
عرب جورنال/ عبدالسلام التويتي -
كل تصرفات وخطابات الرئيس الأمريكي الحديث الانتخاب «دونالد ترامب» لا سيما بعد فوزه في ولاية رئاسية ثانية تعكس ما يتحكم بنفسيته السادية من نزعة مادية وتعكس إيمانه المفتقر إلى الحدِّ الأدنى من الشعور بما يجمع بين أبناء الإنسانية من أخوَّة بأنَّ كل شيءٍ يؤخذ بالقوة، بالإضافة إلى ما يداخله من خيلاء معززة بالشعور بالكثير من الاستعلاء والتوهُّم أنَّ الجنس الأبيض في بلده «أمريكا» هو الجنس الأرقى والأحقَّ بوراثة طبقة النبلاء، فضلًا عمَّا تعكسه -لديه- تلك الأقوال والأفعال التي تفوح حقدًا على الآخرين لا سيما العرب والمسلمين من عقدة التصهين المزمن الذي يحمله على التعصب الأعمى لـ«دولة الكيان» إلى حدِّ إبداء رغبته المتعجلة في ممارسة التطهير العرقي ضدَّ الشعب العربي الفلسطيني بأكمله، كونه يمثل -بالنسبة لـ«الدولة العبرية» ذات القيم التمييزية العنصرية- أكبر معضلة.
مقترح تطهير عرقي غيرمنطقي
في مسعى من «ترامب» لتقديم أعظم خدمة تحلم بها «دولة الكيان» طرح في الأيام الأولى من سريان وقف إطلاق النار في «قطاع غزة» -بذريعة إخلاء القطاع من سكانه ريثما يعاد عمرانه- مقترحًا بضرورة استيعاب فلسطينيي ذلك القطاع في كل من «الأردن» و«مصر» زاعمًا أنَّ ذلك الإجراء التطهيري الهدام إجراءٌ هام لتحقيق السلام، وفي هذا المعنى التطهيري الاحتلالي استهل التقرير التحليلي المعنون [ترامب يطرح خطة لـ"تطهير"غزة عبر نقل سكانها لمصر والأردن، ورفض من حماس والجهاد] الذي نشره موقع «BBC عربي» في الـ25 من يناير الفائت بما يلي: (طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السبت خطة لـ"تطهير"غزة، قائلاً إنه "يريد من مصر والأردن إخراج الفلسطينيين من القطاع في محاولة لإحلال السلام في الشرق الأوسط".
وصرح ترامب للصحافيين: "نتحدث عن مليون ونصف مليون شخص لتطهير المنطقة برمتها"، واصفًا غزة بأنها "مكان مدمر"، ثم أردف قائلًا -على سبيل المراوغة-: "إن هذه الخطوة قد تكون "موقتة أو طويلة الأجل").
والحقيقة التي لا تحتاج إلى المزيد من التأكيد أنَّ هذا المقترح المشؤوم الذي يطرحه «ترامب» اليوم هو ترجمة غير مباشرة لمضمون «صفقة القرن» التي شاركته طرحها خمسة أنظمة عربية أو أكثر في منتصف ولايته الرئاسية الأولى وبالتحديد عام 2018.
ردود فلسطينية محذرة من قذارة المؤامرة
إذا كان الموقف العربي الرسمي الرافض للمقترح قد اقتصر -للأسف الشديد- على «مصر» و«الأردن» على وجه التحديد، فقد تراوحت الردود الفلسطينية بين المتشنجة والساخرة، بيد أنها جميعها ردود فعلٍ مستنكرة ومعتبرة هذا المقترح الترامبي الباعث على الخجل فصلًا جديدًا من فصول المؤامرة القذرة التي تتكلل -أولًا بأول- بالفشل، وقد أشار إلى بعض تلك الردود تقرير موقع «الإمارات 71» المعنون [سخرية واسعة من مقترح ترامب بتهجير الفلسطينيين من غزة] الذي نشر في الـ27 من يناير على النحو التالي: (سخر فلسطينيون من تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي قال فيها إنه يود أن يرى الأردن ومصر ودولًا عربية أخرى تزيد من عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين تقبلهم من قطاع غزة وإخراج ما يكفي من السكان "لتطهير" المنطقة.
واعتبر الشبان الذين يقطنون قطاع غزة، وباتوا ليلتهم مع آلاف المواطنين على طريق الرشيد الساحلي بانتظار السماح لهم بالعودة إلى أنقاض منازلهم المدمرة شمالي غزة أنَّ مخطط التهجير ولى دون رجعة.
ورد المتحدث باسم حركة حماس في غزة «حازم قاسم» على تصريحات ترامب قائلا: "إنَّ حديث الرئيس الأميركي يتناغم مع موقف اليمين الإسرائيلي المتطرف الداعي لتجديد نكبة الشعب الفلسطيني".
وقال عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الدكتور سمير أبو مدللة: "إن مقترح ترامب محاولة خبيثة لاستغلال الدمار الشامل بغزة، والتهرب من مسؤولية الاحتلال عن إعادة الإعمار".
ورفض الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور «مصطفى البرغوثي» تصريحات الرئيس الأميركي جملةً وتفصيلا.
واستنكرت لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية تصريحات ترامب التي تكشف عن حجم المؤامرة التي تستهدف تهجير الشعب الفلسطيني كجزء مستكمل لخطة اليمين الإسرائيلي المتطرف).
وفي السياق ذاته أشار تقرير موقع «CNN بالعربية» المعنون ["وصفة لبدء الحرب".. حنان عشراوي ترد على مقترح ترامب لنقل سكان غزة] الذي نشر هو الآخر بتأرخ 27 يناير بما يلي: (وقالت الدكتورة حنان عشراوي: "إنَّ الفلسطينيين ليسوا بيادق في لعبة الشطرنج، وإنَّ تطهيرهم عرقيًّا ليس عملًا غير إنساني وجريمة حرب فحسب، بل إنه يشكل أيضًا تهديدًا خطيرًا لاستقرار المنطقة بأكملها، وتهديدًا لسيادة كافة الدول المجاورة".
وختمت عشرواي منشورها قائلة: "هذه هي الوصفة لبدء الحروب، وليس لإنهائها").
ادعاؤه السلام وأخذه بأسباب الحرب
كنا نتوقع أنَّ الرئيس الأمريكي «ترامب» سيعود في ولايته الرئاسية الثانية إلى البيت الأبيض وقد استفاد من أخطائه السابقة وأنه سيبدو -خلافًا لما عهد عنه- أكثر دبلوماسية وأكثر لباقة، وقد كرس لدينا عنه هذه الأوهام احتشاء خطاباته الدعائية منذ قرابة عام بانتقادات لاذعة لسلفه «بايدن» متهمًا أيَّاه بتأجيج الحروب، زاعمًا أنه سيجعل أولويته لإخماد نيران الحرب وإحلال السلام.
وفي ما يتعلق باتفاق وقف إطلاق النار في «قطاع غزة» فقد اعتبره باكورة إنجازه، بل إنَّ تفاخره الزائد بدوره في إنجاح الاتفاق الرائد طغى على ما تجلى مؤخرًا -في مضمون مقترحه- من مواقفه التصهينية المنحازة التي لم يستطع التستر عليها ولم يسعه -في معرض التعبير عن تصهينه إلى درجة مفجعة- إلَّا التعبير عنها بفجاجة لا تحتمل، وبما يؤكد تفوقه على سلفه «بايدن» بدعم «الكيان الصهيوني» في كل ما اقترفه في حقِّ «أطفال فلسطين» من مجازر وحشية وفي ما يمكن أن يقترفه في أزمان مستقبلية مختلفة، وقد أشير إلى هذا المعنى بشكلٍ إجمالي في سياق تقرير موقع «BBC عربي» على النحو التالي: (وفي وقت سابق من يومنا السبت أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنَّ "عددًا كبيرًا من الأشياء" التي طلبتها إسرائيل من الولايات المتحدة، يجري تسليمها حاليًّا، وذلك ردًّا على تقارير صحفية أفادت أنَّ إدارته أفرجت عن شحنة قنابل يبلغ وزنها 2000 رطل {907 كلغ}.
وكتب ترامب على منصته للتواصل الاجتماعي تروث سوشل: "الكثير من الأشياء التي كانت إسرائيل قد طلبتها ودفعت ثمنها -ولكن لم يُرسلها الرئيس السابق جو بايدن- باتت الآن في طريقها إلى التسليم".
وفي مقال نُشر على موقع «أكسيوس» أكد الصحافي الإسرائيلي المتخصص في الأمن القومي «باراك رافيد» أنَّ «ترامب» أمر وزارة الدفاع الأمريكية برفع الحظر عن إرسال القنابل التي تزن 2000 رطل لإسرائيل).
مقترحه قوبل برفض دولي وأممي شامل
وباعتبار «الولايات المتحدة» أحد 3 وسطاء توصلوا إلى إيقاف إطلاق النار وتبادل الأسرى، فقد جاء مقترح «ترامب» الهادف إلى التطهير العرقي غير منطقي وغير متوقع من وسيط تقتضي طبيعة توسُّطه الاقتصار على تأدية مهام توسُّطية محددة، لذلك قوبل المقترح برفض دولي وأممي شامل، تأكد في سياق التقرير التفصيلي المعنون [خطة ترامب لتهجير سكان غزة .. محاولة لتجاوز حل الدولتين الذي نشره «المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية» في الـ27 من يناير على النحو التالي: (أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه العميق من هذه التصريحات، مؤكدًا أنَّ أيَّ حل للقضية الفلسطينية يجب أن يكون قائمًا على حل الدولتين وفقًا للقرارات الدولية.
ورفضت الأمم المتحدة هذه الفكرة بشدة، مشددة على أنَّ تهجير السكان يتعارض مع القانون الدولي وحقوق الإنسان.
وعبرت روسيا عن رفضها لأيَّة محاولات لتغيير الوضع الديمغرافي في غزة، مؤكدة على ضرورة التوصل إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية.
وأدانت كافة منظمات حقوق الإنسان هذه التصريحات واعتبرتها انتهاكًا صارخًا لحقوق الفلسطينيين، داعية المجتمع الدولي إلى الوقوف ضد هذه المحاولات).
واستهل تقرير «العربي الجديد» المعنون [برلين تعقيبًا على تصريحات ترامب: يتعين عدم تهجير سكان غزة] الذي نشر -أيضًا- في الـ27 من يناير الفائت الاستهلال التالي: (قالت وزارة الخارجية الألمانية -اليوم الإثنين- إنه يتعين عدم تهجير السكان الفلسطينيين من غزة، وذلك تعقيبًا على تصريحات للرئيس الأميركي دونالد ترامب قال فيها إنَّ الأردن ومصر يجب أن يستقبلا المزيد من الفلسطينيين، في حين قالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إنها لا تعتقد أنَّ لدى ترامب "خطة محددة" بهذا الشأن).
ولأنَّ المقترح خطوة متهورة وغير ذكية، فقد قوبل بمعارضة قوية من داخل أعلى مؤسسة تشريعية أمريكية، وقد أشير إلى تلك المعارضة في مستهل الخبر الصحفي التفصيلي المعنون [سيناتور أميركي: دعوة ترامب لتهجير الفلسطينيين "تطهير عرقي وجريمة حرب"] الذي نشرة موقع «الجزيرة» في الـ27 من يناير المنقضي على النحو التالي: (اعتبر السيناتور الأميركي «بيرني ساندرز» دعوة الرئيس «دونالد ترامب» لتهجير فلسطينيين من «قطاع غزة» إلى الدول المجاورة "تطهيرًا عرقيًّا وجريمة حرب"، وحثَّ جميع الأميركيين على إدانتها.
وقال «ساندرز» -في منشور له عبر منصة "إكس" اليوم الإثنين-: "يجب على كل أميركي أن يدين فكرة ترامب الشنيعة لتهجير الفلسطينيين".
وشدد على أنَّ دعوة ترامب لتهجير الملايين من الفلسطينيين من غزة إلى الدول المجاورة "لها اسم وهو تطهير عرقي وجريمة حرب").