يناير 28, 2025 - 11:57
ما وراء إعادة ترامب تهجير المهاجرين إلى واجهة الأحداث ؟

عرب جورنال _ أنس القباطي 

اثارت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن نقل أكثر من مليون نسمة من سكان قطاع غزة في فلسطين المحتلة إلى مصر والاردن حالة من الجدل، وسط مخاوف تنذر بافشال وقف اطلاق النار بين حركة حماس والكيان الاسرائيلي.

تبرير

برر ترامب مقترحه بأنه عملية النقل ستساهم في تسهيل عملية إعادة إعمار غزة، بعد تعرضها لتدمير واسع بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية، والتي استمرت أكثر من عام، ارتكب خلالها جيش الاحتلال أفظع الجرائم الانسانية.

ترامب وفي اول اسبوع من ولايته الجديدة لم يتحدث عن جرائم الابادة العنصرية، لكنه ذهب بعيدا راقصا على الدماء والأشلاء والدمار، ليحدث العالم عن أن عملية النقل التي تعد في الأساس تهجير ستؤدي إلى تحويل القطاع المثخن بالجراح إلى منطقة سياحية أو اقتصادية.

يؤكد حديث ترامب أن حديثه في خطاب التنصيب عن السلام وإنهاء الحروب والعالم الخالي من العنف مجرد حديث للإلهاء عن مشاركة بلاده للكيان الإسرائيلي في جرائم الإبادة التي ارتكبت في القطاع.

ابادة من أجل التهجير

كما أن حديث ترامب الذي رحب به اليمين المتطرف الصهيوني يؤكد أن حرب الابادة في غزة لم تكن سوى اداة لفرض التهجير على سكان القطاع المتمسكين بالبقاء في ارضهم، وان مخطط التهجير ما يزال قائما، وما لم يتحقق بالحرب الوحشية يجري السعي لتحقيقه بالسلم. 

الخطر قائم

تقول القناة 12 الإسرائيلية إن "تصريح ترامب ليس زلة لسان، بل جزء من تحرك أوسع مما يبدو، ومخطط يجري تداوله في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية"، وهنا يتضح بجلاء أن الخطر لم ينته بعد على القطاع ارضا وانسان، وان دورة عنف جديدة قد تعود، خاصة وأن الطرف الصهيوني ما يزال يتلكأ عن تنفيذ بعض ورد في اتفاق وقف إطلاق النار.

تصريحات ترامب أثارت مخاوف الأردن ومصر، وبالمقابل أثارت الارتياح لدى قادة اليمين الصهيوني، وهذا التناقص يشي بأن الخطر يحدق بالاتفاق الذي لم يمر عليه اكثر من اسبوع. 

الموقف الاردني

أيمن الصفدي، وزير الخارجية الاردني رد على تصريحات ترامب بتأكيد موقف بلاده الثابت والرافض لعملية تهجير الفلسطينيين. مشيرا الى ان "الاردن للاردنيين وفلسطين للفلسطينيين".

الموقف المصري

من جانبها رفضت مصر تصريحات ترامب بنقل أكثر من مليون فلسطيني من سكان قطاع غزة إلى الأردن ومصر. وأكد بيان لوزارة الخارجية المصرية "رفض مصر لأي مساس بتلك الحقوق غير القابلة للتصرف، سواء من خلال الاستيطان أو ضم الأرض، أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أراضيهم، سواء كان بشكل مؤقت أو طويل الأجل"، محذرة من أن ذلك "يهدد الاستقرار وينذر بمزيد من امتداد الصراع إلى المنطقة، ويقوض فرض السلام والتعايش بين شعوبها".

برميل بارود

تدرك واشنطن وتل ابيب ان حرب غزة حولت المنطقة الى برميل بارود، ولهذا السبب كان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، لكن دعوة ترامب لتهجير أكثر من مليون فلسطيني من غزة الى مصر والاردن تعد نذير شؤم بعودة المخاطر الى المنطقة، ودفعها نحو تطورات قد تفجر برميل البارود، خاصة وأن الدعوة جاءت والدماء لم تجف بعد، ما سيجعل المقاوم الفلسطيني وداعميه يتشبثون باسلحتهم، ويتوقعون الأسوأ. 

رحلة العودة رغم الدمار

بعد يومين من تصريحات ترامب تدفق آلاف الفلسطينين النازحين الى وسط وجنوب قطاع غزة للعودة الى مناطقهم في شمال القطاع، تطبيقا للاتفاق الذي حدد اليوم السابع من سريانه للعودة الى مناطقهم، ما يعد رسالة بأن الفلسطيني متمسك بأرضه، مهما كانت التضحيات، بل ان تصريحات ترامب جعلتهم يتوافدون بكثافة الى مناطقهم، لتحدي التهجير الذي يستهدفهم، رغم الدمار الفظيع الذي سوى الأحياء السكنية بالأرض. 

مخاوف وفخ

دعوة ترامب اثارت مخاوف من أن تكون الحكومة الصهيونية ومن خلفها ترامب وصقوره أرادوه فخا للإيقاع بالمقاومين الفلسطينيين لجمع معلومات عن اماكن تركزهم ومخبائهم التي فشلت استخبارات الصهاينة في كشفها، بهدف الانقضاض عليهم، غير أن حالة الحذر بدت واضحة من اول يوم لسريان الاتفاق، فالمقاوم الفلسطيني لم يخرج للاستعراض، بل احاط تحركاته بمزيد من الغموض، ما يشير إلى انه وعى الدرس، وما يزال غير مطمئنا لكيان ديدنه الخداع والمكر.

البحث عن ثغرات

والمعطيات على الارض تؤكد ان الكيان الصهيوني ما يزال يبحث عن ثغرات ومبررات للبقاء في غزة، لتحقيق حلم مضى عليه أكثر من نصف قرن لتحقيق التغيير الديمغرافي الذي يهدف لتحقيقه، فجيش الاحتلال لم ينسحب بعد من محور نتساريم، وليس له من هدف سوى عرقلة عودة النازحين الى شمال القطاع، ولذلك نجده يتمسك بموضوع اطلاق الاسيرة اربيل يهود، التي جعل منها مبررا لعدم الانسحاب.

وبالتالي فإن عدم الانسحاب من نتساريم يؤكد الشكوك التي أثارها محللين عقب الإعلان عن الاتفاق في الدوحة، من أن بند الانسحاب من هذا المحور سيواجه بعراقيل من جانب جيش الاحتلال. 

ويعد انسحاب جيش الاحتلال من محور نتساريم منعطف جوهري يؤشر الى ان وقف اطلاق النار يسير في اتجاه تصفية الحرب، ويفتح الباب على تحقيق استراتيجيات بدء معالجة آثارها على الأرض. 

توقيت الدعوة

توقيت دعوة ترامب لم يكن اعتباطيا، فقد جاء متزامنا مع توقيت عودة النازحين من وسط وجنوب القطاع، والذي بدا أن جيش الاحتلال يعرقله بعدم الانسحاب من محور نتساريم، وفي نفس الوقت يدعم اليمين المتطرف الذي صعد وحشية الحرب للضغط على سكان غزة والدول المجاورة للقبول بالتهجير.

ولا يستبعد أن تكون تصريحات ترامب بمثابة ضوء أخضر للجيش الصهيوني لاعاقة عودة النازحين الذين بدأوا في رحلة العودة، لكن هناك من يرى أن تصريحات ترامب عبارة عن بالون اختبار، غير أنه من المبكر الحديث عن هذا الأمر، فالادوات التي ستستخدم لإقناع الفلسطينيين ودول الجوار بقبول فكرة ترامب لم تظهر بعد.

رسم خرائط جديدة

ومن الصعب على مصر والأردن القبول بعملية التهجير لان ذلك سيثير عليهما نقمة شعبية، وفي الوقت ذاته من المستحيل اقناع الفلسطيني في غزة بمغادرة ارضه، لان من تمسك بأرضه في ظل حرب ابادة، لن تنطلي عليه اي حيلة سياسية للمغادرة. والقبول بفكرة التهجير لا يعني غير اعادة رسم خرائط المنطقة بشكل عام، ما يعني سقوط انظمة وظهور وحدات سياسية جديدة، وهو ما يجعل الرفض الأردني المصري لتصريحات ترامب أمرا طبيعيا.

الحل الحقيقي

وعملية "التهجير ليس بالامر الهين، كما انها ليست حلاً، ودعوة ترامب في هذا الجانب تؤكد غياب استراتيجية الحلول للإدارة الامريكية الجديدة، لأن الحل الحقيقي في غزة بشكل خاص وفلسطين بشكل عام لا يقوم على حساب الشعب الفلسطيني، ولكنه يكمن في ضمان حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني داخل أراضيه.

انتصار استراتيجي

وبالتالي فإن دعوة ترامب للتهجير تؤكد ان المقاومة والشعب الفلسطيني حققا انتصارا استراتيجيا، رغم الدمار الهائل، لان الصمود لأكثر من 15 شهرا في وجه آلة الإبادة أفشل مخطط التهجير، والذي كان نجاحه يعني اعادة رسم الحدود السياسية للمنطقة. 

مخاطر وجودية

وعليه فإن تصريحات ترامب تؤكد أن الامن القومي العربي ما يزال يواجه مخاطر وجودية، ليس لدول الطوق وحدها، وإنما لكل الاقطار العربية، ما يتوجب التعاطي بجدية تجاه هذه المخاطر، من خلال التسامي فوق الخلافات البينية، للظهور بموقف موحد لإفشال المخططات التي تهدف إلى إضعاف دول المنطقة، لجعل الكيان الصهيوني القوة التي تهيمن على المنطقة، وتقرر مصيرها ومصير شعوبها.