
أروى حنيش
في خطوة غير مسبوقة تحمل دلالات سياسية وقانونية عميقة، أعلنت تسع دول عن تشكيل تحالف دولي جديد تحت مسمى "مجموعة لاهاي"، هدفه الواضح هو تعزيز سيادة القانون الدولي وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. يأتي هذا التحرك في سياق تصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل بعد تصنيف ممارساتها في غزة والضفة الغربية كجرائم حرب وإبادة جماعية. ويعد تشكيل هذا التحالف نقطة تحول جوهرية في المساءلة الدولية، حيث تعلن مجموعة من الدول بشكل مباشر التزامها بمحاسبة الاحتلال ومواجهة الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل، مما قد يعيد رسم ملامح المشهد السياسي الدولي تجاه القضية الفلسطينية.
تعزيز القانون الدولي
في ائتلاف هو الأول من نوعه٬ أعلنت 9 دول في 31 يناير 2025، تحالفاً حمل اسم "مجموعة لاهاي" بهدف تعزيز القانون الدولي وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة ودعم حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. وتعد مبادرة تأسيس هذه المجموعة "استثنائية وغير مسبوقة" بحسب مراقبين، إذ يتشكل تحالف دولي للمرة الأولى، ويعلن بشكل واضح أنه سيعمل لمحاسبة "إسرائيل" على الجرائم التي ترتكبها وملاحقتها أمام المحاكم الدولية.
وصف مراقبون هذه المبادرة بأنّها "استثنائية وغير مسبوقة"، إذ أنّه للمرة الأولى يتشكّل تحالف دولي ويعلن بشكل واضح أنّه سيعمل على محاسبة إسرائيل على الجرائم التي ترتكبها. وتضمّ الدول التسع: جنوب إفريقيا، وماليزيا، وكولومبيا، وبوليفيا، وكوبا، وهندوراس، وناميبيا، والسنغال، وجزر بليز. خلال الإعلان عن تأسيس المجموعة في مؤتمر عقد بمدينة لاهاي الهولندية، أكد ممثلو الدول التسع رفضهم التزام الصمت إزاء الجرائم التي ترتكبها إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة. ووفقًا للبيان المشترك الذي تلي خلال المؤتمر، أعلنت هذه الدول عزمها على دعم المحكمة الجنائية الدولية بشأن أوامر الاعتقال التي أصدرتها بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت على خلفية حرب الإبادة في غزة. كما تم الاتفاق على منع توفير أو نقل الأسلحة والذخائر والمعدات ذات الصلة إلى إسرائيل في جميع الحالات التي يوجد فيها خطر واضح لاستخدام هذه الأسلحة في ارتكاب أو تسهيل انتهاكات القانون الدولي الإنساني أو الإبادة الجماعية. أعلنت الدول التسع عن منع رسو السفن التي تُستخدم لنقل الأسلحة أو الوقود العسكري إلى إسرائيل لأي ميناء من موانئها.
نص البيان المشترك على:
◇دعم قرارات المحاكم الدولية، ولا سيما المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، والعمل على تنفيذها.
◇حظر نقل الأسلحة والمعدات العسكرية إلى إسرائيل، لمنع استخدامها في ارتكاب جرائم حرب أو انتهاكات لحقوق الإنسان.
◇منع رسو السفن التي تحمل أسلحة أو وقودًا عسكريًا لإسرائيل من موانئ الدول الأعضاء.
◇اتخاذ تدابير إضافية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإزالة العقبات التي تعيق حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة.
◇دعوة جميع الدول للانضمام إلى المجموعة واتخاذ الإجراءات الضرورية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. ودعت المجموعة المجتمع الدولي إلى دعم النظام الدولي القائم على العدالة والقانون الدولي لضمان السلام والتعاون بين الدول.
تعهدات لاهاي
الالتزامات والتعهدات التي أقرتها مجموعة لاهاي
في بيانهم التي سيعملون عليها٬ أبرزها:
1- منع نقل الأسلحة والمعدات العسكرية إلى "إسرائيل" في الحالات التي يثبت فيها وجود خطر بأن تُستخدم هذه الأسلحة في انتهاك القانون الدولي الإنساني أو حقوق الإنسان، أو ارتكاب جرائم إبادة جماعية.
2- منع رسو السفن المحملة بالوقود أو المعدات العسكرية من موانئ هذه الدول٬ إذا كان هناك خطر واضح بأن تُستخدم هذه الشحنات لدعم العمليات العسكرية الإسرائيلية المخالفة للقانون الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
3- الامتثال لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المعنون برقم "A/RES/ES-10/24" الصادر بتاريخ 18 سبتمبر 2024، والذي أقر بعدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي، وطالب "إسرائيل" بإنهاء وجودها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال مدة أقصاها 12 شهرًا.
4- دعم طلبات المحكمة الجنائية الدولية وتنفيذ الالتزامات المنصوص عليها في نظام روما الأساسي، لا سيما فيما يتعلق بمذكرات التوقيف الصادرة في 21 نوفمبر 2024 بحق قادة الاحتلال٬ بالإضافة إلى التدابير المؤقتة التي أصدرتها محكمة العدل الدولية خلال العام نفسه٬ لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية بغزة، وتحسين الوضع الإنساني بالقطاع المحاصر منذ 19 عاماً.
5- التأكيد والالتزام بمواصلة "اتخاذ تدابير فعّالة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ودعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة". ودعوة جميع الدول إلى اتخاذ خطوات ملموسة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ودعم جهود إحلال السلام والعدالة.
6- حث المجتمع الدولي على الانضمام إلى مجموعة لاهاي والالتزام بمبادئ النظام الدولي القائم على سيادة القانون، باعتباره أساسا للتعايش السلمي والتعاون بين الدول".
دعم ومساندة محكمة العدل الدولية
تقول صحيفة "الغارديان" البريطانية إن "تشكيل مجموعة لاهاي يأتي وسط تحديات أمام أحكام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية"٬ وضغوطات كبيرة تتعرضان لها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس دونالد ترامب٬ الذي قدم مشروع قانون يؤدي إلى فرض عقوبات واسعة النطاق على المحكمة الجنائية الدولية بسبب إصدار المحكمة أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت.
وبحسب الصحيفة٬ ستطلق جنوب أفريقيا وماليزيا حملة لحماية ودعم أحكام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية في مواجهة ما وصفته بتحدي أوامر محكمة العدل الدولية ومحاولات الكونجرس الأمريكي ضرب المحكمة الجنائية الدولية من خلال استخدام العقوبات٬ وذلك بعد ملاحقة المحكمتين للاحتلال الإسرائيلي وقادته.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تواجه فيه المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية تحديات غير مسبوقة لسلطتهما في القضايا المتعلقة بالحروب في غزة وأوكرانيا وتهريب البشر في البحر الأبيض المتوسط. وقال رونالد لامولا وزير العلاقات الدولية في جنوب أفريقيا إن الحملة تهدف إلى ضمان الامتثال للقانون الدولي وحماية الفئات الضعيفة. وأضاف أن "تشكيل مجموعة لاهاي يبعث برسالة واضحة مفادها أنه لا توجد دولة فوق القانون، ولن تمر أي جريمة دون عقاب".
محكمة الجنايات: ومواجهة العقوبات
تستعد المحكمة الجنائية الدولية لمواجهة عواقب مالية وقانونية محتملة نتيجة فرض عقوبات أمريكية عليها، وذلك بعد أن صوّت مجلس النواب الأمريكي على مشروع قانون يستهدف المحكمة.
العقوبات الأمريكية على المحكمة الجنائية تأتي ردًا على إصدارها مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين.
في أول يوم له في منصبه، ألغى ترامب القرار الذي اتخذه سلفه جو بايدن بإلغاء العقوبات التي فرضت على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية في عام 2020 قبل نهاية ولاية ترامب السابقة. وعرقل الديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون في مجلس النواب كان من الممكن أن يؤدي إلى فرض عقوبات واسعة النطاق على المحكمة الجنائية الدولية بسبب إصدار المحكمة أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق جالانت. لكن ترامب يملك القدرة على فرض العقوبات بشكل أحادي، دون الحاجة إلى موافقة مجلس الشيوخ.
يقول خبراء إن المحكمة الجنائية الدولية معرضة لخطر فرض عقوبات عليها من قبل إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، لكن المجتمع الدولي والمحكمة لديهما الأدوات اللازمة للرد٬ بحسب موقع MEE البريطاني. ويمارس الجمهوريون في مجلس الشيوخ الضغوط على ترامب لإصدار أمر تنفيذي جديد ضد المحكمة، في الوقت الذي من المقرر أن يزور فيه نتنياهو البيت الأبيض الثلاثاء 4 فبراير الجاري ولقاءه بالرئيس الأمريكي ترامب حول ملفات عديدة بالشرق الأوسط ومنها ملف غزة، وصفقة الأسرى.
وأخيرًا، يمثل تشكيل "مجموعة لاهاي" تحولًا جذريًا في طريقة تعامل المجتمع الدولي مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث لم تعد الإدانات والمواقف الدبلوماسية كافية، بل باتت هناك إجراءات ملموسة تهدف إلى فرض عزلة قانونية وعسكرية على إسرائيل. ورغم التحديات التي تواجهها المجموعة، خصوصًا في ظل الضغوط الأمريكية، فإنها تشكل خطوة جريئة نحو تحقيق العدالة للفلسطينيين. ومع تصاعد الحراك القانوني في المحاكم الدولية، قد نشهد مرحلة جديدة من المواجهة الدبلوماسية والقانونية بين القوى الداعمة للقانون الدولي وتلك التي تسعى لحمايته من المساءلة.