مارس 6, 2025 - 00:56
من يقرر مصير غزة.. القمم المغلقة أم الشارع الفلسطيني ؟


عرب جورنال / كامل المعمري - 
القمة العربية، بقرارها اعتماد الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة ونشر قوات حفظ سلام دولية تحت مظلة مجلس الأمن، أرادت أن ترسم مسارًا جديدًا للقطاع المدمر بفعل العدوان الاسرائيلي 
الخطة، التي تضمنت تشكيل لجنة تكنوقراطية لإدارة غزة انتقاليا، وإعادة تأهيل الشرطة الفلسطينية بدعم مصري وأردني، بدت في ظاهرها محاولة لإيجاد حلول عملية لأزمة إنسانية طاحنة. 
لكن في باطنها، تكمن رؤية سياسية تهدف إلى تفكيك البنية السياسية والعسكرية لحماس وإعادة صياغة المشهد الفلسطيني بما يتماشى مع مصالح قوى إقليمية ودولية، لا مع إرادة الشعب الفلسطيني نفسه. 
ان هذا التوجه ليس جديدا، بل هو امتداد لمسار طويل من المحاولات العربية الرسمية لاحتواء المقاومة، بدلاً من دعمها أو تمكينها من مواجهة الاحتلال.
ما يثير القلق في مخرجات القمة هو هذا التركيز المحموم على نزع السلاح من يد حماس، وكأنها هي المشكلة الأساسية، وليس الاحتلال الذي يواصل جرائمه منذ عقود. البيان الختامي تحدث عن السلاح الشرعي الذي يجب أن يقتصر على السلطة الفلسطينية، لكن من يحدد شرعية السلاح في ظل احتلال يرفض كل القوانين الدولية؟.. إن فكرة نشر قوات دولية في غزة، التي رُوجت كآلية لضمان الأمن والاستقرار، تبدو أقرب إلى مشروع لتثبيت الهزيمة الفلسطينية منها إلى خطوة نحو العدالة... فمنذ متى كانت القوات الدولية، التي تخضع في النهاية لإرادة مجلس الأمن وهيمنة الولايات المتحدة، ضامنة لحقوق الشعوب المضطهدة؟.. 
تجربة اليونيفيل في جنوب لبنان تقول لنا إن هذه القوات غالبا ما تكون شاهدة صامتة على الانتهاكات، لا حامية للمظلومين.
رد المقاومة، ممثلة بحركة حماس كان متوقعًا وحاسما. الحركة، التي رحبت مبدئيا بانعقاد القمة كخطوة نحو اصطفاف عربي وسارعت إلى وضع خطوطها الحمراء... بيانها الرسمي رفض أي وجود أجنبي في غزة، سواء تحت مسمى قوات حفظ سلام أو غيرها، مؤكدا أن سلاح المقاومة غير قابل للمساومة...
القيادي سامي أبو زهري، في تصريحاته لوكالة رويترز، كان أكثر وضوحا حين قال إن اليوم التالي في غزة يقرره الفلسطينيون وحدهم.. رد حماس بمثابة استراتيجية متجذرة في فهم عميق لطبيعة الصراع فهي ومنذ تأسيسها، راهنت على المقاومة المسلحة كأداة لانتزاع الحقوق في ظل غياب أي أفق سياسي حقيقي..أن تُطالب الآن بالتخلي عن سلاحها أو دورها السياسي لصالح لجنة تكنوقراطية، هو بمثابة دعوة للاستسلام تحت شعارات براقة مثل (الإعمار) و(الاستقرار) 
في المقابل، موقف الكيان الإسرائيلي لم يخرج عن السياق المتوقع. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي لم يصدر تعليقا مباشرا بعد، أوحى عبر قنوات إعلامية مقربة بأن أي خطة لا تضمن تدمير القدرات العسكرية لحماس لن تكون مقبولة... الإعلام الإسرائيلي رحب بفكرة القوات الدولية كوسيلة لتخفيف العبء الأمني عن تل أبيب، لكنه حذر من أي ترتيبات تمنح الفلسطينيين أي شكل من أشكال السيادة... رد يكشف عن التناقض الأساسي في السياسة الإسرائيلية فهي تريد القضاء على المقاومة دون تحمل مسؤولية إدارة غزة، وتسعى لاستخدام القوات الدولية كأداة لتثبيت احتلالها بأيدٍ أخرى...إن موافقة إسرائيل المحتملة على هذا الجزء من الخطة ليست تنازلاً، بل محاولة لإضفاء شرعية على سيطرتها تحت غطاء دولي.
لكن دعونا نعود إلى القمة نفسها، ونحلل سياقها العربي... انعقاد القمة في القاهرة، بغياب قادة مثل الرئيس الجزائري والتونسي، يعكس انقساما ضمنيا في الصف العربي الذي فهذا الغياب دليل على أن الوحدة العربية، التي طالما كانت شعارا مرفوعا، لم تزل بعيدة عن التحقق...كيف يمكن لقمة تفتقر إلى توافق شامل أن تنتج رؤية تحمل أمل الفلسطينيين.. الخطة المصرية، التي قدرت تكلفة الإعمار بـ53 مليار دولار، تبدو في جانب منها مشروعا اقتصاديا أكثر من كونها استراتيجية سياسية... نعم، غزة بحاجة إلى إعادة بناء، لكن هل يمكن أن يُبنى الحجر دون ضمان ألا تعود إسرائيل لتدميره؟ وهل يمكن الحديث عن إعمار دون خطة واضحة لإنهاء الحصار ومواجهة الاحتلال؟
إن استهداف حماس في مخرجات القمة، وكأنها العدو الأول، يثير تساؤلات حول الأولويات فحماس رغم كل الانتقادات الموجهة لها، هي جزء أصيل من النسيج الفلسطيني، وقد أثبتت منذ طوفان الأقصى في أكتوبر 2023 أنها قادرة على تغيير قواعد اللعبة. استبعادها الآن لصالح لجنة تكنوقراطية هو محاولة لإعادة ترتيب القضية بما يخدم استقرار الأنظمة، لا تحرير الأرض. 
القمة تحدثت عن حل الدولتين كأساس للسلام، لكن هذا الحل، الذي كان يوما طموحا، تحول إلى شعار جوفاء في ظل رفض إسرائيل له وتوسعها الاستيطاني المستمر.

ثم هناك قضية القوات الدولية...فكرة نشر قوات تحت مظلة مجلس الأمن تبدو جذابة على الورق، لكنها تنطوي على مخاطر جسيمة... من سيضمن ألا تتحول هذه القوات إلى أداة لتثبيت الاحتلال؟ ومن سيحدد مهامها ومدى سلطتها؟ التجارب السابقة، سواء في لبنان أو غيرها، تظهر أن هذه القوات غالبا ما تكون مقيدة بأجندات القوى الكبرى، ولا تملك القدرة على حماية الشعوب من عدوان منظم مثل الذي تمارسه إسرائيل.
إن هذا الاقتراح، الذي قد يراه البعض عمليا، قد ينتهي إلى تجريد غزة من أي قدرة على المقاومة، وتحويلها إلى محمية دولية تحت الرقابة الإسرائيلية.
لا يمكن إنكار أن القمة تضمنت نقاطا إيجابية، مثل رفض التهجير والتأكيد على وحدة الأراضي الفلسطينية... لكن هذه النقاط تبقى حبرا على ورق إذا لم ترافقها آليات ضغط حقيقية على الكيان.
ما فائدة الرفض اللفظي للتهجير إذا لم يكن هناك موقف عربي موحد يقطع العلاقات مع الكيان، أو يوقف التطبيع، أو يستخدم أوراق القوة مثل النفط؟ القمة، بمخرجاتها، بدت كمحاولة لإدارة الأزمة، لا لحلها. وهنا يكمن الخلل الأساسي فالقضية الفلسطينية ليست أزمة إنسانية تحتاج إلى مساعدات، بل صراع وجودي يتطلب موقفا سياسيا حاسمًا.
في النهاية، السؤال الأهم هو من يملك الحق في تقرير مصير غزة؟ هل هي القمة العربية، بكل تناقضاتها؟ أم الشعب الفلسطيني الذي ظل يقاوم بكل السبل؟ إن المقاومة، بكل أشكالها، هي صوت هذا الشعب، وليست مجرد فصيل يمكن استبعاده بقرار. وإن إسرائيل لن تتوقف إلا إذا واجهت قوة حقيقية، لا مجرد بيانات تُقرأ وتُنسى. القمة، بمخرجاتها، قد تكون أرادت أن تكون خطوة نحو الاستقرار، لكنها، في الحقيقة، تبدو كترتيب للهزيمة تحت شعار الإعمار. ونحن، كشعب عربي، نعلم أن الحق لا يُنتزع إلا بالنضال، لا بالتنازلات المقنعة بالواقعية.