
عرب جورنال / كامل المعمري -
الفيلم الوثائقي الاستقصائي "البصمة الأمريكية" يظهر كواحد من افضل الافلام الاستقصائية باليمن التي تكشف النقاب عن اهم مرحلة من تاريخ اليمن الحديث لاسيما تفاصيل اغتيال الرئيس الشهيد صالح الصماد
من خلال أربعة أجزاء متسلسلة، يقدم الفيلم رحلة استقصائية شاملة، تعتمد على وثائق سرية، مشاهد حصرية نادرة، وشهادات مباشرة مما يجعله مرجعاً لا غنى عنه لفهم هذه المرحلة المحورية في تاريخ اليمن الحديث.
ما يميز الفيلم هو منهجيته الاستقصائية الدقيقة، حيث يتبع فريق العمل خيوطاً متشابكة من الأدلة، بدءاً من التحقيقات الميدانية، مروراً بمقابلات مع شخصيات سياسية وعسكرية، ووصولاً إلى تحليل وثائق سرية تكشف عن أدوار خارجية وداخلية في عملية الاغتيال. هذا الجهد الكبير يظهر في كل دقيقة من الفيلم، حيث يتم تقديم المعلومات بشكل متسلسل ومنطقي، مما يسهل على المشاهد فهم التعقيدات الكامنة وراء الحدث.
الفيلم لا يكتفي بعرض الوقائع، بل يغوص في تحليلها، مقدماً رؤية شاملة للأبعاد السياسية والأمنية التي أدت إلى اغتيال الصماد. من خلال شهادات حية ووثائق موثقة، يكشف الفيلم عن دور الجهات الخارجية، خاصة الأمريكية، في هذه العملية،
الفيلم كشف ايضا عن عمليات سرية قامت بها الولايات المتحدة الامريكية في اليمن عام2018 وذلك من خلال وثائق تظهر دور الولايات المتحدة في اليمن بشكل أكثر تعقيد وتورطا الوثائق التي استعرضها الفيلم تكشف عن تدخلات أمريكية ليست فقط في إدارة العمليات العسكرية بل وفي تحديد تفاصيل دقيقة في المعارك، كما حدث في الهجوم على الحديدة.
يظهر الفيلم كيف أن واشنطن لم تقتصر على دعم التحالف بالمعلومات الاستخباراتية فحسب، بل توسع دورها بشكل مباشر في تحديد أهداف الغارات الجوية على اليمن منذ ٢٦ مارس ٢٠١٥، وصولاً إلى اغتيال الرئيس الصماد
اضافة الى وثائق تشير إلى إدراج الجيش الأمريكي لمحافظة الحديدة ضمن مناطق عملياته الخاصة قبل أيام من اغتيال الصماد، مما يؤكد التورط المباشر والمحوري للولايات المتحدة في تخطيط وتنفيذ العمليات العسكرية في اليمن.
أحد الأسباب التي استخدمتها واشنطن لتبرير هذه التدخلات هو مفهوم "الدفاع الجماعي عن النفس"، والذي قُدم كأساس قانوني للحرب وثائق الفيلم تظهر كيف طلب وزير الدفاع الأمريكي السابق جيم ماتيس من الكونجرس دعم هذا التوجه، معتبرًا أن الحرب في اليمن جزء من الدفاع عن الحلفاء والمصالح الأمريكية في المنطقة.
الوثائق التي استند عليها الفيلم تقدم بنكا من المعلومات التي يمكن للباحثين ووسائل الإعلام استغلالها لفهم الدور الأمريكي في اليمن فالفيلم يقدم مساهمة فريدة ومعمقة في توثيق الأحداث الكبرى والتدخلات الخارجية في اليمن، مما يساعد في تشكيل فهم أوسع للتعقيدات السياسية والعسكرية لهذا الصراع.
بجدارة، يستحق هذا الفيلم أن يكون مرجعاً لكل من يهتم بفهم تعقيدات السياسة والصراع في المنطقة.
من الناحية الفنية، يتميز الفيلم بجودة إنتاجية عالية، حيث تتم استخدام تقنيات تصوير متقدمة، وتحرير محترف يعزز من قوة السرد. المشاهد الحصرية سواء كانت لقطات من ساحات المعارك او من الاحداث خلال العدوان على اليمن أو مقابلات مع شخصيات رئيسية، اضافت بعدا بصريا قويا، مما جعل العرض أكثر تأثيرا
الجانب الأكثر إبهاراً في الفيلم هو قدرته على الجمع بين السرد القصصي المشوق والتحليل الدقيق للأحداث.
من خلال استخدام وثائق نادرة ومشاهد أرشيفية دقيقة، ينجح الفيلم في بناء حبكة تجذب المشاهد وتدفعه للتفكير بعمق في الأبعاد السياسية والأمنية للقضية.
الفيلم الوثائقي الاستقصائي "البصمة الأمريكية" قد يبدو للبعض مفرطا في طوله ولكن عند التمعن في طبيعة القضية التي يتناولها، يصبح من الواضح أن هذا الطول كان ضرورياً بل وحتمياً.
لان الفيلم لا يتناول حدثاً عابراً، بل يستعرض واحدة من أهم المراحل في تاريخ اليمن الحديث، وهي مرحلة مليئة بالتعقيدات السياسية والأمنية، والتي كان للدور الأمريكي فيها تأثير كبير لا يمكن اختزاله في عمل قصير.
قضية اغتيال الرئيس صالح الصماد ليست مجرد حادثة معزولة، بل هي نقطة تحول رئيسية في مسار العدوان الامريكي السعودي على اليمن والذي ، تتشابك فيها عوامل داخلية وخارجية بشكل معقد.
الفيلم، من خلال أجزائه الأربعة، يقدم تحليلاً شاملاً لهذه العوامل وهذا يتطلب وقتاً كافياً لتقديم المعلومات بشكل دقيق ومفصل، دون إغفال أي جانب من جوانب القضية.
الدور الأمريكي، الذي يشكل محورا رئيسيا في الفيلم، ليس أمراً يمكن اختزاله في بضع دقائق.
كما ان الفيلم يقدم وثائق وشهادات تظهر كيف أن السياسات الأمريكية في المنطقة كانت جزءاً من خطة أوسع لإعادة تشكيل الخارطة السياسية في اليمن. هذه المعلومات تحتاج إلى شرح وتفصيل، خاصة وأنها تتعلق بسياسات سرية ومعقدة، تتطلب من المشاهد وقتاً لفهمها واستيعابها.
في النهاية، طول الفيلم ليس عيباً، بل هو ضرورة فرضتها طبيعة القضية التي يتناولها وكان لا بد من تقديم رؤية شاملة ومتوازنة، تجمع بين دراسة الوثائق وربطها بالسياق العام للفيلم والتحليل العميق والعرض البصري المؤثر، مما يجعله عملاً يستحق المشاهدة والدراسة.