرات من حمل اليافطات والشعارات المنددة بما يمارسه المستوطنون المتوحشون في حقِّ الفلسطينيين من انتهاكات تجبرهم على ترك القرى والبلدات والعيش مرغمين في ما يشبه الشتات، وقد أشير إلى إحدى تلك المظاهرات التي نظمتها مجموعات يسارية في فقرتي الخبر الصحفي المختصر المعنون [نشطاء إسرائيليون يتظاهرون ضد الاستيطان] الذي نشرته وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية «وفاء» بتاريخ 11 مارس 2022 بما يلي: (تظاهر نشطاء إسرائيليون ضمن حركة "ننظر للاحتلال بعيوننا" قرب حاجز «زعترة» العسكري جنوب «نابلس» ضد الاستيطان واعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين.
ورفع المتظاهرون شعارات منددة بالمستوطنين والاستيطان، والدعوة لوقف إرهاب المستوطنين والتوسع الاستيطاني، ووقف الاعتداءات ضد المواطنين الفلسطينيين).
وأشير في سياق مماثل إلى تظاهرة يسارية منددة بإرهاب المستوطنين ضد السكان الفلسطينيين الهادف إلى إرغامهم على الهجرة القسرية في مستهل الخبر الصحفي التفصيلي المعنون [يساريون إسرائيليون يتظاهرون ضد إرهاب المستوطنين بالضفة الغربية] الذي حرره الصحفي «عبدالرؤوف أرناؤوط» ونشره في وكالة أنباء «الأناضول» في الـ21 من فبراير الماضي بما يلي: (تظاهر عدد من اليساريين الإسرائيليين -اليوم الجمعة- ضد إرهاب المستوطنين بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
ووقف عدد من المتظاهرين في مفترق «نفوح» بشمالي الضفة الغربية وهم يحملون لافتات كتب عليها باللغتين العربية والعبرية "كفى للإرهاب اليهودي".
كما احتجوا -من ناحية أخرى- على قتل الأطفال الفلسطينيين في «قطاع غزة» خلال مدة تجاوزت 15 شهرا).
عنصرية النظام في مرمى «يوفال أبراهام»
«يوفال أبراهام» هو شاب إسرائيلي ينحدر أجداده من أعراقٍ متعددة، أحد أولئك الجدود من اليهود الذين هاجروا إلى الأراضي المحتلة من «اليمن»، وهو وراء إتقانه النسبي لـ«اللغة العربية»، و«يوفال» منخرط منذ بداية شبابه في تيار اليسار الذي يناهض ما تمارسه السلطات والمجتمع الإسرائيليان من عنصرية ضد الفلسطينيين الذي يعتبرونهم من «الأغيار»، وإدراكًا منه لخطورة المهنة الصحفية في الرقابة والمتابعة، باعتبارها «السلطة الرابعة»، فقد كرس حياته للصحافة، وفي عام 2020 -عندما كان في الـ25 من عمره- أنشأ «أبراهام» -بحسب ما أورد موقع «New TN» التونسي في تقريره الصحفي التساؤلي المعنون [من هو الصحفي الإسرائيلي يوفال أبراهام الذي دعا إلى وقف إطلاق النار في غزة؟] الذي نشر في الـ8 من مارس 2024- (منصة “We Beyond the Fence” مع «أحمد الناعوق»، وهو صحفي فلسطيني مقيم في لندن، فشاركت المنصة القصص اليومية للفلسطينيين في القطاع الذي يخضع للحصار منذ عام 2007، في كتابات مترجمة إلى العبرية. وكانت الفكرة هي جلب “الأصوات الفلسطينية” إلى الجمهور الإسرائيلي).
والأهم ممَّا تقدم أنَّ «يوفال أبراهام» اشترك مع زميله الفلسطيني «باسل عدرا» في إخراج فيلم «لا أرض أخرى» الذي فاز بعدة جوائز، منها جائزة «الأوسكار»، ثم فاز مؤخرًا بـ«جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان برلين السينمائي»، ويرجع حصد الفيلم عدة جوائز إلى تسليطه الأضواء على ما يحكم العلاقة بين الصهاينة -سلطةً ومجتمعًا- وبين الشعب الفلسطيني من تعامل عنصري وما يتعرض له الفلسطينيون -في ضوء تلك العلاقة- من مظاهر التنكيل والتطهير العرقي والتهجير القسري، ويمكن لمس إبراز الفيلم جرائم الـ«أبارتايد» والتنكيل والتطهير العرقي والتهجير القسري بشكلٍ متزايد في استهلال تقرير الصحفي «سمير قطيشات» التحليلي المعنون [صُنّاع “لا أرض أخرى” يدعون لوقف التطهير العرقي في فلسطين بعد فوزهم بالأوسكار] الذي نشره موقع «السكة» الإخباري في الـ3 من مارس الحالي الاستهلال التالي: (دعا صُنّاع الفيلم الوثائقي “لا أرض أخرى” إلى وقف التطهير العرقي ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وذلك عقب فوز الفيلم بجائزة الأوسكار عن أفضل فيلم وثائقي طويل.
وفي حفل توزيع جوائز الأوسكار لعام 2025 اعتلى مخرجوه باسل عدرا، ويوفال أبراهام، وحمدان بلال، وراشيل سزور المسرح لتسلُّم الجائزة، حيث وجّهوا نداءً عالميًا من أجل العدالة للفلسطينيين.
وقال الصحافي الإسرائيلي يوفال أبراهام: “لقد صنعنا هذا الفيلم، فلسطينيين وإسرائيليين، لأن أصواتنا معًا أقوى. إننا نرى تدمير غزة وشعبها، ويجب أن ينتهي ذلك”.
وأشار إلى «عدرا» باعتباره “شقيقه”، لكنه أعرب عن أسفه لأنهما “غير متساويين”.
وقال: “نحن نعيش في ظل نظام عنصري حيث أنا حر بموجب القانون المدني، بينما يخضع «باسل» لقوانين عسكرية تدمر حياته”).