
عرب جورنال / أنس القباطي -
قضية تهجير سكان قطاع غزة لم تنته بعد، وما تزال تداعياتها تلقي بظلالها على المنطقة في وقت تحاول الدول العربية، وعلى الأخص مصر والأردن البحث عن مخارج لتجاوز هذه المشكلة، والتي تبدو مؤشر على توجهات امريكية إسرائيلية لإحداث تغيير مزلزل في المنطقة.
قلعة حماية
وبشكل عام فإن ترامب بدا من اول ايامه في البيت الابيض متجها نحو تعزيز إسرائيل، وتحويلها إلى حصن منيع، لضمان السيطرة الامريكية على قناة السويس، بما يؤدي إلى تحويل غزة الى قلعة حماية لقناة السويس، لتأمين تدفقات الاساطيل الامريكية نحو الشرق لمنازلة الصين.
والاجتماع الأخير للزعماء العرب في مواجهة هذا المخطط يبدو مفتقرا لآليته التنفيذية، ما يحول مخرجاته الى مجرد ضجيج اعلامي، بمقابل الأهداف الاستراتيجية التي يعمل عليها خصومهم امريكا واسرائيل.
ارتباط
تبدو قضية التهجير مرتبطة بالصراع الأمريكي الصيني، والذي يبدو اليوم كحرب تجارية مستعرة، سلاحها التعرفة الجمركية، غير أن فشل الحرب التجارية لن يكون البديل لها سواء الاشتباك المسلح.
أهمية استراتيجية
ولهذا السبب وغيره تحظى الممرات والمضائق المائية المؤدية إلى الشرق وظهيرها الخلفي بأهمية استراتيجية للولايات المتحدة الامريكية، ومنها قناة السويس ومضيق باب المندب، ولذلك ينبغي تأمين ظهيرهما الخلفي، وإزالة أي عمليات تهديد محتملة قد تؤثر على أي تحرك عسكري أمريكي على مقربة منها.
الموقع الجغرافي
ولما كان موقع غزة يجاور جغرافيا قناة السويس فإن استراتيجية الحرب تقتضي ان تتحول الى حارس للقناة، بدلا من كونها عامل تهديد، ولهذا السبب يسعى ترامب الى تحويلها إلى ثكنة عسكرية ناعمة في ظاهرها ريفيرا وفي الباطن قاعدة عسكرية للقوات الخاصة.
الموقف العربي
وبالعودة الى الموقف العربي، فينبغي أن يكون هناك تفاهما بين مصر والأردن على وجه الخصوص، لأن مسألة التهجير لن تكون مرتبطة فقط بحالة الحرب ان حصلت، وانما بما بعدها، وما يمكن ان يحصل أثناء احتدامها، والأخطر من ذلك ما الذي يمكن أن يحصل في حالة التوتر التي تسبق الحرب.
في حال تصعد الصراع بين واشنطن وبكين إلى اشتباك مسلح فإن الجيش الأمريكي سيتجه لنقل المعركة إلى بحر الصين، فيما سيتجه الجيش الصيني إلى استباق ذلك بنقل المعركة الى البحر الاحمر، وهنا تأتي اهمية قطاع غزة، وتتضح اهداف عملية التهجير وتحويل القطاع الى قلعة عسكرية.
الحياد
ولذلك فإن أي مواجهة امريكية صينية في البحر الاحمر والبحر الابيض المتوسط ستفرض على مصر والاردن مغادرة حالة الحياد مجبرة، وتحديد موقف الى جانب هذا الطرف أو ذاك، فترامب بطبيعته الانتهازية وجشعه الرأسمالي لا يريد الحياد، وإنما يريد الولاء، فشكه بولاء مصر والاردن سيجعله يومي لاسرائيل بخوض نزال عسكري معهما او احداث اضطرابات تؤدي الى فرض السيطرة الإسرائيلية على قناة السويس وظهيرها الخلفي في غزة والعقبة.
إثبات ولاء
والولاء الذي يبحث عنه ترامب ليس تصريحات اعلامية للمسؤولين، وإنما إجراءات عملية. وهنا يقول المحلل الروسي إلكسندر نازاروف انه ليس أمام الأردن ومصر غير خيارين: الموافقة على ترحيل الفلسطينيين لإثبات الولاء ومواجهة العواقب المحلية والإقليمية، أو إثبات خيانتهما لترامب فتصبحان هدفا لزعزعة الاستقرار والدمار.
ويرى نازاروف أنه يبدو أن قيادة هاتين الدولتين لا ترى أي مخرج، غير ان تماطل بالوقت، وتسير مع التيار، وتخضع للقدر.
الجغرافيا السياسية تصنع الحدث
ولما كانت الجغرافيا السياسية هي من تصنع الحدث، فإن مصر والأردن بموقعهما الجغرافي وجدا نفسيهما في قلب حادث عاصف، قد تؤدي تداعياته الى تغييرات في الحدود السياسية، وربما تغيير في خارطة المنطقة بشكل عام، ما يؤدي الى اعادة رسم خارطة المنطقة، وهندسة حدودها السياسية، ولذلك فإن قيادتي مصر وسوريا تجدان نفسيهما غير قادرتين على الاجابة على الأسئلة الصعبة التي تطرحهما المرحلة على شكل خيارين.
الخروج الآمن
يبدو ترامب جادا في إخراج بلاده من الحرب الاوكرانية ليتفرغ لمنازلة الصين، لكن يبقى السؤال هل يستطيع الخروج بأمان من هذه الحرب وعقد صفقة مع الروس، بعيدا عن أوروبا..؟! وإن نجح هل ستسكت أوروبا التي تشعر أن ترامب سيسلمها لأطماع بوتين..؟!
ترامب لن يتجه الى فرض عملية التهجير الا في حال وجدت الظروف التي تقتضي أن يكون التهجير ضرورة، ولن يكون التهجير ضرورة الا بعد ان يتجاوز ترامب العقدة الاوكرانية، وتجاوز هذه العقدة يحتاج الى صفقة مع الكرملين، لكن هل الظروف مهيأة للصفقة..؟!
بالتأكيد لا، لان حلفاء واشنطن الذين جرتهم الى المستنقع الاوكراني غير مهيئين للقبول بصفقة امريكية روسية، لأن امنهم القومي يقتضي ان يكونوا حاضرين في الصفقة، ولذلك لن يكون امامهم في حال اصر ترامب على وقف الحرب متفردا غير أن يتوجهوا لتصعيد الحرب، ما سيجعلهم أمام خيارين لا ثالث لهما، وما هزيمة روسيا وفرض
واقع جديد على الجميع، او هزيمتهم لتصبح اوروبا تحت رحمة بوتين.
مصير زيلينسكي
وعليه فإن الأردن ومصر يبدوان وكأنهما يراهنان على صراع اوروبي امريكي حول أوكرانيا ليستفيدا من عامل الوقت لعل مستجد يحدث لتغيير واقع الصراع.
وتدرك قيادتي مصر والأردن أن وقوفهما أمام خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين سيجعلهما يواجهان ما يواجهه اليوم الرئيس الأوكراني فلاديمير زلينسكي، والذي بدأت حملة ضخمة لشيطنته من قبل إدارة ترامب، بما يؤدي إلى إجباره للقبول بوقف الحرب، وهو ما يراه ترامب بوابة الخروج من المستنقع الأوكراني.
الصمت والرهان
وبناء على ما سبق فإن روسيا ستفضل الصمت تجاه توجهات ترامب للتهجير ولن تساند مصر والاردن في حال نجحت الصفقة مع ترامب في أوكرانيا، فيما الصين والتي تبدو معنية بإجهاض العملية، لكنها لا تملك الأوراق والأدوات التي يمكنها أن تحدث فارقا يغير من توجهات ترامب في حال ما تجاوز العقدة الاوكرانية، وقد تتجه لاستخدام قوى اقليمية لخلط الأوراق، فيما ستظل الاردن ومصر تحاولان مسك العصا من الوسط، ورهانهما الأكبر على عامل الوقت والخلاف الامريكي الاوروبي في موضوع وقف الحرب الأوكرانية.