فبراير 3, 2025 - 18:52
نتنياهو والمراوغة السياسية: هل تنجو المرحلة الثانية من إتفاق غزة؟


عرب جورنال / توفيق سلاَّم -

تُحيط الشكوك بمستقبل المرحلة الثانية من إتفاق غزة، وسط مؤشرات متزايدة على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى إلى عرقلتها أو استخدامها ورقة سياسية لتعزيز موقعه الداخلي والخارجي. فمع اقتراب موعد تنفيذ المرحلة الثانية، يتصاعد التوتر داخل الحكومة الإسرائيلية، بينما تتشابك المصالح السياسية والأمنية لتشكل عقبة أمام استكمال الإتفاق، خاصة في ظل انقسامات الائتلاف الحاكم والتحديات الإقليمية، وما سيخرج عنه نتنياهو من إتفاقات سرية بلقاءاته مع الرئيس الأمريكي ترامب.


تحركات إسرائيلية وملامح المماطلة


تبدو إسرائيل غير مستعدة لتنفيذ التزاماتها في المرحلة الثانية، حيث تُظهر حكومة نتنياهو رغبة في إعادة ترتيب أولوياتها بما يخدم مصالحها الأمنية والسياسية. فتأخير تنفيذ الإتفاق قد يكون مدفوعًا بعدة اعتبارات، من بينها الضغوط الداخلية من الأحزاب اليمينية المتطرفة، التي تدفع نحو استئناف القتال وتعطيل أي تهدئة طويلة الأمد.
كشف أستاذ العلوم السياسية والباحث في الشأن الإسرائيلي الدكتور سهيل دياب عن وجود خطة لدى رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو لعرقلة إتمام المراحل التالية لصفقة وقف إطلاق النار في غزة. وقال الخبير السياسي إن "وسائل الإعلام الإسرائيلية تحدثت مساء يوم السبت عن سعي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى تغيير الوفد المفاوض الإسرائيلي في مباحثات وقف إطلاق النار للمرحلة الثانية بغزة".
وأضاف الخبير بالشأن الإسرائيلي خلال مداخلة عبر قناة "القاهرة الإخبارية" أن "نتنياهو يريد أن يبعد رئيس الموساد ديفيد بارنيع عن رئاسة لجنة المفاوضات ويريد أن يحل مكانه الوزير ديرمر المقرب منه".
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن الحديث عن هذا التغيير يثير مخاوف كبيرة في الداخل الإسرائيلي من أن نتنياهو يريد أن يتلاعب بشكل أو بآخر في المرحلة الثانية بالمباحثات تحضيرًا لزيارته إلى الولايات المتحدة. وأوضح أن "أهالي الأسرى والمحتجزين في غزة تحدثوا في مظاهرتهم باللغة الإنجليزية في تل أبيب متوجهين إلى ترامب أن لا يُعطي نتنياهو أي فرصة للتلاعب بعدم الذهاب للمرحلة الثانية من المفاوضات". وأكد أن "أهالي الأسرى الإسرائيليين طالبوا الرئيس لأمريكي أن يكون متنبهًا من ألا يتلاعب نتنياهو معه كما تلاعب مع بايدن". ونوه إلى أن الساعات المقبلة ستشهد حسم هذا الملف، وهل سينفذ نتنياهو ما أثارته وسائل الإعلام الإسرائيلية بتغييره رئيس الوفد المفاوض أم أنه ستكون لديه نية لاستكمال عملية التفاوض.. لا يمكن فصل هذا المشهد عن لقاءات نتنياهو في الولايات المتحدة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يتبنى موقفًا داعمًا لإسرائيل في استئناف العمليات العسكرية إذا اعتُبر أن المفاوضات غير مجدية. فهذه الزيارة قد تحمل تداعيات جوهرية على مصير الإتفاق، حيث من المتوقع أن يناقش نتنياهو مع الإدارة الأمريكية ملفات حساسة، مثل مستقبل غزة، وصفقة الأسرى، والضفة الغربية والتصعيد مع إيران، بالإضافة إلى الوضع في لبنان وسوريا. ومن غير المستبعد أن يحاول نتنياهو استغلال هذه الملفات لانتزاع دعم أمريكي أوسع لاستراتيجيته في المنطقة، والتي قد تشمل تصعيدًا عسكريًا جديدًا.


غموض أمريكي 


رغم أن إدارة ترامب تُبدي اهتمامًا باستكمال الإتفاق، إلا أن دورها لا يزال غير واضح في مدى قدرتها على إلزام إسرائيل بتنفيذ المرحلة الثانية. فقد أرسل ترامب مبعوثه الخاص، ستيفن ويتكوف، إلى إسرائيل في محاولة لضمان التزام الطرفين بمسار الإتفاق، إلا أن تصريحات نتنياهو تثير تساؤلات حول مدى استعداده للمضي قدمًا، خاصة بعدما أكد أن كلاً من ترامب وسلفه جو بايدن يدعمان حق إسرائيل في العودة إلى الحرب إذا رأت أن المفاوضات غير مجدية.
هذا الموقف يُشير إلى أن نتنياهو وافق على الإتفاق في المرحلة الأولى فقط تحت ضغط مباشر من الإدارة الأمريكية، وليس عن قناعة استراتيجية. ومن هنا، فإن فرص استمرارية الإتفاق تبقى رهينة بحسابات نتنياهو الداخلية وتوجهات حلفائه المتطرفين الذين يرون في التهدئة خطرًا على مشروعهم السياسي والأيديولوجي.


عقبات داخلية تهدد الإتفاق


إلى جانب الضغوط الخارجية، يواجه نتنياهو أزمات داخلية قد تعرقل تنفيذ الإتفاق. فالائتلاف الحكومي الإسرائيلي يعيش حالة من التوتر بسبب تصاعد الخلافات بين الأحزاب الدينية والتيار القومي اليميني، خصوصًا حول قانون التجنيد وتوزيع الموازنات. تهديد وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش بالانسحاب من الحكومة في حال عدم استئناف الحرب يضع نتنياهو أمام معضلة حقيقية، خاصة في ظل تزايد الضغوط من الأحزاب الدينية مثل شاس ويهدوت هتوراة، التي تربط بقاءها في الحكومة بإعفاء طلاب المدارس الدينية من التجنيد العسكري.

هذه الخلافات الداخلية تجعل من الصعب على نتنياهو اتخاذ قرار حاسم بشأن المرحلة الثانية من الإتفاق، حيث يخشى أن يؤدي أي تنازل للفلسطينيين إلى تفكك حكومته وانهيار ائتلافه السياسي. كما أن استطلاعات الرأي داخل إسرائيل تشير إلى أن أكثر من ثلثي الإسرائيليين يفضلون إنهاء الحرب والمضي في تنفيذ الإتفاق، ما يضع نتنياهو في موقف مُهتز بين تلبية مطالب قاعدته اليمينية المتشددة وبين الرأي العام الإسرائيلي الذي بات يميل إلى وقف القتال.


تداعيات إقليمية واحتمالات التصعيد


على المستوى الإقليمي، يُنظر إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الإتفاق على أنه اختبار لحقيقة نوايا إسرائيل في تحقيق الاستقرار أو الدفع نحو مزيد من التصعيد. فملف غزة ليس القضية الوحيدة على الطاولة، إذ تتزامن هذه التطورات مع ارتفاع التوتر مع إيران، والتصعيد المحتمل في لبنان وسوريا، ما قد يدفع إسرائيل إلى تفضيل خيار الحرب بدلًا من الالتزام بتهدئة طويلة الأمد. كما أن مسألة تهجير الفلسطينيين، التي تتقاطع فيها رؤية نتنياهو مع تصريحات ترامب، تُضيف بُعدًا خطيرًا للأزمة، حيث قد يحاول الطرفان فرض وقائع جديدة على الأرض عبر ممارسة الضغوط على مصر والأردن لقبول سيناريوهات تهجير قسرية، وهو ما قد يُشعل المنطقة بأسرها. إذ لم تكن تصريحات ترامب زلة لسان أو مجرد فكرة عبرت ذهن الرئيس الأمريكي الذي أكد عليها أكثر من مرة في أقل من أسبوع واحد. ففكرة تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن هي خطة تاريخية ظلت تراود إسرائيل ولم تجد طريقًا لتنفيذها، ليأتي ترامب ويضعها على طاولة الحوار مشهرًا أسلحة الضغط الأمريكية وبلهجة آمرة دون حتى أن يتكلف وضعها في عبارات دبلوماسية، وهو ما واجهته كل من مصر والأردن برفض حاسم، وجاء بيان القمة السداسية العربية في القاهرة مساندًا لهذا الموقف.. فهل يتخلى الرئيس الأمريكي عن اقتراحه الذي يعاند فيه التاريخ والجغرافيا والقانون الدولي، أم ستشهد الأيام المقبلة المزيد من المواجهات؟ وهل يمكن بناء موقف عربي موحد يتجاوز البيانات ويستطيع الوقوف في وجه هذا المخطط أم سيخط العرب نهاية تاريخ أمتهم؟ 

وأخيرًا، فإن إتفاق غزة يبدو هشًا، وقابلاً للاختراق  تحت أي ذريعة يفتعلها الكيان الصهيوني، وسط لعبة المصالح. 
في ظل هذه المعطيات، تبدو المرحلة الثانية من الإتفاق وهي الأكثر تعقيدًا مُعلقة بين الضغوط الدولية والمصالح الإسرائيلية المتشابكة. فنتنياهو يراوغ بين التزامات ظاهرية تجاه واشنطن وبين حساباته الداخلية التي تميل نحو التصعيد. وإذا لم تستطع الولايات المتحدة فرض ضغوط كافية لضمان تنفيذ المرحلة الثانية والثالثة وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، والبدء بعملية الإعمار، فإن الإتفاق قد ينهار في أي لحظة، ليعود المشهد إلى نقطة الصفر، حيث يبقى خيار الحرب حاضرًا كأداة تفاوض بيد إسرائيل، بينما تظل حقوق الفلسطينيين رهينة لعبة المصالح السياسية.